الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل
أولاً: يجب على العبد أن يصدق بالقدر، وأن يستسلم لله عز وجل فيما قدره له.
ثانياً: أن التسليم فيما يقع يجب أن يرافقه شكر على الطاعة وتوبة عن المعصية.
ثالثاً: أن يعتقد المسلم أنه مختار فيما يستقبل من الزمن في الأمور التكليفية، ويتصرف على أنه مختار.
رابعاً: أن يسلم لله حكمه في شأن القدر وألا تدخل عليه الوسوسة في كيفية الجمع بين الاختيار والكسب وبين أن كل شيء بإرادة الله وقدرته، فالله علم ما كان وما يكون فأراده فأبرزه بقدرته وههنا حد لا يسأل عنه:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} (1).
خامساً: هناك فارق بين المشيئة الإلهية من جهة وبين الأمر والرضا من جهة أخرى، فكل شيء كان ويكون بإرادته ولكن ليس كل شيء كان ويكون بأمره التشريعي أو رضاه، فكفر الكافر ومعصية العاصي ليست بأمره التشريعي ولا برضاه لكنها بإرادته:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} (2)، {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (3).
سادساً: لا يصح احتجاج الكافر والضال والفاسق بالمشيئة على الكفر والمعصية والضلال.
سابعاً: الخوض بالقدر من علامة اضطراب القلب وعدم طمأنينته، ولذلك فقد كُرِه البحث في القدر؛ لأن الكلام غير الدقيق فيه قد يؤدي إلى التشويش.
ثامناً: نفت بعض الفرق الإسلامية القدر خشية أن تنسب إلى الله الظلم في فهمها فوقعت في ظلم أشد لأنها نفت عن الله عز وجل شمول الإرادة وشمول القدرة وشمول العلم.
والخلاصة:
إن الإيمان بالقدر هو المظهر الأعلى لمعرفة الله ولعرفة صفاته وأفعاله. وهو الذي
(1) الأنبياء: 23.
(2)
الأعراف: 28.
(3)
فاطر: 8.
يناسب مقام الإنسان في العبودية. وهو الذي يتفق وافتقار الإنسان. وهو الذي يسبغ على الإنسان رضاً وسعادة. وهو الذي يعطي الإنسان شجاعة وإقداماً. والإيمان بالقدر هو مفتاح التوكل على الله. وهذه وغيرها إيجابيات عقيدة القدر. فنحن مكلفون بآن واحد بأشياء: نحن مكلفون بالإيمان بالقدر، ومكلفون في الوقت نفسه بالتوكل، ومكلفون بالعمل والأخذ بالأسباب. فالمعرفة والإيمان والتسليم والعمل هي آداب المسلم في هذا المقام:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1).
* * *
لقد اختلف أهل السنة والجماعة مع المعتزلة في مسائل:
منها خلق أفعال العباد، ومنها شمول تعلق صفتي الإرادة والقدرة بكل ما يجري في هذا العالم.
قال المعتزلة بأن العبد يخلق أفعال نفسه، وقالوا بالقوة المودعة؛ فالله عز وجل جعل الأسباب تعمل على وفق ما أودعها فيه دون أن تكون لإرادته وقدرته تدخل مباشر في يجري، وهذا وهذا من عقائد المعتزلة يتنافى مع النصوص، فالله عز وجل قال:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (3)، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (4)، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (5)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (6)، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} (7). ومن أذكار الإسلام:"لا حول ولا قوة إلا بالله". ومن أسماء الله: القيوم، وذلك يقتضي أن كل شيء لا يقوم إلا به، ومن أسماء الله: الصمد، وهذا يقتضي أن الخلق دائمو الاحتياج إلى الله، ومن أسمائه: المعز والمذل والقابض والباسط والقدم والمؤخر والمحي والمميت، وذلك يدل على أن كلِّ ما يجري فعله قد خلقه الله جل جلاله، قال تعالى:{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (8)، وهذا
(1) الكهف: 29.
(2)
الزمر: 62.
