الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الطهارة: معنى تعبدي من آثارها النظافة ولكنهما لا يتلازمان دائماً، فقد يكون الإنسان نظيفاً وليس طاهراً وقد يكون طاهراً وليس نظيفاً، ولكن لارتباط الطهارة في الغالب بالماء، ولكون الماء أداة النظافة الرئيسية فقد ارتبطت الطهارة بالنظافة، ولكنهما لا يتطابقان ولا يتلازمان، فالطهارة مقصودة بذاتها في شريعتنا، والنظافة مقصودة بذاتها في شريعتنا، وهذه عبادة وهذه عبادة أخرى إذا صحت النية، فإذا اغتسلت المرأة وهي حائض بماء نظيف طاهر فهي نظيفة ولكن لا يحكم لها بالطهارة، وإذا اغتسل الجنب بماء وسخ طاهر فإنه يحكم له بالطهارة مع أنه غير نظيف، وقد تكون الثياب نظيفة وليست طاهرة كأن غسلت بالكحول على رأي من يعتبر الكحول نجساً (وهي قضية خلافية)، وقد تكون وسخة ويحكم لها بالطهارة، فالطهارة إذن معنى تعبدي يحكم به إذا توافرت شروط ذلك من انتفاء مانع وتحقيق مطلوب.
* * *
والطهارة يقابلها النجاسة، وكما أن الطهارة معنى تعبدي يعطيه الشارع وصفه ويحدد شروطه، فكذلك النجاسات يعطيها الشارع وصفها ويحددها، وهي شيء قد يتلازم مع الضرر والقذارة وقد لا يتلازم، فما يخرج من الإنسان فيه معنى الضرر والقذر والنجاسة، ودم الإنسان والحيوان نجس وضار، ولا يعتبره بعضهم قذراً، والجراثيم ضارة ومستقذرة وليست نجسة، وقد يكون الشيء وسخاً ليس ضاراً ولا نجساً كالثوب الملوث بالطين، ومن ههنا كانت قضية الطهارات والنجاسات لا تخضع لمقاييس الاجتهاد البشري بل هي أحكام شرعة يقررها الشارع.
والمسلم مطالب بالعلم بأحكام الطهارة والنجاسة ومطالب بالطهارة حيث وجبت لعبادة، كما أنه مطالب بالنظافة ومطالب بالابتعاد عما هو ضار وقذر.
* * *
والنجاسات أنواع فمنها الحسي كالبول والغائط والدم ومنها المعنوي كالكفر والحدث
الأكبر والحدث الأصغر.
والطهارات أنواع: فمنها الطهارة المعنوية من الشرك والكفر وأمراض القلوب، ومنها الطهارة الحسية بالغسل للحائض والنفساء إذا طهرتا وللجنب، وبالوضوء للمحدث حدثاً أصغر مع إزالة النجاسات الحسية عن الثوب والبدن والمكان لمريد الصلاة أو الطواف، أو إزالة الحدث الأصغر والأكبر لمريد من القرآن، أو إزالة الحدث الأكبر لمريد المرور بالمسجد أو تلاوة القرآن.
وعلى هذا فالقدر المطلوب من الطهارة يختلف باختلاف العبادة المرادة:
فالإنسان يطالب أولاً بالطهارة من الكفر بأن يُسْلم، فإذا أسلم ودخل وقت صلاة يفترض عليه الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر - إلا المرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء، فإذا أحدث حدثاً أصغر وأراد مس القرآن فعليه أن يتوضأ.
* * *
ولفقه الطهارة صلة بتكليفات كثيرة، فله ارتباط بالصلاة لأن الطهارة شرطها الأول، وله صلة بأحكام المساجد وتلاوة القرآن والطهر من الحيض والنفاس ترتبط به أحكام كثيرة في حق المرأة من عدم وجوب الصيام في رمضان إلى وجوب الغسل والصلاة، وللحيض والنفاس والطهر منهما أحكام تتعلق بالحياة الزوجية كما ترتبط بهما أو بواحد منهما أحكام العدة للمطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن كالحوامل. وللطهارة صلة ببعض أحكام الحج، ومن ثم كان لفقه الطهارة أهمية كبيرة فدع عنك جهل الجاهلين بل كفر الكافرين، وتنطع المتنطعين.
* * *
والحيض والنفاس والجنابة تسبب الحدث الأكبر الذي يحتاج إلى غسل، والبول والغائط والاستحاضة تسبب الحدث الأصغر الذي يحتاج إلى وضوء، والمادة المطهرة الرئيسية من النجاسات الحسية هي الماء، والمادة المطهرة الأصلية من الحدثين الأكبر والأصغر هي الماء، وهناك حالات استثنائية ينوب فيها عن الماء غيره، وهناك حالات عارضة أو طارئة، وهناك حالات خاصة لها أحكام خاصة ومن ههنا غيره تدخل في أبحاث الطهارة مباحث متعددة:
- البحث في أحكام الوضوء والغسل على اعتبار أنهما العبادتان اللتان يزال بهما الحدث الأصغر والحدث الأكبر.
- البحث في أحكام المياه على اعتبار أنها مادة الطهارة الأساسية والرئيسية والأصلية.
- البحث في التيمم كنائب عن الغسل والوضوء في حالات تعذر استعمال الماء أو فقدانه.
