المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفقرة الثامنة: في التيممعرض إجمالي - الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام - جـ ١

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تمهيد في:العِبَادات في الإسلام

- ‌الجزء الأولفي العلم والأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة

- ‌المقدمةفي: الجامع بين موضوعات هذا الجزء

- ‌الباب الأولفي العلم

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولفيفضل العلم بدين الله

- ‌فائدة:

- ‌الفصل الثانيفي: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهموالترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌الفصل الثالثفي: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

- ‌الفصل الرابعفي: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌الفصل الخامسفي: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه

- ‌الفصل السادسفي: الترهيب من الدعوى في العلمِ والقرآنِ

- ‌الفصل السابعفي الترهيب من كتم العلم

- ‌الفصل الثامنفي وجوب التعلّم والتعلم

- ‌الفصل التاسعفي الترهيب من أن يَعْلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

- ‌الفصل العاشرفي الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة

- ‌الفصل الحادي عشرفيبعض آداب التعليم والتعلم

- ‌1 - التَّخَوُّلُ بالموعظةِ:

- ‌2 - في أدب السؤال والاختبار:

- ‌3 - في حسن التلقي والإلقاء والمدارسة:

- ‌4 - في مجال العلم والعلماء وأدبهما:

- ‌5 - من الأدب عدم التكلف:

- ‌6 - في الاقتداء:

- ‌7 - من آداب أهل العلم، التواضع والخوف من الله:

- ‌8 - في العلم بالسنن وآداب الرواية:

- ‌9 - في حفظ الحديث:

- ‌10 - الترهيب من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌11 - في آداب الفتوى والتثبت والمشاورة فيها:

- ‌12 - في فرضية تحصيل العلوم الضرورية:

- ‌13 - الأدب في تغير اجتهاد العالم:

- ‌14 - في اجتناب أهل الهوى والابتداع:

- ‌15 - الاغتباط في العلم والحكمة من الأدب:

- ‌الفصل الثاني عشرفي رفع العلم وذهاب العلماء

- ‌الفصل الثالث عشرفي كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك

- ‌الباب الثانيفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكروفي النصيحة والدعوة إلى الخير

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولى في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفقرة الثانية: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر

- ‌الفقرة الرابعة: في الغضب لله والشدة في النهي عن المنكر

- ‌الفقرة الخامسة: في وجوب امتثال ما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه

- ‌الفصل الثانيفي الدعوة إلى الخير قولاً وعملاً وفي النصيحة

- ‌الفصل الثالثمن سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولفي نصوص مذكرة ببعض الأصول في الصلاة

- ‌الفصل الأول: وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها، وتعجيلها وما يتصل بذلك

- ‌الفقرة الأولى: في وجوب الصلاة وفرضيتها

- ‌الفقرة الثانية: في فضل الصلاة مطلقاً

- ‌الفقرة الثالثة: في الترغيب في المحافظة على الصلاة والترهيب من تركها وفضلالنوافل

- ‌الفقرة الرابعة: في فضل صلاة الفجر

- ‌الفقرة الخامسة: في فضل صلاتي الفجر والعصر

- ‌الفقرة السادسة: في ما ورد في العشاء والفجر

- ‌الفقرة السابعة: في فضل صلاة العصر وهل هي الصلاة الوسطى

- ‌الفقرة الثامنة: في تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام

- ‌الفقرة التاسعة: في الراحة بالصلاة

- ‌الفقرة العاشرة: في السَّمَر بعد العشاء

- ‌الفقرة الحادية عشر: في تسمية الصلوات

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الثانيفيقضاء الفائتة

- ‌مسائل وفوائد حول قضاء الفائتة

- ‌الفصل الثالثفيصلاة الصبي

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفصل الرابعفيذكر بعض من لا تُقبل صلاتهم

- ‌الباب الثانيفي شروط الصلاة

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة

- ‌الفقرة الثانية: أحكام المياه

- ‌طهارة ماء البحر وأنواع المياه:

- ‌أنواع المياه:

- ‌حد الماء القليل والكثير:

- ‌أحكام الأسآر والآبار:

- ‌النهي عن البول في الماء:

- ‌الماء المستعمل وحكمه:

- ‌كيفية الاغتسال من الماء الدائم:

- ‌الاغتسال والوضوء بالماء الحار:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة والنجاسات والمطهرات

- ‌نجاسة البول وكيفية تطهيره:

- ‌من أنواع المطهرات:

- ‌حكم المني:

- ‌فائدة:

- ‌حكم الفأرة وتطهير ما وقعت فيه ونحوها:

- ‌حكم الحيوان المذَكَّى:

- ‌حكم الدباغة والإهاب المدبوغ:

- ‌حكم جلود السباع:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌من النجاسات المختلف فيها:

- ‌الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء والاستبراءعرض إجمالي

- ‌التنزه من البول:

- ‌الاستتار عند قضاء الحاجة وعدم الكلام:

- ‌الأذكار المأثورة لمن يريد قضاء الحاجة:

- ‌وسائل الاستنجاء وكيفيته:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه

- ‌عرض عام لأحكام الوضوء:

- ‌ في مقدار الماء:

- ‌ آداب تتعلق بالوضوء:

- ‌1 - استعمال الطيب:

- ‌2 - إحسان الوضوء:

- ‌3 - التوضؤ لكل صلاة:

- ‌4 - التيامن:

- ‌5 - كراهة الكلام في الوضوء:

- ‌نواقض الوضوء:

- ‌ من النواقض: الصوت والريح:

- ‌ المذي والوضوء منه:

- ‌فائدة:

- ‌ القيء والدم وحكم الوضوء منهما:

- ‌ حكم القبلة واللمس:

- ‌حكم الوضوء من مس الذكر:

- ‌ الوضوء من النوم:

- ‌الوضوء مما مست النار:

- ‌ مما يستحب له الوضوء:

- ‌ آداب الانصراف من الصلاة لمن انتقض وضوؤه:

- ‌حكم الشك في الوضوء:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة السادسة: في المسح على الخفينعرض إجمالي

- ‌ أدلة مشروعيته:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة السابعة: في الغسل وموجباته وأنواعهعرض إجمال

- ‌الجنابة والغسل منها:

- ‌ تعميم الجسد بالماء:

- ‌عدم نقض الضفائر للنساء:

- ‌فائدة:

- ‌اغتسال المرأة وزوجها:

- ‌إذا أراد الرجل العود ماذا يفعل

- ‌ حكم الوضوء بعد الغسل:

- ‌حرمة قراءة القرآن للجنب:

- ‌حكم النوم والأكل للجنب:

- ‌مصافحة الجنب ومخالطته:

- ‌ الاغتسال بالماء والخطْمِي ونحوه:

- ‌في الحمام وغُسل الإسلام:

- ‌الحيض والنفاس والاستحاضةعرض إجمالي

- ‌ كيف تتطهر الحائض:

- ‌ما يحلُّ من الحائض:

- ‌مخالطة الحائض ومؤاكلتها ونحو ذلك:

- ‌ حكم من واقع الحائض:

- ‌ترك الحائض الصلاة والصوم وقضاؤها الصوم:

- ‌فائدة:

- ‌مسائل تتعلق بالحائض والنفساء:

- ‌ أحكام المستحاضة:

- ‌فائدة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثامنة: في التيممعرض إجمالي

- ‌فائدة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة التاسعة: في الأوضاع الاستثنائية التي لها أحكام خاصة في الطهارة

- ‌1 - المعذور

- ‌2 - أحكام الجبيرة وما يشبهها

- ‌الفصل الثاني: في دخول الوقت وهو الشرط الثاني من شروط الصلة وما يتعلق بذلك

- ‌المقدمة وفيها عرض إجمالي

- ‌الفقرة الأولى: في مواقيت الصلاة:

- ‌وقت صلاة الظهر:

- ‌وقت العصر:

- ‌وقت المغرب:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانية في: أوقات الكراهة

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثالثة: في الجمع بين صلاتين

- ‌مسائل وفوائد

الفصل: ‌الفقرة الثامنة: في التيممعرض إجمالي

‌الفقرة الثامنة: في التيمم

عرض إجمالي

قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1).

