الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة التاسعة
في:
التجديد والمجددين
931 -
* روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
قال ابن الأثير: (من يجدد لها دينها) قد تكلم العلماء في تأويل هذا الحديث، كل واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينهم على رأس كل مائة سنة، وكأن كل قائل قد مال إلى مذهبه، وحمل تأويل الحديث عليه، والأولى أن يحمل الحديث على العموم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ولا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً، وإنما قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة "من" تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعاً عاما في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، فإن كل قوم ينفعون بفن لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ويتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا، فكل واحد ينفع بغير ما به الآخر، لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة: رجلاً مشهوراً معروفاً، مشاراً إليه في كل فن من هذه الفنون، فإذا حمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعد من التهمة، وأشبه بالحكمة، فإن اختلاف الأئمة رحمة، وتقرير أقوال المجتهدين متعين، فإذا ذهبنا إلى تخصيص
931 - أبو داود (4/ 109) كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة. وإسناده صحيح.
والمستدرك (4/ 522). وصحح الحاكم ووافقه الذهبي.
القول على أحد المذاهب، وأولنا الحديث عليه، بقيت المذاهب الأخرى خارجة عن احتمال الحديث لها، وكان ذلك طعنا فيها.
فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة، يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلدوا فيها مجتهد يهم وأئمتهم. اهـ. (جامع الأصول).
أقول: رأس القرن أوله، والظاهر المتبادر من الحدي أن القائم بالتجديد في كل قرن واحد، وهو الذي يغلب على كلام العلماء، ولكن كلام ابن الأثير وجيه، والموضوع يحتاج إلى تحقيق من خلال الواقع، وهذا بحث يستأهل أن يتفرغ له، فتحديد الذين أثروا في تاريخ الإسلام مجددين للهدى وعلى الهدى يضع بيد الأمة ثروة هائلة من القدوة والسوابق، وإذا كان التحديد لا يحتمل المقام هاهنا لكثرة الاختلاف في أهل التجديد، فإننا نكتفي بالقول؛ إن تجديد الإسلام قائم وحاصل يدل على ذلك: وصول هذا الدين إلينا نقياً صافياً، وانتشاره في الأرض طولاً وعرضاً على كثرة الكوارث والأعداء، ونحب أن نلفت نظر الراغبين في التجديد في هذا القرن إلى بعض الملاحظات:
إن على القائمين بالدعوة إلى الله أن يلحظوا ما يحتاجه كل قرن من تجديد، فتجديد كل قرن على حسبه، ولكل قرن جديده الذي يحتاج إلى عمل مكافئ ومناسب، فهناك تجديد علوم الإسلام وهناك التجديد في أساليب العمل لإحياء أسهم الإسلام ومقاماته ومفاهيمه وقيمة، وهناك التجديد الذي تحتاجه المستجدات، فإقامة الجهاد في عصرنا تحتاج من الوسائل والأساليب ما فرضته مستجدات العصر، وإقامة فروض العين وفروض الكفاية تحتاج من الجهد والأساليب والإحاطة والتعبئة ما تقضيه مستجدات كل عصر، وكثيرون من الناس يسيرون على معالم تجديد المجددين في قرون سابقة دون أن يلحظوا المتغيرات والمستجدات والزمان والمكان والبيئة والمعطيات والمتغيرات ونفسيات الناس.
وبعد هذه الملاحظات لابد من الإشارة إلى أن في الحديث معجزة ظاهرة، فلم يزل على رأس كل قرن يظهر من نوابغ الإسلام ومن الحركات الإسلامية والتحركات الجادة لنصرة الإسلام بتأييد الحق والرد على أهل الباطل وإضعافهم ما هو ظاهر واضح، ولكثرة ظهور
هذا الأمر في كثيرين، تجد العلماء يختلفون من هو المجدد الأول أو الأقوى أو الأوحد في كل قرن وما كان الاختلاف إلا بسبب الوجود، ومذهب ابن الأثير يقلل من الخلاف حتى يجعله في حده الأدنى.
* * *