الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصوص
1044 -
* روى مسلم، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداةٍ، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال:"ما شأنكم؟ " قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه، ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال:"غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامروء حجيج لنفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بـ "عبد العزى بن قطن"، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح (سورة الكهف)، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالاً، يا عباد الله، فأثبتوا". قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال:"أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قلنا: يا رسول الله، فذاك اليوم الذي كسنةٍ: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره". قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استديرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت درًا، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف
1044 - مسلم (4/ 2250 - 2255) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
(طائفة النخل) ناحيته وجانبه، والطائفة: القطعة من الشيء.
(الحجيج): الحاجج، وهو المجادل والمخاصم الذي يطلب الحجة، وهي الدليل.
(القطط): الشعر الجعد.
(طافئة): الحبة الطافئة من العنب هي التي قد خرجت عن حد نبات أخواتها في العنقود ونتأت، قال الخطابي: مر علي زمان وأنا أعتقد أن معنى قوله: "كأنها عنبة طافئة" أنه الحبة من العنب التي تسقط في الماء فيدخلها الماء، فتنتفخ فتطفو على الماء، إلى أن وقفت عليه في موضع أنه الحبة التي تخرج عن حد أخواتها. قوله:"إنه خارج خلة" أي: أنه يخرج قصدًا وطريقًا بين الجهتين والتخلل: الدخول في الشيء.
(فعاث) العيث: أشد الفساد.
(سارحتهم) السارحة: الماشية، لأنها تسرح إلى المرعى.
(درًا) الدر: اللبن، وإنما يكثر بالخصب وكثرة المرعى.
عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم: إني قد أخرجت عبادًا لي، لا لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة مساء، ويحصر نبي الله عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينارٍ، فيرغب
= (الممحل): الذي قد أجدبت أرضه وقحطت وغلت أسعاره.
(يعاسيب): جمع يعسوب، وهو محل النحل ورئيسها.
(جزلتين): الجزلة بالكسر: القطعة.
(القرض): الهدف الذي يرمى بالنشاب.
(مهرودتين) رويت هذه اللفظة بالدال والذال، يقال: إن الثوب إذا صبغ بالورس ثم بالزعفران، جاء لونه مثل زهرة الحوذانة، فذلك الثوب مهرود، وقيل: أراد بالمهرود: الثوب المصبوغ بالهرد، وهو صبغ أصفر، قيل: إنه الكركم، وقيل اراد في شقتين من الهرد، وهو القطع.
(جمان) جمع جمانة، وهي حبة تؤخذ من النقرة، كاللؤلؤة، وقد يطلق على اللؤلؤ مجازًا. وشبه في الحديث عرقه بالجمان.
(لا يدان لأحد بقتالهم): يقال: مالي بهذا الأمر يدان، أي: لا أقدر عليه وأنا عاجز عنه، كما يقال: لا طاقة لي به، لأن المباشرة والدفاع إنما يكون باليد، فكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه.
(فحرز): أي: احرز واحفظ واجعلهم في الحرز.
(الحدب): الأكمة والمرتفع من الأرض. وينسلون أي يسرعون.
نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى، كموت نفسٍ واحدٍة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملاه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيثما شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدرٍ ولا وبرٍ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيؤمئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمنٍ ومسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة". (1)
وفي رواية (2) نحوه، وزاد بعد قوله:"لقد كان بهذه مرة ماءً": "ثم يسيرون حتى
= (النغف): دود يكون في آنوف الإبل والغنم، واحدها: نغفة.
(فرسى): جميع فريس، وهو القتيل.
(الزهمة): الريح المنتنة، والزغم: مصدر زغمت يده من ريح اللحم.
(المدر): طين قد استحجر، والمراد به: البيوت المبنية دون الخيام.
(الزلفة): المرآة: وجمعها زلف: وقيل: هي المصنعة من الماء، فمن شبهها بالمرآة: أراد لاستوائها ونظافتها، ومن شبهها بالمضغة: أراد امتلاءها من الماء، والأول أشبه لسياق الحديث.
(العصابة): الجماعة من الناس قبل أن يبلغوا أربعين.
(القحف): للرأس معروف. والمراد به في الحديث: قشر الرمانة.
(رسل): الرسل بكسر الراء: اللبن.
(لقحة): اللقحة الناقة التي يكون لها ابن.
(الفئام): الجماعة من الناس.
(الفخذ): من الناس دون القبيلة.
(لقحة): اللقحة الناقة التي يكون لها لبن.
(الفئام): الجماعة من الناس.
(الفخذ): من الناس دون القبيلة.
(التهاريج): الاختلاف والاختلاط، وأصله، القتل.
(2)
مسلم (4/ 2255)، في الموضع السابق.
ينتهوا إلى جبل الخمر -وهو جبل بيت المقدس- فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا".
ورواه الترمذي (1)، وزاد في أوله بعد قوله:"في طائفة النخل" قال: "فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رحنا إليه" وقال فيه "عينه قائمة" بدل "طافئة" ولم يقل: "خلة" وقال: "فيأتي القوم فيدعوهم، فيكذبونه ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم، ويصبحون ليس بأيديهم شيء، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم كأطول ما كانت درا، وأمده خواصر، وأدره ضروعًا، ثم يأتي الخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فينصرف عنها، فتتبعه كيعاسيب النحل .. " وذكر الحديث بنحو ما سبق إلى قوله: "لقد كان بهذه مرة ماء". وقال: "ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، فلهم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم محمرا دمًا، ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرًا لهم من مائة دينار لأحدكم اليوم
…
". وذكر الحديث، وقال: "قد ملأته زهمتهم ونتنهم ودماؤهم" قال: "فيرغب عيسى إلى الله وأصحابه فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم بالمهبل، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين، ويرسل الله عليهم مطرًا لا يكن منه بيت وبر ولا مدرٍ، فيغسل الأرض فيتركها كالزلفة" قال: "ثم يقال للأرض: أخرجي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل، وإن القبيلة ليكتفون باللقحة من
= (إلى جبل الخمر): الخمر هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه وفسر في الحديث أنه جبل بيت المقدس لكثرة شجره.
(1)
الترمذي (4/ 510 - 513) 34 - كتاب الفتن، 59 - باب ما جاء في فتنة الدجال.
البقر، وإن الفخذ ليكتفون باللقحة من الغنم، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله عليهم ريحًا، فقبضت روح كل مؤمن، ويبقى سائر الناس يتهارجون كما يتهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة".
"فخفض فيه ورفع": قال الشيخ عبد الفتاح: (قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 18: 63 في معناه قولان:
الأول: أن معنى "خفض فيه": حقره، ومعنى "رفع" فيه: عظمه وفخمه، فمن تحقيره، قوله صلى الله عليه وسلم: إنه أعور العين، وإنه أهون على الله من ذلك، وإنه لا يقدر على قتل أحدٍ إلا ذلك كالرجل ثم يعجز عنه، وإنه يضحمل أمره ويقتل بعد ذلك. ومن تفخيمه وتعظيم فتنته قوله صلى الله العظيم وسلم:"ليس بين يدي الساعة خلق أعظم من الدجال، وما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب". وتلك الأمور الخارقة للعادة التي تقع له.
القول الثاني: في معنى "خفض فيه ورفع": أنه خفض من صوته لكثرة ما تكلم في شأن الدجال، فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد". انتهى. اهـ. من (التصريح).
أقول: إن أشراط الساعة وما يكون بعدها تفسيرها وقوعها: قال تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق)(1) ومع ذلك فقد تشتبه على بعض الناس بعض النصوص فاقتضى ذلك كلامًا، ومما قد يشتبه على بعض الناس هذا الجزء من الحديث السابق:
(قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا اقدروا له قدرة").
وسبب الإشكال أنه إذا كان يوم كسنة فهذا يقتضي -إلا إذا كان الحديث له تفسير غير المتبادر إلى الأذهان -أن يكون هناك ليل طويل يقابل هذه السنة في مكان آخر من
(1) الأعراف: 53.
الأرض، والمعروف أن هذه الحالة لا تكون إلا عند طلوع الشمس من مغربها، ولذلك فإننا نحمل هذا الحديث على أن المراد باليوم الذي كسنة واليوم الذي كشهر واليوم الذي كجمعة بأنها كذلك في الشدة والبلاء بدليل أن هناك روايات تذكر أن مكثه في الأرض أربعون سنة وإنما هي أربعون سنة في الشدة والبلاء وإلا فمكثه أربعون يومًا.
قال ابن حجر في الفتح
"وقع في حديث جابر: "يسيح في الأرض أربعين يومًا يرد كل بلدة غير هاتين البلدتين مكة والمدينة حرمهما الله تعالى عليه، يوم من أيامه كالسنة ويوم كالشهر ويوم كالجمعة وبقية أيامه كأيامكم هذه". أخرجه الطبراني وهو عند أحمد بنحوه بسند جيد ولفظه "تطوى له الأرض في أربعين يومًا إلا ما كان من طيبة"
…
الحديث وأصله عند مسلم من حديث النواس بن سمعان بلفظ: قلنا يا رسول الله فما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا". فذكره وزاد: قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا اقدروا له قدره". قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح". وله عن عبد الله بن عمرو: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا". الحديث، والجزم بأنها أربعون يومًا مقدم على هذا الترديد، فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن بلفظ:"يخرج -يعني الدجال- فيمكث في الأرض أربعين صباحًا يرد فيها كل منهل إلا الكعبة. والمدينة وبيت المقدس". الحديث ووقع في حديث سمرة .. "يظهر على الأرض كلها إلا الحرمين وبيت المقدس فيحصر المؤمنين فيه ثم يهلكه الله"[قوله عليه السلام: "فيحصر المؤمنين في بيت المقدس" علق عليه الشيخ عبد الفتاح: "كذا في رواية الإمام أحمد ي "المسند" 5: 16. وجاء في "مجمع الزوائد" للهيثمي 7: 341 هكذا: (وإنه يحصر المؤمنون). أي بالبناء للمجهول للفعل وبرفع ما بعده. ا. هـ. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح)].
