الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
في الإسلام تنبثق الفروع عن أصول، والأصول نفسها ترجع إلى أصول أجمع وأكثر كلية، وهكذا فمرجع الإسلام كله إلى الشهادتين، فالشهدتان تنطوي فيهما أركان الإيمان وعنهما ينبثق الإسلام، ويمكن أن نرجع الإسلام والإيمان إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، فمن عرف الله عرف أنه عادل، ومن تمام عدله أن يكون هناك يوم آخر، ومن تمام عدله ألا يحاسب ويعاقب إلا على شيء قد تقدم به إلى الناس، ومن ههنا يأتي الوحي والرسالة، والوحي والرسالة تتنزل بها الملائكة.
وهكذا نجد أن فروع الإسلام ترجع في النهاية إلى أصول قليلة، ولكن ينبثق عن هذه الأصول ما لا يعد من فروع وشعب للفروع.
والتركيز على الإيمان بالله واليوم الآخر هو باب الإيمان والتقوى والإحسان والشكر والعمل، فهذان الركنان هما محل التركيز المستمر في هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك كان الحديث عنهما في الكتاب والسنة كثيراً، بينما قل الحديث عنهما في كلام الناس في عصرنا مما ينبغي أن يتلافى.
إنه عن الإيمان بالله واليوم الآخر ينبثق الإخلاص والتوكل والزهد والمحبة والصدق، كما أن الإيمان باليوم الآخر يستدعي المحاسبة والتأمل والتفكر والاعتبار والخوف والرجاء.
وعن الغفلة عن الله واليوم الآخر يتفرع الخبث كله من كفر ومعصية وخيانة وحسد وعجب وكبر ورياء.
إنك إذا تأملت القرآن الحكيم فإنك لا تجد صفحات إلا وفيها حديث عن الله عز وجل أو عن اليوم الآخر أو عن الله واليوم الآخر، وعندما ندرس نصوص السنة نجد كثرة النصوص المترتبطة بهذا أو بهذا؛ لأن ذلك هو محور الرسالة، قال تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1).
(1) العنكبوت: 36.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1). والطريقة الأساسية للرسل في البلاغ هي التبشير والإنذار: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (2).
والتبشير والإنذار إنما هما تبشير برضوان الله الذي ينال أهله الجنة، وإنذار بسخط الله الذي يستأهل أهله النار، ولو أنك تأملت النصوص ثم تأملت الواقع لرأيت أنه لا صلاح للنفس البشرية ولا للحياة البشرية ولا لهذا العالم إلا بالإيمان واليوم الآخر وأن تظهر ثمرة ذلك على السلوك. وتأمل هذه النصوص:
وتتوضع حول الإيمان باليوم الآخر موضوعات كثيرة تتصل به بشكل مباشر أو غير مباشر، منها:
(1) الأحزاب 21.
(2)
النساء: 165.
(3)
الماعون: 1 - 3.
(4)
المجادلة: 22.
(5)
التوبة: 18.
(6)
التوبة: 44.
(7)
الأنعام: 92.
(8)
ص: 45، 46.
الإيمان بالموت وبالحياة البرزخية، والساعة وأشراطها، وما يكون بعد الساعة من حشر ونشر وحساب وجنة ونار إلى غير ذلك، ويرتبط بهذا كله موضوعات متعددة كثيرة وكلها مرتبطة بالإيمان بالغيب.
* * *
وقد تولى القرآن الكريم مناقشة الكافرين باليوم الآخر والشاكين فيه بما لا مزيد عليه، ولا ينبغي للمؤمن أن يمر عليه دون أن يطالع كتاب الله عز وجل لكي يتزكى قلبه فيمتلئ يقيناً ويتأمل، ويتذكر حين يمر على هذه المعاني وقد كررها القرآن كثيراً لتثبت وتستقر كدأب القرآن في عرضه للقضايا الأكثر أهمية فهو يكرر القضية بحسب احتياج القلب البشري إليها.
وموضوع اليوم الآخر يحتاجه القلب كثيراً ولذلك فإن القرآن يكاد يكون كله وصفاً لليوم الآخر حتى إن بعضهم فسر (الضمير) في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) بالقرآن، أي: وإن القرآن علم للساعة.
إن أدلة وجود الله أكثر من أن تحصى، ومن عرف الله عز وجل وعرف صفاته العليا وأسماءه الحسنى آمن باليوم الآخر وعرف حقيقة وجوده واستغرب إنكاره، فمن عرف قدرة الله عز وجل لم يستغرب أن يقيم الله عز وجل القيامة وأن يعيد خلق الإنسان وغيره مما شاء، ومن عرف علم الله لا يستغرب الإعادة مع تفرق الأجزاء، ومن عرف عدل الله آمن بما أخبره عن وجود يوم ودار يكون فيهما الحساب والجزاء.
- ومن عرف الرسل عليهم الصلاة والسلام، وعرف صدقهم وكمالاتهم ومعجزاتهم، وعرف أنهم أخبروا وبشروا وأنذروا باليوم الآخر أعطاه ذلك يقيناً.
- ومن عرف ما في القرآن من إعجاز ومعجزات، وعرف أن هذا القرآن أخبر عن الساعة وما يكون بعدها من حشر ونشر، أيقن باليوم الآخر.
(1) الزخرف: 61.
- ومن عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن مئات الأحدث التي ستقع بعده، وأن قسماً كبيراً مما أخبر عنه قد وقع، عرف أن ما لم يقع واقع لا محالة، ومن ذلك ما يكون بين يدي الساعة وما يكون بعدها.
- ومن عرف قصة أهل الكهف وأن الحكمة في فعل الله بأصحابها إثبات البعث زاده ذلك يقيناً.
- ومن تأمل كثرة البشارات والإنذارات في بقايا الوحي الإلهي الذي تقل لنا عن الرسل السابقين - على ما خالطه من تغيير وتبديل - أدرك أن التبشير باليوم الآخر، والإنذار مما يكون فيه كان قاسماً مشتركاً في هداية الرسل عليهم الصلاة والسلام.
- ولو أنك تأملت سورة الروم في القرآن لوجدت أن الله عز وجل يدلل على صدق موعوده بغلبة الروم على الفرس بصدق موعوده بأن اليوم الآخر كائن، وهذا يجعلنا نفطن لأهمية ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واقعات ستقع بعده وقد وقعت لنتحقق بذلك أن ما أخبرنا عنه واقع، سواء في ذلك ما يكون من أحداث قبل قيام الساعة أو ما يكون بعدها، ومن ههنا سيكون الوصل الأول في هذا الفصل في الحديث عن بعض ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أحداث بين يدي الساعة، قد وقع بعضها، وبعضها لم يقع وهو واقع لإخبار الله في كتابه أو لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته أو لورود الخبر في الكتاب والسنة معاص، وسيكون الوصل الثاني في هذا الفصل عن الموت والحياة البرزخية، وسيكون الوصل الثالث عن الساعة وعما سيكون بعدها.
* * *