لقد ذكرنا من قبل أن الصلاة هي أرقى العبادات، ولذلك اشترط لها شروط خاصة منها: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، كما اشترطت الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر لبعض العبادات الأخرى، وذلك لأهمية هذه العبادات، ورأينا أن مادة الطهارة هي الماء، فإذا تعذر الوصول إليه، أو تعذر استعماله فقد جعل الشارع بديلاً عن ذلك هو التيمم وحكمة ذلك والله أعلم: التيسير من جهة، وأن يشعر المسلم أهمية الصلاة والعبادات الأخرى المنوطة بالطهارة حتى لا تؤدي إلا بشروط أصيلة أو بديلة.

وعرف الحنفية التيمم بأنه مسح الوجه واليدين من صعيد مطهر، والنية شرط له، وهو ينوب عن الوضوء وعن الغسل للجنابة والحيض والنفاس.

والتيمم ينوب عن الماء في كل ما يتطهر له من صلاة مفروضة أو نافلة أو مس مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أوشكر أو مكث في مسجد إذا توافرت شروط جواز التيمم.

قال الحنفية: يجوز التيمم قبل الوقت ولأكثر من فرض ولغير الفرض من النوافل، ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء أو القدرة على استعماله، فإذا أصابه حدث انتقض، ونواقضه نواقض الوضوء، وقال المالكية والشافعية والحنابلة: لا يصح التيمم إلا بعد دخول وقت ما يتيمم له من فرض أو نفل.

والنوافل المطلقة يتيمم لها وقت ما شاء إلا في أوقات الكراهة المنهي عن الصلاة فيها، واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن الأفضل تأخير التيمم لآخر الوقت إن رجا وجود الماء حينئذ، فإن يئس من وجوده استحب تقديمه أول الوقت، وقال أحمد: إن تأخير التيمم

(1) المائدة: 6.

ص: 463

أولى بكل حال.

وقيد الشافعية أفضلية الانتظار فيما إذا تيقن وجود الماء آخر الوقت والحنفية لا يرون التأخير لوقت الكراهة.

قال الحنفية: إذا تيمم للنفل يجوز له أن يؤدي به النفل والفرض، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز للمتيمم أن يؤم المتوضئين إذا لم يكن معهم ماء.

والأعذار المبيحة للتيمم: فقد الماء الكافي للوضوء أو الغسل، وفقد القدرة على الاستعمال والمرض المانع من استعمال الماء أو الذي يزيد مدته أو يزداد، والحاجة إلى الماء في الحال أو المستقبل والخوف على النفس أو المال لو طلب الماء، والخوف من الموت، أو على منفعة عضو من أعضائه من شدة البرد إذا استعمل الماء، وفقد آلة استخراج الماء من دلو وحبل، وهناك تفصيلات في كثير من مسائل التيمم تراجع في كتب الفقه.

واتفق الفقهاء على أن من تيمم لفقد الماء أو للعجز عن استعماله وصلى ثم وجد الماء أو قدر على استعماله بعد خروج الوقت لا إعادة عليه، وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا إعادة عليه ولا قضاء بعد أن يصلي ولو زالت الأسباب المبيحة للتيمم في الوقت، وإذا وجد الماء أوزالت الأسباب المبيحة للتيمم والمصلي في صلاته تبطل صلاته.

وللتيمم فرائض منها: النية باتفاق المذاهب الأربعة، ومنها: مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب، والمطلوب في اليدين عند الحنفية والشافعية مسحهما إلى المرفقن كالوضوء، وعند المالكية والحنابلة إلى الرسغين، أما إلى المرفقين فسنة، والمفروض عند الحنفية والشافعية ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين، وقال المالكية والحنابلة: الفريضة الضربة الأولى: أي ضرب الكفين على الصعيد، وأما الضربة الثانية فهي سنة.

