المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(شرح حال التتار) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٣

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)

- ‌(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)

- ‌(ذكر أقضيته رضي الله عنه

- ‌(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما

- ‌(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)

- ‌(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة)

- ‌(وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(صفة مُعَاوِيَة)

- ‌(ذكر مناقبه)

- ‌(بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة)

- ‌(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)

- ‌(مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد)

- ‌(خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة)

- ‌(وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه)

- ‌(إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ)

- ‌(انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام)

- ‌(بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط)

- ‌(مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير)

- ‌(خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة)

- ‌(خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان)

- ‌(وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره)

- ‌(مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم)

- ‌(شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير)

- ‌(مقتل ابْن زِيَاد)

- ‌(مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه)

- ‌(خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله)

- ‌(مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب)

- ‌(أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا)

- ‌(مقتل عبد الله بن الزبير)

- ‌(ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة)

- ‌(ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق)

- ‌(وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج)

- ‌(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك)

- ‌(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(وَفَاة الْحجَّاج)

- ‌(خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه وأرضاه)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم)

- ‌(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي الدولة العباسية)

- ‌(ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم)

- ‌(قصَّة الشورى)

- ‌(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)

- ‌(خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور)

- ‌(الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى)

- ‌(خلَافَة الْمهْدي)

- ‌(خلَافَة الْهَادِي)

- ‌(خلَافَة هَارُون الرشيد)

- ‌(خلَافَة مُحَمَّد الْأمين)

- ‌(خلَافَة الْمَأْمُون)

- ‌(خلَافَة المعتصم)

- ‌(خلَافَة الواثق بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعين بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المعتز بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُعْتَمد على الله

- ‌(خلَافَة المعتضد)

- ‌(خلَافَة المكتفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المقتدر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة القاهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراضي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتقي لله)

- ‌(خلَافَة المستكفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطيع بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطائع لله)

- ‌(خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة المستظهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المسترشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة أبي عبد الله المقتفي)

- ‌(خلَافَة المستنجد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستضييء بِنور الله)

- ‌(خلَافَة النَّاصِر لدين الله)

- ‌(خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعصم بِاللَّه)

- ‌(شرح حَال التتار)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر)

- ‌(نسب العبيديين بإفريقية)

الفصل: ‌(شرح حال التتار)

حفظ تِلْكَ اللؤلؤات فَلم يجد لَهَا موضعا أحسن من عش عصافير كَانَ بسقف تِلْكَ الدَّار قَرِيبا من المخبأ الْمَذْكُور فاستدعى بسلم فوضعها فِي ذَلِك العش وَجلسَ فِي دهليز تِلْكَ الدَّار وَعَلِيهِ زِيّ الْفُقَرَاء فَلَمَّا دخلت التتار بَغْدَاد خرج إِلَى مَوضِع استتر فِيهِ فَأمْسك بعض عَسَاكِر التتار رجلا من أهل بَغْدَاد وألزموه أَن يُرِيهم دور أهل الْيَسَار من أهل بَغْدَاد ليجد فِيهَا مَا يَأْخُذهُ فَأتى ذَلِك الرجل بذلك الْبَعْض إِلَى هَذِه الدَّار الْمَذْكُورَة فَطَافَا فِيهَا فَلم يجدا شَيْئا فَغَضب التترى فربطه وَقَالَ أتهزأ بِي وَجعل يضْربهُ ويعذبه وَالرجل يحلف لَهُ أَن صَاحب هَذِه الدَّار من مياسير أهل بَغْدَاد وَمَا هزأت بك فَبَيْنَمَا هُوَ يضْربهُ إِذْ زرق عَلَيْهِ عُصْفُور من ذَلِك العش الَّذِي فِيهِ اللؤلؤات فَأصَاب الزرق وَجهه فازداد غيظه فَضرب ذَلِك العش فَوَقع العش وَسَقَطت تِلْكَ اللؤلؤات مِنْهُ فتدحرجت مِنْهُ ثَلَاث فوقعن فِي ثقب تِلْكَ الخربة فَأخذ التتري تِلْكَ الثَّلَاث لؤلؤات وألزم الرجل بخراب تِلْكَ الخرابة لإِخْرَاج اللؤلؤات الْأُخْرَى فَلَمَّا شرع فِي تخريبها وأزال وَجههَا وجد سلالم تَنْتَهِي إِلَى الْموضع الَّذِي فِيهِ الْأَمْوَال والذخائر والصناديق فَأخذ التتري جَمِيع مَا هُنَاكَ وَأطلق الرجل وَأَعْطَاهُ مَا تيَسّر فاعتبروا يَا أولي الْأَلْبَاب

(شرح حَال التتار)

قَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف الخجندي فِي خبر التتار هُوَ حَدِيث يَأْكُل الْأَحَادِيث وَخبر يطوي الْأَخْبَار وتاريخ ينسي التواريخ ونازلة تصغر كل نازلة وفادحة تطبق الأَرْض وتملؤها مَا بَين الطول وَالْعرض هَذِه الْأمة لغتهم مشوبة بلغَة الْهِنْد لأَنهم فِي جوارهم وَبينهمْ وَبَين بنكث أَرْبَعَة أشهر وَهِي فِي النِّسْبَة إِلَى التّرْك عراض الْوُجُوه واسعو الصُّدُور خفاف الأعجاز صغَار الْأَطْرَاف سمر اللَّوْن سريعو الْحَرَكَة فِي الْجِسْم والرأي تصل إِلَيْهِم أَخْبَار الْأُمَم وَلَا تصل أخبارهم إِلَى الْأُمَم قَلما يقدر جاسوس أَن يتَمَكَّن مِنْهُم لِأَن الْغَرِيب لَا يشْتَبه بهم وَإِذا أَرَادوا جِهَة كتموا أَمرهم ونهضوا دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يعلم بهم أهل بلد حَتَّى يدخلوه وَلَا عَسْكَر حَتَّى يخالطوه فَلهَذَا تفْسد

