الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثالثة: في الجمع بين صلاتين
765 -
* روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمسُ أخَّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب. وفي رواية (1): كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر، حتى يدخل أولُ وقت العصر. وفي أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل عليه السيرُ يؤخرُ الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمعُ بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. وزاد أبو داود في رواية أخرى (3) بعد قوله: العشاء: حين يغيبُ الشفقُ.
وفي رواية النسائي (4) مثل الرواية الثانية وزيادة أبي داود، وفي أخرى (5) للبخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمعُ بين هاتين الصلاتين في السفر، يعني: المغرب والعشاء.
766 -
* روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعُ بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سيرٍ، ويجمعُ بين المغرب والعشاء".
وفي رواية (6) مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرةٍ سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
765 - البخاري (2/ 582، 583) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 16 - باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب.
مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 5 - باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.
أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين.
(1)
مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 5 - باب جواز الجمع بن الصلاتين في السفر.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق.
(3)
أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين.
(4)
السنائي (1/ 287) 6 - كتاب المواقيت، 45 - الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء.
(5)
البخاري (2/ 581) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 14 - باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء.
(تزيغُ) زاغت الشمس تزيغ: إذا مالت عن وسط السماء إلى الغرب.
766 -
البخاري (2/ 579) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 13 - باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء.
(6)
مسلم (1/ 490) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
767 -
* روى مسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. وفي رواية (1) قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ فقال: أراد أن لا يُحْرِج أمتهُ. وفي رواية (2) الموطأ وأبي داود (3) والنسائي (4): "أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ودخل، ثم خرج فصلى الممغرب والعشاء جميعاً".
قال الشيخ شعيب في (شرح السنة 4/ 195): وحسين بن عبد الله بن عبيد الله ضعيف، لكن له شاهد من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال: لا أعلمه إلا قد رفعه، قال: كان إذا سافر فنزل منزلاً فأعجبه المنزل أخر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر، وإذا سار ولم يتهيأ له المنزل أخر الظهر حتى يأتي المنزل فيجمع بين الظهر والعصر، وأخرجه أحمد رقم (2191) والبيهقي (3/ 164) ورجاله ثقات، قال الحافظ في "الفتح": إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوماً بوقفه عن ابن عباس، ولفظه: إذا كنتم سائرين
…
فذكره نحوه. اهـ.
أقول: إذا كان هذا هو نص الحديث فليس شاهداً لحديث حسين بن عبيد الله لأن الشاهد ليس فيه إلا جمع التأخير إذ نه ذكر في المرتين أخر الظهر حتى يجمع بين الظر والعصر، إلا أن لفظ رواية البيهقي هو:
768 -
* روى البيهقي عن ابن عباس إذا نزل منزلاً في السفر فأعجبه المنزل أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السفر فسار فأخر الظهر حتى يأتي المنزل الذي يريد أن يجمع فيه بين الظهر والعصر.
767 - مسلم (1/ 490) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
(1)
مسلم، الموضع السابق.
(2)
الموطأ (1/ 143) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 1 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر.
(3)
أبو داود (2، 4، 5) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين.
(4)
النسائي (1/ 285) 6 - كتاب المواقيت، 42 - الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر.
768 -
البيهقي (3/ 164) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في السفر.
ففهموا منه أنه صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه المنزل صلى الظهر والعصر أي جمع تقديم ثم يرتحل وإلا أخر الظهر حتى يأتي المنزل الذي يريد، والله أعلم.
769 -
* روى أحمد عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس، حتى إذا كاد أن يُظلم، ثم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحلُ، ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع".
قال الحنفية: الجمع جمع تقديم لم يثبت لأنه من رواية حسين بن عبيد الله وهو ضعيف وقالوا: إن الحاديث التي استدل بها الجمهور على جواز الجمع جمع تأخير تحتمل احتمالاً قوياً الجمع الصوري وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية لأول وقتها فتؤدي الصلاتان وليس بينهما شيء، واستدل الحنفية على عدم جواز الجمع الحقيقي بأن الأحاديث الواردة بتعيين الأوقات ثبتت بالتواتر أو الشهرة فلا يجوز تركها بغير دليل يساويها ولا تعتبر صالحة لتخصيص النص القرآني {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (1)، واستدلوا بما روى أبو داود عن ابن عمر أنه قال:(ما جمع رسول الله صلى الله عليه سولم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة واحدة) وبما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمعٍ). رواه البخاري ومسلم، وفعل علي في هذا النص يشهد للحنفية، وهناك روايات أخرى كثيرة فهم منها الحنفية الجمع الصوري وهي رخصة إذا عرف حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته على الصلاة في وقتها. (انظر إعلاء السنن 2/ 81).
وإنما أردنا فقط أن يُعرف أن للحنفية دليلهم القوي في المسألة وليس الأمر ما يزعم البعض.
770 -
* روىأبو داود عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة
769 - أحمد (1/ 136).
أبو داود (2/ 10، 11) كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر؟ وهو حديث حسن.
(1)
النساء: 103.