واتفق الفقهاء على وجوب نزع الخاتم في التيمم ولا يجب إيصال التراب إلى منبت الشعر الخفيف فضلاً عن الكثيف، ومن الفرائض عند الشافعية والحنابلة الترتيب بين عضوي التيمم، فالوجه أولاً ثم اليدان، وعند الحنفية والمالكية: مستحب، ومن الفرائض عند الحنابلة والمالكية: الموالاة وقيدها الحنابلة بغير الحدث الأكبر، وقال الشافعية والحنفية:

ص: 464

الموالاة سنة، ومن الفرائض أن يكون التيمم بالصعيد الطاهر، وقد اختلف الفقهاء في تعريف الصعيد، ومن كلام المالكية: الصعيد كل ما صعد على الأرض من أجزائها كتراب ورمل وحجارة وحصى، ويجوز التيمم عندهم على الجليد وهو الثلج المجمد من الماء، ومن كلام الحنفية: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والغبار والرمل والحجر والكلس والكحل والزرنيخ، ويجوز عند المالكية والحنفية التيمم بحجر أو صخرة لا غبار عليهما وبتراب نديٍّ لا يعلق باليد منه غبار، كجرة ماء، كما يجوز التيمم بالغبار كأن ضرب يده على ثوب أو لبد فارتفع غبارٌ.

وكيفية المسح: أن يُمِرَّ اليد اليسرى على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق ثم باطن المرفق إلى الرسغ، ثم يمر اليمنى على اليسرى كذلك، وكيفما فعل أجزأه إذا أوعب، واتفق الفقهاء على أنه إذا تيمم بأكثر من ضربتين جاز.

ومن سنن التيمم التسمية في أوله وتفريج الأصابع حين الضرب على الصعيد، والضرب على الصعيد بباطن الكفين وإقبال اليدين وإدبارهما على الصعيد ثم نفضهما، والصمت واستقبال القبلة والتيامن والبدء بأعلى الوجه، والسواك، وتسن صلاة ركعتين عقبه كالوضوء.

ونواقض التيمم كل ما ينقض الوضوء والغسل، وزوال العذر المبيح له، والقدرة على استعمال الماء الكافي ولو مرة إذا وجد، وهناك صورة يذكرها الفقهاء وهي التي يسمون صاحبها فاقد الطهورين وهو الذي يفقد الماء والصعيد: كأن حبس في مكان ليس فيه واحد منهما أو في موضع نجس أو كان مصلوباً أو راكب سفينة لا يصل إلى الماء، أو من عجز عن الوضوء والتيمم معاً كمرض ونحوه كمن كان به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم، فعند الحنفية والشافعية تجب عليه الصلاة وعليه الإعادةوالقضاء، وقال الحنابلة لا تجب عليه الإعادة، وقال المالكية: تسقط عنه الصلاة أداءً وقضاءً، ولا يصح لفاقد الطهورين أن يؤم متطهراً بماء أو تراب، ويصح أن يؤم مثله (1) وإلى نصوص هذه الفقرة.

(1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 153 وما بعدها، الشرح الصغير 1/ 179 وما بعدها، المهذب 1/ 32 وما بعدها، المغني 1/ 234 وما بعدها اولفقه الإسلامي 1/ 416 وما بعدها.

ص: 465

682 -

* روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش- انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، فأتى الناسُ إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعتْ عائشةُ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءً؟ فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنُ بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماءٍ، فأنزل الله تعالى آية التيمم، فتيممُوا، فقال أُسيدُ بن حُضير- وهو أحد النقباء-: ما هي بأول بركتكُمْ يا آل أبي بكر، قالت عائشة" فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحتهُ.

وفي رواية (1): أن عائشة قالت: سقطتْ قلادةٌ لي بالبيداء، ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل، فثنى رأسه في حجري راقداً، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة؛ وقال: حبست الناس في قلادةٍ، فبي الموتُ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجعني، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرتِ الصبحُ، فالتمس الماء فلم يوجدْ، فنزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) قال أُسيدُ بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي

682 - البخاري (1/ 431) 7 - كتاب التيمم، 1 - باب حدثنا عبد الله بن يوسف، و (7/ 20) 62 - كتاب فضائل الصحابة، 5 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً.

