الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)
لَا يخفى أَنه كَانَ لنَبِيّ عبد منَاف فِي قُرَيْش مَحل من الْعدَد والشرف لَا يناهضهم فِيهِ أحد من بطُون قُرَيْش وَكَانَ فخذاهم بَنو أُميَّة وَبَنُو هَاشم حَيا جَمِيعًا يباهون بِعَبْد منَاف وينتمون إِلَيْهِ وَجَمِيع قُرَيْش تعرف ذَلِك وتسلم لَهما الرياسة عَلَيْهِمَا إِلَّا أَن بني أُميَّة كَانُوا أَكثر عددَاً من بني هَاشم وأوفر رجَالًا والعزة إِنَّمَا هِيَ بِالْكَثْرَةِ قَالَ الشَّاعِر من // (السَّرِيع) //
(وَلَسْتَ بِالأًكْثَرِ مِنْهُمْ حَصَى
…
وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ)
وَكَانَ لَهُم قبل الْإِسْلَام شرف مَعْرُوف انْتهى إِلَى حَرْب بن أُميَّة وَكَانَ رئيسهم يَوْم حَرْب الْفجار الأول وَالثَّانِي وَقد تقدم ذكره فِي سيرته
وَقد روى أَن قُريْشًا تواقعوا ذَات يَوْم وَحرب مُسْند ظَهره إِلَى الْكَعْبَة فتبادر إِلَيْهِ غلمة مِنْهُم ينادون يَا عَم أدْرك قَوْمك فَقَامَ يجر إزَاره حَتَّى أشرف عَلَيْهِم من بعض الروابي ولوح بِطرف ثَوْبه إِلَيْهِم أَن تَعَالَوْا فتبادرت الطائفتان إِلَيْهِ بعد أَن كَانَ حَمِيَ وطيسهم وَكَانَ إِذا مر مَعَ أَشْرَاف قُرَيْش فوصلوا إِلَى ثنية أَو حلق ربع لم يتقدمه أحد
فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام ودهش النَّاس لما وَقع من أَمر النُّبُوَّة وَالْوَحي وتنزل الْمَلَائِكَة وَمَا وَقع من خوارق الْأُمُور نسي النَّاس أَمر العصبية مسلمهم وكافِرهم أما الْمُسلمُونَ فنهاهم الْإِسْلَام عَن أُمُور الْجَاهِلِيَّة كَمَا فِي الحَدِيث الشريف
إِن الله أذهب عَنْكُم حمية الْجَاهِلِيَّة وَفَخْرهَا لأَنا وَأَنْتُم بَنو آدم مآدم من تُرَاب وَأما الْمُشْركُونَ فشغلهم ذَلِك الْأَمر الْعَظِيم عَم أَمر العصائب وذهلوا عَنهُ حينا من الدَّهْر وَلذَلِك افترق أَمر بني أُميَّة وَبني هَاشم بِالْإِسْلَامِ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك الِافْتِرَاق بحصار بني هَاشم فِي الشّعب لَا غير وَلم يَقع كَبِير فتْنَة لأجل نِسْيَان العصبيات والذهول عَنْهَا بِالْإِسْلَامِ حَتَّى كَانَت الْهِجْرَة وَشرع الْجِهَاد وَلم تبْق إِلَّا العصبية الطبيعية الَّتِي لَا تفارق وَهِي نفرة الرجل على أَخِيه وجاره فِي الْقَتْل والعدوان عَلَيْهِ فَهَذِهِ لَا يذهبها شَيْء وَلَا هِيَ محظورة بل هِيَ مَطْلُوبَة ونافعة فِي الْجِهَاد وَالدُّعَاء إِلَى الدّين كَذَا فِي تَارِيخ ابْن خلدون قلت قَوْله وَلم تبْق إِلَّا العصبية الطبيعية إِلَى آخِره صَحِيح لَا شكّ فِيهِ مصداقه قَول صَفْوَان بن أُميَّة عِنْدَمَا انْكَشَفَ الْمُسلمُونَ يَوْم حنين إِذْ قَالَ وَهُوَ إِذْ ذَاك مُشْرك فِي الْمدَّة الَّتِي جعلهَا رَسُول الله
لَهُ مهلة ليسلم بعْدهَا حِين استمهله تِلْكَ فِي الْإِسْلَام وَفِي حفطي أَنه طلب مُدَّة شهر فَأعْطَاهُ رَسُول الله
مهلة شَهْرَيْن فَخرج مَعَه
إِلَى حنين لِأَخِيهِ لما سَمعه يَقُول أَلا بَطل السحر لَا يرد اربها إِلَّا الْبَحْر بِفِيكَ الكثكث لِأَن يربنِي رجل من قُرَيْش خير لي من أَن يربنِي رجل من هوزان رئيسهم مَالك بن عَوْف فَلَا باعث لَهُ على قَوْله ذَاك إِلَّا العصبية الطبيعية لِقَوْمِهِ قُرَيْش على هوزان ثمَّ إِن شرف بني عبد منَاف لم يزل فِي بني أُميَّة وَبني هَاشم فَلَمَّا هلك أَبُو طَالب وَهَاجَر بنوه مَعَ رَسُول الله