ص: 522

على النَّاس وُجُوه الْحِيَل فيهم وتضيق طرق الْحَرْب عَلَيْهِم وَنِسَاؤُهُمْ يقاتلن كرجالهم وَالْغَالِب على سِلَاحهمْ النشاب وأكلهم أَي لحم وجدوه وَلَيْسَ فِي قَتلهمْ اسْتثِْنَاء وَلَا إبْقَاء يقتلُون الرِّجَال وَالنِّسَاء والأطفال وَكَانَ مقصودهم إفناء النَّوْع الإنساني وإبادة العلام لَا قصد الْملك وَالْمَال وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ فِي مرْآة الزَّمَان أَرض التتار بأطراف بِلَاد الصين وهم سكان بوادي مَشْهُورُونَ بِالشَّرِّ والغدر وَسبب ظُهُورهمْ أَن إقليم الصين متسع دوره سِتَّة أشهر وهم سِتّ ممالك وَلَهُم ملك حَاكم على السِّت وَهُوَ القان الْأَكْبَر الْمُقِيم بطغماج وَهُوَ كالخليفة على الْمُسلمين وَكَانَ سُلْطَان أحد الممالك السِّت واسْمه دوس خَان قد تزوج بعمة جنكيز خن ملك التتار فَحَضَرَ زَائِرًا لِعَمَّتِهِ وَقد مَاتَ زَوجهَا وَكَانَ قد حضر مَعَ خنكيز خَان كشلوخان فأعلمتهما أَن الْملك الَّذِي هُوَ دوس خَان لم يخلف ولدَاً وأشارت على ابْن أَخِيهَا أَن يقوم مقَامه فَقَامَ مقَامه وانضم إِلَيْهِ خلق من الْمغل ثمَّ سير التقاديم والهدايا إِلَى القان الْأَكْبَر فأستشاط غَضبا وَأمر بِقطع أَذْنَاب الْخَيل الَّتِي أهديت إِلَيْهِ وطردها وَقتل الرُّسُل لكَون التتار لم يتَقَدَّم لَهُم سَابِقَة سلطنة إِنَّمَا هم بادية الصين فَلَمَّا سمع جنكيزخان وَصَاحبه كشلوخان تحَالفا على التعاضد وأظهرا الْخلاف للقان وَهُوَ الْحَاكِم على السِّت المدن الْمَذْكُورَة وأتتهما أُمَم كَثِيرَة من التتار وَعلم القان قوتهم وشرهم فَأرْسل يؤانسهم ثمَّ أرسل بعد ذَلِك ينذرهم ويتهددهم فَلم يغن ذَلِك فيهم شَيْئا ثمَّ عزم على قصدهم فقصدهم وَوَقع بَينهم ملحمة عَظِيمَة فكسروا القان وملكوا بِلَاده واستفحل شرهم وَاسْتمرّ الْملك بَين جنكيزخان وكشلوخان على الْمُشَاركَة ثمَّ سارا إِلَى بِلَاد قاسون من نواحي الصين فملكاها فَمَاتَ كشلوخان فَقَامَ مقَامه وَلَده فاستصغره جنكيزخان فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَقتله واستقل جنكيزخان ودانت لَهُ التتار وانقادت واعتقدوا فِيهِ الأولوهية وبالغوا فِي طاعتهم ثمَّ كَانَ أول خُرُوجهمْ من بِلَادهمْ سنة سِتّ وسِتمِائَة إِلَى نواحي التّرْك وفرغانة فَأرْسل خوارزم شاه مُحَمَّد بن تكش صَاحب خُرَاسَان الَّذِي أباد

ص: 523

الْمُلُوك وَأخذ الممالك وعزم على قصد الْخَلِيفَة فَلم يتهيأ لَهُ إِلَى أهل فرغانة والشاش وكاشان وَتلك الْبِلَاد النزهة العامرة بالجلاء والإجفال عَنْهَا إِلَى سَمَرْقَنْد وَغَيرهَا ثمَّ خربها جَمِيعًا خوفًا من التتار أَن يملكوها لعلمه أَنه لَا طَاقَة لَهُ بهم ثمَّ سَارَتْ التتار يتحفظون ويتنقلون إِلَى سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة فَأرْسل فِيهَا جنكيزخان إِلَى السُّلْطَان خوارزم رسلًا وهدايا وَقَالَ الرُّسُل لخوارزم شاه إِن القان الْأَعْظَم جنكيزخان يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك لَيْسَ يخف عَليّ عظم شَأْنك وَمَا بلغت من سلطانك ونفوذ حكمك على الأقاليم وَأَنا أرى مسالمتك من جملَة الْوَاجِبَات وَأَنت عِنْدِي مثل أعز أَوْلَادِي وَغير خَافَ عَلَيْك أَنِّي ملك الصين وَأَنت أخبر النَّاس ببلادي وَأَنَّهَا مغارات العساكر والخيول ومعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة وفيهَا كِفَايَة عَن غَيرهَا فَإِن رَأَيْت أَن تعقد بَيْننَا الْمَوَدَّة فَأمر التُّجَّار بِالسَّفرِ لتعم المصلحتان فَأَجَابَهُ خوارزم شاه إِلَى ملتمسه وسر جنكيزخان بذلك وَاسْتمرّ الْحَال على المهادنة إِلَى أَن وصل من بِلَاده تجار وَكَانَ خَال خوارزم شاه نَائِبا عَنهُ على بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وَمَعَهُ عشرُون ألف فَارس فشرهت نَفسه إِلَى أَمْوَال التُّجَّار فَكتب إِلَى جنكيزخان يَقُول إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد جَاءُوا بزِي التُّجَّار وَمَا قصدهم إِلَّا التَّجَسُّس وَإِن أَذِنت لي فيهم فَأذن لَهُ بِالِاحْتِيَاطِ عَلَيْهِم فَقبض عَلَيْهِم وَأخذ أَمْوَالهم فوردت رسل جنكيزخان إِلَى خوارزم شاه يَقُول إِنَّك أَعْطَيْت أمانك للتجار فغدرت والغدر قَبِيح وَهُوَ من السُّلْطَان أقبح فَإِن زعمت أَن الَّذِي فعله خَالك بِغَيْر أَمرك فسلمه إِلَيْنَا وَإِلَّا سَوف تشاهد مني مَا تعرفنِي بِهِ فَدخل خوارزم شاه من الرعب لكنه تجلد وَأمر بقتل الرُّسُل فَقتلُوا فيالها من قتلة كم هدرت من دِمَاء لِلْإِسْلَامِ أجرت بِكُل قطر سيلا من الدَّم ثمَّ سَار جنكيزخان إِلَيْهِ فانجفل خوارزم شاه عَن جيحان إِلَى نيسابور إِلَى مرج هَمدَان رعْبًا من التتار فأحدق بِهِ التتار وَقتلُوا كل من مَعَه وَنَجَا هُوَ بِنَفسِهِ فَخَاضَ المَاء إِلَى جَزِيرَة وَلَحِقتهُ عِلّة ذَات الْجنب فَمَاتَ بهَا وحيداً طريدَاً