وفي حديث جنادة بن أبي أمية: أتينا رجلاً من الأنصار من الصحابة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنذركم المسيح"
…
الحديث وفيه "يمكث في الأرض أربعين
صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول ومسجد الأقصى والطور" أخرجه أحمد ورجاله ثقات. ا. هـ. (فتح الباري).
فهذا الذي حملنا على أن نفسر اليوم كسنة بأنه سنة في الشدة، ولما فهم الصحابة الحديث على ظاهره أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم حكمًا فقهيًا للحالات التي يكون فيها اليوم طويلاً كأيام القطب الشمالي والجنوبي حيث يكون النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر.
وأما قوله عليه السلام: "ثم يقال للأرض أخرجي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل".
فيه إشارة إلى ما طرأ على الأرض وعلى البركة بسبب الفساد في الأرض: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (1). وقد ذكر كتاب ظهر عن "القطب" حيث المعاصي معدومة أن بعض المزروعات تنمو أضعافًا مضاعفة عنها في العالم المعروف فذلك نموذج على بركة الأرض حيث لم تتلوث بمعاصي بني آدم.
وقد علق الشيخ عبد الفتاح على هذا القسم من الحديث بما يلي:
"وقال الحافظ ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" ص 83 - 86، في الفصل -26 - من فصول الكتاب:
"فصل: ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
قال بعض السلف: كلما أحدثتم ذنبًا، أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة. والظاهر -والله أعلم- أن الفساد- المشار إليه في الآية -المراد به الذنوب وموجباتها، ويدل عليه قوله تعالى:{لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} . فهذا حالنا، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا، لما ترك على ظهرها من دابة!.
(1) الروم: 41.
ومن تأثير معاصي الله تعالى في الأرض، ما يحل بها من الخسف والزلازل، ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرب مياههم، ومن الاستقساء من آبارهم، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل، لتأثير شؤم المعصية في الماء.
وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما يرى بها من الآفات، وقد ذكر الإمام أحمد في "مسنده" 2: 296، في ضمن حديثٍ قال: وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة، الحبة بقدر نواة التمرة، وهي في صرةٍ مكتوب عليها: كان هذا ينبت في زمن العدل.
وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى، بما أحدث العباد من الذنوب. وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها، لم يكونوا يعرفونها، وإنما حدثت من قرب.
وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق، فقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعًا، ولم يزل الخلق ينقص حتى الآن".
فإذا أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمة والخونة والغجرة، يخرج عبدًا من عباده، من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، فيملأ الأرض قسطًا كما ملئت جورًا، ويقتل المسيح: اليهود والنصارى، ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله، وتخرج الأرض بركاتها، وتعود كما كانت، حتى إن العصابة من الناس، ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها، ويكون العنقود من العنب وقر بعير، ولبن اللقحة الواحدة -أي الناقة ذات اللبن- يكفي الفئام من الناس- أي الجماعة من الناس-.
وهذا لأن الأرض لما طهرت من المعاصي، ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى، التي محقتها الذنوب والكفر. ولا ريب أن العقوبات التي أنزلها الله في الأرض، بقية آثارها سارية في الأرض، تطلب ما يشاكلها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الأمم، فهذه الآثار في الأرض، من آثار العقوبات، كما أن هذه المعاصي من آثار الجرائم". انتهى كلام الحافظ ابن القيم.
وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 5: 364، عند قوله تعالى في سورة الروم:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
"المراد بالبر هنا: الفيافي، وبالبحر: الأمصار والقرى. ومعنى قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي إن النقض في الزروع والثمار بسبب المعاصي.
وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض، فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود:"لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا".
والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي، كان ذلك سببًا في حصول البركات من السماء والأرض.
ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير، وكسر الصليب، ووضع الجزية وهو تركها، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه، ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركتك، فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس.
وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير، ولهذا ثبت في "الصحيحين":"أن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد والحسين. قالا: حدثنا عوف، عن أبي قحذمٍ، قال: وجد رجل في زمان زياد -بن أبيه المتوفي سنة 53 - ، أو ابن زياد- عبيد الله ابن زياد بن أبيه المتوفي سنة 67 - : صرة فيها حب، يعني من بر أمثال النوى،
مكتوب فيها -أي في الصرة-: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل. انتهى. اهـ (التصريح).
أقول: وفي الحديث الذي مر معنا إشارة إلى الريح التي تقبض نفس كل مؤمن، وقد يظن قارئ الحديث أن ذلك كائن زمن المسيح عليه الصلاة والسلام، والأمر ليس كذلك، فهي تأتي بعد نزول المسيح عليه الصلاة والسلام، والناس لا زالوا يعيشون في آثار من بركة وجوده عليه الصلاة والسلام.
1045 -
* روى أبو داود، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني حدثتكم عن الدجال، حتى خشيت أن لا تعقلوا، إن المسيح الدجال قصير أفحج، جعد أعور، مطموس العين، ليست بناتئةٍ ولا جحراء، فإن التبس عليكم، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور".
1046 -
* روى مسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال:"إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة".
وفي رواية الترمذي (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الدجال؟ فقال: "ألا إن ربكم ليس بأعور، ألا وإنه أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة".
وفي رواية البخاري (2): أن المسيح ذكر بين ظهراني الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأنها عنبة طافئة".
1045 - أبو داود (4/ 116، 117) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، وإسناده حسن.
(الفحج): تباعد ما بين الفخذين، والرجل أفحج.
(عين حجراء): أي غائرة مختفية، كأنها قد انجحرت، أي: دخلت في جحر، وهو الثقب، قال الهروي: وأقرأنيه الأزهري جخراء -بالجيم والخاء المعجمة- وأنكره بالحاء المهملة، قال: معناه الضيقة فيها رمض وغمص.
1046 -
مسلم (4/ 2247) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
(1)
الترمذي (4/ 514) 34 - كتاب الفتن، 60 - باب ما جاء في صفة الدجال.
(2)
البخاري (13/ 389) 97 - كتاب التوحيد، 17 - باب قول الله تعالى:{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
وفي أخرى له ولمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: "إنه أعور عين اليمنى، كأنها عنبة طافئة".
وفي رواية أبي داود (2) قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله
…
فذكر الدجال، فقال:"إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
وفي أخرى للترمذي (3): قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله
…
ثم ذكر الدجال، فقال:"إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وإن الله ليس بأعور".
قال الزهري: فأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري: أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنته: "تعلمون أنه ليس يرى أحد منكم ربه حتى يموت، وأنه مكتوب بين عينيه، كافر، يقرؤه كل من كره عمله".
قوله عليه السلام: "إنه أعور العين اليمنى": قال النووي: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية" فروي بالهمز وبغير همز فمن همز معناه ذهب ضوؤها ومن لم يهمز معناه ناتئة بارزة ثم إنه جاء هنا أعور العين اليمنى وجاء في رواية أخرى أعور العين اليسرى وقد ذكرهما جميعًا مسلم في آخر الكتاب، وكلاهما صحيح قال القاضي عياض رحمه الله: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز وهو الذي صححه أكثرهم قال: وهو الذي ذهب إليه الأخفش ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها قال:
(1) البخاري (8/ 106) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع.
مسلم (1/ 155) 1 - كتاب الإيمان، 75 - باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال.
(2)
أبو داود (4/ 241) كتاب السنة، باب في الدجال.
(3)
الترمذي (4/ 508) 24 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال.
وضبطه بعض شيوخنا بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره، وقد وصف في الحديث بأنه ممسوح العين وأنها ليست جحراء ولا ناتئة بل مطموسة وهذه صفة حبة العنب إذا سأل ماؤها وهذا يصحح رواية الهمز. وأما ما جاء في الأحاديث الأخر جاحظ العين وكأنها كوكب وفي رواية لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة في حائط فتصبح رواية ترك الهمزة ولكن يجمع بين الأحاديث وتصحح الروايات جميعًا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز وهي العين اليمنى كما جاء هنا وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكب وكأنها نخاعة هي الطافية بغير همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز وبتركه. وأعور العين اليمنى واليسرى لأن كل واحدة منهما عوراء فإن الأعور من كل شيء المعيب لا سيما ما يختص بالعين وكلا عيني الدجال معيبة عوراء إحداهما بذهابها والأخرى بعيبها. هذا آخر كلام القاضي وهو في نهاية من الحسن والله أعلم". ا. هـ (شرح النووي على مسلم).
1047 -
* روى البخاري ومسلم، عن ربعي بن حراشٍ: انطلقت أنا وعقبة ابن عمرو إلى حذيفة، فقال عقبة: حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فقال: سمعته يقول: "إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنه نار: فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء: فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنه نار، فإنه ماء عذب بارد". قال حذيفة: وسمعته يقول: "إن رجلا ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقال: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا، فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة". وسمعته يقول: "إن رجلاً حضره الموت، فلما يئس من الحياة، أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، جزلاً، ثم أوقدوا فيه نارًا حتى إذا أكلت لحمي،
1047 - البخاري (6/ 494) 60 - كتاب الأنبياء، 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
مسلم (4/ 2250) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
(إنظار المعسر): تأخير ما عليه من الدين إلى حال يساره.
(جزلاً): الحطب الجزل: القوي الغليظ.
(الامتحاش): الاحتراق، امتحشت النار العظم: إذا أحرقته.
(راحا): يوم راح: كثير الريح شديده.
(فاذروه في اليم): أي: فرموه في البحر وألقوه فيه، كما يذرى الطعام، واليم: البحر.
وخلصت إلى عظمي، وامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يومًا راحا فاروه في اليم، ففعلوا، فجمعه الله عز وجل إليه، فقال؛ لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك". قال: "فغفر الله له". فقال عقبة: وأنا سمعته يقول ذلك، وكان نباشًا.
