الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد ومسائل
(1)
قال ابن كثير في كتابه (النهاية في الفِتَن والملاحِم):
قد سأل سائل سؤالا فقال:
ما الحكمة في أن الدجَّال مع كثرة شرِّه وفجوره وانتشار أمره ودعواه الربوبيَّة وهو في ذلك ظاهر الكذب والإفتراء وقد حذِّر منه جميع الأنبياء لم يُذكَر في القرآن ويُحذَّر منه ويُصرَّح باسمه ويُنَوَّه بكذبه وعناده؟
والجواب: من وجوه، أحدها: أنه قد أُشِير إلى ذكره في قوله تعالى:
قال أبو عيسى الترمذي (2) عند تفسيرها: حدَّثنا عبد بن حميد حدَّثنا يعلي بن عُبيد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ثلاثٌ إذا خرجنَ لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: الدَّجَّال والدَّابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغاربها".
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا كما تقدَّم وكما سيأتي وقد ذُكِر في القرآن نزوله في قوله تعالى:
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا
(1) الأنعام: 158
(2)
الترمذي (5/ 264) 48 - كتاب التفسير، 7 - باب "ومن سورة الأنعام".
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (1).
وقد قرَّرنا في التفسير أن الضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً؛ فمِن مُدَّعي الإلهيَّة كالنصارى، ومن قائل فيه قولاً عظيماً وهو أنه وُلِدَ رِيبَةً وهم اليهود، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقَّق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدَّعيه من الافتراء
…
وعلى هذا فيكون ذِكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى المسيح الدَّجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى ومن عادة العرب أنها تكتفي بِذِكر أحد الضدَّيْن عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه.
الثالث: أنه لم يُذكر اسمه في القرآن احتقاراً له حيث يدَّعي الإلهيَّة وهو ليس ينافي حالة جلال الرّب وعظَمَته وكبريائه وتنزيهه عن النقص فكان أمره عند الرَّب أحقر من أن يُذكر وأصغر وأدخر من أن يُحكى عن أمر دعواه ويحذِّر؛ ولكن انتصر الرُّسل بجناب الرَّب عز وجل فكشفوا لأمَمِهم عن أمره وحذَّروهم ما معه من الفتن المُضِلَّة والخوارق المضمحلَّة فاكتُفِيَ بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القرآن العظيم، ووكَّلَ بيان أمره إلى كل نبيٍّ كريم. أ. هـ.
(النهاية).
(2)
مرَّ معنا حديث المغيرة بن شُعبة والذي فيه عن الدَّجَّال: "وهو أهون على الله من ذلك". وقد علَّق ابن كثير في النهاية على هذا الحديث فذكر رواية مسلم، وذكر أنَّ البخاري رواه أيضاً، ومن كلامه:
عن المغيرة بن شُعبة قال ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدَّجَّال أكثر مما سألته، قال وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون: إن معه جبالاً من خبزٍ ولحمٍ ونهراً من ماء؟ قال:
"هو أهون على الله من ذلك".
(1) النساء 157 - 159.
وقد تقدَّم حديث حُذَيْفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد وإنما ذلك في رأي العين، وقد تمسَّك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أنّ الدَّجَّال ممخرق مموِّه لا حقيقة لما يُبْدِي للناس من الأمور التي تُشَاهَد في زمانه بل كلها خيالات ضد هؤلاء.
والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدَّجَّال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق لمشاهدة في زمانه كما تقدَّم أن من استجاب له يأمر السماء لتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سٍماناً ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلَّة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات. وأنَّه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل. ويقتل ذلك الشاب ثم/َّ يُحييه. وهذا كله ليس بمخرقة بل له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان فيُضِلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيماناً. وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث:
"هو أهون على الله من ذلك".
أي هو أقل من أن يكون معه ما يُضِلُّ به عباده المؤمنين. وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظُّلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق. أهـ (النهاية).