ص: 524

وَذَلِكَ سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة فملكوا جَمِيع مملكة خوارزم شاه ثمَّ بعد ذَلِك عبروا النَّهر بعد أَن أخذُوا بُخَارى وسمرقند وَكَانَ خوارزم شاه قد أباد الْمُلُوك من مدن خُرَاسَان فَلم يجد التتار أحدا فِي وُجُوههم فطوفوا الْبِلَاد قتلا وسبياً وَسَاقُوا إِلَى أَن وصلوا هَمدَان وقزوين قَالَ ابْن الْأَثِير فِي كَامِله حَادِثَة التتار من الْحَوَادِث الْعُظْمَى والمصائب الْكُبْرَى الَّتِي عقمت الدهور عَن مثلهَا عَمت الْخَلَائق وخصت الْمُسلمين فَلَو قَالَ قَائِل إِن الْعَالم مُنْذُ خلقه الله لم يبل بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقا فَإِن التواريخ لم تَتَضَمَّن مَا يقاربها وَمن أعظم مَا يذكرُونَ فعل بُختنَصر ببني إِسْرَائِيل بِبَيْت الْمُقَدّس فَمَا بَيت الْمُقَدّس بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا خرب هَؤُلَاءِ الملاعين من مدن الْإِسْلَام وَمَا بَنو إِسْرَائِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قتلوا من الْأَنَام فَهَذِهِ الْحَادِثَة الَّتِي استطار شررها وَعم ضررها وسارت فِي الدُّنْيَا سير السَّحَاب استدبرته الرّيح فَإِن قوما خَرجُوا من أَطْرَاف الصين فقصدوا كبار المدن والقرى مثل تركستان وكاشغر وبلاساغون ثمَّ مِنْهَا إِلَى بُخَارى وسمرقند فتملكوا ملكهَا وأبادوا أَهلهَا ثمَّ تعبر طَائِفَة إِلَى خُرَاسَان فتفرع مِنْهَا ملكا وتخريبَاً وقتلا وإبادة ثمَّ إِلَى الرّيّ وهمذان إِلَى حد الْعرَاق ثمَّ يقصدون أذربيجان ونواحيها ويخربونها ويفتحونها كل ذَلِك فِي أقل من سنة أَمر لم يسمع بِمثلِهِ ثمَّ من أذربيجان إِلَى دَرْبند شرْوَان ثمَّ إِلَى بِلَاد اللان فَقتلُوا وأسروا ثمَّ بِلَاد القفجاق وهم من أَكثر التّرْك عددا فَقتلُوا من وقف وهرب الْبَاقُونَ وَاسْتولى التتار عَلَيْهَا وَمَضَت طَائِفَة مِنْهُم إِلَى غزنة وأعمالها وسجستان وكرمان فَفَعَلُوا مثل هَذَا هَذَا مَا لم يطْرق الأسماع مثله فَإِن الْإسْكَنْدَريَّة الَّذِي ملك الدُّنْيَا لم يملكهَا فِي هَذِه السرعة وَإِنَّمَا ملكهَا فِي نَحْو عشْرين سنة وَلم يقتل أحدا وَإِنَّمَا رَضِي بِالطَّاعَةِ وَهَؤُلَاء قد ملكوا أَكثر الْمَعْمُور من الأَرْض وَأحسنه وأعمره وَلم يبْق أحد فِي الْبِلَاد الَّتِي لم يطرقوها إِلَّا وَهُوَ خَائِف يترقب وصولهم إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّهُم كَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْميرَة ومددهم يَأْتِيهم فَإِن مَعَهم الأغنام وَالْبَقر وَالْخَيْل يَأْكُلُون

ص: 525

لحومها لَا غير وَأما خيل ركوبهم فَإِنَّهَا تحفر الأَرْض بحوافرها وتأكل عروق الشّجر لَا تعرف الشّعير وديانتهم سجودهم للشمس وَالْعِيَاذ بِاللَّه حَال طُلُوعهَا وَلَا يحرمُونَ شَيْئا ويأكلون جَمِيع الدَّوَابّ وَبني آدم وَلَا يعْرفُونَ نكاحَاً بل الْمَرْأَة الْوَاحِدَة يَأْتِيهَا الْجَمَاعَات ويثبون وثوب القردة يقطعون المسافات الطَّوِيلَة فِي أَيَّام قَليلَة ويخوضون الأوحال ويتعلقون بالجبال ويصبرون على الْعَطش والجوع ويهجرون الغمض والهجوع وَلَا يبالون بِالْحرِّ وَالْبرد والسهل والوعر طعامهم كف شعير وشربهم من طرف الْبِئْر يكَاد أحدهم يتقوت بِطرف أذن فرسه يقطعهَا ويأكلها نيئة ويصبر على ذَلِك أَيَّامًا عديدة بل يَكْتَفِي هُوَ وفرسه بحشيش الأَرْض مُدَّة مديدة ثمَّ سَارُوا إِلَى بَغْدَاد وهم ينوفون على مِائَتي ألف فَارس وراجل سالب باسل فَكَانَ مَا كَانَ مِنْهُم على الْخَلِيفَة المستعصم وبغداد وَأَهْلهَا وملكهم هولاكو بعد أَن مَاتَ جنكيزخان ثمَّ وصلوا إِلَى حلب وبذلوا فِيهَا السَّيْف بعد أَن ملكوا مَا بَينهَا وَبَين بَغْدَاد من المدن والقرى ثمَّ أرسل هولاكو إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق كتابا صورته يعلم سُلْطَان نَاصِر طَال بَقَاؤُهُ أَنا لما توجهنا إِلَى الْعرَاق وَخرج إِلَيْنَا جنودهم قتلناهم بِسيف الله ثمَّ خرج إِلَيْنَا رُؤَسَاء الْبَلَد ومقدموها فَكَانَت قصارى كل مِنْهُم سَببا لهلاك نفوس تسْتَحقّ الإذلال وَأما صَاحب الْبَلَد الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ خرج إِلَى خدمتنا وَدخل تَحت عبوديتنا فَسَأَلْنَاهُ عَن أَشْيَاء كذبنَا فِيهَا فَاسْتحقَّ الإعدام وَكَانَ كذبه ظَاهرا {ووجدوا مَا عمِلُوا حَاضرا} الْكَهْف 49 وَأَنت فأجب ملك البسيطة وَلَا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات وَقد بلغنَا أَن شذرة من عَسَاكِر الْعرَاق التجأت إِلَيْك هاربة وَإِلَى خبائك لائذة من // (الْكَامِل) //

(أينَ المفَرُّ وَلَا مفَرَّ لهاربٍ

وَلنَا البسيطانِ الثرَى والمَاءُ)

فبساعة وقوفك على كتَابنَا تجْعَل قلاع الشَّام سماءها أرضَاً وطولها عرضا ثمَّ أرسل كتابا ثانيَاً يَقُول فِيهِ حَضْرَة ملك نَاصِر طَال عمره أما بعد فَإنَّا فتحنا

ص: 526

بَغْدَاد واستأصلنا مُلكها ومَلكها وَقد كَانَ ضن بالأموال وَلم ينافس فِي الرِّجَال فَظن أَن ملكه يبْقى على ذَلِك الْحَال وَقد علا ذكره ونما قدره فَخسفَ فِي الْكَمَال بدره من // (المتقارب) //

(إِذا تَمَّ شيءٌ بدا نقصُهُ

ترقَّبْ زوالَا إِذا قِيلَ تَمّ)

وَنحن فِي طلب الازدياد على ممر الآباد فَلَا تكن كَالَّذِين نسوا الله وأبدِ مَا فِي نَفسك إِمَّا إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان أجب دَعْوَة البسيطة تأمن من شَره وتنل من بره واسعَ إِلَيْهِ برجالك وأمرائك وَلَا تعُق رَسُولنَا وَالسَّلَام ثمَّ أرسل إِلَيْهِ كتابا ثَالِثا قَول فِيهِ أما بعد فَنحْن جنود الله بِنَا ينْتَقم مِمَّن عتا وتجبر وطغى وتكبر وبأمر الله مَا ائتمر إِن عوتب تنمر وَإِن رُوجِعَ اسْتمرّ وَنحن قد أهلكنا الْبِلَاد وأبدنا الْعباد وقتلنا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فيا أَيهَا الْبَاقُونَ أَنْتُم بِمن مضى لاحقون وَيَا أَيهَا الغافلون أَنْتُم إِلَيْهِم تساقون وَنحن جيوش الهلكة لَا جيوش المملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لَا يرام ونزيلنا لَا يضام وعدلنا فِي ملكنا قد اشْتهر وَمن سُيُوفنَا أَيْن المفر وَلَا مفر ذلت لهيبتنا الْأسود وأصبحت فِي قبضتنا الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء وَنحن إِلَيْكُم صائرون وَلكم الْهَرَب وعلينا الطّلب من // (الطَّوِيل) //