وفي رواية (1) عن حذيفة مختصرا: أنه عليه السلام قال في الدجال: "إن معه ماء ونارًا، فناره ماء بارد، وماؤه نار، فلا تهلكوا".
قال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولمسلم (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فليشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتبٍ".
وفي رواية لمسلم (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار".
وفي رواية أبي داود (4) قال: اجتمع حذيفة، وأبو مسعود، فقال حذيفة: لأنا بما مع
(1) مسلم (4/ 2249)، في الموضع السابق.
(2)
المصدر السابق.
(تأجج) النار: اتقادها.
(ظفرة): الظفرة -بالتحريك- جليدة تغشى ناتئة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها.
(3)
المصدر السابق.
(شعر جفال): كثير ملتف.
(4)
أبو داود (4/ 115، 116)، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال.
الدجال أعلم منه، إن معه بحرًا من ماء، ونهرًا من نار، فالذي ترون أنه نار ماء، والذي ترون أنه ماء نار، فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يرى أنه نار، فإنه سيجده ماء قال أبو مسعود: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.
1048 -
* روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة". قال النووي في شرح مسلم: وأصبهان بفتح الهمزة وكسرها وبالباء وبالفاء. ا. هـ.
أقول: في الحديث إشعار لأهل عصرنا بأكثر من معنى، فهؤلاء اليهود الذين يتابعون الدجال ويأتون معه يوم ظهوره إلى القدس حيث تكون عاصمة الخلافة الإسلامية هم الذين تتحدث عنهم النصوص أن الحجر والشجر يدلان المسلم عن مكان الواحد منهم ليقتله ما عدا شجر الغرقد.
وكون الخلافة الإسلامية عاصمتها القدس وقتذاك فذلك يشير إلى أن دولة اليهود الحالية لن تستمر في فلسطين، وكون هذا العدد الكبير من اليهود سيخرج من أصبهان فذلك يشير إلى هجرة لليهود لبلاد إيران من جديد، وفي ذلك كله إشارة إلى أن هناك بعدًا نسبيًا بيننا وبين ظهور الدجال ونزول عيسى ابن مريم وظهور المهدي إذا كان المهدي سيظهر بين يدي نزول المسيح عيسى ابن مريم.
1049 -
* روى مسلم عن أبي الزبير رحمه الله سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: أخبرتني أم شريك: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليفرن الناس من الدجال في الجبال".
قالت أم شريك: قلت: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال:"هم قليل".
أقول: في هذا الحديث إشارة أخرى إلى أن بيننا وبين ظهور الدجال بعدًا نسبيًا فالعرب
1048 - مسلم (4/ 2266) 52 - كتاب الفتن، 25 - باب في بقية من أحاديث الدجال.
1049 -
مسلم، في الموضع السابق.
والترمذي (5/ 723) 50 - كتاب المناقب، 70 - باب مناقب في فضل العرب.
اليوم كثير وهذا يجعلنا نستشعر خطورة الأحداث العالمية والمحلية على العرب بين يدي الساعة.
1050 -
* روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء بمثال الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة: هي النار، وإني أنذركم به، كما أنذر به نوح قومه.
1051 -
* روى البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا طويلاً عن الدجال، فكان فيما حدثنا به أن قال:"يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي بالمدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس- فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا، ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله، ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم. فيقول الدجال: اقتله. ولا يسلط عليه".
ولمسلم (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه المسالح -مسالح الدجال- فيقولون له: أين تعمد؟ فقال:
1050 - البخاري (6/ 370، 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل:(ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه).
مسلم (4/ 2250) 53 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
1051 -
البخاري (4/ 95، 96) 29 - كتاب فضائل المدينة، 9 - باب لا يدخل الدجال المدينة.
مسلم (4/ 2256) 52 - كتاب الفتن، 21 - باب في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه
…
إلخ.
(1)
مسلم (4/ 2256، 2257)، في الموضع السابق.
(السباخ): الأراضي التي لا تنبت المرعى.
(بصيرة) البصيرة: المعرفة واليقين.
(المسالح): جمع مسلحة، وهم قوم معهم سلاح، والمسلحة: كالثغر والمرقب وهو الذي يكون فيه قوم يرقبون العدو، لئلا يهجم عليهم، ويسمى بالأعجمية: اليزك.
أعمد إلى هذا الذي خرج". قال: "فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه؟ " قال: "فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال:"فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربًا". قال: "فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب؟ قال: "فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه". قال:"ثم يمشي الدجال بين القطعتين". قال: "ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا". قال: "ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ " قال: "ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من الناس". قال: "فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلاً". قال: "فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين".
1052 -
* روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) ".
وفي رواية لمسلم (1): أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدجال مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر".
وفي أخرى (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال ممسوح العين مكتوب بين عينيه
= (فيؤشر): أشرته بالمنشار، وشرته: إذا شققته به.
1052 -
البخاري (13/ 389) 97 - كتاب التوحيد، 17 - باب قول الله تعالى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
مسلم (4/ 2248) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
والترمذي (4/ 516) 24 - كتاب الفتن 62 - باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم الدجال.
وأبو داود (4/ 116)، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال.
(1)
مسلم (4/ 2248) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال
…
إلخ.
(2)
المرجع السابق.
(كافر)". ثم تهجاها "(ك ف ر) يقرؤه كل مسلم".
وفي رواية لأبي داود (1)"بين عينيه كافر".
وفي أخرى (2)"يقرؤه كل مسلم".
1053 -
* روى البخاري، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع، حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، وقال:"ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته: أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، إنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ ". قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد" ثلاثًا -"ويلكم"- أو "ويحكم- انظروا، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وروى مسلم طرفا منه (3)، وهو قوله:"ويحكم، أو قال: "ويلكم- لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ".
قال البخاري (4): وقال هشام بن الغاز: عن نافعٍ عن ابن عمر: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، وقال:"أي يومٍ هذا؟ " -وذكر نحو ما سبق أولاً- وقال: "هذا يوم الحج الأكبر". فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اشهد". ثم ودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع".
أقول: (ويحكم -أو قال: ويلكم-): قال القاضي: هما كلمتان استعملتهما العرب بمعنى
(1) أبو داود (4/ 116) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال.
(2)
المرجع السابق.
1053 -
البخاري (8/ 106) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع.
(3)
مسلم (1/ 82) 1 - كتاب الإيمان، 29 - باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم
…
إلخ.
(4)
البخاري (3/ 574) 25 - كتاب الحج، 122 - باب الخطبة أيام منى.
التعجب والتوجع. قال سيبويه: ويل: كلمة لمن وقع في هلكه. وويح: ترحم. وحكي عنه: ويح: زجر لمن أشرف على الهلكة.
1054 -
* روى أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدًا يكون بين يدي الدجال فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: "غلام شديد يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس". قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: "التسبيح والتكبير والتهليل". قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: "العرب يومئذ قليل".
1055 -
* روى أحمد، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدجال أعور عين الشمال بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه الأمي والكاتب".
1056 -
* روى أبو داود، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال:"من سمع بالدجال، فلينأ منه، فوالله: إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات".
1057 -
* روى البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته، وإنه قال لي:"ما يضرك منه؟ " قلت: إنهم يقولون؛ إن معه جبل خبزٍ، ونهر ماءٍ. قال:"هو أهون على الله من ذلك".
وفي رواية (1): قال لي: "يا بني، وما ينصبك منه؟ إنه لن يضرك". قال:
1054 - مسند أحمد (6/ 75، 76).
مجمع الزوائد (7/ 235). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح.
1055 -
مسند أحمد (5/ 38).
مجمع الزوائد (7/ 337). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
1056 -
أبو داود (4/ 116) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. وإسناده صحيح.
1057 -
البخاري (13/ 89) 12 - كتاب الفتن، 26 - باب ذكر الدجال.
مسلم (4/ 2258) 52 - كتاب الفتن، 22 - باب في الدجال
…
إلخ.
(1)
مسلم (4/ 2257، 2258)، في الموضع السابق.
(ما ينصبك): النصب: التعب، أي ما يتعبك منه.
قلت: إنهم يزعمون أن معه أنهار الماء، وجبال الخبز. قال:"هو أهون على الله من ذلك".
وفي أخرى (1): إنهم يقولون: إن معه جبال خبز ولحمٍ، ونهر ماءٍ قال:"هو أهون على الله من ذلك".
علق ابن حجر على قوله عليه الصلاة والسلام: "هو أهون على الله من ذلك":
"قال عياض: معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا ويرتاب الذين في قلوبهم مرض فهو مثل قول الذي يقتله ما كنت أشد بصيرة مني فيك، لا أن قوله "هو أهون على الله من ذلك" أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد أهون من أن يجعل شيئًا من ذلك آية على صدقه، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرؤها من قرأ ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه. قلت: الحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع "ومعه جل من خبز ونهر من ماء" أخرجه أحمد والبيهقي في البعث من طريق جنادة بن أبي أمية عن مجاهد قال: انطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال ولا تحدثنا عن غيره. فذكر حديثًا فيه "تمطر الأرض ولا ينبت الشجر، ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار معه جبل خبز
…
" الحديث بطوله ورجاله ثقات، ولأحمد من وجه آخر عن جناده عن رجل من الأنصار: "مع جبال الخبز وأنهار الماء" ولأحمد من حديث جابر: "معه جبال من خبز والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران" الحديث، فدل ما ثبت من ذلك على أن قوله: "هو أهون على الله من ذلك" ليس المراد به ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك، بل هو على التأويل المذكور" اهـ (فتح الباري).
1058 -
* روى الترمذي، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان يتبعه أقام كأن
(1) مسلم (4/ 2258)، في الموضع السابق.