(3)
قال الشيخ عبد الفتَّاح أبو غدة:
وقد بيَّن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اوصاف هذا الدَّجَّال وأحواله وأفعاله ونهايته أوفى بيان،
…
وإليك بعض أحواله كما ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 13: 86 و 89 - 90 مما رواه- خاصَّةً- الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إنَّه يهودي، وإنَّه لا يُولد له ولد، وإنَّه لا يدخل المدينة ولا مكَّة". رواه
مسلم في "صحيحه" 18: 50، "وإنَّ عينه اليمنى عوراءُ، جاحظة، لا تخفى، كأنها نُخاعة- أي نُخامة- في حائط مُجَصَّص، عينه اليسرى كأنها كوكبٌ دُرِيٌ- يعني شدَّة اتقادها- معه من كل لسان، ومعه صورة الجنَّة خضراء تجي فيها الماء، وصورة النار سوداء". رواه أحمد في "مسنده" 3: 79، "وبين يديه رَجُلان يُنذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية دخل أوائله" رواه أبو يعلي والبزَّار.
وذكر الحافظ ابن حجر موطن خروجه فقال في "فتح الباري" أيضاً 13: 79: وسيكون خروجه مِن قِبَل المشرق جزماً، ثمَّ جاء في رواية أنه يخرج من خُراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر، وفي رواية أخرى أنه يخرج من أصبهان، أخرجها مسلم. ويخرج أولاً فيدَّعي الإيمان والصلاح، ثم يدَّعي النُّبُوَّة، ثمَّ يدعي الإلهيَّة!.
ثم قال الحافظ رحمه الله تعالى في "فتح الباري" 13: 91 - 93 "قال الخَطَّابي: فإن قيل كيف يجوز أن يُجرِي الله الآية على يد الكافر؟ فإنَّ إحياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء، فكيف ينالها الدَّجَّال وهو كذاب مُفْترٍ يدَّعي الربوبيَّة؟ "
فالجواب: أنه على سبيل الفتنة للعباد، إذ كان عندهم ما يدُلُّ على أنه مُبْطِل غير محقٍّ في دعواه، وهو أنه أعور، مكتوب على جبهته: كافر، يقرأه كل مسلم. فدعواه داحضة مع وسم الكفر، ونقص الذات والقَدْر، إذ لو كان إلهاً لأزال ذلك عن وجهه وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة، فلا يشتبِهان"
ثمّ قال الحافظ ابن حجر بعد كلام الخطابي هذا: وفي الدَّجَّال دلالةٌ بيِّنةٌ- لمن عقِلَ- على كذبه، لأنه ذو أجزاءٍ مؤلفة، وتأثير الصَّنعة فيه ظاهر، مع ظهور الآفة به من عور عينيهِ، -أي عيبهما- فإذا دعدا الناس إلى أنَّه ربهم، فأسواء حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليُسَوِّي خلق غيره ويُعدِّلَه ويُحسِّنه ولا يدفع النقص عن نفسه. فأقل ما يجب أن يقول: يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض، صوِّر نفسك وعدِّلها، وأزل عنها العاهة! فإن زعمت أن الرَّب لا يُحدِث في نفسه شيئاً فأزِل ما هو مكتوبٌ بين عينيك!
ثم قال الحافظ رحمه الله تعالى: وقال القاضي عِيَاض: في هذه الأحاديث حُجَّة لأهلِ
الشُّنَّة في صحَّة وجود الدجَّال، وأنَّه شخص معيَّن، يبتلي الله به العباد، ويُقدِره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله، وظهور الخِصب، والأنهار، والجنَّة والنَّار، واتِّباع كنوز الأرض له فتُنبِت، وكل ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم يُعجِزَه الله فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ثم يُبطِل أمره، ويقتله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
وقال الشيخ أبو بكر بن العربي: الذي يظهر على يد الدَّجَّال من الآيات: من إنزال المطر والخِصب على من يُصدِّقه، والجدب على من يكذِّبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنَّةٍ ونار، ومياه تجري، كل ذلك مِحْنة من الله واختبار، ليهلك المرتاب وينجو المتيقِّن، وكل ذلك أمر مُخوِّف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لا فِتنة أعظم مِن فِتنة الدَّجَّال، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذُ منها في صلاته تشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلم".
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" 18: 58 - 59، بعد ذِكر أحاديث الدَّجَّال
…
[وبعد ذِكر كلام القاضي عِياض السابق ذكره]:
هذا مذهب أهل السُّنَّة والجماعة وجميع المحدِّثين والفقهاء والنُّظَّار خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهْميَّة وبعض المعتزلة .. أهـ (التصريح).