(ستعلَمُ ليلَى أيَّ دينٍ تداينَتْ

وَأي غريمٍ للتقاضيِ غَريمُهَا)

دمرنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأهلكنا الْعباد وَجَعَلنَا عظيمهم صَغيراً وأميرهم أسرا تحسبون أَنكُمْ ناجون أَو متخلصون وَعَن قَلِيل سَوف تعلمُونَ على مَا تقدمون وَقد أعذر من أنذر فَلَمَّا وصلوا إِلَى دمشق خرج إِلَيْهِم الْملك المظفر الْمُسَمّى قطز من مُلُوك الأتراك من مصر ومقدم عسكره الظَّاهِر بيبرس البندقداري فَالتقى مَعَهم عِنْد عين جالوت وَوَقع المصاف يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشر رَمَضَان سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فَهزمَ التتار شَرّ هزيمَة وانتصر الْمُسلمُونَ وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَقتل من التتار مقتلة عَظِيمَة وولوا الأدبار وطمع النَّاس فيهم تخطفونهم وينتهبونهم وَجَاء كتاب الْملك المظفر إِلَى دمشق بِخَبَر النَّصْر فطار الْمُسلمُونَ

ص: 527

فَرحا وَسَيَأْتِي ذكر الْملك المظفر قطز فِي الْبَاب الْخَامِس الْمَعْقُود للدولة التركية إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ السخاوي ثمَّ لم يزل بقاياهم يخرجُون إِلَى أَن كَانَ اَخرهم تيمور لنك الْأَعْرَج فطرق الديار الشامية وعاث فِيهَا وَحرق دمشق حَتَّى جعلهَا خاوية على عروشها وَدخل الرّوم والهند وَمَا بَين ذَلِك وطالت مدَّته إِلَى أَن مَاتَ وتفرق بنوه فِي الْبِلَاد قلت وَفِي الشَّائِع أَن مُلُوك الْهِنْد فِي زَمَاننَا يرجع نسبهم إِلَى تيمور لنك هَذَا وَالله أعلم بِصِحَّة هَذَا فَإِنِّي لم أره مَنْقُولًا وَاعْلَم أَن السّنة النَّبَوِيَّة قد أشارت إِلَى قتال التّرْك وفتنتهم فقد روى السِّتَّة إِلَّا النَّسَائِيّ حَدِيث لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر وَحَتَّى تقاتلوا التّرْك صغَار الْأَعْين حمر الْوُجُوه ذلف الْأَعْين كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الْأَعَاجِم حمر الْوُجُوه فطس الأنوف صغَار الْأَعْين كَأَن وُجُوههم المجان المطرقة نعَالهمْ الشّعْر وَفِي لفظ لَهُ عراض الْوُجُوه فَقَوله نعَالهمْ الشّعْر يحْتَمل أَنه على ظَاهره وَيحْتَمل أَن تكون من جُلُود مشعرة قَالَ الْمَنَاوِيّ فِي تَخْرِيج المصابيح وحمر الْوُجُوه بِي مشربَة بحمرة وذلف بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْجُمْهُور قَالَ صَاحب الْمَشَارِق وَهِي الصَّوَاب ويروى بإهمال الدَّال وَهُوَ جمع أدلف كأحمر وحمر مَعْنَاهُ فطس الأنوف كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَي قصارها مَعَ انبطاح وَقَالَ النَّوَوِيّ الذلف غلظ أرنبة الْأنف والمجان جمع مجن بِكَسْر الْمِيم الترس والمطرقة بِضَم الْمِيم وَإِسْكَان الطَّاء وَحكى فتحهَا مَعَ تَشْدِيد الرَّاء وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة وَمَعْنَاهُ أَن وُجُوههم عريضة ووجناتهم ناتئة

ص: 528

وَقَوله حَتَّى تقاتلوا خوزا وكرمان بطه ابْن الْأَثِير فِي نهايته فَقَالَ بِالْخَاءِ وَالزَّاي المعجمتين جيل مَعْرُوف وهم من بِلَاد الأهواز وكرمان صقع مَعْرُوف قَالَ السَّمْعَانِيّ بَلْدَة مَعْرُوفَة فِي بِلَاد الْعَجم بَين خُرَاسَان وبحر الْهِنْد وَورد اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم فَإِن أول من يسلب أمتِي ملكهَا بَنو قنطوراء الحَدِيث زَاد فِي رِوَايَة فَإِنَّهُم أَصْحَاب بَأْس شَدِيد وَغَنَائِم قَليلَة قلت بَنو قنطوراء بِالْمدِّ وَالْقصر قيل كَانَت جَارِيَة لسيدنا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل فَولدت لَهُ أَوْلَادًا فانتشر مِنْهُم التّرْك حَكَاهُ مُحَمَّد بن الْأَثِير واستبعده لَكِن مَا استبعده جزم بِهِ الْمجد الفيروزأبادي فِي قاموسه وروى الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تكون مَدِينَة بَين الْفُرَات ودجلة يكون فِيهَا ملك بني الْعَبَّاس وَهِي الزَّوْرَاء تكون فِيهَا حَرْب مفظعة يسبى فِيهَا النِّسَاء وتذبح فِيهَا الرِّجَال كَمَا تذبح الْغنم ثمَّ قَالَ وَإِسْنَاده شَدِيد الضعْف قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وَقد وَقعت هَذِه الْحَرْب بعد موت الْخَطِيب بِأَكْثَرَ من مِائَتي سنة وَذَلِكَ يُقَوي الحَدِيث ويصححه قَالَ السخاوي وَمن المرات الَّتِي قَاتل فِيهَا الْمُسلمُونَ التّرْك دولة بني أُميَّة حَتَّى أغزى مُعَاوِيَة الْجَيْش إِلَى الرّوم وأردفهم بِابْنِهِ يزِيد بن مُعَاوِيَة وَمَعَهُ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ثمَّ كَانَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين مسدوداً بالهدنة الَّتِي عقدهَا يزِيد بَينه وَبينهمْ إِلَى أَن فتح ذَلِك شَيْئا فَشَيْئًا وَكثر السَّبي فيهم حَتَّى كَانَ أَكثر عَسْكَر المعتصم بن الرشيد مِنْهُم ثمَّ غلبت الأتراك على الْملك فَقتلُوا ابْنه المتَوَكل بن المعتصم ثمَّ أَوْلَاده الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن خالط المملكة الديلم ثمَّ كَانَت الْمُلُوك السامانية من التّرْك أَيْضا فملكوا بِلَاد الْعَجم ثمَّ غلب على تِلْكَ الممالك آل سبكتكن غُلَام معز الدولة بن بويه ثمَّ آل سلجوق وامتدت مملكتهم إِلَى الْعرَاق وَالشَّام وَالروم وَكَانَت بقايا أتباعهم بِالشَّام وهم آّل زنكي وَالِد مَحْمُود بن زنكي الملقب نور الدّين الشَّهِيد وَأَتْبَاع آل زنكي هم بَنو أَيُّوب الأكراد فاستكثرت بَنو أَيُّوب الأتراك من المماليك أَيْضا