1058 -
الترمذي (4/ 509) 34 - كتاب الفتن، 57 - باب ما جاء من أين يخرج الدجال. =
وجوههم المجان المطرقة".
1059 -
* روى مسلم، عن عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله، أنه سأل فاطمة بنت قيسٍ أخت الضحاك بن قيسٍ -وكانت من المهاجرات الأول- فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسنديه إلى أحدٍ غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريشٍ يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاة أسامة بن زيدٍ، وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أحبني فليحب أسامة". فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أمري بيدك فأنكحني من شئت. فقال: "انتقلي إلى أم شريك". وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. قال: "لا تفعلي، إن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك حمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم". وهو رجل من بني فهر -فهر قريش- وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي -منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال:"ليلزم كل إنسانٍ مصلاه". ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبةٍ، ولا لرهبةٍ، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلاً نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح
= وهو حديث حسن. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
(المجان المطرقة): المجان جمع مجنة -وهو الترس، والمطرقة- التي ضوعف عليها العقب وألبسته شيئًا فوق شيء، يقال: أطرقت الترس: إذا فعلت به ذلك، وطارقت النعل: إذا جعلتها طبقًا فوق طبق وخصفتها.
1059 -
مسلم (4/ 2261 - 2264) 52 - كتاب الفتن، 24 - باب قصة الجساسة.
(تأيمت): المرأة: مات زوجها، أو فارقها.
(المسيح الدجال): الدجال: الكذاب، وهو اسم لهذا الرجل المشار إليه في الشرائع، وقيل سمي به لتمويهه على
…
=
الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابةٌ أهلبُ، كثيرُ الشعر، لا يدرون ما قُبله من دُبره، فقالوا: ويلك، ما أنتِ؟ قالت: أنا الجساسةُ. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدَّير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلاً، فرِقنا منها أن تكون شيطانةً. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدّيرَ، فإذا فيه أعظمُ إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعةً يداه إلى عنقه، ما بين ربتيه إلى كعبيه باحلديد قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتُم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناسٌ من العرب، ركِبنا في سفينةٍ بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموجُ شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابةٌ أهلبُ، كثير الشعر، لا ندري ما قُبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجساسةُ قلنا: وما الجساسةُ؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. (1)
= الناس وتلبسيه، يقال: دجل: إذا لبس وموه، وإنما سمي مسيحًا، لأن إحدى عينيه ممسوحة لا يبصر بها، والأعور يسمى مسيحًا، وأما تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح، فقيل: لمسح زكريا عليه السلام إياه، وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي يقطعها، وقيل: لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل: المسيح الصديق.
(أرفأت): السفينة: قربتها إلى الشط وأدنيتها من البر، وذلك الموضع مرفأ.
(أقرب): القارب: سفينة صغيرة تكون إلى جانب السفن البحرية يستعجلون بها حوائجهم من البر، وتكون معهم خوفًا من غرق المركب فليجؤون إليها، فأما "أقرب" فلعله جمع قارب. قال الخطابي: إنه جمع على غير قياس.
(أهلب): الهلب: ما غلظ من الشعر، والأهلب: الغليظ الشعر الخشن.
(الجساسة): فعالة من التجسس، وهو الفحص عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال ذلك في الشر.
قال النووي: "سميت بذلك لتجسها الأخبار للدجال، وجاء عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن" اهـ.
(فرقنا): خفنا.
(اغتلام): البحر: اضطراب أمواجه واهتياجه. =
فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء، وله يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدًأ منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وطعن بمخصرته في المنبر-: "هذه طيبة، هذه طيبة" -يعني: المدينة- "ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟ " فقال الناس: نعم. قال: "فإنه أعجبني حديث تميم: أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو". وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
= (عين زغر): بلدة في الجانب القبلي من الشام.
(الأمي): الذي لا يعرف الكتابة، وكذلك كانت العرب، وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميًا لذلك، وكأنه في الأصل منسوب إلى أمه، أي على حالته التي ولدته أمه عليها.
(صلتا): الصلت: المسلول من غمده، المهيأ للضرب به.
(أنقابها): النقب: الطريق في الجبل، وجمعه: أنقاب ونقاب.
(المخصرة): غصا، أو قضيب، أو سوط، كانت تكون بيد الخطيب أو الملك إذا تكلم.
(لا، بل من قبل المشرق ما هو): "ما" زائدة، لا نافية، والمراد: إثبات أنه في جهة المشرق.
وفي رواية (1): ثم قالت: فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة. قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء، وهو يلي المؤخر من الرجال. قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب، فقال: "إن بني عم لتميم الداري ربكوا في البحر
…
" وساق الحديث، وفيه: قالت: فكأنما انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: "هذه طيبة" يعني المدينة.
وفي رواية (2) قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانًا يجر شعره
…
واقتص الحديث، وفيه: ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت لبلاد كلها غير طيبة. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم، وقال:"هذه طيبة" وذاك الدجال".
وفي أخرى (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر، فقال: "أيها الناس، حدثني تميم الداري: أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فخرجوا إلى جزيرة في البحر
…
" وساق الحديث.
وفي رواية أبي داود (4): قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: إن الصلاة جامعة
…
وساق الحديث، نحو مسلم إلى قوله:"مجموعة يداه إلى عنقه". ثم قال
…
فذكر الحديث، وسألهم عن نخل بيسان، وعن عيون زغر، وعن النبي الأمي، قال: إني أنا المسيح، وأنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وإنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق، ما هو" -مرتين- وقالت: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
وساق الحديث.
(1) مسلم (4/ 2264، 2265)، 52 - كتاب الفتن، 24 - باب قصة الجساسة.
(2)
مسلم (4/ 2265)، في الموضع السابق.
(3)
المصدر السابق.
(4)
أبو داود (4/ 118، 119) كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة.
وله في أخرى (1) قال الشعبي: أخبرتني فاطمة بنت قيسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم صعد المنبر، وكان لا يصعد عليه إلا يوم الجمعة قبل يومئذ
…
ثم ذكر هذه القصة.
وله في أخرى (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلةٍ، ثم خرج، فقال:"إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا بامرأة تجر شعرها، فقال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى هذا القصر. فأتيته، فإذا رجل يجر شعره، مسلسل في الأغلال، ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه، أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه. قال: ذلك خير لهم".
ورواه الترمذي (3)، وهذا لفظه: قالت: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فضحك، فقال:"إن تميمًا الداري حدثني بحديثٍ، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم. إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر، فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها، فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: فأخبرينا. قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية، فإن ثم من يخبركم ويستخبركم. فأتينا أقصى القرية، فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زغر. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين، هل أطعم؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل بعث؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني، كيف الناس إليه؟ قلنا: سراع. فنزا نزوة، حتى كاد، قلنا. فما أنت؟ قال: أنا الدجال. وإنه يدخل الأمصار كلها، إلا طيبة". وطيبة: المدينة.
(1) أبو داود (4/ 119)، في الموضع السابق.
(2)
أبو داود (4/ 118)، في الموضع السابق.
(3)
الترمذي (4/ 531، 522) 34 - كتاب الفتن، 66 - باب حدثنا محمد بن بشار
…
إلخ. =
أقول: ورد في الحديث قول الدجال: (وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكية وطيبة) يؤيد ما ذكرناه أن مكثه في الأرض أربعون يومًا عادية، لكن لشدة الهول والبلاء والفتنة بخروجه يكون اليوم الأول على الناس كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة في الشدة ثم بعد ذلك يألف الناس الحدث وتذهب عنهم شدة الصدمة، ومما يستأنس به لما ذهبنا إليه حديث لابن ماجه، يذكر أن مكثه في الأرض أربعون سنة فهذه الرواية يمكن الجمع بينها وبين الروايات الصحيحة -التي تذكر أن مكثه أربعون يومًا- بأن المراد أربعون سنة في الشدة وهي أربعون يومًا في المدة.
1060 -
* روى مسلم، عن حميد بن هلال، رضي الله عنه، عن رهطٍ -منهم أبو الدهماء وأبو قتادة- قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر، نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزونني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أعلم بحديثه مني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال".
وفي رواية (1): "أمر أكبر من الدجال".
1061 -
* روى الترمذي، عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد".
1062 -
* روى أحمد، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نجا من
= (النزو): الوثوب: نزا ينزو نزوا، والنزوة: المرة الواحدة.
(حتى كاد): أي: أن يتخلص من الوثاق.
1060 -
مسلم (4/ 2266، 2267) 53 - كتاب الفتن، 25 - باب في بقية من أحاديث الدجال.
(1)
مسلم (4/ 2267). في الموضع السابق.
1061 -
الترمذي (4/ 515) 34 - كتاب الفتن، 62 - باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم الدجال.
وقال: هذا حديث حسن صحيح.
1062 -
مسند أحمد (4/ 110).
مجمع الزوائد (7/ 334). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير بيعة بن لقيط وهو ثقة.
ثلاثٍ فقد نجا" ثلاث مراتٍ "موتي والدجال وقتل خليفةٍ مصطبر بالحق يعطيه".
أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "وقتل خليفةٍ مصطبرٍ بالحق يعطيه". إشارة إلى قتل عثمان رضي الله عنه فمن نجا من المشاركة في قتله أو الرضا في قتله فإنه يكون قد نجا من مهلكة من المهلكات، اللهم أنا نبرأ إليك من قتله ومن قتلته، وفي النص معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
1063 -
* روى أحمد، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ " قلت: يا رسول الله، ذكرت الدجال فبكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن يخرج وأنا فيكم كفيتموه وإن يخرج بعدي فإن ربكم عز وجل ليس بأعور إنه يخرج من يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها ولها يومئذ سبعة أبوابٍ على كل نقبٍ منها ملكان فيخرج إليه شرار أهلها حتى يأتي الشام مدينة فلطسين بباب لد فينزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إمامًا عدلاً وحكمًا مقسطًا".