(3)
التوبة: 14.
(4)
الأنفال: 17.
(5)
الشعراء: 80.
(6)
الواقعة: 63، 64.
(7)
الأعراف: 155.
(8)
الرحمن: 29.
يتنافى مع القول يخلق الإنسان أفعال نفسه ومع القول بالقوة المودعة، لأن القول بهاتين الفكرتين يؤدي إلى القول بأن الله عز وجل خلق الأسباب والمسببات وتركها تجري بما أودعه فيها دون أن يكون له تدخل مباشر فيما يجري، وأين هذا من فكرة الدعاء وفكرة التوكل؟ وأين هذا من النصوص وما أكثرها؟ لو أنك تأملت فاتحة الكتاب وحدها لرأيت فيها أكثر من دليل على مذهب أهل السنة والجماعة، فقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) يفيد أن كل أنواع الحمد لله لأنه هو الفاعل على الحقيقة فهو المستحق للحمد، وأي حمد إنما ينبغي أن يكون له، فإذا حمدت إنساناً على شيء فإن هذا الشيء بالله ومن الله، فالله هو المستحق للحمد وحده، وهذا يشهد لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) فيه دليل لأهل السنة والجماعة، فكيف نستعين به على العبادة إذا لم يكن له تدخل فيما يجري، وقوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3) دليل لأهل السنة والجماعة فيما ذهبوا إليه، فلو لم تكن الهداية بيده فكيف تطلبها منه في اليوم كذا مرة، إن نصوص الكتاب والسنة تشهدان لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة: أن كل شيء مفتقر إلى الله وأن كل ما يجري بإمداد الله وبفعله. ولكون القول بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه، ولكون القول بالقوة المودعة يخدش الإيمان بالقدر فقد تأتى أهل السنة والجماعة المعتزلة "بالقدرية" أي نفاة القدر واعتبروهم امتداداً لنفاة القدر بالكامل.
فالإيمان بالقدر يدخل فيه الإيمان بأن الله عز وجل علم أزلاً فأراد أزلاً فأبرز بقدرته وسجل ذلك في اللوح المحفوظ، وما يجري الآن وما سيجري كل ذلك أثر علمه وإرادته وقدرته وعلى مقتضى ما سجله في اللوح المحفوظ.
وإذ كان موضوع القدر تتفرع عنه مسائل كثيرة، وينبثق عن أصول كبيرة، والدخول في تفصيلاته يدخلنا في هذه المسائل والأصول، وليس كل إنسان مؤهلاً للخوض في ذلك والوصول إلى شاطئ السلامة في هذا الشأن؛ فقد كُرِه الخوض في القَدَر إلا بالقدر الذي
(1) الفاتحة: 2.
(2)
الفاتحة: 5.
(3)
الفاتحة: 6.
يقرره وينفي الشبهة عنه، لقد سئل الإمام أحمد عن القدر فقال:"القدر قدرة الرحمن". وقال الطحاوي: "وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة العباد إلا ما شاء الله، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره".
تأمل قول هذين العالمين، وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل:
614 -
* روى الترمذي عن أبي خُزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت رُقاةٌ نسترقي بها، ودواءٌ تتداوى به، وتقاةٌ نتقيها، هل ترد من قدرِ الله شيئاً؟ قال:"هو من قدر الله".
وتأمل قوله عليه السلام لمن سأله: أيترك ناقته بلا عقل ويتوكل؟ فقال: "اعقلها وتوكل".
لتعلم أن القدر ترتبط فيه مسائل كثيرة، فهو مجمع أسرار العقيدة الإسلامية في باب الألوهية، ولذلك كان الإيمان بالقدر والقيام بالتكليف مع الأخذ بالأسباب هي من علامات التوفيق الرباني.
وهذه نصوص في القدر:
614 - الترمذي (4/ 399) 39 - كتاب الطب 21 - باب ما جاء في الرقى والأدوية.
وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال.
(تقاةٌ): التقاة: ما يُتقى ويُحذر.