أقول:
وقد ذهب بعض أهل العصر إلى مقولة لم يقلها أحد من قبل، فأّوَّل أحاديث الدجَّال بأن المراد بها الحضارة الغربيَّة لأنَّها حضارة عوراء وهو تأويل يكفر به من يعتقد أن النصوص لا تحتمل ذلك بحال من الأحوال، وهي نصوص متواترة والإجماع منعقد على أنها تصف شخصاً بعينه، وهناك فارق بين ما يحتمل التأويل وبين ما لا يحتمله، وهذا الفارق لا يعرفه إلا الراسخون في العلم، فإذا تنطَّع له من ليس مظنة العلم والاستقامة ضلَّ وأضَلَّ.
وهل الفِرَق الباطنية المجمع على كفرها إلا أصحاب التأويل الفاسد الذي يُخرِج قطعيات الشريعة إلى معانٍ أخرى؟!
(4)
قال الشيخ عبد الفتَّاح تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام: "يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة .. ":
(وقال العلامة ابن ملك: "وهذا القول في تفسير امتداد الأيام الثلاثة جارٍ على حقيقته، لا امتناع فيه، لأن الله قادرٌ على أن يزيد كل جزء من أجزاء اليوم الأوَّل حتى يصير مقدار سنة، خارقاً للعادة، كما يزيد في أجزاء ساعة من ساعات اليوم".
وقال العلامة علي القاري في "المرقاة شرح المشكاة" 5: 195 بعد نقله كلام ابن ملكٍ المذكور: وهذا القول الذي قررهُ لا يفيد إلا بسط الزمان كما وقع له صلى الله عليه وسلم في قصَّة الإسراء مع زيادةٍ على المكان.
لكن لا يخفى أن كلِّ صلاة إنما هو وقتها المقدَّر من طلوع صبح، وزوال شمس، وغروبها، وغيبوبة شفقها، وهذا لا يُتَصوَّر إلا بتحقُّق تعدُّد الأيَّام والليالي على وجه الحقيقة، وهو مفقود.
فنقول- وبالله التوفيق ومنه المعونة في التحقيق- قد تبيَّن لنا بإخبار الصادق المصدوق صلوات الله تعالى وسلامه عليه أنَّ الدَّجَّال يبعث معه من المشبهات ويفيض على يديه من التمويهات. ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم، ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم، فمن ذلك تسخير الشياطين له، ومجيئه بجنَّة ونار، وإحياء الميت على ما يدَّعيه، وتقويته على من يُريد إضلاله تارةٌ بالمطر والعُشب، وتارةٌ بالأزمة والجدب.
ثم لا خفاء أنه أسحر الناس، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول إلا أن نقول: إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم، حتى يُخَيَّل إليهم أن الزمان قد استمرَّ على حالةٍ واحدة: إسفارٌ بلا ظلام، وصباحٌ بلا مساء، يحسبون أن الليل لا يمدُّ عليهم رِواقه، وأن الشمس لا تطوي عنهم ضياءها، فيبقون في حيرة والتباس من امتداد الزمان، ويدخل عليهم دواخل باختفاء الآيت الظاهرة في اختلاف الليل والنهار، فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يجتهدوا عند مصادمة تلك الأحوال، ويُقدِّروا لكل صلاةٍ قدرها، إلى أن يكشف الله عنهم تلك الغُمَّة. هذا الذي اهتدينا إليه من
التأويل، والله الموفق لإصابة الحق وهو حسبنا ونعم الوكيل. انتهى) أهـ (التصريح).