1064 -
* روى أحمد، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال:"أعور هجان أزهر كأن رأسه أصله أشبه الناس بعبد العزى بن قطنٍ فإما هلك الهلك فإن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور".
1063 - مسند أحمد (6/ 75).
مجمع الزوائد (7/ 338). وقال: رواه أحمد ورجال رجاله الصحيح غير الحضرمي بن لاحق، وهو ثقة.
1064 -
مسند أحمد (1/ 240).
والمعجم الكبير (11/ 337).
مجمع الزوائد (7/ 337). وقال: رواه: أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح.
(هجان): الهجان: الأبيض.
(أزهر): أي أبيض.
(الأصلة): الحية العظيمة، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية.
(هلك): بالضم والتشديد جمع هالك، أي فإن هلك به ناس جاهلون وضلوا فاعلموا أن الله ليس بأعور فكأنه قال فكيفما كان الأمر فإن ربكم ليس بأعور، أي منزه عن النقائص والعيوب.
وفي رواية (1) عند الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الدجال هجانًا ضخمًا فيلمانيا كأن شعره أغصان شجرةٍ أعور كأن إحدى عينيه كوكب الصبح أشبه بعبد العزى بن قطنٍ رجلٍ من خزاعة".
1065 -
* روى أحمد، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال:"إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وتعوذوا بالله من عذاب القبر".
1066 -
* روى أحمد، عن جنادة بن أبي أمية قال: أتينا رجلاً من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا ما سمعت من الناس فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال "أنذركم المسيح وهو ممسوح العين" أحسبه قال العين اليسرى -"تسير معه جبال الخبز وأنهار الماء علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهلٍ، لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى والطور، ومهما كان من ذلك فاعلموا أن الله عز وجل ليس بأعور" قال ابن عونٍ أحسبه قال: "يسلط على رجل فيقتله ثم يحييه ولا يسلط على غيره".
أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "يمكث في الأرض أربعين صباحًا: يؤيد ما ذكرناه عن أن أيامه أيام عادية، لكن بعضها يشعر بطوله لشدة البلاء وقوة الصدمة.
وأما قوله: "ولا يسلط على غيره" أي: ثم لا يسلط على غيره.
(1) المعجم الكبير (11/ 313).
مجمع الزوائد (7/ 337، 338). وقال: ورجاله رجال الصحيح.
(فيلمانيًا): الفيلم من الرجال العظيم، وقيل: عظيم الحجة.
1065 -
مسند أحمد (5/ 123، 124).
مجمع الزوائد (7/ 227). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات.
1066 -
مسند أحمد (5/ 434).
مجمع الزوائد (7/ 243). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
1067 -
* روى أحمد، عن أبي قلابة قال: رأيت رجلاً بالمدينة قد أطاف الناس به وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فإذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فسمعته وهو يقول: "إن بعدكم الكذاب المضل وإن رأسه من ورائه حبك حبك حبك وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لست بربنا ولكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان".
1068 -
* روى أحمد، عن محجن بن الأذرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يوم الخلاص وما يوم الخلاص، يوم الخلاص وما يوم الخلاص". ثلاثًا، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: "يجيء الدجال فيصعد أحدًا فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقبٍ منها ملكًا مصلتا فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفاتٍ فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص".
1069 -
* روى البزار، عن الفلتان بن عاصمٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أريت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت مسيح الضلالة فإذا رجلان في أندر فلانٍ يتلاحيان فحجزت بينهما، فأنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر، وأما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض النحر كأنه عبد العزى بن قطنٍ".
1070 -
* روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتقاتلن اليهود، فلتقتلنهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي
1067 - مسند أحمد (5/ 372).
مجمع الزوائد (7/ 343). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(حبك): أي شعر رأسه متكسر من الجعودة.
1068 -
مسند أحمد (4/ 338).
مجمع الزوائد (3/ 208). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
1069 -
كشف الأستار (4/ 136، 137).
مجمع الزوائد: (7/ 248). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
1070 -
البخاري (6/ 103) 56 - كتاب الجهاد، 94 - باب قتال اليهود. =
فتعال فاقتله".
وفي أخرى (1) قال: "تقتتلون أنتم ويهود، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله".
وفي أخرى (2): "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم
…
" الحديث.
1071 -
* روى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود".
وفي رواية (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي، فاقتله".
أقول: الظاهر أن هذين الحديثين ينطبقان على اليهود الذين يأتون مع الدجال كما ورد في روايات أخرى، قد مرت معنا، وليسا في اليهود الذين يحتلون فلسطين الآن، فهؤلاء سينتهون ويخرجون. والله أعلم.
1072 -
* روى أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لينزلن الدجال بحوران وكرمان في سبعين ألفًا وجوههم كالمجان المطرقة".
= مسلم (4/ 2238) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل
…
إلخ.
والترمذي (4/ 508) 34 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال.
(1)
مسلم (4/ 2238، 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل
…
إلخ.
(2)
البخاري (6/ 604، 605) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة .... إلخ.
ومسلم (4/ 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة
…
إلخ.
والترمذي (4/ 508) 24 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال.
1071 -
مسلم (4/ 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة
…
إلخ.
(3)
البخاري (6/ 103) 56 - كتاب الجهاد، 94 - باب قتال اليهود.
1072 -
مسند أحمد (2/ 337، 338). قال ابن كثير: إسناده جيد قوي حسن. =
1073 -
* روى أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في خفةٍ من الدين، وإدبارٍ من العلم، وله أربعون يومًا يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعًا فيقول للناس: أنا ربكم. وهو أعور. وإن ربكم ليس بأعور. مكتوب بين عينيه: (كافر)، ك ف ر، مهجاة، يقرؤه كل مؤمنٍ كاتب وغير كاتب يرد كل ماءٍ ومنهلٍ إلا المدينة ومكة حرمهما الله تعالى عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما. ومعه جبال من خبز، والناس في جهدٍ إلا من تبعه. ومعه نهران أنا أعلم بهما منه. نهر يقول: الجنة. ونهر يقول: النار. فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة: يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسًا ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها من الناس. ويقول: يا أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهدًا شديدًا.
ثم ينزل عيسى ابن مريم من السحر، فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني. فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله.
= مجمع الزوائد (7/ 345). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس. ورواه البزار أتم.
1073 -
مسند أحمد (3/ 367، 368).
والمستدرك (4/ 530). وصححه ورجاله ثقات.
قال الشيخ عبد الفتاح: (وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك" 4: 530 هو على شرط مسلم"، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7: 344 وقال: "رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح"). انتهى. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).
قال الشيخ عبد الفتاح: قوله (في خفة من الدين): أي في حال ضعف من الدين وقلة أهله.
(اليوم منها كالسنة): هذا كناية عن شدة أذاه. =
فيقول: ليتقدم إمامكم فيلصل بكم. فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه. فحين يراه الكذاب ينماث كل ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجر والحجر ينادي يا روح الله هذا اليهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدًا إلا قتله".
1074 -
* روى الحاكم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران أحدهما: نار تأجج في عين من رآه، والآخر ماء أبيض، فإن أدركه أحد منكم فليغمض. وليشرب من الذي يراه نارًا فإنه ماء بارد، وإياكم والآخر فإنه الفتنة واعلموا أنه مكتوب بين عينيه (كافر)، يقرأه من يكتب ومن لا يكتب، وإن إحدى عينيه ممسوحة، عليها ظفرة، إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن على ثنية أفيقٍ، وكل واحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن، وإنه يقتل من المسلمين ثلثا، ويهزم ثلثا، ويبقى ثلاث. ويجن عليهم الليل فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنتظرون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام
= (ينماث): أي يختفي ويتوارى كما يذوب الملح في الماء. اهـ (التصريح).
…
1074 -
المستدرك (4/ 490 - 492). وقال: صحيح على شرط مسلم.
ورواه ابن عساكر كما في "كنز العمال".
ورواه مسلم مختصرًا (4/ 2249) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
شرح (الشيخ عبد الفتاح وتعليقاته:
(نار تأجج): أي تتوقد.
(ظفرة): الظفرة: لحمة تنبت عند موق العين وقد تمتد إلى سواد العين فتغشيه.
قوله: (إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن): هو بمعنى قوله في الحديث السابق (ثم يسير حتى يأتي الشام): إذ الأردن من الشام.
(ثنية أفيق): الثنية هنا معناها: العقبة، وهي المرتفع العالي من الأرض، فيكون (ثنية أفيق) بمعنى (عقبة أفيق). قال العلامة ياقوت في "معجم البلدان" عند ذكر (أفيق):
"هي قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق تنزل في هذه العقبة إلى الغور وهو الأردن وهي عقبة طويلة نحو ميلين".
قوله: (وكل واحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطنٍ الأردن): يعني: تجمع المسلمين في أرض الشام يومئذٍ.
(ويجن عليهم الليل): أي: يسترهم الليل بسواده. =
فليعد به على أخيه، صلوا حين ينفجر الفجر، وعجلوا الصلاة ثم أقبلوا على عدوكم فلما قاموا يصلون نزل عيسى ابن مريم عليه السلام أمامهم فصلى بهم، فلما انصرف قال: هكذا أفرجوا بيني وبين عدو الله". قال أبو حازم: قال أبو هريرة رضي الله عنه: فيذوب كما تذوب الإهالة في الشمس. وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: كما يذوب الملح في الماء. "ويسلط الله عليهم المسلمين فيقتلونهم، حتى إن الشجر والحجر لينادي: يا عبد الله يا عبد الرحمن يا مسلم هذا يهودي فاقتله. فيفنيهم الله تعالى ويظهر المسلمون، فيكسرون الصليب، ويقتلون الخنزير، ويضعون الجزية فبينما هم كذلك إذخ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم البحيرة، ويجيء آخرهم وقد انتشفوه فما يدعون فيه قطرة، فيقولون: قد كان ها هنا أثر ماءٍ.
