الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثامنة
في:
تمزقات الأمة الإسلاميَّة وصراعاتها
923 -
* روى الترمذي عن خبَّاب بن الأرَتّ رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليْتَ صلاةً لم تكن تُصلِّيها؟ قال:"أجل، إنها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ، إنِّي سألتُ الله ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً، سألتُه أنه لا يُهلك أمَّتي بِسَنَةٍ، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُسلِّط عليهم عدوَّاً من غيرهم، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ، فمنعنيها".
وفي رواية النسائي (1)؛ أنَّ خبايَّا رَقَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ صلَّاها، فلمَّا فَرَغَ من صلاتِه جاءه خبَّابٌ فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمِّي، لقد صلَّيْتَ الليلة صلاةً ما رأيتُك صلَّيْتَ نحوها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أجل؛ إنها صلاةُ رَغَبٍ ورَهَبٍ، سألتُ ربِّي عز وجل ثلاث خِصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً، سألتُ ربِّي: أن لا يُهلِكنا بما أَهْلَكَ به الأُممَ، فأعطانيها، وسألتُ ربِّي: أن لا يُظهِر علينا عدوَّاً من غيرنا، فأعطانيها، وسألتُ ربِّي أن لا يُلبِسَنا شِيَعاً، فَمَنَعَنِيها".
أقول: لقد بدأ الصراع بين المسلمين منذ الفتنة الكبرى التي وقعت زمن عثمان رضي الله عنه وأدَّت إلى قتله، ومن يومها حتَّى يومنا هذا لم تهدأ الصراعات بين المسلمين، وفي عصرنا نجد
923 - الترمذي (4/ 476) 24 - كتاب الفتن، 14 - باب م جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثاً في أمته.
وقال: حديث حسن صحيح، قال محقق الجامع: وهو كما قال.
(1)
النسائي (3/ 216) 20 - كتاب قيام الليل وتطوُّع النهار، 16 - باب إحياء الليل.
(رغبة): الرَّغب: الرغبة، هو حبُّ الشيء وإيثاره.
(والرهَب): الرهبة، وهو الخوف.
(يُلبِسنا): أي يختلط أمرنا خلط اضطراب واختلافَ أهواءٍ.
(شِيَعَاً): الشِّيَع: الفِرَق جمع شيعة.
ذلك على أشُدِّه، فما ذكرته من نصوص هذه الفقرة من أعلام نُبُوَّته عليه الصلاة والسلام.
924 -
(1) راني عن نافع بن خالد الخَزَاعِي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى والناسُ حَوْله صلى صلاةً خفيفةً تامة الركوع والسُّجود، فجلسَ يوماً فأطال السجودَ حتى أَوْمأَ بعضنا إلى بعضٍ أن اسكتوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوحَى إليه. فلمَّا فَرَغَ قال بعض القوم: يا رسول الله أطَلْتَ الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض أنَّه يُنَزَّل عليكَ. قال: "لا، ولكنها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ سألتُ الله فيها ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألته أن لا يُعذِّبَكُم بعذابٍ عَذَّب به من كان قبلكم، وسألته أن لا يُسلِّط على عامتكم عدوَّاً يَستَبيحها، فأعطانيهما، وسألته أن لا يَلْبِسَكُم شيعاً ويُذيق بعضكم بأسَ بعضٍ فمنعنيها". قلتُ له: أبوك سَمِعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، سمعته يقول إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصابعي هذه العشرِ الأصابع.
925 -
* روى مسلم عن عامر بن سعد أبي وقَّاص رحمه الله عن أبيه، أنَّه أقْبَل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ من العَاليةِ، حتى إذا مرَّ بمسجدِ بني معاويةَ دَخَلَ فركعَ فيه ركعتين، وصَلَّيْنا معه، ودعا ربَّه طويلاً، ثمّ انصرف إلينا فقال:"سألتُ ربِّي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً، سألتً ربي أن لا يُهلِكَ أُمَّتي بالسِّنَّة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلِك أمتي بالغَرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأْسَهم بينهم، فَمَنَعَنِيها".
