الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصل الثالث
في:
"إن الدين عند الله الإسلام
"
إن من عرف الله عز وجل وعرف أنه متصف بالعلم والإرادة والقدرة وغير ذلك من الصفات الوجودية، وعرف أنه متصف بالقيومية والوحدانية وغير ذلك من الصفات السلبية، وعرف أنه الرب والمالك والإله، وأن من مقتضيات ذلك أن تكون له المالكية والحاكمية، ومن عرف أنه متصف بالرحمة والعدل والهداية، إن من عرف هذا كله لم يستغرب أن يبعث الله رسلاً يبينون لمن يدركون الخطاب من الخلوقات وهم الإنس والجن الدين الحق والعبادة الحق والشريعة الحق.
وقد جرت سنته جل جلاله أن يرسل الرسل إلى الأمم، وختم رسالاته برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها عامة للإنس والجن وباقية خالدة، فالإنس والجن مكلفون بها إلى يوم القيامة.
وقد بعث الله رسله جميعاً مطالبين الخلق بالإسلام لله رب العالمين، فذلك هو دينه الذي لا يقبل سواه. وبعد أن طرأ على الرسالات السماوية القديمة ما طرأ، بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكان القرآن بياناً لدينه الإسلام الحق مصدقاً لما بين يديه من الحق وناسخاً للباطل، كما أنه ناسخ لكل ما خالفه وحاكم على كل ما عداه، وبيَّن جل جلاله فيه أنه قد أكد هذا الدين وأنه لن يقبل من أحد دينا سواه:
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2)، {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (3)، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (4).
وكتاب هذا الدين هو القرآن، والشارح المعصوم له هو السنة، فنصوص الكتاب والسنة هي نصوص هذا الدين، وقد جعل الله كتابه:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (5)، وفصَّل
(1) المائدة: 3.
(2)
آل عمران: 85.
(3)
الأعراف: 158.
(4)
الفرقان: 1.
(5)
النحل: 89.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله وحاله وتقريره كل ما يحتاج إلى مزيد من التفصيل والبيان، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1).
* * *
وقد جاء الإسلام وهناك أديان قائمة، منها ما أصوله سماوية ثم حُرِّفت، ومنها ما هو غير ذلك، وأهل كل دين متمسكون بما هم عليه، وأهل الأديان هؤلاء أنفسهم متفرقون وكل فرقة متمسكة بما هي عليه من الهوى، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجزة الكبرى التي تضمنت معجزات كثيرة ليقيم الحجة على الخلق جميعاً وليكسر هذا الاستمرار على الباطل.
ومن قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كانت توجد بجانب الأديان فلسفات وشرائع ومذاهب وضعية، فهناك فلسفة اليونان وشرائع الرومان ومذاهب الدهريين والملحدين، وقد جاء الإسلام بالحق في كل شيء وكان الحاكم على كل شيء، فأبطل ما كان باطلاً وأقر ما كان حقاً.
* * *
وبعد مسيرة طويلة للإسلام صارع فيها الإسلام كل الأباطيل، وتوسع فيها على حساب كل الديانات والمذاهب والفلسفات والشرائع ولا زال ينتشر ويتوسع، ومع وضوح حججه وأنه دين الفطرة فإنه ما زال كثير من الناس مستمرين على ديانات باطلة ورثوها وتعتبر استمراراً لأديان كانت موجودة قبل الإسلام: كالكونفوشيوسية والبوذية والبرهمية والجينية والمجوسية واليهودية والنصرانية وبقايا الوثنية، وهناك شرائع غير دينية أثرت في التشريعات العالمية كالتشريعات الرومانية، ونشأت بعد الإسلام ديانات باطلة كالسيخية، وبعض هذه الديانات الباطلة أنشأها أناس أصولهم مسلمون لكن ارتدوا كالقاديانية والبهائية كما رأينا، وقد نشأت قديماً وحديثاً مذاهب وفلسفات أصبحت عند أهلها تشكل بديلاً عن الأديان، أو تحجمها كالشيوعية والعلمانية، وكل ذلك يدخل في صراع مباشر مع الإسلام.
ولقد تأثر بعض المسلمين بفكر أديان أخرى، ووجدت عند بعضهم اجتهادات خاطئة أو فهوم باطلة، فنشأت بسبب ذلك فِرَقٌ: بعضها قريب من الإسلام الصافي، وبعضها ابتعد
(1) النحل: 44.
حتى ضل ضلالاً بعيداً، وبعضها كفر ولم يبق له في الإسلام نصيب. وقد مر معنا شيء من ذلك.
وكل ذلك أثرٌ عن الجهل بالله الذي يستتبع الجهل بأن الدين عند الله هو الإسلام، فمن عرف الله أسلم له بدينه الذي ارتضاه وكلف به الإنس والجن وأقام الحجة على الخلق به، وهو الإسلام كا جاءت به نصوص القرآن وبينته السنة المطهرة. فعلى الفِرق التي انشقت عن جسم الأمة الإسلامية أن تعيد النظر في موقفها على ضوء الكتاب والسنة، وعلى أهل الأديان أن يدخلوا في الإسلام الحق، وعلى أهل المذاهب الفكرية والفلسفية والسياسية أن يدخلوا في الإسلام وينبذوا ما عداه، وعلى الذين تأثروا بالفكر الغريب عن الإسلام من أبناء المسلمين حكاماً ومحكومين أن يتوبوا إلى الله وأن يتوبوا إلى الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة وصراطاً مستقيماً. وبدون ذلك فإن أحداً لا يعرف الله حق المعرفة ولا يعطي هذه المعرفة مقتضياتها وحقوقها.
وأهم الأديان التي يواجهها الإسلام في عصرنا: اليهودية والنصرانية وبقايا الأديان الفارسية والديانات ذات المنشأ الهندي كالبراهمية والجينية والبوذية والسيخية، وهناك بقايا الوثنية المحضة وهناك الديانة الكونفوشيوسية. وأهم المذاهب الفلسفية السياسية التي يواجهها الإسلام: الفلسفة الشيوعية والفلسفة العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة في كثير من بلدان العالم، ونجحت في أن تعطل شريعة الإسلام في كثير من أفكار المسلمين، وتتبناها أحزاب قومية وأحزاب وطنية، وبعض هذه الجهات تحاول أن تظهر وكأنها مسالمة للإسلام ولكنها في واقع الأمر تعطله. ومن المذاهب المعاصرة التي يواجهها الإسلام المذاهب الفلسفية والحياتية المتعددة الصور في الفقه والتاريخ والاجتماع.
ومما يواجهه الإسلام الفكر الوجودي ومذاهبه العملية التي تقوم على فكرة الانطلاق كما تشاء الأهواء:
{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (1).
(1) المؤنمون: 71.
ومما يواجهه الإسلام في عصرنا جهات متعددة كل منها أخذ على عاتقه أن يهدم جزءاً من الثقافة الإسلامية أو يوجه الدراسات توجيها مخرباً، ودائرتا اللغة العربية والتاريخ والمحاولات الكثيرة للتهديم وللتوجيه فيها نموذجان. وإن البشر ليسيئون إلى أنفسهم في الدنيا والآخرة إذ يرفضون الدخول في الإسلام أو ينحرفون عنه، قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (1).
* * *
(1) طه: 124.