الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة السابعة
في:
قتال التتار والمغول والأتراك قبل إسلامهم
920 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هُريْرَة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم السَّاعة حتى تُقَاتِلوا قوْماً نِعالهم الشَّعَر، ولا تقُوم الساعةُ حتَّى تُقَاتلوا قوماً كأن وجوهم المجانُ للمطرقةُ".
قال سفيان: زاد فيهِ في روايةٍ (1): "صِغَارَ الأعينِ ذُلْفَ الأُنُوفِ، كأنّ وجوههم المجان المطرقة".
وفي رواية قال (2): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقاتلون بين يدي الساعة قوماً نعالهم الشَّعَر، كأنَّ وجوههم المجان المطرقة، حُمْرُ الوجوهِ، صِغار الأعْيُنِ".
وللبخاري (3) عن قيس بن أبي حازم قال: أتينا أبا هُرَيْرة، فقال: صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن في سنِّي أحرص على أن أعي الحديثَ مِنِّي فيهنَّ، سَمِعتُه يقول- وقال هكذا بيده-:"بين يدي الساعةِ تقاتلون قوماً نعالهم الشعر، وهو هذا البارزُ". قال سفيان مرة: وهم أهلُ البازرِ، ويعني بأهل البازر أهلَ فارس، كذا هو بلغتهم.
وللبخاري أيضاً (4): وزاد في آخره "وتجدن خيرَ الناس أَشدَّهم كراهيَّةً لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والنَّاس معادنُ، خِيارُهم في الجاهليَّة خِيارُهم في الإسلام،
920 - البخاري (6/ 104) 56 - كتاب الجهاد، 96 - باب قتال الذين ينتعلون الشعر.
مسلم (4/ 2223) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل .. إلخ.
(1)
البخاري: الموضع السابق.
(2)
مسلم (4/ 2223): الموضع السابق.
(3)
البخاري (6/ 604) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. (والبازر سوق الفسوق الذي لهم)
(4)
البخاري: الموضع السابق.
إذا فقهوا، وليأتِيَنَّ على أحدكم زمانٌ لأَن يراني أحبُّ إليه من أن يكون له مثلُ أهلِهِ ومالِه".
وله أيضاً (1): قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقومُ الساعةُ حتى تقاتلوا خُوزَاً وكِرمانَ من الأعاجم، حُمْرَ الوجوه، فُطْسَ الأنوفِ، صِغارٍ الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر".
ولمسلم (2): أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يُقَاتِل المسلمون التُّركَ، قوماً وجوهمم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر".
أقول: المراد من الترك هنا: ما هو أعمُّ من الشعب التركي بدليل الأوصاف، فكأن المراد: الترك ومن وراءهم من المغول والتتار الذين تنطبق عليهم الأوصاف التي وردت في الحديث.
921 -
* روى البخاري عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أشراط الساعة: أن تُقَاتِلوا قوماً يَنْتَعِلون نِعال الشَّعَرِ، وإنَّ من أَشراط الساعة: أن تقاتلوا قوماً عِراض الوجوهِ، كأَنَّ وجوههم المجان المطرقة".
قال في الفتح: قوله (ينتعلون نعال الشعر)
…
[الظاهر من الحديث]:
أن الذين ينتعلون الشعر غير لترك. وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد
(1) البخاري: الموضع السابق.
(2)
مسلم (4/ 2223): الموضع السابق.
(المجان لمطرقة): المجان جمع مجن، وهو الترس. والمطرقة، بإسكان الطاء وتخفيف الراء من أطرق. هذا هو الفصيح المشهور في الرواية وفي كتب اللغة العربية والغريب. وحكي فتح الطاء وتشديد الراء، من طَرَّق، والمعروف الأول.
قال العلماء: هي التي ألبست العقب وأُطرقت به طاقة فوق طاقة. قالوا: ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتلوُّن جنانها بالترسة المطرقة.
(ذلف الأنوف): جمع أذلف، كأحمر، ومعناه فطس الأنوف، وقصارها مع انبطاح. وقيل: هو غلظ في أرنبة الأنف. وقيل\: تطامن فيها. وكله متقارب.
(يلبسون الشعر ويمشون في الشعر): معناه ينتعلون الشعر. كما صرَّح به في الرواية الأخرى: نعالهم الشعر.
921 -
البخاري (6/ 103، 104) 56 - كتاب الجهاد، 95 - باب قتال الترك.
قال: بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر. قلت [أي ابن حجر]: بابك بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف يقال له الخُرَّمي بضم المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات، وقامت لهم شوكة كبيرة في أيَّام المأمون، وغلبوا على كثير من بلاد لعجم كطبرستان والري، إلى أن قتل بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين أو قبلها، وقتله في سنة اثنتين وعشرين" أ. هـ ابن حجر.