أقول: الغرق الجزئي لأجزاء في الأرض الإسلاميَّة لا يدخل في الحديث، وكذلك المجاعة الجزئيَّة فالمنفى هو استئصال الأمَّة الإسلاميَّة كلها بغرق أو مجاعة أو غير ذلك، وكذلك التسليط على الأمَّة الإسلاميَّة من غيرها لا يكون شاملاً، أمَّا التسليط الجزئي فغير منفي في النصوص، ولو أنَّك تأمَّلت أشدَّ مراحل الضعف التي مرَّت بها الأمَّة الإسلاميَّة
924 - المعجم (4/ 194).
كشف الأستار (4/ 99).
مجمع الزوائد (7/ 222، 223). وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير نافع بن خالد وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد ورواه البزار.
925 -
مسلم (4/ 2217) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 6 - باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة.
فإنك لا تجد مرحلة تسلط بها الكافرون على كل شبر من الأرض الإسلاميَّة، ففي موجة التتار بقيت أقطار إسلاميَّة كمصر وما وراءها والجزيرة العربيَّة بعيدة عن سيطرتهم، وفي الحروب الصليبية لم تستعمر إلا أقطار محدودة، وفي مرحلة الإستعمار الحديث بقيت أقطار إسلاميَّة لم يستعمرها الكافرون كاليمن والحجاز ونجد. ففي النصوص بشارة وهي من أعلام نبُوَّته عليه الصلاة والسلام.
926 -
* روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوى لي منها، وأُعطِيتُ الكنْزين الأحمر والأبْيض، وإنِّي سألتُ ربِّي لأمَّتي؛ أن لا يُهلِكها بِسَنَةٍ عامَّةٍ، وأن لا يسلِّط عليهم عدوَّاً من سوى أنفسهم، فيستبيحَ بَيْضَتَهم، وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاءٌ فإنه لا يرَدُّ، وإني أعطيتك لأُمتك: أن لا أُهْلِكاهم بِسَنَةٍ عامَّةٍ، ولا أُسلِّط عليهم عدُوّاً [من] سوى أنفسهم يستبيحُ بيضتَهم، ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها- أو قال: مَن بين أقطارِها- حتَّى يكون بعضهم يُهلِكُ بعضاً، ويَسبي بعضهم بعضاً".
وفي رواية (1): أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زَوَى لي الأرض حتى رأيتُ مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكَنْزَين: الأحمر والأبيض" ثمَّ ذكر نحوه.
926 - مسلم (4/ 2215) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 5 - باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض.
قال ابن الأثير:
(بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) السَّنة: الجذب والشِّدَّة، والعامَّة: التي تَعُمُّ الكل.
(زوى لي): رَوَيْت الشيء لفلان، أي جمعته له وضممته إليه، وقوله:"وإن مُلكَ أُمَّتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها" من معجزاته صلى الله عليه وسلم، لأنّ مُلك أمته بلغ من المشارق والمغارب كثيراً واسعاً.
وأمَّا جهة الجنوب وجهة الشَّمال: فلم يبلغ ملك الأمة الإسلامية فيهما كثيراً مبلغه من جهتي الشرق والغرب، فكان هذا منه صلى الله عليه وسلم إخباراً عمَّا يقع في المستقبل.
(بيضة الناس): مجتمعهم ومعظمهم، وبيضة البلد، وسطه ومعظمه، و"استباحهم": جعلهم مُباحاً، يأخذهم أسراً وقتلاً، ويتصرَّف فيهم كيف شاء. أهـ. ابن الأثير (جامع الأصول).
(1)
مسلم: الموضع السابق.