ص: 529

فغلبوهم بالديار المصرية والشامية والحجازية وَخرج على آل محرق فِي الْمِائَة الْخَامِسَة الغز فخربوا الْبِلَاد وَقتلُوا فِي الْعباد ثمَّ جَاءَت الطامة الْكُبْرَى بعد الستمائة فَكَانَ خُرُوج جنكيزخان وَخَلفه بعده هولاكو واستعرت الدُّنْيَا بهم نارَاً لَا سِيمَا الشرق بأسره حَتَّى لم يبْق بلد مِنْهُ إِلَّا دَخلهَا شرهم ثمَّ كَانَ خراب بَغْدَاد وَقتل الْخَلِيفَة وسلب ملكه ودمار عماره وَظهر بِهِ بل بِجَمِيعِ ذَلِك مصداق قَوْله

أَن أول من يسلب أمتِي ملكهَا بَنو قنطوراء وَقد تقدم ذكر الحَدِيث وَالله سُبْحَانَهُ أعلم وَكَانَ مِمَّن نجا من سيوف التتار من بني الْعَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الظَّاهِر عَم المستعصم الْمَقْتُول قيل كَانَ محبوسَاً بِبَغْدَاد فَلَمَّا أخذت التتار بَغْدَاد أطلق فهرب وَصَارَ إِلَى عرب الْعرَاق فَلَمَّا تسلطن الْملك الظَّاهِر بيبرس بعد الْملك المظفر قطز وَفد عَلَيْهِ إِلَى مصر فِي رَجَب سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَمَعَهُ عشرَة من بني مهارش عرب الْحلَّة الْبَلدة الْمَعْرُوفَة فَركب السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس للقائه ثمَّ أثبت نسبه على يَد قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز الشَّافِعِي ثمَّ بَايعه بالخلافة السُّلْطَان ثمَّ قَاضِي الْقُضَاة الْمَذْكُور ثمَّ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام ثمَّ الْكِبَار على مَرَاتِبهمْ وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وَضربت السِّكَّة باسمه وخطب لَهُ ولقب بلقب أَخِيه الْمُسْتَنْصر وَفَرح النَّاس وَركب يَوْم الْجُمُعَة وَعلي السوَاد إِلَى جَامع القلعة فَصَعدَ الْمِنْبَر وخطب خطْبَة ذكر فِيهَا شرف بني الْعَبَّاس ودعا للسُّلْطَان وَالْمُسْلِمين ثمَّ صلى بِالنَّاسِ ثمَّ رسم بِعَمَل خلعة للسُّلْطَان وبكتابة تَقْلِيد لَهُ ثمَّ نصبت خيمة بِظَاهِر الْقَاهِرَة وَركب الخلفة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْمَذْكُور وَالسُّلْطَان الظَّاهِر الْمَذْكُور مَعَه يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شهر شعْبَان إِلَى الْخَيْمَة وَحضر الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء والوزراء فألبس الْخَلِيفَة السُّلْطَان الخلعة بِيَدِهِ وطوقه ونُصِبَ مِنْبَر فَصَعدَ عَلَيْهِ فَخر الدّين بن لُقْمَان فَقَرَأَ التقلد ثمَّ

ص: 530

ركب السُّلْطَان بالخلعة وَدخل من بَاب النَّصْر وزينت الْقَاهِرَة وَحمل الْوَزير التَّقْلِيد على رَأسه رَاكِبًا والأمراء مشَاة ورتب السُّلْطَان للخليفة جَيْشًا وأتابكاً واستدارا وشرابياً وخازنداراً وحاجباً وكاتباً وَعين لَهُ خزانَة وَجُمْلَة مماليك وَمِائَة فرس وَثَلَاثِينَ بغلا وَعشر قطارات جمال إِلَى أَمْثَال ذَلِك قَالَ الذَّهَبِيّ وَلم يل الْخلَافَة أحد بعد ابْن أَخِيه إِلَّا هَذَا الْمُسْتَنْصر فَإِنَّهُ وَليهَا بعد ابْن أَخِيه وَهُوَ المستعصم الْمَقْتُول وَإِلَّا المقتفي بن المستظهر فَإِنَّهُ وَليهَا بعد الراشد ابْن أَخِيه المسترشد بن المستظهر ثمَّ عزم الْمُسْتَنْصر إِلَى الْعرَاق يُرِيد تخت بَغْدَاد فَخرج مَعَه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس يشيعه إِلَى أَن دخلُوا دمشق ثمَّ سَار الْخَلِيفَة بِمن مَعَه مُتَوَجها إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا وصل إِلَى السراة ثَالِث محرم سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة قَاتله هُنَاكَ قره بغا نَائِب هولاكو على بَغْدَاد فَقتل الْمُسْتَنْصر وَمن مَعَه وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل وَلم يقم لَهُ أَمر فَكَانَت ولَايَته سِتَّة أشهر وَالْحَاصِل أَن خلفاء بني الْعَبَّاس البغداديين سَبْعَة وَثَلَاثُونَ خَليفَة أَوَّلهمْ السفاح وَآخرهمْ المستعصم وَمُدَّة ملكهم فِيهَا خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَعِشْرُونَ سنة وَيَوْم وَاحِد وَقد ذكرهم الإِمَام مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف بن يحيى بن عَليّ بن تَمام السُّبْكِيّ نظماً مبتدئاً بِأبي بكر الصّديق فَقَالَ من // (الطَّوِيل) //

(إِذا رمتَ أعداد الخلائفِ عُدَّهُمْ

كَمَا قُلْته تدعى اللبيبَ المحصِّلَا)

(عتيقٌ وفاروقٌ وعثمانُ بعدَهُ

عليُّ الرِّضَا مِنْ بَعْدِهِ حَسنٌ تَلا)

(معاويةٌ ثمَّ ابنُهُ وحفيدُهُ

مُعاويَة وابنُ الزُّبيْرِ أَخُو العُلَا)

(ومروانُ يتلوه ابنُهُ ووليدُهُ

سليمانُ وافَى بَعْدَهُ عُمَرٌ وَلَا)

(يزيدُ هشامٌ والوليدُ يزيدُهُمْ

سناهُمْ بإبراهيمَ مروانُ قَدْ علا)

(وسفَّاحٌ المنصورُ مهديُّ ابنُهُ

وهادِي رشيدٌ للأمينِ تَكَفَّلا)

(وأعقب بالمأمونِ مُعْتَصِم غَدا

بَوَائقه يسْتتْبع المُتَوَكِّلَا)

(ومنتصرٌ والمستعِينُ وبعدَهُ

لمعتزِّ المَتْلُوِّ بالمهدي اقْبلَا)

ص: 531

(ومعتمدٌ يَقْفُوه معتضِدٌ وعَنْ

سنا المكتفي يتلوه مقتدرٌ سلا)

(وبالقاهِرِ الراضِي يُفوِّضُ متقٍ

وثَانِيهِ مُسْتَكْفٍ مُطِيع تفضَّلا)

(وطائعُهُمْ للَّهِ باللَّهِ قادرٌ

وقائمُهُمْ بالمقتدي استَظْهر الْعلَا)

(ومسترشدٌ والراشدُ المكتفي بِهِ

ومستنجدٌ والمستضِي نَاصِرٌ جلا)

(فظاهِرُهُمْ مستنصرٌ قد تكمَّلوا

فَإِن آتٍ تقصيراً فكُنْ متطوِّلا)

