الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد علَّ أثر ابن سيرين هذا حيث قال في المعرفة: "وابن سيرين عن ابن عباس مرسل" وزاد الزيلعي نقلاً عنه: "لم يلقه ولا سمع منه، وإنما هو بلاغ بلغه" وأجاب عنه العلامة النيموي في التعليق الحسن "بأن الأثر صحيح، وإسناده متصل، وما زعموا من أنه مرسل فليس بصحيح، لأن ابن سيرين كان حين وفاة ابن عباس شاباً ابن خمس وثلاثين أو نحوها، فما المانع له أن يسمع منه؟ ومع ذلك قد صرح بسماعه منه الحافظ الذهبي في الطبقات في ترجمته، قال: سمع محمد أبا هريرة وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر وطائفة". انتهى (1: 9).
قلت: وإن سلم إرساله فليس يضرنا، فإن مراسيل ابن سيرين صحاح عند القوم، كمراسيل ابن المسيب، قال في الجوهر النقي (1: 343): طقال أبو عمر في أوائل التمهيد وكل من عرف بأنه لا يأخذ إلا عن ثقة، فتدليسه وترسيله مقبول. فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح ا. هـ (انظر إعلاء السنن 1/ 172 - 177).
وإنما أطلنا في هذا الموضوع لإزالة توهُّمٍ عند بعض الناس أن مذهب الحنفية يعارض الحديث.
أحكام الأسآر والآبار:
342 -
* روى مالك عن يحيى بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركبٍ، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردُوا حوضاً، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، هل تردُ حوضك السباعُ؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نردُ على السباع وتردُ علينا".
قال المالكية: سؤر الدواب والسباع، وحتى سؤر الكلب والخنزير طاهر، ومذهبهم في الأصل أن ما لا يغير طعم الماء أو لونه أو ريحه لا ينجسه، وهذا الأثر يصلح أن يكون دليلاً لهم إلا أن الأثر يحتمل أكثر من اتجاه، فقد يكون عمر رضي الله عنه لا يرى أن يُسأل عما هو خلاف الأصل مما يشاهده الإنسان، فالأصل في الماء الطهارة (1)، فإذا لم يوجد طعم
342 - الموطأ (1/ 33) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء، وهو حسن بشواهده.
النجاسة أو لونها أو ريحها فلا ينبغي للإنسان أن يسأل، وقد يكون الماء الموجود في الحوض قلتين فأكثر فلا يؤثر عليه شيء نجس لم يغير أوصافه.
343 -
* روى أحمد عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبتْ له وضوءا، فجاءت هرةٌ تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظرُ إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليس بنجسٍ إنها من الطوافين عليكمْ أو الطوَّافات".
قال البغوي في شرح السنة:
قوله: "أصغى لها الإناء" أي: أماله ليسهل عليها التناول.
وروى عن عائشة، قالت في الهرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها.
وهذا قول عامة أهل العلم أن سُؤرَ الهرةِ طاهر، وقوله "إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات" يُتأول على وجهين. أحدهما: شبهها بالمماليك وبخدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة، كقوله سبحانه وتعالى:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (1) يعني المماليك والخدم. وقال إبراهيم: إنما الهرة كبعض أهل البيت، ومنه قول ابن عباس: إنما هو من متاع البيت.
والآخر شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة، يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والمسألة.
343 - أحمد (5/ 203).
الموطأ (1/ 23) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء.
أبو داود (1/ 19) 1 - كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة.
ابن حبان (1/ 294) باب الأسآر، ذكر الخبر الدال على أن أسآر السباع كلها طاهرة.
الحاكم (1/ 159، 160).
ابن خزيمة (1/ 55) 79 - باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة.
(1)
النور: 58.
واختلف أهل العلم في سؤر السباع، فذهب أكثرهم إلى طهارته، إلا سؤر الكلب والخنزير، فإنه نجس عند الأكثرين، وذهب قوم إلى نجاسة سؤر السباع إلا سؤر الهرة، وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والأوزاعي: إذا شرب الكلب من إناء، ولم يجد ماء غيره، توضأ به، وقال الثوري: يتوضأ به، ثم يتيمم.
وذهب أصحاب الرأي إلى أن سؤر الحمار والبغل مشكوك فيه، فإذا لم يجد ماء آخر، يجمع بين الوضوء به والتيمم، وبلغنا أن سفيان الثوري قال: لم نجد في أمر الماء إلا السعة.
وقال الربيع: سُئل الشافعي عن الذبابة تقع على النتن، ثم تطير فتقع على ثوب الرجل؟ قال الشافعي: يجوز أن يكون في طيرانها ما ييبس ما برجليها، فإن كان كذلك، وإلا فالشيء إذا ضاق اتسع.
"ا. هـ شرح السنة 2/ 70 و 72".
أقول: سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر مال م تكن جلالة، وسؤر الكلب نجس وكذا الخنزير وسباع البهائم.
وسؤر الهرة مكروه تنزيهاً مع وجود غيره وكذا سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وسواكن البيت كالحية ما لم تُرَ النجاسة.
وسؤر البغل والحمار الأهلي مشكوك فيه فيتوضأ به أو يغتسل ويتيمم يقدم أيهما شاء ومذهب المالكية في الأسآر واسع.
وقال الشافعية والحنابلة سؤر الكلب والخنزير نجس، أما الآدمي والحيوان المأكول اللحم والهر والفأر والخيل والبغال والحمير والسباع فطاهرة.
عن: ابن سيرين أن زنجياً وقع في زمزم، يعني فمات، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح، قال: فغلبتهم عين جاءتهم من الركن فأمر بها فدست بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم. رواه الدارقطني، وإسناده صحيح. (إعلام السنن 1/ 176).
عن: عطاء أن حبشياً وقع في زمزم فمات، فأمر ابن الزبير، فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع، فنظر، فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. رواه الطحاوي وإسناده صحيح وابن أبي شيبة، ورجاله رجال الصحيحين، وصححه ابن الهمام في (فتح القدير). (إعلاء السنن 1/ 177).
وأورد أيضاً عن: أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء".
أقول: من الناحية الفقهية فإنه يقاس على الذبابة كل ما لا دم له سائل فإن وقوعه في الإناء لا ينجسه، وقد نقلنا في كتابنا الرسول صلى الله عليه وسلم وفوائد جمة حول هذا الحديث انظرها (ص 36 - 40).
وكل ما هو مثل الذباب من حيث إنه لا دم له سائلٌ فهو في حكمه، إلا أن هذا الحكم في الذباب ثبت بالنص، وفي غيره بالقياس.
ودلالة حديث الباب ظاهرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بنجاسة ما في الإناء بوقوع الذباب فيه مطلقاً، سواء مات أو لم يمت (إعلاء السنن 1/ 180).
أقول إذا سقط آدمي في بئر وبقي حياً لا ينجس البئر إذا لم يكن على بدنه نجاسة وكذا الحيوان مأكول اللحم إذا أخرج حياً ولا نجاسة على بدنه.
أما إذا سقط خنزير ولو خرج حياً أو وصل الماء إلى لعاب الكلب وخرج حياً فإن البئر ينجس وقال الحنابلة: إذا وقعت الفأرة أو الهرة ونحوهما في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر.
وعند الحنفية: إذا مات آدمي في بئر فإن البئر ينجس والجمهور قالوا: لا ينجس ولا ينجس البئر بموت حيوان لا دم له سائل.
وتنجس البئر بوقوع نجاسة فيها وإن قلت كقطرة خمر أو بول وينزح جميع ماء البئر