فيجيء نبي الله وأصحابه وراءه حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها: لد. فيقولون: ظهرنا على من في الأرض فتعالوا نقاتل من في السماء! فيدعو الله نبيه عند ذلك، فيبعث الله قرحة في حلوقهم، فلا يبقى منهم بشر، فتؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى -صلوات الله عليه وسلامه- عليهم فيرسل الله عليهم ريحًا فتقذفهم في البحر أجمعين".
1075 -
* روى ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال. وحذرناه. فكان من قوله أن قال: "إنه لم
= (فيلعد به على أخيه): أي: فليقدمه إلى أخيه.
قوله: (فصلى بهم): أي صلى معهم مقتديًا بإمامهم، ويجيء الباء بمعنى (مع) شائع في لغة العرب، قال تعالى: يا نوح اهبط بسلامٍ منا، أي: مع سلامٍ منا.
وهذا التأويل موافق للحديث: "وإمامكم منكم"، وموافق للأحاديث التي أفادت أن سيدنا عيسى يقتدي بإمام تلك الصلاة التي أقيمت. وهي صلاة الفجر.
قوله قال: هكذا أفرجوا بيني وبين عدو الله، أي أشار بيده قائلاً: أخلو بيني وبينه.
(الإعالة): كل ذهنٍ يوتدم به.
(فيشرب أولهم البحيرة): أي بحيرة طبرية.
(انتشفوه): أي شربوا الماء كله. ا. هـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).
1075 -
ابن ماجه (2/ 1359 - 1363)، 36 - كتاب الفتن، 32 - باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم. =
تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال. وإن الله لم يبعث نبيًا إلا حذر أمته الدجال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهراتيكم، فأنا حجيج لكل مسلمٍ. وإن يخرج من بعدي، فكل امرئ حجيج نفسه. والله خليفتي على كل مسلمٍ. وإنه يخرج من خلةٍ بين الشام والعراق. فيعيث يمينًا ويعيث شمالاً. يا عباد الله فاثبتوا. فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي. إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي. ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولا ترون ربكم حتى تموتوا. وإنه أعور. وإن ربكم ليس بأعور. وإنه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمنٍ، كاتبٍ أو غير كاتبٍ. وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا فناؤه جنة وجنته نار. فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردًا وسلامًا. كما كانت النار على إبراهيم. وإن من فتنته أن يقول، لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه. فيقولان: يا بني اتبعه، فإنه ربك. وإن من فتنته أن يسلط على نفسٍ واحدةٍ، (1)
= وإسناده قوي.
وساق أبو داود سنده -وهو سند صحيح- إلى أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "تحوه، وذكر الصلوات مثل معناه" يعني نحو حديث النواس بن سمعان.
وحديث النواس بن سمعان رواه أبو داود (4/ 117) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. وصححه ابن خزيمة.
ورواه الحاكم: المستدرك (4/ 356، 537) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي.
وأورد الحافظ ابن حجر جعلاً منه في "فتح الباري" مستشهدًا بها، فهو عنده حديث صحيح أو حسن.
قال الشيخ عبد الفتاح (قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1: 581 بعد أن ساق الحديث من رواية ابن ماجه بكامله: "هذا حديث غريب جدًا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر، ثم ساق رحمه الله تعالى شواهد لبعض من "صحيح مسلم" اهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).
قوله: (وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا، فناره جنة وجنته نار):
قال الشيخ عبد الفتاح: (قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/ 88: وهذا يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكون الدجال ساحرًا فيخيل الشيء بصوره عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارًا، وباطن النار جنة، وهذا الراجح اهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).
فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتى يلقى شقتين. ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربًا غيري. فيبعثه الله، ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله. أنت الدجال. والله ما كنت، بعد، أشد بصيرة بك مني اليوم".
قال أبو الحسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي. ثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة".
قال: قال أبو سعيدٍ: والله! ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر ابن الخطاب. حتى مضى لسبيله.
قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع. قال: "وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، يأمر الأرض أن تبنت فتنبت، حتى تروح مواشيهم، من يوهم ذلك، أسمن ما كانت وأعظمه، وأمده خواصر، وأدره ضروعًا. وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقبٍ من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفاتٍ. فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه. فتنفي البخث منها كما ينفي الكير خبث الحديد. ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص". (1)
= (نائب): هو طريق بين جبلين.
(صلتة): أي مجردة. يقال: أصلت السيف، إذا جرده من غمده، وضربه بالسيف صلتا وصلتا.
(الظريب): تصغير ظرب، بوزن كتف. والظراب الجبال الصغار.
(السبخة): هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.
(ترجف): أصل الرجف الحركة والاضطراب. أي تتزلزل وتضطرب.
(الخبث): هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا.=
فقالت أُمُّ شريك بنت أَبي العكر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذٍ؟ قال: "هم يومئذٍ قليل. وجُلُّهم ببيت المقدس. وإمامهم رجلٌ صالح فبينما إمامهم قد تقدَّم يُصلِّي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك، فرجع ذلك الإمام ينكص، ويمشي القهقرى، ليتقدَّم عيسى يُصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتِفيه ثمَّ يقول له: تقدَّم فصلِّ فإنَّها لك أُقِيمت. فيصلِّي بهم إمامهم، فإذا انصرفَ قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب. فيُفتَح، ووراءه الدَّجَّال، معاه سبعون ألفِ يهودي، كلُّهم ذو سيف مُحلَّى وساجِ، فإذا نظر إليه ذابَ كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها. فيُدرِكه عند باب اللِّدِّ الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابَّة (إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم، لا ينطق) إلا قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي فتعال اقتله".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن أيامه أربعون سنةً. السنةُ كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة. يصبح أحدكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمسي". فقيل له: يا رسول الله! كيف نًصلِّي في تلك الأيام القِصار؟ قال: "تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطِوال، ثمَّ صلُّوا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام (1)
= (ينكص): النكوص الرجوع إلى الوراء. وهو القهقري.
(وساج): الساج هو الطيلسان الأخضر. وقيل: الطيلسان اللقور، ينسج كذلك.
(لن تسبقني بها): أي لن تفوتها علي.
(باب اللد): في النهاية: لد موضع بالشام، وقيل بفلسطين.
(الفرقدة): هو ضرب من شجر العضاء وشجر الشوك.
(كالشررة): واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار. =
في أمَّتي حكَماً عدْلاً، وإماماً مُقسِطاً. يدقُّ الصليب، ويذبح الخنزر، ويضع الجِزيَة، ويترك الصدَقَة، فلا يسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ. وتُرْفَع الشحْناء والتباغُض، وتُنْزَع حُمَةُ كل ذاتِ حُمَةٍ، حتى يُدْخِل الوليد يده في الحيَّة، فلا تضُرُّه. وتُفِرُّ الوليدة الأسد، فلا يضُرُّها. ويكون الذئب في الغنم كأَّنه كلبها. وتُمْلَأُ الأرضُ من السِّلم كما يُمْلَأُ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدةً، فلا يُعْبَدُ إلا الله وتضع الحرب أوزارها. وتُسْلَبُ قُريش مُلكها. وتكون الأرض كفاثور الفضَّة، تُنْبِتُ نباتها بعهد آدم. حتَّى يجتمع النفر على القُطف من العنب فيُشْبِعُهم، ويجتمع النفر على الرُّمَّانة فتُشْبِعُهم. ويكون الثور بكذا وكذا، من المال. وتكون الفرس بدُرَيْهِمات" قالوا: يا رسول الله! وما يُرْخِص الفَرَس؟ قال: "لا تُرْكَبُ لحربٍ أبداً" قِيلَ له: فما يُغْلِي الثَّوْر؟ قال: "تُحْرَثُ الأرض كلَّها. وإن قبل خروج خروج الدَّحَّال ثلاث سنواتٍ شدادٍ، يُصِيبُ الناس فيها جوعٌ شديدٌ. يأمرُ اللهُ السماءَ في السنة الأولى أن تحبس ثُلثَ مطرها، ويأمُرُ الأرض فتحبِس ثُلُث نباتها. ثم يأمر السماء في الثانية، فتحبِسُ ثُلُثَي نباتها. ثمَّ يأمر الله (1)
= (حكماً): أي حاكماً بين الناس.
(مقسطاً): أي عادلاً في الحكم.
(يدق الصليب): أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء.
(ويذبح الخنزير): أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد والحاصل أنه يبطل دين النصارى.
(ويضع الجزية): أي لا يقبلها من أحد الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام.
(ويترك الصدقة): أي الزكاة، لكثرة الأموال.
(فلا يسعى): قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع.
(حمة): بالتخفيف السم. ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة، لأن السم منها يخرج.
(تفر): أي تحمله على الفرار.
(وتسلب قريش ملكها): أي: تسترده من أيدي الكفرة والظلمة، لأن المهدي من قريش.
(كفاثور الفضة): الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أوجام من فضة أو ذهب.
(القطف): العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف كالذبح والطحن. =
(1)
السماء، وفي السَّنة الثالثة، فتحبس مطرها كلَّه، فلا تقطُر قطرةٌ، ويأمر الأرض، فتحبس نباتها كلَّه، فلا تُنْبِتُ خضراءَ. فلا تبقى ذات ظِلْفٍ إلَّا هَلَكَتْ إلا ما شاء الله". قيل: فما يُعِيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليلُ والتكبيرُ والتسبيحُ والتحميدُ، ويُجْرِي ذلك عليهم مُجْرِي الطعام".
قال أبو عبد الله: سمعتُ أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعتُ عبد الرجمن المحاربي يقول: ينبغي أن يُدْفَع هذا الحديث إلى المؤدِّب، حتى يُعلمَّه الصبيان في الكتاب.