أقول:
الذي ذهبت إليه أثناء العرض للنصوص أن اليوم الأول كَسَنة في الشِّدة واليوم الثاني كشهر في الشِّدة واليوم الثالث كأسبوع في الشِّدة، وبكلام فضيلة الشيخ عبد الفتاح أصبح أمامك اتجاهان يمكن أن يحمل عليهنا النص، ولا يبعد أن يكون هناك سبب وراء ذلك الطول في تلك الأيام، فالذي دعانا إلى حمل هذه النصوص على غير ظاهرها نصوص أخرى من ناحية، ومن ناحية أخرى أن بقاء يوم مستمر سنة كاملة قبل طلوع الشمس من مغربها لا يُستغرَب معه أن تطلع الشمس من مغربها بعد ذلك، مع أن الشارع رتب على هذه القضية ما رتَّب، ثم إذ لم تكن المسألة محمولة على شيءٍ ما لا نستطيع تصوره فإن اليوم الذي كسنة في حق بعض الناس سيكون منيراً في حقهم مظلماً بحق ناس آخرين بسبب كروية الأرض، فهذه الأشياء وأمثالها دعت إلى التأويل أو إلى التفسير مع احتمال أن يكون للمسألة سرها الذي يُعَرَّف في إبانه، ولذلك فمع أننا ذهبنا إلى ما ذهبنا إليه ونقلنا ما نقلناه فإننا نرجِّح التسليم خاصةً وسياق النصوص ليس صالح للتأويل.
(5)
تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام: "وآخر أيامه كالشررة". الوارد في حديث ابن ماجه عن أبي أمامة قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله:
هذا يخالف ما تقدَّم في حديث النوَّاس بن سمعان، فقد جاء فيه أن إقامة الدجَّال في الأرض:"أربعون يوماً، يومٌ كَسَنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسئر أيامه كأيامكم". وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد كما تقدَّم. وحديث أبي أُمامة هذا- على صحته- في سنده مقال فيُقدَّم عليه الحديث الصحيح الذي لا كلام في سنده.
والظاهر أن ما وقع في هذا الحديث من مغايرة للحديث الصحيح في مُدَّة ُمُكْثِ الدَّجَّال في الأرض: إنما هو من اشتباه بعض الرُّوَاة وتصرفاتهم، كما قرَّره المؤلِّف الإمام الكشميري
رحمه الله تعالى في قاعدةله تراها في كتابه "فيض الباري على صحيح البخاري"(4: 44 - 47).
وبعد ما استظهرتُ هذا الاستظهار رأيتُ حديثَ أبي إمامة في "مستدرك الحاكم" 4: 536 - 537، وقد جاء في تحديد مكث الدجال موافقاً لما جاء في "صحيح مسلم"، ولفظه:"وإن أيامه أربعون، فيومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام، وآخِرُ أيامه كالسَّراب، يُصبِح الرَّجُل عند باب المدينة فيُمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر". فجزمت بأن الرواية الواقعة في "سنن ابن ماجه" وقع فيها اشتباهٌ وتصرفٌ من بعض الرواة، كما قرَّره شيخ شيوحنا المؤلِّف إمام العصر الكشميري في قاعدته المشار إليها، فرحمةُ الله عليه ورضوانه العظيم، وجَزَى الله خير الجزاء أستاذنا العلامة المفيد الشيخ محمَّد بدر عالَم على تبسيطه قاعدة شيخه المؤلِّف الإمام الكشميري فيما علَّقه عليها.
وعلى فرض قبول هذه الرواية مع التحديد لإقامة الدَّجَّال قال العلامة علي القاري في "المرقاة شرح المشكاة" 5: 211 "ولعلَّ وجه الجمع بين الروايتين اختلاف الكميَّة والكيفيَّة، كما يُشيرُ إليه قوله: السنة كشهر. فإنه محمول على سرعة الانقضاء، كما أن ما سبق من قوله: يومٌ كسنةٍ، محمولٌ على أنَّ الشِّدَّة في غاية الاستقصاء، على أنه يمكن اختلافه باختلاف الأحوال والرِّجال. انتهى. أهـ (التصريح).
أقول:
ما ذكره الشيخ ملا علي القاري يمكن أن نستأنس به لِما ذهبنا إليه أن اليوم الأوَّل كسنة في الشِّدَّة، وهكذا، ومن المعروف أن استغراق الإنسان في أمر ما ينسيه الوقت فلا يحس به، ولذلك كان الشعور بالوقت نسبيَّاً، فمن كان شِدَّة أحسَّ بطول الوقت ومن كان في لذَّة لم يشعر بالوقت، ومن كان مستغرقاً في أمر لم يحس بمرور الزمن، فلعلَّ المراد هو ذلك.
(6)
قال الشيخ عبد الفتاح في السؤال والجواب الواردين: "ما إسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح
…
":