الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونلاحظ أن هذه الآيات تعرض لأمهات من الكفر:
وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا،
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا،
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا وترد عليها وتبشر وتنذر فهذه الآيات في الصميم من التبشير والإنذار، والردّ على الكفر، وقد مرّ معنا أن سنة الله في الإرسال إما لعموم كفر، وإما لاختلاف ظالم، وإما لتضييع وتفريط. وقد عالج ما مر معنا من السورة موضوع الاختلاف، وموضوع التفريط والتضييع، ويعالج ما يمر الآن الأفكار العامة للكفر.
ومن ثم ندرك أن هذا القرآن قد عالج كل قضايا البشر، وكانت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مسك الختام، فقد عالجت كل الأمراض البشرية، سواء كان مرضا ناتجا عن كفر أصلي أو مرضا ناتجا عن ظلم لفهم كتاب سابق، أو مرضا ناشئا عن تضييع وتفريط، كما ندرك أن الدخول في الإسلام كله هو العلاج والدواء لكل مرض أصلي أو عارض؛ لأن الإسلام هو وحده الطريق المستقيم
تفسير المجموعة الثانية من المقطع الثاني:
وَيَقُولُ الْإِنْسانُ الكافر أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا هذا استبعاد وتعجب من الإنسان أن يعود بعد موته، والاستفهام هنا يفيد الإنكار. فهم يستنكرون أن يكون ما بعد الموت حياة والمعنى: أحقا أنّا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك؟ يقولون هذا على وجه الاستنكار والاستبعاد والجواب
أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ أي من قبل الحالة التي هو فيها، وهي حالة وجوده واستمراره وَلَمْ يَكُ شَيْئاً يعني: أيقول الإنسان ذلك ولا يتذكر النشأة الأولى، حتى لا ينكر النشأة الأخرى، فإن تلك أدلّ على قدرة الخالق، والخلق الأول أدلّ حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود، وأما الثانية بعد الموت فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردّها إلى ما كانت عليه مجموعة بعد التفريق، يذكّر الله الإنسان بالبداءة كدليل على الإعادة يعني: أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا أفلا يعيده وقد صار شيئا وفي قوله تعالى أَوَلا يَذْكُرُ إشارة إلى أن موضوع الإيمان باليوم الآخر من البداهة بحيث يكفي حتى بتيقنه الإنسان أن يتذكر
بدهيات قريبة جدا. ومن ثم لم يذكر الله عز وجل إلا آية واحدة في الرد، ثم انتقل السياق إلى الإنذار ثم التبشير:
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ أي: الكفار المنكرين للبعث وَالشَّياطِينَ أي مع الشياطين أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم قال النسفي: يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا أي باركين على الركب، أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنم عتلا، على حالهم التي كانوا عليها في الموقف، جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أي طائفة شايعت أي تبعت غاويا من الغواة أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا أي جرأة أو فجورا، أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب، نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم. قال ابن مسعود: يحبس الأول على الآخر، حتى إذا تكاملت العدة بدأ بالأكابر فالأكابر جرما، وقال قتادة: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم، ورؤساءهم في الشر
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا أي أحق بالنار، أي إنه تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها، وبمن يستحق تضعيف العذاب، أقسم الرب تبارك وتعالى بنفسه الكريمة، أنه فاعل بهم ذلك، وفي إقسام الله باسمه مضافا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أي وما منكم يا بني الإنسان أحد إلا داخلها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا أي كان ورودكم كائنا محتوما
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ أي وندع الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا أي إذا مر الخلائق كلهم على النار، وسقط من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم، نجّى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم.
وفي الآية دليل على ورود الكل لأنه قال (وَنَذَرُ) ومذهب أهل السنّة والجماعة أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة، لا كما قالت المرجئة: إن صاحب الكبيرة لا يعاقب لأنّ المعصية في زعمهم لا تضر مع الإسلام عندهم، ولا كما قالت المعتزلة: إن مرتكب الكبيرة يخلد. قال ابن كثير: فجوازهم على الصراط، وسرعتهم
بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا، ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين، فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، فيخرجون خلقا كثيرا قد أكلتهم النار، إلا دارات وجوههم، وهي مواضع السجود، وإخراجهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان، فيخرجون أولا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، ثم يخرج الله من النار