الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
في بَدء الخلق جانب غيبي سواء في ذلك أصل نسأة الكون، أو نشأة الحياة على الأرض، أو نشأة الإنسان عليها، أو نشأة بعض المخلوقات الأخرى؛ لأن ذلك لم يشهده الإنسان، ولأن الله عز وجل أخبرنا عن بعض ذلك أو حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شيء لم نشهده فدخل في حيز الكلام عن الغيب، هذا مع ملاحظة أن الفكر المجرد يستطيع الوصول إلى أن هذا الكون مخلوقٌ وأن الحياة مخلوقةٌ.
* * *
ولعل أهم جانب من جوانب الصراع الفكري بين الملحدين والمؤمنين هو إثبات الخلق، فأزلية الكون وإمكانية نشأة الحياة مصادفة هما المرتكزان الرئيسيان للفكر الإلحادي، مع أنه حتى في حالة أن المسالة كذلك- وذلك مستحيل عقلي- فإن الأدلة على وجود الله لا تنحصر في هذا وهذا.
* * *
وقد لفت القرآن نظر العقل البشري كثيراً إلى بدء الخلق وأصل النشأة للوصول إلى الإيمان لاستقرار العلاقة بينهما في الفطرة:
{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (1).
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (2).
{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} (3).
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (4).
{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (5).
(1) العنكبوت: 19.
(2)
العنكبوت: 20.
(3)
الأعراف: 185.
(4)
الرحمن: 3.
(5)
الرحمن: 14، 15.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (2).
ولوجود ناس يمارون بالبدهيات ويناقشون بالمحسوسات فضلاً عن المغيبات، وللنزعة الإلحادية في إنكار خلق الله المخلوقات، وهو شيء أخذ أكثر أبعاده في النظرية الماركسية، ولغير ذلك من الحكم، قال الله عز وجل وهو أعلم بما كان ويكون:
* * *
إن من أهم قوانين العقل السببية، ومن أهم قوانين المادة عدم انفصالهما عن الحركة والطاقة والتغير، والملحدون ينقضون هذا وهذا وهم يزعمون أنهم عقلانيون، وقد فصلنا في هذه الأبحاث في كتابنا "الله جل جلاله".
والنصوص قطعية في أن كل ما سوى الله عز وجل مخلوق، فليس أزلياً إلا الله عز وجل، فهو الأول. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (5):"كان الله ولم يكن قبله شيءٌ"، وفي حديث آخر (6):"أنت الأول فليس قبلك شيءٌ"، ويكفي قوله تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ} (7). ومحض العقل يوصل إلى ذلك بشكل قطعي، ومما قاله تعالى في شأن الخلق:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (8).
(1) الأنبياء: 30.
(2)
الأنعام: 1.
(3)
الكهف: 51.
(4)
الطور: 35، 36.
(5)
البخاري (13/ 403) 97 - كتاب التوحيد 22 - باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
(6)
مسلم (4/ 2084) 48 - كتاب الذكر 17 - باب ما يقول عند النوم وعند المضجع.
(7)
الحديد: 2.
(8)
هود: 7.
وليس عندنا نصوص تفصل كيف كان عرشه على الماء، لكن من المعروف أن ذرة الهيدروجين التي تشكل أحد عنصري الماء) (الأوكسجين والهيدروجين) هي أصل الذرات جميعاً فبروتونها واحد وإلكترونها واحد والعناصر ما هي إلا توضعات الإلكترونات والبروتونات في كل عنصر بشكل يختلف عنه في العنصر الآخر.
والظاهر من النصوص أنه قد تم خلق العرش- وهو مخلوق غيبي- وتم خلق أصل المادة وهو الماء ثم انفصلت المادة عن بعضها: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} (1). فهذه المجرات والأجرام كلها وجدت في هذه المرحلة، ثم بعد ذلك في مرحلة لاحقة وجدت الأرض المحسوسة والسموات السبع المغيبة:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (2). فالأرض خلقت قبل السموات السبع المغيبة عنا وهي والسموات السبع المغيبة عنا وهي والسموات السبع وجدتا بعد أن انفصلت المادة عن بعضها وعلى هذا نفهم قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (3). فالأرض خلقت بعد السماء، والسموات السبع خلقت بعد الأرض، ويوم القيامة يعاد الكون كتلة واحدة كما كان:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (4). هذا الفهم للنصوص فهم غير متكلف وما سواه فهم متكلف، وهو الذي ينسجم مع استقراءات علماء الكون فالظاهر أن تكون الأرض على ما هي عليه مسبوق بأشياء أخرى وقد بسطنا هذا الموضوع في التفسير.
وأما نشأة الحياة على الأرض فيبدو أنها متقدمة كثيراً على نزول أبينا آدم عليه السلام فلقد قالت الملائكة لله عز وجل بعد أن أعلمهم بأنه سيجعل في الأرض خليفة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا
(1) الأنبياء: 30.
(2)
فصلت: 9، 10، 11.
(3)
النازعات: 27 - 33.
(4)
الأنبياء: 104.
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (1). مما يوحي أنهم شاهدوا إفساداً في الأرض وسفك دماء من قبل، وقد يكون هذا هو التفسير لرؤية نماذج قديمة لأنواع من الإنسان غير إنساننا الحالي، وذكر الغراب في قصة ابني آدم هابيل وقابيل تحتمل أن يكون وجود الغراب سابقاً على وجود آدم عليه السلام وفي حديث عند مسلم وأحمد (2) "
…
وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة
…
"، وهذا يدل على أن خلق الدواب سبق خلق آدم عليه السلام وإنما اضطررنا للتعرض لهذه المعاني ملاحظين معارف عصرنا لتكون هذه المعارف نقاط علام للباحث وحججاً بيد الدارس المختص، ورداً على أنواع من المختصين قد يثيرون تساؤلات. ولننتقل إلى عرض بعض نصوص السنة التي لها علاقة بالخلق:
(1) البقرة: 30.
(2)
مسلم (4/ 2149) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 10 - باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام. ومسند أحمد (2/ 327).