أقول: لقد قاتل المسلمون زنادقة انطلقوا من بلاد فارس، وقاتلوا قبائل انطلقوا من أرض الترك، وقاتلوا الأتراك قبل دخولهم في الإسلام، وقاتلوا قبائل انطلقوا مما وراء بلاد الترك كالمغول والتتار، وفي أحاديث هذه الفقرة ما يشير إلى ذلك كله، وذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
922 -
* روى أحمد عن بريدة قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يسوقُها قومٌ عِراض الوجوه صِغار الأعين كأن وجوههم الجُحَفُ ثلاث مرات حتى يُلْحِقوكم بجزيرة العرب؛ أما السائقة الأولى فينجو مَنْ هرب منهم، وأمَّا الثانية فينجو بعضٌ ويهلِكُ بعضٌ، وأمَّا الثالثة فيصطلمون من بقي منهم". قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "الترك، أمَّا والذي نفسي بيده لَيَربُطَنَّ خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين". قال: وكان بريدةُ لا يفارقه بعيران أو ثلاثةٌ ومتاعٌ السفر والأسقيَّة، ويُعِدُّ ذلك للهرب مما سُمِع من النبي صلى الله عليه وسلم من البلاء من الترك.
أقول: هذا الحديث أشبه بأن يكون محمولاً على قتال التتار والمغول، والظاهر أن كلمة الترك تطلق في النصوص بأوسع ممَّا هو متعارف عليه الآن في تعريف الأتراك، ولذلك حمل
922 - أحمد (5/ 248). وكشف الأستار (4/ 128).
مجمع الزوائد (7/ 211) وقال: رواه أحمد والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح.
(الجُحْف): بمعنى الترس.
(يصطلمون): يقطعون
شرَّاح السنّة بعض الروايات المذكورة في هذه الفقرة على المأساة التي وقعت للمسلمين على يدي المغول والتتار.
قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود (المجلد الرابع):
قال النووي: معناه ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية الأخرى نعالهم الشعر، وقد وجدوا في زماننا هكذا- انتهى. قلت: رواية مسلم بلفظ يلبسون الشعر ويمشون في الشعر تدل دلالة واضحة على أنه يكون لباسهم أيضاً من الشعر، كما أن نعالهم تكون من الشعر، وهو الظاهر لما في بلادهم من ثلج عظيم لا يكون في عيرها على ما قال ابن دحية وغيره.
وقال القرطبي في التذكرة: والحديث الأوَّل، أي حديث أحمد على خروجهم وقتالهم للمسلمين وقتلهم، وقد وقع ذلك على نحو ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله ولا يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج، فخرج منهم في جمادى الأولى سنة سبع عشر وست مائة جيش من الترك يقال له الططر [أي التتر] عظم في قتله الخطب والخطر، وقُضِي له في قتل النفوس المؤمنة الوَطر، فقتلوا ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا رسوم ملك بني سامان، وخربوا البنيان وأطلقوا الماء على المدينة من نهر جيجان، فغرق منها مباني الدار والأركان ثم وصلوا إلى بلاد نهشان، فخربوا مدينة الري وقزوين ومدينة أرديل ومدينة مراغة كرسي بلاد أذربيجان وغير ذلك، واستأصلوا ساقة من هذه البلاد من العلماء والأعيان واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان ودَور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان، وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن أنزل عليهم مواد التأييد والإحسان فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلاد الفرسان واجتمع فيها مائة ألف إنسان وأبرز الططر [أي التتار] القتل في مضاجعهم وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمي منهم فرار الشيطان في يوم بدر وله حصاص ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن لهم
من الهلاك خلاص، ووصلوا السير بالسير إلى أن صعدوا جبل أربد فقتلوا جميع من فيه من صلحاء المسلمين وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وكانت استطالتهم على ثلثي بلاد المشرق الأعلى وقتلوا وخربوا ما فيه من الخلائق ما لا يُحصى وقتلوا في العراق الثاني عدةً يبعد أن تحصى، ربط خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع كما جاء في الحديث المنذر بخروجهم- إلى أن قال-: وقطعوا السبيل وأخافوها وجاسوا خلال الديار وطافوها، وملأوا قلوب المسلمين رُعباً وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً، ولا شكَّ أنهم هم المنذر بهم في الحديث وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الأخيرة منها. وقال القرطبي: فقد كملت بحمد الله خرجاتهم ولم يبق قتلهم وقتالهم فخرجوا عن العراق الثاني والأول كما ذكرنا، وخرجوا من هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد وقتلوا من فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، واستباحوا جميع من فيها من المسلمين وعبروا الفلاة إلى حلب وقتلوا جميع من فيها وخربوا إلى أن تركوها خالية، ثم أَوْغَلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام، ودخل رعبهم الديار المصريَّة ولم يبق إلا اللحوق بالديار الأخروية فخرج إليهم من مصر الملك المظفَّر الملقَّب بظفر رضي الله عنه بجميع من معه من العساكر وقد بلغت القلوب الحناجر، إلى أن التقى بهم بعين جالوت فكأن له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فقتل منهم جمع كثير وعدد غزيز وارتحلوا إلى الشام من ساعتهم ورجع جميعه كما كان للإسلام وعدوا الفرات منهزمين ورأوا ما لم يشاهدوه من زمان ولا حين، وراحوا خائبين وخاسئين مدحورين أذلاء صاغرين
…
انتهى كلام القرطبي باختصار. وقال الإمام ابن الأثير في الكامل: حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عمقت الدهور عن مثلها، عمَّت الخلائق وخصّت المسلمين فلو قال قائل:(إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا بمثلها) لكان صادق فإن التواريخ لم تتضمَّن ما يقاربها .. انتهى. وقال الذهبي: وكانت بليَّة لم يُصَب الإسلام بمثلها .. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: وهذه كلها معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها صلى الله عليه وسلم، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين. انتهى مختصراً. أ. هـ.