وزاد أبو داود (1): "وإنما أخاف على أمَّتي الأئمَّة المُضلِّين، وإذا وُضِع السَّيف في أمَّتي لم يُرفَع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تَلْتَحِق قبائِلٌ من أمَّتي بالمشركين، وحتَّى تَعْبُدَ قبائل من أمَّتي الأوثان، وإنَّه سيكون في أُمَّتي كذَّابون ثلاثون، كُلُّهم يزعُم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي ولا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الحق ظاهرين لا يَضرُّهم من خالفهم حتَّى يأتي أمرُ الله".
وقد روى مسلم (2) بعض هذه الزيادة عن ثوبان، وهي قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين
…
" إلى آخرها.
وروى الترمذي (3) الزيادة كلها مفردة.
أقول: إنّ أعظم منابع الثروة في العالم موجود في العالم الإسلامي، وفي الحديث إشارة إلى ذلك، وذلك من أعلام نبوَّتِه عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث بِشارة باستمرار وجود من يحمل الإسلام كلما وقع وذلك من أعلام نبوَّته عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث بِشارة بالتوسُّع المطَّرِد للإسلام وهة حاصل، ونحن الآن نشهد بداية مدٍّ إسلامي جديد نرجو أن يكون مآله سيطرة الإسلام على العالم تحقيقاً لقوله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ، وتحقيقاً لبشارته عليه الصلاة والسلام بذلك.
927 -
* روى أحمد عن شداد بن أَوسٍ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله زَوَى لي الأرض فرأيت مَشارِقَها ومَغَارِبَها وإني أعطِيتُ الكنزين: الأبيضَ والأحمرَ،
(1) أبو داود (4/ 17) كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفِتَن ودلائلها.
(2)
مسلم (2/ 1523) 23 - كتاب الإمارة، 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمَّتي
…
"
(3)
الترمذي (4/ 504) 34 - كتاب الفتن، 51 - باب ما جاء في الأئمَّة المضلين. وقال: حديث صحيح.
927 -
أحمد (5/ 248).
وكشف الأستار (4/ 100).
ومجمع الزوائد (7/ 221). وقال: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.
(زوى): جمع. =
وإني سألت ربي عز وجل: أن لا يهلك أمتي بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض. فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا بعامة فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا وبعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنهم إلى يوم القيامة".
928 -
* روى الطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي لأمتي أربع خلال فمنعني واحدة وأعطاني ثلاثا: سألته أن لا يكفر أمتي صفقةَ وحدةً فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم هدواً من غيرهم فأعطاينها، وسألته أن لا يعذبهم بما يعذب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها".
929 -
* روى الطبراني عن أبي بردة قال: خرجت من عند عبيد الله بن زياد فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلست إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقوبة هذه الأمة بالسيف".
930 -
* روى أبو داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لن يجمع لله على هذه الأمة سيفين: سيفاً منها، وسيفاً من عدوها".
أقول: في الحديث إشارة وبشارة، فعندما يكون المسلمون قائمين بالجهاد يقاتلون عدواً أو يقاتلهم عدو فيتحدون وتتوجه قلوبهم لجهاد غيرهم، فإذا ركد سوق الجهاد لأعداء الله
= (بسنة): السنة: القحط والمجاعة.
(بعامة): العامة: التي تعم الكل.
928 -
مجمع الزوائد (7/ 222) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: سألت ربي ثلاثاً.
وكشف الأستار (4/ 99).
929 -
مجمع الزوائد (7/ 225). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
930 -
أبو داود (4/ 112) كتاب الملاحم، باب ارتفاع الفتنة في الملاحم. وإسناده حسن.
قاتلوا بعضهم.
ومن فقه أبي بكر رضي الله عنه أنه بعد أن أنهى الردة حرك المسلمين باتجاه فارس والروم، وكذلك فعل عمر، فلما خفت المشاركة بالجهاد المشاركة بالجهاد زمن عثمان على كثرة الفتوح وقعت الفتنة.
* * *