770 -
أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين
قبل غروب الشمس، فجمع بين العشاءين بسرف، وبينهما عشرةُ أميالٍ، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة، فجمع بينهما بسرف، قال هشام بن سعد: بينهما عشرة أميال.
771 -
* روى ابن خزيمة عن نافع، قال: كنت مع عبد الله بن عمر وحفص بن عاصم ومساحق بن عمرو، قال: فغابت الشمس، فقيل لابن عمر: الصلاة، قال: فسار، فقيل له الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير أخرَ هذه الصلاة وأنا أريد أن أؤخرها. قال: فسرنا حتى نصف الليل أو قريباً من نصف الليل. قال: فنزل فصلاها.
772 -
* روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عسى. وفي رواية (1) قال: "صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً، قال عمرو: قلت: يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذلك. ولمسلم (2) قال: صلى رسول الله صلى اله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر. زاد في رواية (3): قال: قال أبو الزبير: "فسألت سعيداً: لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس عما سألتني؟ فقال: أراد
= النسائي (1/ 287) 6 - كتاب المواقيت، 45 - باب الوقت الذي يجمع فهي المسافر بين المغرب والعشاء وهو حديث حسن.
(سَرف) بكسر الراء: موضع بينه وبين مكة مما يلي طريق المدينة عشرة أميال، وكثير يقولونه بفتح الراء، وهو خطأ.
(الميل) 1848 متراً.
771 -
ابن خزيمة (2/ 84) جماع أبواب الفريضة في السفر (377) باب الجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء وإسناده صحيح.
772 -
البخاري (2/ 23) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 12 - باب تأخير الظهر إلى العصر.
مسلم (1/ 491) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
(1)
مسلم: نفس الموضع السابق.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 489.
(3)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 490.
أن لا يُحْرِجَ أمته". وله في أخرى (1) نحوه، وقال "في غير خوف ولا مطر". وله في أخرى (2): قال عبد الله بن شقيق العُقيلي: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة، الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميمي لا يفترُ ولا ينثني: الصلاة، الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلِّمُني بالسُّنة؟ لا أبالك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيءٌ، فأتيتُ أبا هريرة فسألته، فصدق مقالته. وفي رواية (3) قال: قال رجلٌ لابن عباس: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك، تُعلمُنا بالصلاة؟ كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية الموطأ (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر جميعاً، من غير خوف ولا سفر".
قال: قال مالك: أرى ذلك كان في مطرٍ.
أقول: من خلال التعليقات والتلعيلات التي وردت في روايات هذا النص: يتضح أن هذا النص محمول على الجمع الصوري أو على عذر غفل بعض الرواة عنه، فلا حجة في النص لمن أجاز الجمع بلا عذر فذلك مخالف لما استقر عليه العلماء وأجمعوا عليه، وقد تعلق بعض الناس بألفاظ وردت في بعض الروايات تفيد جواز الجمع في الحضر لأي حاجة عرضت - واحتمال الخطأ في الرواية وارد - قال صاحب إعلاء السنن (2/ 85) حول حديث ابن عباس هذا: فهو محمول على الجمع الصوري، وحمله على الجمع الحقيقي خلاف الإجماع. قال الترمذي في (علله): جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر". إلخ. (2/ 235) فهذا الحديث ظاهره متروك بالإجماع لم يقل به أحد.
(1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 491.
(2)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 491.
(3)
مسلم: نفس الموضع السابق ص 492.
(4)
الموطأ (1/ 44) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، (1) باب الجع بين الصلاتين في الحضر والسفر.
وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جمع بين الصلاتين من غير عذرٍ فقد أتى باباً من الكبائر". وفيه حنش حسين بن قيس. قال الترمذي: هو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره اهـ. (1 - 26) قلت: الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس ثم قال: حنش بن قيس الرحبي يقال له: أبو علي من أهل اليمن سكن الكوفة ثقة اهـ. (1) وفي التهذيب بعد ذكر الكلام الطويل فيه: وزعم أبو محصن أنه شيخ صدوق. وقال أبو بكر البزار [عنه] لين الحديث اهـ. (2 - 36): على أن لما رواه شاهداً صحيحاً موقوفاً، فقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى:"واعلم أن جمعاً بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2) عن معمر عن قتادة عن أبي العالية الرياحي كذا في اللآلئ (2 - 13) ورجاله رجال الصحيح (3).
(1)
قال الذهبي تحته: (قلت: بل ضعفوه).
(2)
أخرجه في باب من نسي صلاة الحضر والجمع بين الصلاتين في السفر (2 - 552 رقم 22 - 44).
(3)
وهو موقوف في حكم المرفوع.
773 -
* روى مسلمعن ابن عباس أنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر" قال مالك: أرى ذلك كان في مطر.
قال ابن خزيمة: لم يختلف العلماء كلهم أن الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير المطر غير جائز، فعلمنا واستيقنا أن العلماء لا يجمعون على خلاف خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح من جهة النقل، لا معارض له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يختلف علماءُ الحجاز أن الجمع بين الصلاتين في المطر جائز، فتأولنا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر على المعنى الذي لم يتفق المسلمون على خلافه،
773 - مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
ابن خزيمة (2/ 85) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 378 - باب الرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر في المطر.