مسلم (1/ 279) 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم.

(1)

البخاري (8/ 273) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (فلم تجدواماءً فتيمموا صعيداً طيباً.

(2)

المائدة: 6.

ص: 466

بكرٍ، ما أنتم إلا بركةٌ لهم".

وفي أخرى (1): "أنها استعارتْ من أسماء قلادةً، فهلكتْ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً منأصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوءٍ، فلما أتوا النبي صلى الله لعيه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آيةُ التيمم، فقال أُسيد بنُ حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قطُّ إلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين في بركةً".

وفي رواية (2) أبي داود قالت: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسيد بن حُضير وأُناساً معه في طلب قلادةٍ أضلتها عائشةُ، فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوءٍ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فأُنزلت آية التيمم".

زاد في رواية (3): "فقال لها أُسيد: "يرحمُك الله، ما نزل بك أمرٌ تكرهينهُ إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً".

683 -

* عن شقيق بن سلمة الأسدي قال: "كنتُ جالساً مع عبد الله بن مسعود أبي

(1) مسلم، نفس الموضع السابق.

(2)

أبو داود (1/ 86) كتاب الطهارة، 123 - كتاب التيمم.

(3)

أبو داود، نفس الموضع السابق.

(البيداء) المفازة لا شيء فيها وهي هنا ذو الحليفة اسم موضع قرب المدينة من طريق مكة وإذا ذكرت في السنة ففي الغالب أنها هي المرادة.

وفي الحديث دليل على تأديب الرجل أهله وولده وإن لم يكن سلطاناً حيث طعن أبو بكر خاصرة عائشة.

(التيمم) في اللغة: القصد: وهو في الشريعة: الفعل المعروف القائم مقام الوضوء

(النُّقباء) جمع نقيب: وهو المقدم على جماعة يكون أمرهم مردوداً إليه، كالعريف أو أكبر منه، والمراد بالنقباء: رؤساء الجماعة من الأنصار الذين أسلموا في العقبة، وأصحاب العقبة هم سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام، جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نقباء على قومهم، وكان أُسيد بن حضير منهم.

(فبعثنا) بعثتُ البعير وغيره: إذا أثرتَهُ ليقوم.

(فثنى رأسه في جري) أي عطفه ولوا.

(فلكزني) اللكزُ والنخس واحد (ابن الأثير).

أقول: وقعت هذه الحادثة في غزوة بني المصطلق التي تسمى غزوة المريسيع وكانت في السنة السادسة للهجرة.

683 -

البخاري (1/ 455، 456) 7 - كتاب التيمم، 8 - باب التيمم ضربة.

مسلم (1/ 280) 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم.

ص: 467

موسى، فقال أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن: لو أن رجلاً أجنبَ، فلم يجِد الماء شهراً: كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم، وإن لم يجد الماء شهراً، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: (فلم تجدوا ماء)(1)؟ فقال عبد الله: لو رُخِّص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمَّمُوا بالصعيد، قلت: وإن كرهتم هذا لذا؟ قال، نعم، فقال أبو موسى لعبد الله: ألم ستمعْ قول عمارٍ لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجبتُ، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغُ الدابةُ، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال:"إنما يكفيك أن تصنع هكذا - وضرب بكفيه ضربةً على الأرض - ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله - أو ظهر شماله بكفه - ثم مسح بها وجهه؟ ".

وعند مسلم (2): "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيْهِ ووجهه - فقال عبد الله: أو لم ترَ عمر لم يقنعْ بقول عمار؟.

وفي رواية (3): قال أبو موسى: فدعنا من قول عمارٍ، فكيف تصنع بهذه الآية؟ فما دري عبد الله ما يقول؟ ".

وفي أخرى (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه الأرض، فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه".

