الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن قلب المؤمن يحتاج إلى تثبيت مستمر، ولقد قال الله عز وجل:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (1)، قال الله تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (2). وتثبيت فؤاد المؤمن إنما يكون بملازمة الذكر والطاعات، وبالاجتماع على القرآن والذكر، والكينونة مع أهل العلم والصدق، وتلقي الهداية على الأولياء المرشدين، ورؤية كرامات الأولياء وسيما الصالحين والانتساب لأهل الحق والعدل، إلى غير ذلك من وسائل جعلها الله أسباباً لتثبيت أفئدة المتقين.
ومن أهم ما يصلح به حال الإنسان. ويقوم به دين الله أن يوجد الوراث الكاملون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين أجتمع لهم علم وولاية وإرشاد، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (3)، وقال الله تعالى:{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (4)، فهذه الآية تدل على أن الغاية في الهداية هو الولي المرشد، فإذا ما وجد الوارث الكامل أصبح بالإمكان أن يتخرج على يديه النماذج العليا من البشر وهم الصديقون والشهداء والصالحون، وفي هذا الجو توجد كرامات والمعونات وتوجد الأجواء الإسلامية الصافية، ومن ههنا كان من أهم ما يحرص عليه المسلم أن يكون وارثاً نبوياً كاملا، بأن يكون عالما وليا مرشدا، ومن أهم ما يحرص عليه المسلم أن يتتلمذ على أمثال هؤلاء، وأن يعيش في أجوائهم وأن يحبهم هو وإخوانهم في الله، وقد حسن الهيثمي الحديث الذي يقول:"كن عالماً أو متعلماً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك: أن تبغض العلم وأهله"(5).
إن النبوة قد انقطعت وإنما يصلح حال البشر بوجود وراث الأنبياء وكرامات الأولياء، فبذلك تستمر أحوال الأنبياء ظاهرة في الأمة، وعن ذلك ينبثق كل خير، وبقدر ما يتولى وراث الأنبياء قيادة الأمة وريادتها وتلقين الناس آيات الله وتفهيمهم إياها، وتلقينهم
(1) الفرقان: 22.
(2)
هود: 120.
(3)
آل عمران: 79.
(4)
الكهف: 17.
(5)
مجمع الزوائد: (1/ 122).
الحكمة، لأنفس الناس وتعليم الناس الفقهين الكبير والأكبر فإن الأمر يكون مستقيماً.
أما إذا آل أمر الدعوة والتعليم والإرشاد إلى من ليس له في الوراثة الكاملة قدم فإن أمر الإسلام ينقص بقدر نقصان مقام الوراثة، والوراثة الكاملة كما قلنا علم وولاية وإرشاد.
إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى أن تجدد أمر الإسلام في حياتها وفي أنفسها وعلى كل مستوى، ومن تجديد أمر الإسلام أن نجدد حياة وحيوية كثير من المعاني التي ذكرها القرآن، ومفتاح ذلك كله هو وجود الوارث الكامل. فكما حدثنا القرآن الكريم عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وعن معجزاتهم فقد حدثنا عن الصفوة المختارة من أتباعهم، فحدثنا عن الربانيين وعن الحواريين والسابقين، وعن أهل اليمين وعن الصديقين والمحسنين والشاكرين، كما حدثنا عن كرامات تجري لهؤلاء أو على أيديهم، وبالكلام عن هؤلاء تستكمل الصورة المضيئة للحياة البشرية ولحياة القدوة والصفوة.
(1) آل عمران: 146 - 148.
(2)
آل عمران: 79.
(3)
المائدة: 44.
(4)
النساء: 69.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} (2).
{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (3).
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (6).
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} (7).
إن من علامات الإسلام وحيويته أن يوجد أمثال هؤلاء الذين ذكرتهم هذه الآيات، وكما قلنا من قبل فإن مفتاح وجودهم هو الوارث الكامل الذي اجتمع له علم وولاية وإرشاد، فعلم بلا ولاية ولا إرشاد لا يفترق فيه صاحبه كثيراً عن علماء القانون وهواة الدارسين إلا إذا صحت نيته فإنه مأجور، وعلم وإرشاد بلا ولاية مفيد ولكن لا تحيا به القلوب، وإرشاد بلا علم وولاية ضلال وتضليل، وولاية وعلم بلا إرشاد ولاية قاصرة إن كان
(1) الحديد: 19.
(2)
العنكبوت: 9.
(3)
الكهف: 17.
(4)
يونس: 62، 63.
(5)
الذاريات: 15 - 19.
(6)
الواقعة: 10 - 12؟
(7)
الواقعة: 88، 89.
(8)
المؤمنون: 57 - 61.
(9)
الفجر: 27 - 30.
لصاحبها عذر في ترك الإرشاد، وإلا فلا ولاية في هذه الحالة.
ومقام الولاية مقام ذكره القرآن وذكرته السنة ولعله من المناسب أن نقف وقفة نتحدث فيها عن الأولياء - نفعنا الله بهم - وكراماتهم، والأولياء هم الذين تحققوا بسلامة اعتقاد وحسن عمل على ضوء علم صحيح واتباع صحيح.
