الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر
207 -
* روى البزار عن ابن عمر سمعت الحجاج يخطب فذكر كلاماً أنكرته، فأردت أن غيره فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسهُ"، قلتُ: يا رسول الله كيف يُذل نفسه؟ قال: "يتعرضُ من البلاء لما لا يُطيق".
208 -
* روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسهُ"، قالوا: كيف يُذلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيقُ".
209 -
* روى أبو يعلي عن المعلي بن زيادٍ قال: لما هزم يزيدُ بن المُهَلَّب أهل البصرة قال المعلي: فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن فأُوجدُ فيها فأُعرَفُ، فأتيت الحسن في منزله فدخلت عليه فقلت يا أبا سعيد: كيف بهذه الآية من كتاب الله؟ قال أيَّةُ آيةٍ من كتاب الله؟ قلت: قول الله في هذه الآية {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال يا عبد الله إن القوم عرضوا عليّ السيفُ فحال السيفُ دون الكلام. قلت: يا أبا سعيد فهل تعرف لمتكلمٍ فضلاً؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدثني بحديثين قال ثنا أبو سعيد الخدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعَنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو يذكرُ بعظيم فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ ولا يُبعدُ من رزقٍ"، قال ثم حدث الحسن بحديثٍ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) "ليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه قيل وما إذلاله نفسه قال يتعرض من البلاء
207 - كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 112) كتاب الفتن - باب لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه.
قال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد.
مجمع الزوائد: (7/ 275) كتاب الفتن. باب فيمن خشي من ضرر على غيره ونفسه.
208 -
الترمذي (4/ 523) 34 - كتاب الفتن، باب 67 وقال: هذا حديث حسن غريب.
وفي سنده عليُّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد صحح بعض العلماء هذا الحديث بالطريق السابق، أقول: في هاتين الروايتين إشارة إلى صورة من الصور التي يسع المسلم فيها محض الإنكار القلبي ولا يجب عليه فيها الإنكار اللساني.
209 -
رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.
ما لا يطيقُ" قلت يا أبا سعيد فيزيد الضبي وكلامه في الصلاة، قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم قال المعلى: فقمت من مجلس الحسن فأتيت يزيد فقلت: يا أبا مودودٍ بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصب أمرك نصباً فقال: مه يا أبا الحسن. قال: قلتُ: قد فعلتُ قال: فما قال؟: قلتُ: قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته. قال يزيد: ما ندمت على مقالتي وايمُ الله لقد قمت مقاماً أخطر فيه بنفسي قال يزيد: فأتيت الحسن قلت: يا أبا سعيد غُلبنا على كل شيء، نُغلبُ على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله إنك لم تصنع شيئاً، إنك تُعرضُ نفسك لهم، ثم أتيته فقال: مثل مقالته. قال فقمتُ يوم الجمعة في المسجد ولحكم بين أيوب يخطبُ فقلت رحمك الله الصلاة احتوشتني. فلما قلت ذلك قام الرجال يتعاوروني فأخذوا بلحيتي وتلبيبتي وجعلوا يجؤَوُن بطني بنعال سيوفهم، قال: ومضوا بي نحو المقصورة فما وصلتُ إليها حتى ظننتُ أنهم سيقتلوني دونها. قال: ففُتح لي بابُ المقصورة قال: فقمتُ بين يدي الحكم وهو ساكتٌ فقال: أمجنون أنت؟ وما كنا في صلاة فقلتُ: أصلح الله الأمير هل من كلام أفضل من كتاب الله، قال: لا. قلت: أصلح الله الأمير أرأيت لو أن رجلاً نشر مصحفاً يقرؤه غدوةً إلى الليل كان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال: والله لأحسبك مجنوناً. قال وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت فقلت يا أنس يا أبا حمزة أنشدُك الله فقدت خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته أبمعروفٍ قلت أم بمنكر؟ أبحقٍ قلت أم بباطلٍ؟ قال: فلا والله ما أجابني بكلمةٍ. قال له الحكم بن أيوب يا أنسُ قال: يقول لبيك أصلحك الله قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب. قال: كان بقي من الشمس بقيه. قال: احبسوه قال يزيد: فأقسِمُ لك يا أبا الحسن يعني للمعلى لما لقيتُ من أصحابي كان أشدَّ عليَّ من مقالي قال بعضهم مُراءٍ، وقال بعضهم مجنون. قال: وكتب الحكم إلى الحجاج أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال الصلاة وأنا أخطبُ وقد شهد الشهودُ العدول عندي أنه مجنونٌ فكتب إليه الحجاج (1): إن كانت قامت الشهود العدول أنه مجنونٌ
= (أخطر) الخطر: الإشراف على الهلاك وخوف التلف وأخطر جعل نفسه خطراً لقرنه فبارزه.
