الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 - وثنية العرب
أما وثنية العرب فقد وصفها الأستاذ الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) وكان من كلامه:
"وهكذا انغمست الأمة في الوثنية وعبادة الأصنام بأبشع أشكالها، فكان لكل قبيلة أو ناحية أو مدينة صنم خاص، بل كان لكل بيت صنم خصوصي. قال الكلبي: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به. وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً. واستُهْتِرَت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من اتخذ صنماً، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجراً أمام الحرم، وأمام غيره، مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب. وكان في جوف الكعبة- البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاثمائة وستون صنماً، وتدرجوا من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة جنس الحجارة.
روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به.
وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً، وجعل ثلاث أثافي لِقِدَرِهِ، وإذا ارتحل تركه.
وكان للعرب- شأن كل أمة مشركة في كل زمان ومكان .. آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب، فكانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، فيتخذونهم شفعاء لهم عند الله ويعبدونهم، ويتوسلون بهم عند الله، واتخذوا كذلك من الجن شركاء لله وآمنوا بقدرتهم وتأثيرهم وعبدوهم.
قال الكلبي: كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن، وقال صاعد: كانت حِمْيَر تعبد الشمس، وكنانة القمر، وتميم الدبران، ولخم وجذام المشترى، وطين سهيلاً، وقيس
الشِّعري العبور، وأسد عطارداً" ا. هـ.
هذه بعض مظاهر الوثنية في تاريخ العالم وكثير منها لا زال مستمراً، والإلحاد في عصرنا لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع الوثنية، إذ يخلع الملحدون على الكون كله صفات الألوهية من خلق وإبداع وإحياء وإماتة فتأمل حال الإنسان في وثنيته لتدرك مِنَّة الله على الإنسان في إرساله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الذي يجعل الإنسان سيد الأكوان ويقيمه عبداً لله وحده، بينما الوثنية تجعل الإنسان عبداً لشجرٍ أو حجرٍ أو قمرٍ أو شمسٍ أو كوكبٍ أو إنسانٍ أو الكون كله.
قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} (1)، إنه شتان بين أن يتوجه الإنسان إلى خالقه الأوحد وإلى المنعم عليه بالعبادة مشاركاً هذا الوجود كله في التوجه إلى الله:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (2)، وبين ذلك الإنسان الذي يتوجه إلى أنواع من الخلوقات بالعبادة محتاراً في أيها يقدم ولأنها يتقرب، فيالانتكاسة العقل ويالسفاهة الأحلام، إنه من خلال هذا وحده يدرك سر قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3). وإننا نلفت نظر بعض المتهوسين الذين لا همَّ لهم إلا أن يرموا أهل الإسلام بالشرك دون مستندٍ قطعي من كتاب أو سنة، فنراهم يفهمون النصوص على غير فهم الراسخين في العلم فيقذفون هذا بنوع من الشرك، ويقذفون هذا بنوع آخر.
(1) الزمر: 29.
(2)
الإسراء: 44.
(3)
الأنبياء: 107.