قلت وَلم يذكر عبد الله بن المعتز فيهم وَقد ذكره بعض المؤرخين وَبَعْضهمْ لم يذكرهُ لكَونه ولي نصف يَوْم أَو نَحوه فَلذَلِك تَركه النَّاظِم ثمَّ صَار الْملك فِي مصر والحل وَالْعقد إِلَى مُلُوك الأتراك ثمَّ الجراكسة ثمَّ العثامنة وَقد كَانُوا يعينون وَاحِدًا من أَوْلَاد الْعَبَّاس للخلافة وَيكون كواحد من الْعَامَّة لَا حل لَهُ وَلَا عقد يُجَاب وَلَا يسمع وَلَا يفكر فِي رَأْي لَهُ فَيتبع فَأول من ورد إِلَيْهِم مصر الْمُسْتَنْصر الَّذِي تقدم ذكر قدومه إِلَيْهَا على الْملك الظَّاهِر بيبرس فجهزه وسيره إِلَى بَغْدَاد فتم عَلَيْهِ مَا تمّ ثمَّ وصل بعده إِلَى مصر من بني الْعَبَّاس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الراشد بن المسترشد ولقب بالحاكم بِأَمْر الله فَأكْرمه الظَّاهِر بيبرس أَيْضا وَأثبت نسبه بِحَضْرَة قُضَاة الشَّرْع وَبَايَعَهُ بالخلافة فَأجرى عَلَيْهِ النَّفَقَة وَسكن بِمصْر وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء وَإِنَّمَا اسْمه الْخَلِيفَة واستخلف أَوْلَاده من بعده على هَذَا النسق لَيْسَ لَهُم إِلَّا اسْم الْخلَافَة يأْتونَ بِهِ إِلَى السُّلْطَان الَّذِي يُرِيد تَوليته فَيَقُول لَهُ وليتك السلطنة هَكَذَا كَانُوا بألقاب الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَت سلاطين الأقاليم يتبركون بهم ويرسلون إِلَيْهِم أَحْيَانًا يطْلبُونَ تَقْلِيد السلطنة فيكتبون إِلَيْهِم تقليدَاً ويعهدون إِلَيْهِم بالسلطنة عهدا وَلَا يخفى أَن هَؤُلَاءِ لَيْسَ لَهُم من الْخلَافَة إِلَّا الصُّورَة كَمَا كَانَت الْخُلَفَاء البغداديون الْمَحْجُور عَلَيْهِم من جَانب أمرائهم وَإِنَّمَا لَهُم الِاسْم الْمُجَرّد عَن الْمَعْنى من كل وَجه وعدتهم ثَمَانِيَة عشر خَليفَة أَوَّلهمْ الْمُسْتَنْصر الَّذِي جهزه الْملك الظَّاهِر بيبرس إِلَى بَغْدَاد فَوَقع لَهُ فِي الطَّرِيق مَا وَقع وَإِنَّمَا عدناه مِنْهُم لِأَن ولَايَته بِمصْر وَآخرهمْ مُحَمَّد المتَوَكل على الله ابْن المستمسك بِاللَّه يَعْقُوب وَهَذَا

ص: 532

المستمسك هُوَ آخر من ذكره الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي منظومته فِي الْخُلَفَاء وَاسْتمرّ المستمسك بِاللَّه خَليفَة إِلَى أَن كَبرت سنه وكف نظره وَدخلت أَيَّام الدولة العثمانية وافتتحت الديار المصرية فَأَخذه السُّلْطَان سليم مَعَه إِلَى أسطنبول وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ السُّلْطَان سليم ثمَّ عَاد إِلَى مصر فَخلع وَولى وَلَده المتَوَكل عَليّ بن المستمسك فِي شعْبَان سنة أَربع عشرَة وَتِسْعمِائَة وَاسْتمرّ خَليفَة إِلَى أَن توفّي ثَانِي عشر شعْبَان سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فِي أَيَّام المرحوم دَاوُد باشا صَاحب مصر وباني رِبَاط الداودية ومدرستها الْمَعْرُوفَة بِهِ وبموته انْقَطَعت الْخلَافَة الصورية أَيْضا بِمصْر وَكَانَ المتَوَكل فاضلَا أديباً لَهُ شعر حسن مِنْهُ قَوْله من // (الْبَسِيط) //

(لم بقَ محتسبٌ يُرجَى وَلَا حسنٌ

وَلَا كريمٌ إِلَيْهِ مُشْتَكَى حَزَنيِ)

(وَإِنَّمَا سَادَ قومٌ ذِي غيرُ حَسَبٍ

مَا كنْتُ أوثرُ أنْ يمتدَّ بِي زَمَنِي)

قَالَ الْعَلامَة قطب الدّين اجْتمعت بِهِ رحلتي إِلَى مصر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَأخذت عَنهُ وَهَذِه قصيدة الْعَلامَة السُّيُوطِيّ المتضمنة لذكر الْخُلَفَاء الرَّاشِدين والأمويين والعباسيين والبغداديين والمصريين وَمُدَّة وفياتهم وَهِي غَايَة فِي ضبط أُولَئِكَ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى من // (الْبَسِيط) //

(ألحمدُ للَّهِِ حمداً لَا نَفَادَ لَهُ

وَإِنَّمَا الحمدُ حَقًا رأسُ مَنْ شكَرَا)

(ثمَّ الصلاةُ على الهاديِ النبيِّ ومَنْ

سادَتْ بنسبته الأشرافُ والأُمَرَا)

(إنَّ الأمينَ رسُولَ اللَّهِ مبعثُهُ

لأَربعينَ مضَتْ فِيمَا رَوَوْا عُمُرَا)

(وكانَ هجرتُهُ مِنْهَا لطَيْبَةَ مِنْ

بعد الثلاثةِ أعواماً تلِي عَشَرَا)

(وماتَ فِي عامِ إِحْدَى بَعْدَ عشْرتها

فيا مصيبةَ أَهْلِ الأرضِ حينَ سَرَى)

(وقامَ مِنْ بعده الصِّديقُ مُجْتَهدا

وف ثَلَاثَة عشر بَعْدَهُ قُبِرا)

(وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ القرآنَ فِي صحفٍ

وأولُ النَاسِ سَمَّى المُصْحَفَ الزُّبُرَا)

(وقامَ من بعدِهِ الفاروقُ ثُمَّتَ فِي

عشرينَ بعْدَ ثلاثٍ غَيَّبوا عُمَرا)

ص: 533

(وَهْوَ الَّذِي اتخَذَ الديوانَ وافترَضَ

الْعَطاءَ قَبلُ وبيتَ المالِ والدُّرَرَا)

(وَهْوَ المسمَّى أميرَ المؤمنينَ وَلم

يُدْعَي بِهِ قَبْلَهُ شخصٌ مِنَ الأُمَرَا)

(وَقَامَ عثمانُ حتَّى جاءَ مَقْتَلُهُ

بعد الثلاثينَ فِي خَمسٍ وَقد حُصِرا)

(وبعدُ قامَ عليُّ ثمَّ مقتَلُهُ

لأربعينَ فمَنْ أوداه قد خَسِرَا)

(ثمَّ ابنُهُ السِّبْطُ نصفَ العامِ ثُمَّ أتَى

بَنو أيَّةَ يَبْغونَ الوغَى زُمَرَا)

