الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصل الثاني
في:
التثليث ونسبة الولد إلى الله
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
قال تعالى: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} (1).
ورد هذا النص في سياق قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (2).
فالآية تشير إلى أن نسبة الولد إلى الله كانت موجودة في ديانات سابقة، ومن تأمل هذه النِّحلة وما يلزم عليها من لوازم النقص على الله من تشبيهه بالحوادث وما يحيط بها من نقص الاحتياج إلى الزوجة والولد، ومن اتصافه بصفات الحوادث من تجزئة وتبعيض وشوق وشهوة أدرك مقدار الزلل في العقل البشري، إذ يصف الله عز وجل بهذا الوصف، فيعرف المكلف نعمة الله على البشرية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ليرجع الناس إلى التنزيه والتوحيد:
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} (4).
ومن أشهر الأديان القديمة التي قالت بالبنوة لله- تعالى عن ذلك- البراهية والبوذية والديانات المصرية القديمة، فأن يذكُر الله عز وجل قول اليهود في عزيرٍ وقول النصارى في المسيح مضاهاة لقول الذين كفروا من قبلُ، فتلك من معجزات القرآن الكبرى.
إن البراهمة يقولون بالتثليث مع قولهم بالتعدد الكثير، فأكبر آلهتهم في زعمهم "براهما" ثم "سيفا" أو "سيو" ثم "ويشنو" ويعتقدون أن "ويشنو" هو الابن "لبراهما"، ويعتقدون أن "ويشنو" الابن حل في أحد رجالاتهم المسمى "كرشنة"، ويعتقدون فيه ها يعتقده المسيحيون في المسيح.
يقول فريد وجدي في دائرة معارفه: "حدثت في الهنرد عقيدة التثليث فتغلبت على توحيدهم السابق فرأيناهم يعبدون إلها واحداً ذا ثلاثة أصولٍ (برهما وفيشنو وسيفا)، وقد
(1) التوبة: 30.
(2)
التوبة: 30.
(3)
مريم: 88 - 92.
(4)
الزخرف: 15.
خلف فيشنو أباه برهما في نظر الهنود فصاروا لا يوجهون عبادتهم إلا إليه، أما برهما فتركوه في راحة زاعمين أنه أدى وظيفته وانتهى دوره" أ. هـ.
وينقل أبو زهرة في مقارناته بين الأديان عن كتاب تاريخ الهند المجلد الثاني ما يلي: (كرشنة: هو الخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط وابن الله والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس، وهو الآب والابن وروح القدس".
قد مجد الملائكة ديفاكي والدة كرشنة ابن الله. وقالوا يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة) ا. هـ.
وينقل أبو زهرة في مقارناته بين الأديان عن كتاب دوّان وكتاب الملاك المسيح عن بوذا: (كان تجسد بوذا بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا).
(لما نزل بوذا من مقعد الأرواح ودخل في جسد العذراء مايا صار رحمها كالبلور الشفاف النقي وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة).
(وقد عمد بوذا المخلص حين عمادته بالماء وكان روح الله حاضراً وهو لم يكن الإله العظيم فقط بل وروح القدس الذي فيه صار تجسد كوتاما لما حل على العذراء مايا) ا. هـ.
ولقد قال المصريون القدامى بالتثليث: "أوزيريس"- "إيزيس" زوجته ومنهما جاء "هوروس"، ومن اعتقاداتهم- كما في كتاب (مقارنات بين الأديان) -:
(إن روح الإله هوروس ذات ثلاث شعب أولاها: الروح الدنيا، وهي التي تحل في فرعون الزمان، ثم تنتقل إلى من يليه، وتفيض عليه بقدسيتها، والثانية: الروح العليا الحاكمة في السموات والأرضين، والثالثة: روح تبقى في جسد فرعون الميت، وتقوم بالنصح لفرعون الحي. ولا تبقى هذه الروح إلا إذا بقي الجسم متماسكاً، ولذا أعملوا الحيلة لذلك، وبنوا الأهرام وشيدوها لتكون حفاظاً للجسم) ا. هـ.
أقول: وهكذا نجد إحدى الأباطيل الكبرى تنتقل من أمة إلى أمة في باب الإلهية حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحق فوضع الأمر في نصابه، قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1).
لقد تأقلم أهل الكتاب على الكفر، وتأقلم المشركون على الشرك واستمروا عليه ودأبوا فيه ولا يكونوا لينفكوا عنه، فأرسل الله محمد صلى الله عليه وسلم ليكسر هذا الاستمرار علي الباطل ويرجع الناس إلى الدين الحق بكتابٍ آياته ظاهراتٌ بيناتٌ واضحاتٌ. فالحمد لله رب العالمين.
* * *
(1) البينة: 1 - 5.