1076 -
* روى الحاكم عن حُذَيفة بن أُسَيْدٍ رضي الله عنه، قال أبو الطفيل الليثي: كنت بالكوفة، فقيل: قد خرج الدَّجَّال! فأتينا حُذَيفة بن أسيد، فقلت: هذا الدَّجَّال قد خرج! فقال: اجلس فجلست، فنُودِيَ إنَّه كِذْبةُ صبَّاغ.
فقال حُذَيْفة: إن الدَّجَّال لو خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخَذَف، ولكنه يخرج في نقصٍ من الناس، وخِفَّةٍ من الدّين، وسوء ذات بَيْنٍ، فيَرِدُ كلُّ مَنْهَلٍ، وتُطْوَى له الأرض طيّ فَرْوَة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها، ويُمنَع داخلها، ثم جبلَ إيلياء فيُحاصِر عصابة من المسلمين.
فيقول لهم الذي عليهم: ما تَنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تَلْحقوا بالله أو يُفْتَحَ
= (فلا تقطر قطرة): في المصباح؛ يتعدَّى ولا يتعدَّى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدَّى بنفسه. بل بالألف.
(الظلف): في المنجد: هو لما اجترَّ من الحيوانات كالبقرة والظبي، بمنزلة الحافر للفرس.
1076 -
المستدرك (4/ 259، 530). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأقرَّه الذهبي. والحديث موقوف لفظاً، مرفوع حُكماً.
قال الشيخ عبد الفتاح.
(كذبة صبَّاغ) أي كذبة كذَّاب. وأطلقوا لفظ الصبَّاغ على الكذَّاب لأنَّه يصبُغُ الحديث، أي يُلوِّنه ويُغَيِره كما يفعل الصبَّاغ بالثياب.
(الحذف): صغار الحصى.
(وسوء ذات بَيْنٍ): اي يخرج والعداوات متأجِّجة بين الناس: الأقارب والأباعد.
(مَنْهَل): المنهل: مَوْرِدُ الماء الذي يُشرَب منه.
(فروة الكبش): أي جِلْد الكبش من الغنم. وهنا كناية عن سرعة سَيْره في قطع المسافات.
(إيلياء): بيت لمقدس. ويعني بجبلها: جبل الطَّور. =
لكم؟ فيأتمرون أن يقتلوه إذا أصبحوا، فيُصبِحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيَقتل الدَّجَّال ويهزِم أصحابه. حتى أن الشَّجر والحجر والمَدَر يقول: يا مؤمن هذا يهودي عندي فاقتله.
قال: وفيه ثلاثُ علامات، هو أعور، وربُّكم ليس بأعور. ومكتوبٌ بين عينيه:(كافر)، يقرأُه كلُّ مؤمنٍ أُمِّي وكاتبٍ ولا يثسخَّر له من المطايا إلا الحمار، فهو رِجسٌ على رجسٍ.
ثمَّ قال: أنا لغير الدَّجَّال أخوف ُ عليَّ وعليكم! فقلنا: ما هو؟ قال: فِتَن كأنَّها قِطَع الليل المظلِم. قال: فقلنا: أي الناس فيها خير؟ قال: كلُّ غنيّ خفي. قال: فقلتُ: ما أنا بالغني ولا بالخفي، قال: فكن كابنِ اللَّبُون: لا ظَهْر فيركب، ولا ضَرْعَ فيُحْلَب.
1077 -
* روى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ذُكِر عنده الدَّجَّال فقال: يفترق على الناسُ عند خُروجه ثلاثَ فِرقٍ: فِرقة تتبعه، وفِرقة تلْحَق بأرض آبائِها بمنابتِ الشِّيح، وفِرقة تأخذُ شطَّ الفُرات فيُقاتِلُهم ويُقاتِلُونه حتى يَجتمع المؤمنون بقُرى الشَّام، فيَبعثون إليه طلِيعة فيهم فارسٌ على فرسٍ أشقر أو أبلق، فيُقتلُون لا يرجع منهم أحدٌ. ثم إن المسيح عليه السلام ينزل فيقتله.
= (فهو رجس على رجس): أي فهو قذر على قذر.
(خطيب مِصقع): أي كلُّ خطيب بليغ اللسان. ويريد به الخطيب البليغ الذي يُخْدَع ببلاغته وفصاحته العقول والألباب، فيريها الباطل حقّاً والحقُّ باطلاً
(راكب مُوضِع): أي مُسْرِع. ويريد به من يَخفُّ ويُسرِع في الفتنة ونُصرة الباطل وتأييذ دُعاته.
(كل غني خفي): أي كل غني النفس معتزل عن الناس، مُختفٍ عليهم مكانه منقطع إلى العبادة والشغل بأمور نفسه أيام الفتن والأهواء.
(اللبون): الناقة ذات اللبن تُرضِعه ولدها. وابن اللَّبون هو ولدها الصغير الذي مايزال يرضع لبن أمه. فهو لضِغره لا يُمكِن أن يُركَب عليه لقتال ونحوه. ولا أن يكون فيه لبنٌ ليُحلَب فيُتضغَذَّى بلبنه. فيبقى بعيدأ عن أن يُستعان به في أمرٍ من أمور الفتنة. أهـ. من التصريح بما تواتر في نزول المسيح.
1077 -
المستدرك (4/ 496 - 498). وقال: صحيح على شرط الشيْخَين.
ولم يتكلَّم عليه الذهبي بشيء سوى أنه من رواية أبي الزغراء عبد الله بن هانئ. انتهى. ولا شمَّ أن أبا الزعراء ثِقة، كما صرَّح به ف "التهذيب" وغيره، فعدم، فَعدم تخريجهما عنه لا يضُّر بصحَّة الحديث.
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: =
ثم يخرج يأجوج ومأجوج فيموجون في الأرض فيفسدون فيها، ثم قرأ عبد الله:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (1). ثمّ يبعث الله عليهم دابَّة مثل النَّغف، فتدخل في أسماعهم ومناخِرهم فيموتون منها، فتُنتن الأرض منها، فيَجأُ أهلُ الأرض إلى الله، فيرسلُ الله ماءً فيُطهِّر الأرض منهم، ثم يبعث الله ريحاً فيها زمهريرُ باردة، فلا تَدَعُ على وجه الأرض مؤمناً إلا كفأته تلك الريح. ثم تقوم الساعةُ على شِرارِ الناس.
ثم يقوم ملك الصُّور بين السَّماء والأرض، فينفُخ فيه فلا يَبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك. ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض منه شيء. ثمَّ يرسل الله ماءً من تحتِ العرش كَمِنيَ الرِّجال، فتنبتُ جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبُتُ الأرض من الرَّي، ثمَّ قرأ عبد الله:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (2).
ثم يقوم ملك بالصور بين السَّماء والأرض، فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه، فيقومون فيجبون تجبِيَة رجلٍ واحدٍ قياماً لربِّ العالمين. ثم يتمثَّل الله تعالى للخلق فيلقاهم، فليس أحدٌ من الخلق يعبد من دون الله شيئاًإلا وهو مرفوع له يتبعه.
=تعليق الذهبي على هذا كلام الحاكم إنما علَّقه على سياقة الحاكم هذه في كتاب الأهوال من "المستدرك" 4: 598 - 600، ولكن الحاكم ساقه قبل ذلك في موضعين من كتاب الفِتَن، ومن طريق أبي الزَّغراء أيضاً، مطولاً كسياقة كتاب الأهوال في 4: 496 - 498. ومختصراً في 4: 556. وقال في كلا الموضعين: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وأقرَّه الذهبي فرمز إلى أنه على شرطهما، فكان الذهبي جَنْح في هذين الموطنين إلى إقرار الحاكم ذهاباً منه إلى أن أبا الزغراءثقة فهو على شرطهما من حيث كونه ثقة وإن لم يُخرجا له.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11: 320 بعد ذكره طرفاً من الحديث في رواية البيهقي من طريق أبي الزغراء: ورواتُه ثقات إلا أنَّه موقوف" أهـ (التصريح).
والمعجم الكبير (9/ 413 - 416).
مجمع الزوائد (10/ 228 - 230). وقال: رواه الطبراني وهو موقوف مخالف للحديث الصحيح وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أوَّل شافع".
ورواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "البعث والنشور"؛ الدُّر المنثور- نفسير سورة القلم (6/ 257 - 258)
(1)
الأنبياء: 96.
(2)
فاطر: 9.
فيلقى اليهود فيقول: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: نعبد عُزيراً، فيقول: هل يسرُّكم الماء؟ فيقولون نعم، فيُريهم جهنَّم كهيئةِ السَّراب، ثم قرأ عبد الله:{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} (1).
ثم يلقي النصارى فيقول: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: المسيح، فيقول: هل يسرُّكم الماء؟ فيقولون نعم، فيُريهم جهنَّم كهيئةِ السَّراب.
ثم كذلك كلُّ من كان يعبد من دون الله شيئاً، ثمَّ قرأ عبد الله:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (2).
ثم يتمثَّل الله تعالى للخلق حتى يبقى المسلمون فيلقاهم، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبدُ الله ولا نُشرِك به شيئاً، فينْتَهِرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبدُ الله ولا نُشرِك به شيئاً، فيقول هل تعرفون ربَّكم؟ فيقولون: سبحانه إذ تعرَّف لنا عرفناه، فعند ذلك يُكْشَفً عن ساق، فلا يبقى مؤمنٌ إلا خرّ لله ساجداً ويبقى المنافقون ظُهورهم طبقٌ واحد، كأنما فيها السفافيد، فيقولون: ربَّنا! قد كنتم تُدعَون إلى السجود وأنتم سالمون.
