الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبعده، فلا تتبعه فتصير مثله
يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ أي على شركك وعصيانك لما أمرك فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا أي قرينا في النار، تليه ويليك يعني: فلا يكون لك يومئذ مولى ولا ناصر ولا مغيث إلا إبليس، وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شئ، بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك، أعلمه بذلك أن دعوته له ونصحه من كمال شفقته عليه ورحمته به. قال النسفي: فانظر في نصيحته كيف راعى المجاملة والرفق والخلق الحسن .... فطلب منه أولا العلة في خطئه، طلب منبه على تماديه، موقظ لإفراطه وتناهيه، لأن من يعبد أشرف الخلق منزلة وهم الأنبياء، كان محكوما عليه بالغي المبين، فكيف بمن يعبد حجرا أو شجرا، لا يسمع ذكر عابده ولا يرى هيئات عبادته، ولا يدفع عنه بلاء ولا يقضي له حاجة، ثم ثنى بدعوته إلى الحق، مترفّقا متلطّفا، فلم يسم أباه بالجهل المفرط، ولا نفسه بالعلم الفائق، ولكنه قال إن شيئا من العلم ليس معك، وذلك علم الدلالة على الطريق السوي. فهب أني وإياك في مسير، وعندي معرفة بالهداية دونك، فاتبعني أنجك من أن تضل وتتيه، ثم ثلّث بنهيه عما كان عليه، بأن الشيطان الذي عصى الرحمن- الذي جميع النعم منه- أوقعك في عبادة الصنم، وزينها لك، فأنت عابده في الحقيقة، ثم ربّع بتخويفه بسوء العاقبة، وما يجره ما هو فيه من التبعة والوبال، مع مراعاة الأدب؛ حيث لم يصرّح بأن العقاب لاحق به، وأن العذاب لاصق به، بل قال أخاف أن يمسك عذاب، بالتنكير المشعر بالتقليل، كأنه قال إني أخاف أن يصيبك نفثات من عذاب الرحمن، وجعل ولاية الشيطان ودخوله في جملة أشياعه وأوليائه أكبر من العذاب، كما أن رضوان الله أكبر من الثواب في نفسه، وصدر كل نصيحة بقوله: يا أبت، توسلا إليه واستعطافا وإشعارا بوجوب احترام الأب وإن كان كافرا).
كلمة في السياق:
نلاحظ أن عيسى عليه السلام قال: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ
وأن إبراهيم عليه السلام قال: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا وما دعاه إليه هو اتباعه في عبادة الله وترك عبادة غير الله، فدل ذلك على أن طريق الأنبياء واحد وهو عبادة الله وحده، وأنه هو الصراط المستقيم، فالانحراف عن هذا الصراط، انحراف عن اتباع إبراهيم وعيسى وبقية الأنبياء عليهم السلام.
فالسياق يحرر الإنسان- وثنيا كان أو نصرانيا- من عبادة الصنم أو البشر.
…
قالَ أي آزر توبيخا لابنه إبراهيم أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي أي عن عبادتها يا إِبْراهِيمُ لم يقل يا بني في مقابلة قول إبراهيم (يا أَبَتِ) * ممّا يدلّ على أنّه كان مغتاظا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ عن سب الأصنام وشتمها وعيبها لَأَرْجُمَنَّكَ أي لأقتلنك بالرجام- أي بالحجارة- أو لأضربنك بها، حتى تتباعد أو لأشتمنّك وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا أي زمانا طويلا فاحذرني واهجرني فإني ناقم عليك
قالَ إبراهيم سَلامٌ عَلَيْكَ هذا جوابه على تهديد أبيه ومعناه: أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي أي ولكن سأسأل الله فيك أن يهديك ويغفر ذنبك. أي سأسأل الله أن يجعلك من أهل المغفرة؛ بأن يهديك للإسلام. وسلّم عليه تسليم توديع ومتاركة، أو تقريب وملاطفة، ووعده بالاستغفار، ثم علّل لذلك إِنَّهُ أي الله عز وجل كانَ بِي حَفِيًّا أي معوّدا لي على الإجابة، محيطا إياي بالنعم. والحفاوة: الرأفة والرحمة والكرامة
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ أي وما تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَأَدْعُوا رَبِّي أي: وأعبده وحده عَسى قال ابن كثير: (هذه موجبة لا محالة) أقول:
هي وكل ما رجانا الله به ورسله كذلك أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا كشقاوتكم أنتم بعبادة الأصنام، أفاد تعبيره تواضعا وهضما للنفس، وتعريضا بشقاوتهم، ولقد كان اعتزالهم بالبراءة منهم ومما يعبدون، وبالهجرة بعد ذلك من أرضهم بدليل الآية الآتية التي جعلت هبة إسحاق ويعقوب مكافأة على الاعتزال وإنما جاء إسحاق ويعقوب بعد الهجرة
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله؛ أبدله الله من هو خير منهم وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ابن إسحاق وَكُلًّا أي وكل واحد منهما جَعَلْنا نَبِيًّا لما ترك الكفار الفجار لوجهه تعالى عوّضه أولادا مؤمنين أنبياء
وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا زيادة على النبوة من مال وولد وأهل وتمكين ورعاية وغير ذلك من مظاهر الرحمة وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ أي ثناء حسنا، عبّر باللسان عما يوجد باللسان. فالكلام الصادق في حقهم، وهو الثناء عليهم، هو اللسان الصدق، ثم وصف الله هذا اللسان الصدق بقوله عَلِيًّا أي رفيعا مشهورا. قال ابن جرير: وإنما قال (عليا) لأن جميع الملل والأديان يثنون عليهم ويمدحونهم.