وفي الحديث الذي رواه البخاري (1): "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحيه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعادني لأعيذنه". فالذي يقوم بالفرائض الظاهرة والباطنة ويكثر من النوافل هو مظنة استجابة الدعاء وتلبية الحاجات ومظنة أن يعاقب مؤذيه في الدنيا والآخرة، وهو مظنة تنزل الرحمات عليه وعلى من يحبط به قال تعالى:{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (2)، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} (3)، وهم مكرمون بالبشارات ومؤيدون بالرؤى المبشرات {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (4).
روى الطبراني، عن حذيفة بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهبت النبوة فلا نبوة بعدس إلا المبشرات: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له"(5).
وفي رواية لابن ماجه (6): "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات".
وليس كل من ظهرت على يده خوارق العادة أو استجيب دعاؤه ولياً، فقد يستجيب
(1) البخاري (11/ 340) 0 - 81 - كتاب الرفاق - 38 - باب التواضع.
(2)
الأعراف: 56.
(3)
الأعراف: 156، 157.
(4)
يونس: 62 - 64.
(5)
المعجم الكبير (3/ 179). وهو حديث حسن.
مجمع الزوائد (7/ 173). وقال: رواه الطبراني والبزار، ورجال الطبراني ثقات.
(6)
ابن ماجه (2/ 1283) - 35 - كتاب تعبير الرؤيا - 1 - باب الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له.
وهو عنده عن أم كرز.
الله لكافر أو فاسق: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (1)، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (2)، وإنما نصف بالكرامة من اجتمع له صلاح واستقامة، فعندئذ إذا ظهرت على يده خارقة أو حدث توفيق خاص أو استجيب دعاؤه فذلك في حقه كرامة، فوصف الكرامة يتحقق إذا اجتمع بصاحبها صفات معينة ولذلك قالوا في تعريفها:(الكرامة هي أمر خارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح يلتزم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح).
والمعونة عندهم صفة لتوفيق إلهي أو تفريج كرب أو خرق لعادة إذا ظهرت على يد عبد مستور الحال، فإذا ما ظهرت الخارقة على يد فاسق أو كافر فعي استدراج، فالعبرة للموصوف في إعطاء الصفة للخارقة. وقد حدث لبس في موضوع الولاية، فإذا ظهرت خارقة على يد إنسان فهناك من يعطيه صفة الولاية، ويرتب عليها عصمة وطاعة ومتابعة بصرف النظر عن الالتزام الشرعي أو العلم بالشريعة، ولذلك نجد كثيراً من الناس طمحت أبصاره ليعرفوا بالولاية فيكون لهم احترام وتصدر جاه وإتباع، فالتبس الأمر على العامة، مع أنه في الأصل قد يكون الإنسان ولياً وليس كاملاً من كل الجهات، وقد يكون وليا ولكن لا يتجاوز به مقامه في العلم والمتابعة. ألا ترى إلى مالك رحمه الله يقول:"إن من شيوخي من أستسقي الله به ولا أقبل حديثه".
وقال ابن عطاء: ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه.
فالولاية ثابتة بنصوص الكتاب والسنة ولكن من هو الولي؟.
إنه الذي يتولى الله في العبادة والطاعة من غير تخلل معصية، مع جوازها عليه، ويتولاه الله بالرعاية والعناية، فهو عارف بالله وصفاته، مواظب على الطاعات مجتنب للمعاصي، غير منهمك باللذات والشهوات المباحة، وإذا ارتكب معصية أو حدثت له غفلة أحدث توبة.
والكرامة ثابتة بنصوص الكتاب والسنة، فهذا القرآن يذكر لنا عن مريم عليها السلام:
(1) النمل: 62.
(2)
الإسراء: 67.
ويذكر قصة صاحب سليمان إذ أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه، ويذكر قصة أصحاب الكهف ونومتهم الطويلة وبقاء حياتهم بلا طعام ولا شراب، وهذه السنة الثابتة تذكر حادثة عمر مع سارية، وإضاءة العصا لأسيد بن حضير وعباد بن بشر، وما رزق الله خبيثاً من الرزق وهو أسير بمكة، ولكن لا تصف أحداُ بالكرامة إلا إذا كان مظهراً للاستقامة.
ومع وجود الكرامة والولاية فلا يتجاوز بالولي مقامه ومؤهلاته، فإن كان أهلاً للإمامة قدم، وإن كان أهلاً للعلم أخذ منه، وما يظهر منه أو له يوزن بميزان الشريعة. فالشريعة معصومة، ومن سوى الأنبياء فليس بمعصوم:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2).
لقد كان للخضر مقامه العظيم في الولاية على رأي من يقول بولايته، ولكن الإمامة والرسالة كانت لموسى عليه السلام، فهو الذي طولب قومه بإتباعه والتلقي عنه والأخذ منه، وهذا شيء، وأن تقدم لمن عرفناه بالولاية أو من هو مظنتها الاحترام والأدب والتوقير شيء آخر، فأدبنا مع أمثال هؤلاء مؤكد واحترامنا لهم مطلوب، والمسلم الحكيم يضع كل شيء في محله.
وإذا فما نعرف به الولي: استقامته وظهور الكرامة على يده، وشيء آخر هو حب أهل الصلاح له وثناؤهم عليه.
ولنعد إلى ما بدأنا به هذا الوصل: فالمطلوب هو الوارث الكامل، الذي في صفاته الولاية، ومن صفاته الأخرى العلم والإرشاد، والقيام بمهام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبذلك تستقيم الحياة البشرية.
(1) آل عمران: 37.
(2)
الجاثية: 18.