(احتوشتني): احتوشى القوم على فلان جعلوه وسطهم ومراده أحاطت له الصلاة.
(التلبيب): أعلى الصدر من الثياب.
(يجؤون): أي يضربون.
فخل سبيله، وإلا فاقطعْ يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. قال: فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني، قال المعلى عن يزيد الضبي: مات أخ لنا فتبعنا جنازته فصلنيا عليه فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا فإنا كذلك إذ رأينا نواصيَ الخيل والحِرابَ فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي فجاء الحكُم حتى وقف عليَّ فقال: ما كنتم تصنعون قلتُ: أصلح الله الأمير مات صاحبٌ لنا فصلينا عليه ودفناه وقعدنا نذكر ربنا ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفِّرَ كما فروا. قلتُ: أصلح الله الأمير أنا أبرأُ من ذل من ذلك ساحة وآمنُ الأمير أن أفر! َ قال: فسكت الحكم، فقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته تدري من هذا؟ قال من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء خذاه، قال: فأخذت فضربني أربعمائة سوط فما دريتُ متى تركني من شدة ما ضربني قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاجُ.
أقول: في هذه القصة نموذج على ظلمٍ كان يستجيز معه أنس بن مالك والحسن البصري ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما أن في هذه القصة نموذجاً على من يبذل نفسه ويتحمل الأذى لقوله حقٍّ حتى يقولها عند سلطان جائر وهو بذلك مأجور ومبرور، ولو قتل كان من سادة الشهداء فالأخذ بالعزيمة في ذا المقام هو الأرقى والأخذ بالرخصة جائز، وقد نص فقهاء الحنفية أن من أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فقُتل فهو شهيد مأجور، ولو لم يتغير المنكر أو يتحقق المعروف.
وينبغي أن يوجد بين المسلمين من يقوم بفرض الكفاية، حتى يسقط الإثم عن المسلمين وإذا تعين إنسان بذلك وجب عليه، وعلى المسلمين أن يفتشوا عن الطريق الأقوم لإقامة فروض الكفايات.
210 -
* روى الطبراني عن أبي جعفر الخَطْميِّ أن جده عُمير بن حبيب بن حماشة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند احتلامه، أوصى ولده فقال: يا بُنيَّ إياك ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داءٌ، ومن يحلُمْ عن السفيه يُسَرَّ ومن يجبْه يندمْ ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيهُ يرضى بالكثير (1)، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر
= (ديماس): بالفتح والكسر وهو السرداب المظلم والمراد به سجن الحجاج.
210 -
مجمع الزوائد (8/ 64) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.
فليوطِّنْ نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله تعالى فإنه من وثق بالثواب من الله عز وجل لم يضُره مسُّ الأذى.
211 -
* روى أحمد على ابن عباس رفعه: "ليس الخبرُ كالمعاينة، إن الله أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يُلقِ الألواحَ، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرتْ".
أقول: في هذا الأثر إشارة إلى أن حال المؤمن وهو يرى المنكر غير حاله وهو يسمعه فالمسلم إذا شاهد المنكر غضب وبذل جهداً فإنهائه ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات لله كان لا يقوم لغضبه شيء حتى ينتهي المنكر.
211 - أحمد (1/ 271).
كشف الأستار (1/ 111) باب الخبر والمعاينة.
ابن حبان (8/ 32) ذكر السبب الذي من أجله ألقى موسى الألواح.
مجمع الزوائد (1/ 153) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان. ا. هـ.