إذ غير جائز أن يتفق المسلمون على خلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يُرْووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً خلافه، فأما ما روى العراقيون أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر، فهو غلط وسهو وخلاف قول أهل الصلاة جميعاً اهـ.
قال الحافظ في (الفتح 2/ 23 - 24): واحتمال المطر قال به أيضاً مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه، وقال بدل قوله بالمدينة:"من غير خوف ولا سفر". قال مالك: لعله كان في مطر، لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: من غير خوف ولا مطر". فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر، وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض، وقواه النووي، وفيه نظر، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعاض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته، قال النووي: ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلاً فبان أن وقت العصر دخل فصلاها، قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء اهـ. وكأن نفيه الاحتمال مبني على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، والمختار عنده خلافه، وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء، فعلى هذا فالاحتمال قائم. قال: ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل اهـ. وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيدالنسا بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه. قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدري بالمراد من غيره. قلت: لكن لم يجزم بذلك، بل لم يستمر عليه، فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع بعذر املطر، لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت
الجمع، فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، والجمع الصوري أولى والله أعلم.
قال المعلق على الفتح في الطبعة السلفية: هذا الجمع ضعيف. والصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك. ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال: "لئلا يحرج أمته". وهو جواب عظيم سديد شاف. والله أعلم.
قال ابن حجر: وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث. فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد ان لا يحرج أحداً من أمته. وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينها شيء، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء. وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه. وما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع، وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعاً أخرجه الطبراني ولفظه:"جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي". وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج أهـ.
774 -
* (1) روى مالك عن نافع: أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في
774 - الموطأ (1/ 145) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 1 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر، وإسناده صحيح.
المطر جمع معهم.
775 -
* روى ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: "حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هوياً، وذلك قبل أن ينزل في القتال، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (1). فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأقام - يعني الظهر - فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها".
وفي رواية (2) في آخرها: وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (3).
وقد مر معنا مثل هذه الرواية عن غير ابن خزيمة بأسانيد صحيحة في أكثر من مناسبة: مناسبة غزوة الأحزاب والصلاة الوسطى.
قال الحافظ: ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسياناً أو عمداً؟. وعلى الثاني هل كان الشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف؟ وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخر مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقاً، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه، وإلى الثالث جنح الشافعية، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف، قال ابن القصار:
(1) الأحزاب: 25.
775 -
ابن خزيمة (2/ 88)، 380 - باب إباحة ترك الأذان للصلاة إذا فات وقتها.
(2)
ابن خزيمة أيضاً وإسناده صحيح.
(3)
البقرة: 239.
(الهوى) من الليل: الزمان الطويل، وقيل يختص بالليل.
وهوقول من لا يعرف السنن، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟ فالله المستعان. اهـ.
776 -
* روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله نهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً". زاد البخاري (1) في روايةٍ: "كل واحدةٍ منهما بإقامة، ولم يُسبحْ بينهما، ولا على إثر واحدة منهما". ولمسلم (2) قال:"جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمعٍ، ليس بينهما سجدةٌ، وصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين، وكان عبد الله يُصلي بجمعٍ كذلك حتى لحق بالله عز وجل". وله في أخرى (3): "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمعٍ: صلاة المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة".
أقول: قوله: لم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما: أي لم يتنفل بينهما ولا بعدهما. وجمع: هي مزدلفة نفسها.
777 -
* روى ابن خزيمة عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين الظهر والعصر بعرفات بأذان وإقامتين، والمغرب والعشاء بجمعٍ بأذان وإقامتين".
778 -
* روى الشيخان عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ما رأيتُ رسول الله
776 - البخاري (3/ 523) 25 - كتاب الحج، 96 - باب منجمع بينهما ولم يتطوع.
مسلم (2/ 937) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة استحباب صلاتي المغرب والعشاء.
(1)
البخاري (3/ 523) 25 - كتاب الحج، 96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع.
(2)
مسلم (2/ 937) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء.
(3)
مسلم (2/ 938) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء.
777 -
ابن خزيمة (4/ 252) كتاب المناسك، 693 - باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، والأذان والإقامة لهما، وهو صحيح.
778 -
البخاري (3/ 530) 25 - كتاب الحج، 99 - باب متى يصلي الفجر بجمع.
مسلم (2/ 938) 15 - كتاب الحج، 48 - باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة.
أبو داود (2/ 193) كتاب مناسك (الحج)، باب الصلاة بجمع.
النسائي (5/ 262) 24 - كتاب مناسك الحج، 210 - الوقت الذي يصلي فيه الصبح بالمزدلفة.
صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها.
أقول: قوله: وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها: أي قبل ميقاتها الذي اعتاد أن يصليها فيه وإلا فالإجماع منعقد على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بمزدلفة بعد طلوع الفجر.