الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى
في:
الموقف من القصص بإطلاق وما يراد به
وفيه:
مقدمة ونصوص
المقدمة
تطلق كلمة القصص ويراد بها قص القصة أي التحديث بها، وهذا لا حرج فيه، قال تعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} (1) وهناك خلاف بين الفقهاء حول جواز قراءة القصص المخترع، فقد أجاز فقهاء الحنفية قراءة قصة عنترة وأشباهها، وتطلق كلمة القصص في الاصطلاح الشرعي ويراد بها الوعظ، وتطلق ويراد بها التوجيه مطلقاً، وتطلق ويراد بها خطبة الجمعة، وتطلق ويراد بها التصدر للفتوى لأنها تستتبع محادثة وقصة.
ولا شك أن ضبط القصص بالمعاني الأربعة الأخيرة مطلوب شرعاً لما يترتب عليه من آثار حسنة أو شيئة، فقد يعظ الناس من هو مبتدع، وقد يوجه إنسان الناس إلى ما هو فتنة، وخطبة الجمعة قد يقوم بها مبتدع أو خطيب فتنة، وخطبة الجمعة قد يقوم بها مبتدع أو خطيب فتنة، وإذا لم يتعين الخطيب، فقد يؤدي ذلك إلى الفوضى، والتصدر لإفتاء الناس من غير أهله قد يؤدي إلى إضلالهم، وكل ذلك يجب أن يحتاط له ومن ههنا أوجب الشارع ألا يقص بهذه المعاني الأربعة إلا صاحب الحق في ذلك، وهو الأمير بحق أو من أمره الأمير بحق.
والأصل في الإمرة في الإسلام أن تكون عن فقه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا.
فإذا انفصلت الإمرة عن الفقه فمن الأمير حكما؟ هل هو الفقيه؟ أم ولي الأمر الجاهل؟
(1) يوسف: 3.
مذهب ابن عباس: أن أولي الأمر في الأمة الإسلامية حكما هم الفقهاء.
ولذلك تقول بمناسبة موضوعنا: إنه إذا ولي الأمر العالم الفقيه العادل، فإنه هو الذي يضبط أمر الوعظ والتوجيه وخطب الجمعة، والتصدر للإفتاء، يضبط ذلك: بأن يقوم هو بنفسه في هذه الشؤون أو يعين لها من يقوم بها، فإذا لم يوجد مثل هذا الأمير، فالأصل أن يقوم العلماء المجازون عن أشياخهم بهذا الشأن، ومن ثم وجدت الإجازة عند العلماء وهي بمثابة الأمر لمن يأخذها بالقيام بالوعظ والتوجيه، والخطبة والإفتاء، ومنذ فقدت الخلافة الراشدة تنازع هذا الحق أولياء الأمور والعلماء. فولي الأمر يعتبر أن من حقه التدخل في هذه الشؤون بسيف السلطة، والعلماء يعتبرون أن هذا الحق لهم بسيف الحق.
والذي نراه من وجهة النظر الشرعية أنه حيثما كان تدخل ولي الأمر في هذه الشؤون بالعدل والحق فهو نافذ الأمر، ولمن عينه أن يقوم بهذه الشؤون مبروراً مأجوراً.
ولمن أجيز من أشياخ الحق والعدل والعلم والعمل أن يقوم بهذه الشؤون إذا فتح لهم طريق ذلك، وإجازتهم له تكون من باب الأمر له من أهله.
وبذلك يدخل في الحديث: "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور"(1)، فهو بعد الإجازة من شيوخه أمير ومأمور معاً.
وأما فيما سوى هذه الشؤون الأربعة فكل مسلم مجاز من الشارع نفسه، بل مأمور أن يعلم ما تعلمه من الحق، وأن يبلغ عن الشارع ولو آية، وأن يدعو إلى الله على بصيرة، وأن يأمر بمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الخير، فهذا كله مطلوب من المسلم لا يحتاج فيه إلى إذن ولا استئذان.
وحصر حق القصص بمعانية الأربعة بالأمير والمأمور في كل من المعاني التي ذكرناها نوع من التأديب للمجتمع الإسلامي، فلا يتطاول إنسان لغير مقامه فيسيء الأدب، ويعرف كل إنسان حدوده، وتضبط الأنفس فلا تدفعها الهوى إلى الكلام وما يجره ذلك من رغبة في التصدر والرياء، ويحال بذلك بين الغلط وتسربه إلى الناس.
(1) أبو داود (2/ 223) - كتاب العلم - باب في القصص.
وابن ماجه (2/ 1235) 33 - كتاب الأدب - 40 - باب القصص.