أخرجه البخاري ومسلم، إلا أن مسلماً لم يقل: فقال: إنما كرهتُم هذا لذا؟ قال: نعم.

أقول: كانت مناقشة عبد الله بن مسعود في مرحلة، ثم انعقد الإجماع، وحديث عمار هذا أخذ به المالكية والحنابلة ولكنهم استحبوا المسح إلى المرفقين ولم يأخذ به الحنفية

(1) المائدة: 6.

(2)

مسلم، الموضع السابق.

(3)

البخاري، (1/ 455) 7 - كتاب التيمم، 7 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو العطش تيمم.

(4)

مسلم، الموضع السابق.

ص: 468

والشافعية وقالوا لابد من مسح اليدين إلى المرفقين كالوضوء، وتأولوا حديث عمار، ورأوا أن الآية ذكرت الأيدي والتيمم بدلاً عن الوضوء، والمراد بالأيدي هنا المراد بها في الوضوء، خاصة وأن هناك روايات لحديث عمار تحتمل هذا المعنى، وهي توافق القياس العام فقدمت على حديث الآحاد.

684 -

* روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصعيدُ وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرة، فإن ذلك خير".

685 -

* روى الطبراني عن حكيم بن مُعاويةَ عن عمه قال: قلتُ يا رسول الله إني أغيب الشهر عن الماء ومعي أهلي فأصيب منهم قال: "نعم": قلتُ يا رسول الله إني أغيب أشهراً قال: "وإن غبت ثلاث سنينَ".

686 -

* روى الدارمي عن عمار بن ياسرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم: "ضربة للوجه والكفين".

687 -

* روى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبزي: أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبتُ، ولم أجد ماءً؟ فقال: لا تصلِّ، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين: إذ أنا وأنت في سريةٍ، فأصابتنا جنابةٌ، فلم نجد الماء، فأما أنت: فلم تُصلَّ، وأما أنا: فتمعكتُ في التراب وصليتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يكفيك: أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ " فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئتَ لم أُحدِّثْ به، فقال عمرُ: نوليك ما توليْتَ.

684 - كشف الأستار (1/ 157) باب التيمم.

مجمع الزوائد (1/ 261) وقال الهيثمي: رواه البزار وقال لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، قلت ورجاله رجال الصحيح.

685 -

مجمع الزوائد (1/ 263) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

686 -

الدارمي (1/ 190) باب التيمم ضربة واحدة، قال عبد الله صح إسناده.

687 -

البخاري (1/ 443) 7 - كتاب التيمم، 4 - باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟

مسلم (1/ 280، 281) 3 - كتاب الحيض، 38 - باب التيمم.

ص: 469

وفي رواية (1) أبي داود قال: كنتُ عند عمر، فجاءه رجلٌ، فقال: إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، قال: فقال عمار: يا أمير المؤمنين، أما تذكُرُ إذ كنتُ أنا وأنت في الإبل، فأصابتنا جنابةٌ، فأما أنا فتمعكتُ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع؟ فقال عمر: يا عمار، اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر: كلا والله، لنولينك من ذلك ما توليتَ.

وهناك روايات متعددة عن عمار وغيره تذكر الذراعين والمرفقين والآباط والمناكب وهي بمجموعها يقوي بعضها بعضاً لذلك ذهب من ذهب من الأئمة إلى وجوب مسح اليدين إلى المرفقين احتياطاً لهذه الروايات وقياساً على الوضوءؤ.

وترجم البخاري لأحد الأبواب بقوله (باب التيمم للوجه والكفين) قال الحافظ:

أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فاما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي

(1) أبو داود (1/ 88) كتاب الطهارة، 123 - باب التيمم.

(سرية) السرية: قطعة من الجيش تبلغ أربعمائة ينفذون في مقصد.

(فتمعكتُ) التمعُّك: التمرُّغُ في التراب.

(نوليك ما تلويت) أي: نكِلُك إلى ما قلت، ونرُدُّ إليك ما وليته نفسك، ورضيت لها به.

ص: 470