الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
نعقد هذا الفصل ههنا لأن الجن والشياطين من أمر الغيب، واخترنا أن نذكر هذا الفصل هنا؛ لأن الشياطين وهم جزء من الجن على القول الراجح هم الجهة المقابلة للملائكة من بعض الحيثيات؛ فالملائكة تفعل الخير وتأمر به وتثبت عليه، والشياطين تفعل الشر وتأمر به وتثبت عليه.
ومن ملاحظات السيد عبد الرزاق نوفل: (فإن لفظ الملائكة قد تكرر في القرآن الكريم 68 مرةٍ وهو نفس العدد تمامًا الذي تكرر فيه لفظ الشيطان، وأن عدد ما ورد في الآيات الشريفة من مختلف صور لفظ الملائكة كملك ملكا وملكني وملائكة هو 88 مرة، وهو نفس العدد تمامًا أيضًا الذي تكرر فيه مختلف صور لفظ الشيطان كالشياطين وشيطانًا وشياطينهم) ا. هـ. (الجن والملائكة لعبد الرزاق نوفل).
والجن مكلفون كالإنسان، وبالتالي فعندهم قدرة على إدراك الخطاب، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (2).
وقد ذكرت بعض كتب العقائد أن الجن يكلفون من لحظة الولادة: لأنهم مؤهلون لإدراك الخطاب منذ اللحظة الأولى.
ومن آثارهم التي يستأنس بها على وجودهم الصرع الذي لم يزل موجودًا، وتكلم الجان على لسان شخص يتلبس به، وظهورهم لبعض الناس ومخاطبتهم إياهم بالوساوس التي يحسها الإنسان في قلبه كأثر منهم.
وعالم الجن فيه الكافر والمؤمن والفاسق، قال تعالى على لسان الجن:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (3): أي أديانًا مختلفة.
(1) الذاريات: 56.
(2)
الأنعام: 130.
(3)
الجن: 11.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} (1): أي الجائرون.
وهل الكافرون منهم هم الشياطين، أو الشياطين جنس آخر؟ فالجن مخلوقات هوائية والشياطين مخلوقات نارية: قولان للعلماء، والراجح أن الشياطين هم كفرة الجن.
ولا خلاف أن رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الإنس والجن، وأنه بلغ الرسالة للإنس والجن، وقد ذكر القرآن ذلك في أكثر من سورة، ولكن هل كان الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام يرسلون إلى الإنس والجن حيث أرسلوا، أو أنه قبل محمد عليه الصلاة والسلام كانت ترسل رسل من الجن؟
قولان للعلماء في ذلك؛ فابن عباس وآخرون يرون أنه لم يبعث الله رسولاً من الجن، وقال الضحاك وابن حزم وآخرون: إنه قد ابتعث الله من الجن أنبياء ورسلاً، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا (2).
* * *
وقد ألف أكثر من كتاب في الجن وأحكامها، منها القديم ومنها الحديث، عدا ما قاله المفسرون وشراح السنة بمناسبة ورود شيء من ذلك في سياقه، عدا ما تذكره كتب العقائد في الحديث عنهم على اعتبار أن الجن جزء من عالم الغيب، والإيمان بوجودهم من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي يكفر منكرها، وممن أفرد التآليف عن الجن قديمًا: ابن القيم في كتابه: "لقط المرجان في أحكام الجان". والقاضي بدر الدين الشبلي الحنفي في كتابه: "آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان". وقد حاول عبد الرزاق نوفل في كتابه عن "الجن والملائكة" أن يستأنس في بحثه ببعض معطيات عصرنا التي تشير إلى عالم الجن والشياطين، فاستأنس بكلام بعض علماء النفس الذين تحدثوا عن الدوافع الخفية التي تدفع الإنسان إلى اتجاهات معينة، وبكلام بعض علماء الطب بمناسبة العلاج الروحي والنفسي لبعض الأمراض، وتكلم عن معطيات أخرى، وربط الشيخ حسن أيوب بين ما
(1) الجن: 15.
(2)
الأنعام: 130.
يجرى في عمليات تحضير الأرواح وعالم الجن.
وعلماء الإسلام سلفًا وخلفًا يذكرون حوادث يقينية كان للجن حضورهم فيها، وهناك أعلام من العلماء تتلمذ عليهم أفراد من الجن، ولابن عابدين -من فقهاء الحنفية- رسالة في تلمذة الجن على شيخه مولانا الشيخ خالد النقشبندي رحمه الله. وإنه لموضوع حري أن يتتبع وتتبع أخباره في الشرق والغرب، وفي الكتب القديمة والحديثة، فذلك يدحض فرية افتراءات الماديين ويلقم الحجر للمشركين، ويكفي المسلم أن يعرف النصوص الواردة في ذلك أن يفهمها حق الفهم وأن يؤمن بها، وهذا الكتاب مقصور على مثل هذا.
ونحن سنذكر بعض نصوص القرآن في الجن، ثم نعقب ذلك بذكر بعض النصوص النبوية في هذا الشأن، مع شرح ما لابد من شرحه وبعض التعليقات المختصرة، ثم نعقب ذلك بتلخيص إجمالي هذا الموضوع، ثم بنقل بعض أقوال العلماء.
* * *