- ويتوضع حول هذا أبحاث المسح على الخفين كنائب عن غسل الرجلين في الوضوء ضمن شروط، وأبحاث المسح على الأربطة والجبائر إذا كانت هناك كسور أو جروح أو حروق أو بثور، وتبحث عادة في أبحاث الطهارة موجبات الحدث الأكبر من حيض أو نفاس أو جنابة بسبب جماع أو احتلام أو خروج مني، وتبحث عادة موضوعات الأعذار التي تؤثر على بعض الأحكام الأصلية كسلس البول وانفلات ريح. وتبحث عادة موضوعات الاستنجاء والاستبراء والحمامات في هذا الباب لارتباطها بالطهارة.
ولكون الطهارة هي الشرط الأول من شروط الصلاة فإنها تقدم عادة في الذِّكر.
* * *
والطهارة وتطبيقاتها العملية تترك بصماتها الواضحة على الحياة الشخصية للمسلم وعلى بيته وعلى بيئته ومجتمعه، ومن ثم فإنها تترك بصماتها المميزة على الحضارة الإسلامية:
فالمياه الطهور وطريقة استعمالها للطهارة والحمامات والمراحيض النظيفة ذات المياه الجارية للبيت والمسجد وأدوات الطهارة ولوازمها وتنظيم الحياة التعبدية على أساس الطهارة، وارتباط جواز بعض الأمور أو حرمتها بالطهارة كل ذلك مَعْلَمٌ كبير من معالم الحياة الإسلامية ينعكس بشكل تلقائي على أمور كثيرة:
أولها نظافة جسم الإنسان وثيابه ونظافة أطرافه، وثانيها أنه في المجتمع الإسلامي تجد عوازل بين بعض الأشياء والإنسان كالكلاب، وثالثها أن المجتمع الإسلامي مجتمع وقاية.
* * *
وسنرى أثناء عرض النصوص أن هناك تلازماً بين طهارة الظاهر والباطن فطهارة
الظاهر تنعكس على الباطن فتزيل آثار الخطايا وتساعد على طهارة الروح، وكل ذلك يترك آثاره على التعامل الحياتي بين المسلمين، إن الإمام ليعكر عليه أن تكون طهارة المأموم ناقصة، أليس ذلك دليلاً على أن للطهارة تأثيراتها على الروح والقلب وعلى الغير وبالتالي على السلوك.
وكما أن الطهارة مدخل لبعض العبادات فهي عبادة بعينها وكما ارتبطت بها معان روحية كثيرة، فقد ارتبطت بها معان حسية كأثر عفوي عنها. خذ مثلاً ارتباط الوضوء والصلاة بالسواك، إن أمراض الفم لها تأثيراتها على الجسد كله، واستعمال السواك أو ما يقوم مقامه يشكل تسعين بالمائة من لوازم الوقاية، ونظافة الأطراف في الوضوء، ونظافة الجسد بالغسل وتنظيم الليل والنهار على ضوء الصلاة- كل ذلك له تأثيراته الحسية.
وكنا ذكرنا أن النظافة والطهارة تتلازمان أحياناً وتتكاملان أحياناً، فليس كل طاهر نظيفاً وليس كل نظيف طاهراً، كما قلنا: إن الطهارة مطلب شرعي والنظافة مطلب شرعي كذلك، وبالتالي فالمسلم مطالب بقدر الاستطاعة أن يكون طاهراً، ونظيفاً وبالتالي فهو مطالب بأن يطهر نفسه وثيابه عن النجاسات الحسية والمعنوية وعن الأوساخ والأقذار الحسية والمعنوية.
وكما أن النظافة مطلب، فحسن السَّمْت والهيئة مطلب، إلا إذا أدى إلى مفسدة أو حال دون واجب، فالأصل في المسلم أن يكون حسن السمت حسن الهيئة، لكن هناك مواطن لا يجتمع القيام بالواجب مع مثل هذا فيترك هذا الأصل العام للأصل الخاص، فالإحرام بالحج - عادةً - يرافقه شيء من الشعث، والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة يقتضيان ترك العادات في ذات الله، والقتال والجهاد والقيام ببعض الأعمال الدنيوية كل ذلك يرافقه نوع من التبذل، وتعويد النفس على الاخشيشان وحملها على ترك التعبد للمظهر، كل ذلك حالات راعاها الشارع وأدَّب عليها ولكنها تكاد تكون استثناءً من الأصل العام الذي هو المطالبة بحسن السمت وحسن المظهر من أجل مراعاة أصول خاصة لقضايا خاصة أعطاها الشارع في أوقاتها أو في أوضاعها أحكاماً خاصة بها.
وسنرى كثيراً مما له علقة في هذه الشؤون في مواطنها من هذا الكتاب، لكننا أحببنا
أن نُذكر بها ههنا لاستكمال الإشارة إلى تكامل الطهارة مع غيرها في تكميل ذات المسلم، ولأن النظافة وحسن السمت مرتبطان بالصلوات، فلا يعتبر الحديث عنهما ههنا خارجاً عن الصلاة، لأن الصلاة هي المنظم لحياة المسلم، فالمسلم يندب هل أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد وهو طيب الرائحة ويكره أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد في ثياب العمل إذا كانت تؤذي أو تصيب الغير أو المسجد بالأوساخ إلا للضرورة، ويكره للمسلم أن يُشَمَّ منه رائحة كريهة.
وبعد، فعدا عن كون الطهارة هي الفطرة، وهي النظافة لهذه الفطرة إذا أصاب الفطرة غبارٌ ودخنٌ فإنها طريق إلى محبة الله عز وجل، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1). وقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (2).
فإلى فقرات هذا الفصل.
(1) البقرة: 222.
(2)
التوبة: 108.