ثمَّ يأمر الله سبحانه بالصراط، فيُضرَب على جهنَّم، فيمرُّ الناس بقدر أعمالهم زُمراً أوائلهم كلمحِ البرق، ثمَّ كمرِّ الريح، ثمَّ كمرِّ الطير، ثمَّ كأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يمرُّ الرَّجل سعياً، حتى يمرُّ الرجل مشياً حتى يجيء آخرهم رجلٌ يتلبَّط على بطنه، فيقول، يا رب لمَ أبطأتَ بي؟ فيقول: لم أُبطِئ بك، إنَّما أبطأبك عملك!
ثم يأذن الله تعالى في الشفاعة، فيكون أوَّل شافع روح القُدُس جبريل، ثمّ إبراهيم خليل الله، ثم موسى، أو قال: عيسى، ثمَّ يقوم نبيكم رابعاً، لا يشفع أحدٌ بعده فيما يشفع فيه وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (3).
فليس من نفسٍ إلا وهي تنظر إلى بيتٍ في الجنَّة، وبيتٍ في النَّار، وهو يوم الحسرة!
(1) الكهف: 100.
(2)
الصافات: 24.
(3)
الإسراء: 79.
فيُرى أهل النار البيت الذي في الجنَّة فيقال: لو عملتم؟! فتأخذهم الحسرة! ويرى أهل الجنَّة البيت الذي في النَّار فيقال: لولا أن مَنَّ الله عليكم.
ثمّ يشفع الملائكة والنبيُّون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيُشفِّعهم الله تعالى.
ثمّ يقول الله: أنا أرحم الراحمين. فيجرخ من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته، حتى لا يترك فيها أحداً فيه خير. ثم قرأ عبد الله:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (1). فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال: هل ترون من هؤلاء أحداً فيه خير؟ لا، وما يترك فيها أحدٌ فيه خير!
فإذا أراد الله أن لا يُخرِج منها أحداً غير وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين فيُشَفَّع، فيقال له: من عرف أحداً فليُخرِجه. فيجيء الرجل فينظر فلا يعرِف أحداً، فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان. فيقول: ما أعرِفك. فعند ذلك يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (2) فيقول عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (3). فإذا قال ذلك أُطبِقت عليهم فلا يُخرَج منهم أحدٌ!
شرح الشيخ عبد الفتاح وتعليقاته:
(الشّيح): يعني: البدية، إذ الشِّيح: نبْتٌ يخرج في البادية.
(الطَّليعة): جماعة يتقدَّمون الجيش ليكشفوا أحوال العدو.
(أبلق): أي فيه سواد وبياض.
(النغف): هو دُودٌ يكون في أنوف الإبل والغنم.
(يجأرون): أي يتضرَّعون إلى الله بالدعاء.
(الزمهرير): شِدَّة البرد، ووصْفة بالباردة نظراً لمعناه وإشارة إلى بالغ برودته. وفي
(1) المدثَّر: 42 - 46
(2)
المؤمنون: 107.
(3)
المؤمنون 108.
رواية للحاكم: 4: 556، "زمهرير بارد".
(كفأته): أي أمالته ميتاً بلُطفٍ وراحة.
(الصُّور): هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام.
قوله: (فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض منه شيء)
(أي ليس من بني آدم مخلوقٌ إلا وفي الأرض جزءٌ منه. وهذا الجزء كما قال سفيان الثوري: (عَجْبُ الذنب) كما في (تذكرة القرطبي) و (مختصرها) للشعراني ص 40. وعَجْب الذّنب- ويقال: عجم الذَّنب بالميم-: هو عظم لطيف كحبَّة الخردل في أصل الصُّلب، وهو رأس العُصْعُص بين الأليتين، وهو مكان الذَنَب من الحيوانات ذوات الأربع، كما قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 8: 424.
قد روى البخاري 8: 424، ومسلم 18: 92 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل ابن آدم يأكله التُّراب إلا عَجْب الذَّنْب، ومنه خُلِق، ومنه يُرَكَّب الخلق يوم القيامة".
قال الحافظ ابن حجر: "قال الشيخ ابن عقيل الحنبلي: لله عز وجل في هذ سرٌّ لا نعلمه، لأنّ من يُظهر الوجود من العدَم لا يحتاج إلى شيءٍ يبني عليه". انتهى.
(كمني الرجال): أي من حيثُ شكله وصورته، لا من حيث الحقيقة. ويُقال لذلك الماء: ماءُ الحياة، مطر الحياة.
(جسمانهم ولحمانهم): أي أجسادهم ولحومهم.
(من الرَّي): أي من ارتوائها بالماء. وفي رواية "من الثَّرى" أي التُّراب النديّ.
(فيجيبون): أي يضعون أيديهم على رُكبَهُم وهم قائمون. كما في "النهاية".
(يتمثَّل الله تعالى للخلق): أي يتجلَّى لهم سبحانه.
(السَّراب): ما تراه في شدَّة الحر على وجه الأرض كالماء.
تعليقاُ على قوله: (من كان يعبد من دون الله شيئاُ):
"وفي حديث أبي هريرة عند البخاري 13: 357 ومسلم 3: 18 قوله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبُد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسُ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرُ القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيتُ الطواغيتَ، وتبقى هذه الأمَّة فيها شافعوها".
وفي حديث أبي سعيد الخدري 13: 358 ومسلم 3: 26 قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ينادي منادٍ: ليذهب كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع ألهتم، فلا يَبقى أحدٌ كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النَّار".
(إذا تعرَّف لنا عرفناه):
"أي إذا ظهر لنا على وجه لا يشبه المخلوقين، في مُلكٍ لا ينبغي لغيره، وعظَمةٍ لا تشبه شيئاً من مخلوقاته: عرفناه أنه ربَّنَا سبحانه فيتجلَّى لهم سبحانه، فإذا تجلَّى فلا يبقى مؤمناً إلآ خرَّ له ساجداً".
تعليقاً على قوله: (فيكشف عن ساق):
"وفي صحيح مسلم" 3: 27 - 28 من حديث أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلم:: "فيُكشَف عن ساقٍ، فلا يبقى من كان يسجُد لله من تلقاء نفسه إلا أَذِنَ الله له بالسجود- أي سهَّل له وهوَّن عليه- ولا يبقى من كان يسجُد اتقاءً ورِياءً إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدةً، كلَّما أراد أن يسجُدَ خرَّ على قفاه".
(السفافيد): هي جمع سفُّود، وهو الحديدة التي يُشْوى فيها اللحم.
(يأمر الله سبحانه بالصراط): أي يأمر الله سبحانه أن يُضرَب الجِسر على جهنَّم ليعبر
المؤمنون عليه إلى الجنَّة. وفي حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري 13: 359 ومسلم 3: 29 قلنا: يا رسول الله وكما الجسر! قال: ""0 مَدْحضة مَزَلَّة- أي تَزْلق عليه الأقدام وتزِلُّ- عليه خطاطيف وكلاليب وحسك- شوكٌ صُلبٌ من حديد- لها شوكة عقيفة- ملتوية- فيمرّ المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مسلمٌ، ومخدوشٌ مرسَلٌ- أي مطلق من العذاب بعد أن أصابه- ومكدوس- مدفوع مصروع- في نار جهنَّم".
(زمراً): أي جماعات.
(سعياً): أي ركضاً.
(يتلبط): أي يتقلَّب على بطنه.
تعليقاً على قوله: (ثمَّ يقوم نبيُّكم رابعاً):
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11: 319 عقب حديث ابن مسعود: وهذا الحديث لم يُصرَّح برفعه، وقد ضعّفه البخاري وقال: المشهور قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أوَّل شافع". ثمّ قال الحافظ ابن حجر: وعلى تقدير ثبوته فليس من طُرُقه التصريح بأنَّه المقام المحمود. انتهى.
قلت: في السياقة المذكورة التصريحُ بذكر المقام المحمود، فالحق ما قاله الإمام البخاري والحافظ الهيثمي.
تعليقاً على قوله: (فيُرى أهل النار البيت الذي في الجنَّة
…
ويُرى أهل الجنَّة البيت الذي في النار):
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل أحدٌ الجنَّة إلا أُرِيَ مقعده في النار- لو أساء* ليزداد شكراً. ولا يدخل أحد النار أحدٌ إلا أُرِيَ مقعده في الجنَّة-
لو أحسن- ليكون عليه حسرة" رواه البخاري 11: 384.
(فيه خير): أي إيمان ولو كحبَّة خردل. يعني يُخرِج الله من النار- بعد خروج الذين عُذِّبوا فيها من المؤمنين بشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين
…
- كلُّ من كان في قلبه إيمان بالله ولو كحبَّة خردل، ولكن بعد أن يُصيبَه من عذاب جهنَّم ما يُصيبه! اهـ.
(التصريح بما تواتر في نزول المسيح).
أقول:
رأينا ملاحظة ابن حجر على بعض ما وَرَدَ في حديث ابن مسعود الأخير وموافقة الشيخ عبد الفتَّاح له، والحديث بشكل عام يعرض علينا مشاهد مما يكون قبل يوم القيامة ومما يكون بعدها، وكثير من مشاهده تحتاج إلى وضعها في الإطار الكلِّي لما يكون بين يدي الساعة وما بعدها، وقد مرَّ معنا وسيمرُّ معنا ما يوضِّح هذا الإطار الكلِّي، ونعرف محل كل جزء من الحديث بالنسبة للإطار الكلِّي.
والمشهور عند لعلماء أنَّ المقام المحمود هو الشَّفاعة لفصل الخطاب ثمَّ الشفاعة لعبور الصراط، ثمَّ الشفاعة لدخول الحنَّة، والحديث وصف المقام المحمود بغير ذلك، وهو محمول على مقام محمود لرسول الله صلى الله عليه وسلم عامَّةً وليس المراد به المقام المحمود المخصوص بالذِّكر في النصوص، ولا مانع أن تكون هناك شفاعة من الشفاعات يكون البادئ فيها جبريل عليه السلام ويكون رسولنا عليه الصلاة والسلام هو الرابع، وهذه غير الشفاعة التي يكون فيها رسولنا عليه الصلاة والسلام هو أوَّل الشافعين.