وَحَمْزَة كَذَلِك ثمَّ بعده الْعَبَّاس وَالْكثير من بني عبد الْمطلب وَسَائِر بني هَاشم خلا الجو حِينَئِذٍ من مَكَان بني هَاشم بِمَكَّة
واستغلظت رياسة بني أُميَّة فِي قُرَيْش ثمَّ استحلمت مشيخة قُرَيْش من سَائِر الْبُطُون يَوْم بدر وَهلك فِيهَا عُظَمَاء من بني عبد شمس عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة وَعتبَة بن أبي معيط وَغَيرهم فاستقل أَبُو سُفْيَان بن حَرْب بشرف بني أُميَّة والتقدم فِي قُرَيْش وَكَانَ رئيسهم يَوْم أحد وَقَائِدهمْ يَوْم الْأَحْزَاب وَهِي وقْعَة الخَنْدَق وَلما كَانَ الْفَتْح قَالَ الْعَبَّاس وَكَانَ صديقا لأبي سُفْيَان للنَّبِي
يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ ذكرا غَدا وَكَانَ ذَلِك لَيْلَة دُخُول مَكَّة فَقَالَ النَّبِي
من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن ثمَّ مَن على قُرَيْش بعد أَن ملكهم يَوْمئِذٍ وَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم الطُلَقَاءُ ثمَّ أسلمت مشيخة قُرَيْش بعد ذَلِك وَشَكتْ مشيخة قُرَيْش إِلَى أبي بكر مَا وجدوا فِي أنفسهم من التَّخَلُّف عَن رُتْبَة الْمُهَاجِرين لأولين وَمَا بَلغهُمْ من كَلَام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي تَركه شوراهم فَاعْتَذر إِلَيْهِم أَبُو بكر وَقَالَ أدركوا إخْوَانكُمْ بِالْجِهَادِ وأنفذهم لِحَرْب أهل الرِّدَّة فَأحْسنُوا الْغناء فِي الْإِسْلَام وقَوَّموا الْأَعْرَاب عَن الجنف والميل ثمَّ لما ولي عمر رمى بهم الرومَ وَفَارِس وأوعبت قُرَيْش فِي النفير إِلَى الشَّام وَكَانَ معظمهم هُنَالك وَاسْتعْمل يزِيد بن أبي سُفْيَان على الشَّام وَطَالَ أمد ولَايَته إِلَى أَن هلك فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة فولي عمر مَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فأقره عُثْمَان بعد عمر فاتصلت رياستهم على قُرَيْش فِي الْإِسْلَام برياستهم قبيل الْفَتْح الَّتِي لم تحل صبغتها وَلَا نسي عهدها أَيَّام شغل بني هَاشم بِأَمْر النُّبُوَّة وتبدد الدُّنْيَا من أَيْديهم بِمَا اعتاضوا عَنْهَا من مُبَاشرَة الْوَحْي وَشرف الْقرب من الله تَعَالَى بِرَسُولِهِ وَمَا زَالَ النَّاس يعْرفُونَ ذَلِك لبني أُميَّة وَانْظُر مقَالَة حَنْظَلَة بن زِيَاد الْكَاتِب لمُحَمد
ابْن أبي بكر إِن هَذَا الْأَمر إِن صَار إِلَى التغالب غلبك بَنو عبد منَاف وَلما هلك عُثْمَان وَاخْتلف النَّاس على عَليّ كَانَت عَسَاكِر عَليّ أَكثر عددَاً لمَكَان الْخلَافَة وَالْفضل إِلَّا أَنَّهَا من سَائِر القَبائل من ربيعَة ويمن وهمدان وخزاعة وَغَيرهم وحموع مُعَاوِيَة إِنَّمَا هِيَ جند الشَّام من قُرَيْش شَوْكَة مُضر وبأسهم نزلُوا بثغور الشَّام مُنْذُ الْفَتْح وَكَانَت عصبته أَشد وأمضَى شَوْكَة ثمَّ كسر من جَنَاحِ عَليّ كرم الله وَجهه مَا كَانَ من أَمر الْخَوَارِج وشغل بهم إِلَى أَن هلك وَاجْتمعَ النَّاس على الْحسن من بعده فحقن الدِّمَاء وَسكن النائرة وَدفع الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة وخلع نَفسه واتفقت الْجَمَاعَة على بيعَة مُعَاوِيَة