(فسلَّم الأمرَ فِي أُخْرَى لِرَغْبَتِهِ

عَن دارِ دُنْيَا بِلَا ضَيْرٍ وَلَا ضَرَرَا)

الْخُلَفَاء الأمويون

(وَكَانَ أولَ ذِي مُلكٍ معاويةٌ

فِي النِّصْفِ من عامِ ستنَ الحِمَامُ عَرا)

(ثمَّ اليزيدُ ابنُهُ أَخْبِثْ بِهِ ولدا

فِي أربعٍ بعْدهَا ستُّونَ قد قُبِرَا)

(وابنُ الزبيْرِ وَفِي سبعينََ مَقٍ تًلُهُ

بعد الثلاثِ وكَمْ بالبيتِ قد حُصِرا)

(وَفِي ثمانينَ مَعْ ستِّ عَلَيْهِ قضى

عبدُ المليكِ بِهِ الأمَر الَّذِي استُهرا)

(ثمَّ الوليدُ ابنُهُ فِي قَبْلِ مَا رَجَبٍ

فِي الستِّ من بعدِ تسْعِينَ انقضَى عُمُرا)

(وَهْوَ الَّذِي مَنَعَ الناسَ النداءَ لَهُ

باسْم وكانتْ تُنَادَى باسمِها الأُمَرَا)

)

وقامَ بَعْدُ سليمانُ الخِيَارُ وفِي

تسعٍ وتسعينَ جَاءَ الموتُ فِي صَفَرَا)

(وبعدَه عُمَرٌ ذَاك النجيبُ وفِي

إِحْدَى تلِي مائَة قد أَلْحَدُوا عُمَرَا)

(وَهْوَ الَّذِي أَمر الزهْرِيَّ خَوْفَ ذَهَابِ

الْعلم أنْ يجمَعَ الأَخبارَ والأَثَرا)

(ثمَّ اليَزِيدُ فَفِي خَمْسٍ قَضَى وتَلَا

هِشَامُ فِي الخَمْسِ والعِشْرينَ قَدْ سطرا)

(ثمَّ الوليدُ وَبعد الْعَام مَقْتَله

من بعد مَا جَاءَ بِالْفِسْقِ الَّذِي شهرا)

)

ثمَّ اليزيد وَفِي ذَا الْعَام مَاتَ وَقد

أَقَامَ سِتّ شهور مثل مَا أثرا)

(وبعدَهُ قامَ إبراهيمَ ثمَّ مضَى

بالخلعِ سبعينَ يَوْمًا مذ أقامَ ثرا)

(وَبعده قامَ مروانُ الحمارُ وَفِي

ثنتينِ بعد ثلاثينَ الدماءُ جَرَى)

الْخُلَفَاء العباسيون

(وَقَامَ مِنْ بَعْدِهِ السَّفَّاح ثمَّ قَضَى

بعدَ الثلاثينَ فِي ستِّ وَقد جُدِرَا)

(وقامَ مِنْ بعدِهِ المنصورُ ثمَّت فِي

خمسينَ بعد ثمانٍ مُحْرِمًا قُبِرا)

ص: 534

(ثمَّ ابنُهُ وَهْوَ المهديُّ ماتَ لدَى

تسعٍ وستينَ مَسْمُومًا كَمَا ذُكِرَا)

(ثمَّ ابنُهُ وَهْوَ الهادِي وموتَتُهُ

فِي عامِ سبعينَ لمَّا هَمَّ أَنْ غَدَرَا)

(ثمَّ الرشيدُ وفِي تسعين تاليةٍ

ثلاثةَ ماتَ فِي الغزوِ الرَّفِيع ذُرَا)

(ثمَّ الأمينُ وَفِي تسعينَ تاليةٍ

ثمانياً جَاءَهُ قتلٌ كَمَا ذُكِرَا)

(وقامَ مِنْ بعده المأمونُ ثمَّتَ فِي

ثمانِ عشرةَ كَانَ الموتُ فاعْتَبِرا)

(وقامَ معتصمٌ مِنْ بعدِهِ وقضَى

فِي عامِ سبعٍ وعشرينَ الَّذِي أُثِرَا)

(وَهْوَ الَّذِي أدخَلَ الأَتراكَ مُنْفَردا

ديوانَهُ واقتناهُمْ جالباً وشرا)

(ثمَّ ابنُهُ الواثِقُ المالي الورَى رُعُبًا

وَفِي ثلاثينَ مَعْ ثِنْتَيْنِ قد غَبَرَا)

(وَذُو التوكُّلِ مَا أزكَاهُ من خُلُقٍ

ومظهرُ السُّنَّةِ الغَرَّاءِ إِذْ نَصَرَا)

(فِي عامِ سبعٍ تليهَا أربَعُونَ قَضى

قتلا حَبَاه ابنُه المدعوُّ منتَصِرَا)

(فَلم يَقُمْ بعدَهُ إلَاّ اليسيرَ كَمَا

قد سَنَّهُ الله فيمَنْ بعضَه غَدَرَا)

(والمستعينُ وَفِي عامِ اثنتينِ تَلَا

خمسينَ خَلْعٌ وقتلٌ جَاءَهُ زُمَرَا)

(وَهْوَ الَّذِي أحدثَ الأكمامَ وَاسِعَة

وَفِي القلانِسِ عَن طُولٍ أَتَى قِصَرَا)

(وقامَ مِنْ بَعْدِه المعتزُّ ثُمَّتَ فِي

خمسٍ وخمسينَ حَقا قتلُهُ أثرَا)

(والمهتدِي الصّالِحُ الميمونُ مَقْتَلُهُ

مِنْ بعدِ عَامٍ وقفي قبله عمرا)

(أقامَ مِنْ بَعْدِهِ بالأَمْرِ مُعْتَمِدٌ

فِي عامِ تسعٍ وَسبعين الحِمَامُ عَرَا)

(وذاكَ أولُ ذِي أمرٍ لَهُ حَجَرُوا

وأولُ الناسِ موكولا بِهِ قُهِرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعده بالأمرِ معتضدٌ

وَفِي ثمانينَ مَعْ تسَع مضتْ قُبَرَا)

(ثمَّ ابنُهُ المكتفي بِاللَّه أحمدٌ فِي

خمسٍ وتسعينَ وافاه الَّذِي قدرَا)

(فِي عامِ عشرينَ فِي شوالَ بَعْدَ مُضِي

ثلاثةٍ قُتِلَ المدعوُّ مُقْتَدِرَا

(وبعدَهْ القاهِرُ الجَبَّارُ مخلَعُه

فِي اثنينِ مِنْ بعد عشْرين وَقد سُمِرَا)

(وَقَامَ من بعدهِ الراضي وَمَاتَ لَدَى

تسعٍ وعشرينَ وانسُبْ عِنْدَهُ أخَرَا)

(والمقتَّقي وَمَضَى بالخَلْعِ مُشْتَمِلاً

من بعد أربعةِ الأعوامِ فِي صَفَرا)

(وَقَامَ بالأمرِ مستكفيهِمُ وَقَفَا

من بعدِ عامٍ لأمر المتقي أَثَرَا)

ص: 535

(ثمَّ المطيعُ وفى ستينَ يتبعُهَا

ثلاثةٌ فى أخيرِ العامِ قد غَبَرَا)

