الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
هذا القسم هو القسم الثالث من كتاب الأساس في السنة، وهو في العبادات الرئيسية في الإسلام، وقد جاء بعد قسم العقائد، لأن العقيدة الصحيحة هي أساس العبادة الصحيحة، كما جاء قبل قسم الحياتيات والأخلاقيات والسلوكيات، لأن مناهج الحياة في الإسلام إنما يُستقام عليها عندما توجد عبادة وعقيدة، وكان القسم الأول في السيرة، لتتعرف أولاً على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بالإسلام من عند الله عقيدة وعبادة وشريعة وشعيرة ومنهاج حياة.
* * *
لقد خلق الله الإنس والجن لعبادته:
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).
وأرسل الرسل للعبادة:
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2).
وقال نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (4).
* * *
وأصل العبودية في اللغة: الخضوع والتذلل، قال الراغبفلا افى في المفردات: "العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال ولهذا قال تعالى:{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5).
(1) الذاريات: 56.
(2)
الأنبياء: 25.
(3)
العنكبوت: 36.
(4)
نوح: 3.
(5)
الإسراء: 23.
فالعبادة تعني الطاعة والخضوع لغةً.
والعبادة في الشريعة تأتي بمعنى عام وتأتي بمعنى خاص:
أما هي بمعناها العام فتأتي: ويراد بها فعل الطاعات واجتناب المعاصي والإخلاص لله في ذلك، ويدخل في العبادة بهذا المعنى: فعل المباح إذا قصد به وجه الله تعالى فالنيات تجعل العادات عبادات، وبعضهم أطلق على العبادة بمعناها العام اصطلاح العبودية، فالعبودية أوسع في الاصطلاح من العبادة بمعناها الخاص، وعُرفت: بأنها أعمال العبد الإرادية الموافقة لما أمر الله به.
فالعبادة بالمعنى العام تشمل جميع أعمال المرء الإرادية قلبية كانت أو سلوكية، فإذا وافقت ما أمر الله به فهي طاعة، وإن خالفته فهي معصية. قال ابن تيمية:
"العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك: من العبادة
…
".
ثم يقول:
"وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله .. " أ. هـ.
أما العبادة بمعناها الخاص: فتطلق على أعمال من الإسلام بعينها، كُلِّف العباد بالقيام بها لتكون تربية عملية على الخضوع الكامل فقد اتفق العلماء على اعتبار الصلاة وما يحيط بها، والزكوات، والصدقات، والأوقاف، والصوم، والاعتكاف، وصدقة الفطر، والحج، والعمرة، والأضاحي أنها من العبادات بمعناها الخاص، واتفقوا على أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن وحفظه من العبادات بمعناها الخاص، وأن العلم والتعليم الشرعيين وما يستتبع
ذلك من أمر بمعروف ونهي عن منكر ونصيحة من العبادات بمعناها الخاص، وأن الجهاد في سبيل الله كذلك، فالعبادة بمعناها الخاص ذكرُ وشكرُ وإقامة شعائر، وهذا الذي ذكرناه كله فيه ذكر وشكر وإقامة شعائر، أو أنه يوصل إلى ذلك أو أنه لابد منه لإقامة ذلك كله، ثم إن ما ذكرناه كله فيه معنى التوجه المباشر لله تعالى في فعلٍ أمَرَ به وحضَّ عليه، ومن ههنا جعلنا هذه الموضوعات كلها في هذا القسم، وإنما أسميناه قسم العبادات الرئيسية في الإسلام، ملاحظين معنى العبادة في الاصطلاح العام التي تدخل فيها هذه الأشياء وزيادة.
* * *
1 -
* روى البخاري عن رسولنا عليه السلام قوله: طولكن أفضل الجهاد حج مبرور".
فإذا كان الحج عبادة بيقين، فالجهد إذن عبادة بيقين، والذكر والتسبيح والدعاء والركوع والسجود ومعرفة الله، كل ذلك من عبادات الملائكة:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (1)، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (2)، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (3)، (4)، {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (5)، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (6) عندما نتأمل هذه المعاني لا شك أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن والعلم، كل ذلك من العبادات الرئيسية، وإنما نذكر هذا حتى لا يستغرب القارئ جمعنا موضوعات هذا القسم تحت عنوان العبادات الرئيسية.
وقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (7) فالحكمة من تشريع الصلاة هي ذكر الله تعالى وارتبط بالصلاة لإقامة الذكر - أذكار بعينها وتلاوة قرآن وما يستتبع ذلك من
1 - البخاري (3/ 381) 25 - كتاب الحج، 4 - باب فضل الحج المبرور.
(1)
الأنبياء: 20.
(2)
غافر: 7.
(3)
الصافات: 165.
(4)
الصافات: 166.
(5)
البقرة: 30.
(6)
آل عمران:
(7)
طه: 14.
فكر- ولذلك أتبعنا جزء الصلاة ببحث الأذكار والدعوات وببحث تلاوة القرآن لأنهما ألصق بالصلاة، وإنما جرت عادة المؤلفين في الفقه أن يذكروا الزكاة بعد الصلاة لأنهم يتحدثون في العادة عن الأحكام، وإنما انصب كلامنا في هذا القسم على العبادات الرئيسية، فكان الأليق - في اجتهادنا - أن يكون محل الأذكار وتلاوة القرآن عقب الصلاة مباشرة، لأن هذه المعاني تتكامل مع بعضها في تعميق معاني العقيدة، وتصفية القلب، وهي المنط الرئيسي للسير إلى الله وتحقيق العبودية له جل جلاله.
ويكمل عمل الزكاة في الإسلام الصدقات، والأوقاف ولذلك جعلنا هذه المعاني في جزء واحد، ولأن بين الصوم والاعتكاف وصدقة الفطر ارتباطاً ما، فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين الحج والعمرة والهدي والأضاحي صلات فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلات فقد جعلناها في جزء واحد.
* * *
ولقد ابتدأنا هذا القسم بذكر العلم والأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر وختمناه بذكر الجهاد للإشعار بان العبادة محاطة بهاتين الفريضتين، وأن استمرار العبادة في الأرض منوط بهاتين الفريضتين، وهما فريضتان أصبحتا محل غفلة من الكثيرين، وذلك من جملة الحِكَم التي دعتنا لجعل هذين الجزأين في هذا القسم.
ملاحظات:
إن القارئ يلحظ في هذا الكتاب أننا قد نعدّد الروايات ومعناها واحد وذلك للتوثيق من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن من بعض أهدافنا من هذا الكتاب إبراز اهتمامات الصحابة رضوان الله عليهم وإبراز السياسات النبوية، فمن خلال كثرة الروايات ندرك أنَّ القضية التي كثرت الروايات فيها كانت محل اهتمام ومحلّ تركيز، فلينتبه المربّون لذلك.
إن الأقسام الثلاثة الآتية: قسم العبادات، قسم الحياتيات والعاديات، وقسم الحكم وحقوق الإنسان، فيها أنواع من الأبحاث، أبحاث فقهية، وأبحاث لا تدخل عادة في أبواب الفقه، وإذا كنا نستهدف في هذا الكتاب عرض السنة وفقهها مع الاختصار في الفقهيات
فقد كان علينا أن نرجع إلى كتب الفقه الجامعه، ككتاب الفقه على المذاهب الأربعة، وكتاب بداية المجتهد، كما رجعنا إلى كتب الفقه المذهبية والكتب التي تشرح أحاديث الأحكام، كنبل الأوطار فاعتبرنا أمثال هذه الكتب مراجع لنا.
وقد ظهر- ونحن نعمل في الكتاب - كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي فاعتبرناه مرجعاً رئيسياً من مراجعنا.
وقد تحرينا في كتابنا ألا نذكر إلا أمّهات المسائل في الاجتهادات الفقهية وما تمسّ الحاجة إليه إلى جانب العرض الإجمالي - مع التبرير لأئمة الاجتهاد فيما اختلفوا فيه- مراعين أن يفتح آفاق الإنسان وما يمكن أن يترخص به الإنسان في حالة الضرورة من آراء الأئمة معتمدين على الفكرة التي أكدناها كثيراً: إنه لابد لكل مسلم أن يتفقه على مذهب إمام ليعرف دقائق الأحكام ومن لم يفعل ذلك فإنه لني كون فقيهاً أبداً، إلا أفراداً عندهم من الفراغ وتوقد الذهن ما يستطيعون أن يصلوا إلى ما لا يصل إليه غيرهم.
وبعد فهذا أوان الشروع في عرض أجزاء الكتاب.