نقلا عن (عون المعبود).
فائدة: يلاحظ أن النصوص التي تتحدَّث عن خوز وكرمان وعن الترك، تتحدَّث عن أقوام لهم صفات واحدة وهي الصفات التي تنطبق على المغول والتتار، وذلك أنه جرت العادة أن يُطلق اسم الترك على الشعوب التي تقطن وراء جبال القفقاس، وقد قاتل المسلمون بعض هذه الشعوب على أرضها، وأسلمت بعض هذه الشعوب، وبعض هذه الشعوب هربت أمام موجات التتار والمغول وهي مسلمة، فجاءت إلى الشرق كبني عثمان، والظاهر أن النصوص التي تصف الأقوام الغازية بأنهم من خوز وكرمان وتُرْك إنما تريد التتار والمغول، بل إن ابن كثير يذهب في كتابه "النهاية" إلى أن يأجوج ومأجوج هم من التُّرك كما سنرى، وذلك كما قلنا أّخْذٌ من الاصطلاح الذي أشرنا إليه، وينقل ابن كثير في مقطع من كتابه "النهاية" ثلاثة نصوص، نصّاً يتحدَّث عن قتال الترك ويصفهم، ونصّاً يتحدَّث عن خوز وكرمان ويصفهم، ونصّاً مطلقاً يذكر بعض الأوصاف، ثم يعلق ذلك بما يفيد أن هؤلاء جميعاً هم الترك.
وأقول: إن المراد بالترك هنا عندهم هم أهل منطقة ما وراء جبال القفقاس مع أن وراء هذه المنطقة شعوباً متعدِّدة، والذين تنطبق عليهم الأوصاف التي وردت في الأحاديث هم المغول والتتار وهو الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، بينما نجد شعوباً أُخرى ممن يُطلَق عليهم اسم الترك دخلوا في الإسلام وحملوه. صحيح أن المسلمين قاتلوا ابتداء هذه الشعوب، لكن لم يدم ذلك طويلاً، وعلى ضوء ما قلناه، فلنفهم من هذه الصفحة من كلام ابن كثير في "النهاية" ومرادنا من نقلها لنثبت ما ذكرنا آنفاً.
قال ابن كثير في النهاية: عن أبي هُرَيْرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر" أخرجه الجماعة سوى النسائي.
عن أبي هريرة فذكر نحوه. قال سفيان بن عيينة: وهم أهل البارز- كذا يقول سفيان- ولعل البارز هو سوق الفسوق الذي لهم. وقال أحم حدَّثنا عفَّان حدَّثنا جرير بن حازم سمعتُ الحسن حدَّثنا عمرو بن ثعلب سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عِراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة". ورواه البخاري من حديث جرير بن حازم، والمقصود أن الترك قاتلهم الصحابة فهزموهم وغنموهم وسبوا نساءهم وأبناءهم، وظاهر هذا الحديث يقتضي أن يكون هذا من أشراط الساعة، فإن كانت أشراط الساعة لا تكون إلا بين يديها قريباً، فقد يكون هذا أيضاً واقعاً مرَّة أخرى عظيمة بين المسلمين وبين الترك حتى يكون آخر ذلك خروج يأجوج ومأجوج كما سيأتي ذكر أمرهم، وإن كانت أشراط الساعة أعمُّ من أن تكون بين يديها قريباً منها، فإنها تكون مما يقع في الجملة ولو تقدَّم قبلها بدهر طويل إلا أنه مما وقع بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي ظهر بعد تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب). أ. هـ
(النهاية في الفتن والملاحم).