(ثمَّ ابنُه الطائعُ المقهورُ مخلَعُهُ

عامَ الثمانينَ مَعْ إحْدَى كَمَا أُثِرَا)

(ثمَّ الإِمَام أَبُو العباسِ قادرُهم

فِي اثنينِ مِنْ بعد عشرينَ مَضَتْ قُبِرَا)

(ثمَّ ابْنُهُ قائِمٌ لله ماتَ لَدَى

سبعٍ وستينَ مِنْ شعبانَ قدْ سُطِرَا)

(والمقتدِي ماتَ فى تسعٍ بأوَّلِهَا

بَعْدَ الثمانينَ جدَّ الْملك واقتدَرَا)

(وَقَامَ مِنْ بَعدِه مستظهرٌ وقَضَى

فى خامسِ القرنِ فى اثنينِ تلِى عَشرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعدهِ مسترشدٌ ولَدَى

تسعٍ وَعشْرين فِيهِ القَتْلُ حَلَّ عُرَا)

(ثمَّ ابنُهُ الراشدُ المقهورُ مخْلَعُهُ

مِنْ بعد عامٍ فَلَا عينٌ وَلَا أَثَرَا)

(والمقتفي ماتَ مِنْ بَعْدِ التَمَكُّنِ فِي

خمسٍ وخمسينَ وانقادَتْ لَهُ النُّصَرا)

(وقَامَ مِنْ بعدهِ مستنجدٌ وقَضَى

من بعدِ ستينَ مَعْ سِتِّ وَقد شعرًا)

(والمستظئُ بِأَمْر الله ماتَ لَدَى

خمسٍ وَسبعين بِالْإِحْسَانِ قد بَهَرا)

(وقامن مِنْ بعدهِ بالأمرِ ظاهِرُهُم

تسعا شهورًا فأقلل مدةَ قِصَرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعدهِ مستنصرٌ وقَضَى

لأربعينَ وكَمْ تَرْثِيهِ مِنْ شُعَرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعدهِ مستعصمٌ ولَدَى

ستِّ وخمسينَ كَانَ الفتنةُ الكبرَى)

(جَاءَ التتارُ فَأَرْدَوْهُ وبلدتَهُ

فيلعنُ اللَّهُ والمخلوقةُ والتَّتَرَا)

(مرتْ ثلاثُ سنتن بعدَهُ وَيلى

نصفٌ ودَهْرُ الرَّدَى عَنْ قائمٍ شغرَا)

الْخُلَفَاء العباسيون المصريون

(وقامَ مِن بعد ذَا مستنصرٌ وثَوَى

فى آخِرِ الْعَام قَتْلاً مِنْهُمُ وسرى)

(أَقَامَ ستَّ شهورٍ ثمَّ رَاحَ لَدَى

مُهَلِّ ستينَ لَم يَبْلُغْ بهَا وَطَرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعده فِي مصرَ حاكِمُهُمْ

على وَهًى لَا كَمَنْ مِن قَبْلُ قد غَبَرا)

(وَمَات فِي عَام إِحْدَى بَعْد سبعِ مِئِى

وَقَامَ من بعدُ مستكفيهمُ وجَرَى)

(فِي أربعينَ قضى إِذا قَامَ واثِقُهُمْ

فَفِي اثنينِ قضى خلعا مِنْ الأَمَرَا)

ص: 536

(وَقَامَ حاكمُهُمْ مِنْ بعدِه وَقضى

عَامَ الثلاثِ مَعَ الخَمْسِينَ معتبرَا)

(فَقَامَ مِنْ بعدِه بالأمرِ معتضدٌ

وفى الثلاثةِ والستينَ قَدْ غَبَرَا)

(وَذُو التوكُّلِ يتلوهُ أَقَامَ إِلَى

بعدَ الثمانينَ فى خمسٍ وَقد حُصِرَا)

(وبايَعُوا واثقا بِاللَّه ثُمَّتَ فى

عامِ الثمانِ قَضَى وسَمَّه عُمَرا)

(وبايَعُوا بعدَهُ بِاللَّه معتصمًا

فى عامِ إِحْدَى وتسعينَ أُزِيل وَرَا)

(وَذُو التوكُّل رَدُّوهُ أقامَ إِلَى

ذَا القرنِ عامَ ثمانٍ مِنْهُ قَد قُبِرَا)

(أولادُه منهمُ خمسٌ مبجلةٌ

حازوا الخلافةَ إِذْ كانَتْ لَهُمْ قَدَرَا)

(والمستعينُ وآلَ الأمرُ أَن خلعوا

فِي شهرِ شعْبَان فِي خمسٍ تَلي عَشَرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعدِه بِالْأَمر معتضدٌ ئ

لأربعينَ تَلِيهَا الخمسةُ احتُضِرَا)

(وَقَامَ بِالْأَمر مستكفيهمُ وقَضَى

فى عامِ الأَرْبع والخمسينَ مُصْطَبِرَا)

(وَقَامَ قائِِمهُمْ من بعدُ ثُمَّتَ فِي

سبعٍ وخمسينَ بعد الْخلْع قد حُصِرَا)

(وَقَامَ مِنْ بعدِه مستنجدٌ دَهرًا

خَليفَة العَصْرِ رقَّاهُ الْإِلَه ذُرَا)

(وبعدَ نظمىَ هَذَا النظمَ فى مُدَدٍ

قَضَى خليفتُنا المذكورُ مصطَبرا)

(فى عَام الأَرْبَعِ من شهرِ المحرَّم مِنْ

بعدِ الثمانينَ يومَ السبت قَدْ قُبِرا)

(وبويع ابنُ أَخِيه بَعْدَهُ ودُعِى

بِذِي التوكُّلِ كالَجِّد الذى شُهِرَا)

(وماتَ عامَ ثلاثٍ بعد تِسْعِمِئى

سلخ المحرَّم عَنْ عهدٍ لَهُ سطرَا)

(لنجله البرِّ يعقوبَ الشريفِ وَقَدْ

لُقِّبَ مستمسكًا بِاللَّه فِي صَفَرَا)

وَهَذَا آخر مَا نظمه الْعَلامَة السيوطى وَقَالَ بَعضهم فَذكر خلع المستمسك هَذَا بعد طول عمره وَكبر سنه وانكفاف نظره وَولَايَة ابْنه مُحَمَّد المتَوَكل على الله بن المستمسك بِاللَّه فَقَالَ

(وَكَانَ خلعٌ لَهُ فى عَام أربعةٍ

من بعد عَشْرَةَ فى شعبانَ قد شُهِرَا)

(وَلم يكنْ خَلْعُهُ من أجلِ مَنْقَصَةٍ

فى دينِه ثمَّ دنياهُ وليسَ جَرَى)

(شبيهُ ذاكَ ولكنْ أمرُ خالِقنا

مُذْ حلَّ فى عينه فأَذْهَبَ البَصَرَا)

(وأهلُ حَلِّ وعَقْدِ بايَعُوا بِرِّضا

لِنَجْلهِ ليْسَ فِيْهِمْ واحدٌ غَدارَ)

(بذى التوكُّلِِ حَقًا لقبُوهُ وَقُلْ

محمدٌ إِسمه لَا زَال مُنْتَصِرَا)

(فِي ساعةِ الْخلْع والمخلوعُ والدُه

كانْتَ بَنُو عَمِّهِ راضِينَ مَا ذكَرَا)

ص: 537