الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِيَّاه فَأمر بِهِ فَضرب وَأخرج وَقَالَ لَوْلَا أَنَّك رَسُول لقتلتك ثمَّ زحف ابْن الْجَارُود فِي النَّاس حَتَّى غشي فسطاطه فنهب مَا فِيهِ من الْمَتَاع وَالظّهْر وَأخذُوا زَوْجَاته وَانْصَرفُوا عَنهُ وَكَانَ رَأْيهمْ أَن يخرجوه وَلَا يقتلوه وَقَالَ الغضبان بن القبعثري الشَّيْبَانِيّ لِابْنِ الْجَارُود لَا ترجع عَنهُ وحرضه على معاجلته فَقَالَ إِلَى الْغَدَاة وَكَانَ مَعَ الْحجَّاج عُثْمَان بن قطن وَزِيَاد بن عَمْرو العتكى صَاحب الشرطة بِالْبَصْرَةِ فاستشارهما فَأَشَارَ زِيَاد بِأَن يستأمن الْقَوْم وَيلْحق بأمير الْمُؤمنِينَ وَأَشَارَ عُثْمَان بالثبات وَلَو كَانَ دونه الْمَوْت وَلَا تخرج إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْعرَاق بعد أَن رقاك إِلَى مَا رقاك وَفعلت مَا فعلت بِابْن الزبير فَقبل الْحجَّاج رأى عُثْمَان وحقد على زِيَاد فِي إِشَارَته وجاءه عَامر بن مسمع يَقُول قد أخذت لَك الْأمان من النَّاس فَجعل الْحجَّاج يغالطه رَافعا صَوته عَلَيْهِ ليسمع النَّاس وَيَقُول وَالله لَا أؤمنهم حَتَّى يأتوني بالهذيل بن عمرَان وَعبد الله بن حَكِيم ثمَّ أرسل إِلَى عبيد بن كَعْب النميري أَن ائْتِنِي فامنعني فَقَالَ إِن أتيتني منعتك فَأبى وَبعث إِلَى مُحَمَّد بن عُمَيْر بن عُطَارِد وَعبد الله بن حَكِيم بِمثل ذَلِك فَأَجَابُوهُ بِمثلِهِ ثمَّ إِن عباد بن الْحصين الحبطي مَر بِابْن الْجَارُود والهذيل وَعبد الله بن حَكِيم يتناجون فَطلب الدُّخُول مَعَهم فأَبوا فَغَضب وَسَار إِلَى الْحجَّاج وجاءه قُتَيْبَة بن مُسلم فِي بني أعصر للحمية القسية ثمَّ جَاءَهُ سُبْرَة بن عَليّ الْكلاب وَسَعِيد بن أسلم الْكلابِي وجعفر بن عبد الرَّحْمَن بن مخنف الْأَزْدِيّ فثابت إِلَيْهِ نَفسه وَعلم أَنه قد امْتنع وَأرْسل إِلَيْهِ مسمع بن مَالك بن مسمع إِن شِئْت أَتَيْتُك وَإِن شِئْت أَقمت وثبطت عَنْك فَأَجَابَهُ أَن أقِم فَلَمَّا أصبح إِذا حوله سِتَّة آلَاف وَقَالَ ابْن الْجَارُود لِعبيد الله بن زِيَاد بن ظبْيَان مَا الرَّأْي قَالَ تركته أمس وَلم يبْق إِلَّا الصَّبْر ثمَّ تزاحفوا وعبأ ابْن الْجَارُود وَأَصْحَابه على ميمنته الْهُذيْل وعَلى ميسرته ابْن ظبْيَان وتعبأَ الْحجَّاج على ميمنته قُتَيْبَة بن مُسلم وأو عباد بن الْحصين وعَلى مسرته سعيد بن أسلم وَحمل الْجَارُود حَتَّى أجَاز أَصْحَاب الْحجَّاج وَعطف الْحجَّاج عَلَيْهِ فَعَاد ابْن الْجَارُود بِظهْر ثمَّ أَصَابَهُ سهم غرب فَوَقع مَيتا ونادى مُنَادِي
الْمُسلمين وَلنْ نعدل بك أحدا وَقد دعوتني فاستجبت لَك وَإِن أردْت تَأْخِير ذَلِك أعلمني فَإِن الْآجَال غادية ورائحة وَلَا آمن أَن تختر مني الْمنية وَلم أجاهد الظَّالِمين فيا لَهُ غبناً وَيَا لَهُ فضلا متروكاً جعلنَا الله وَإِيَّاك مِمَّن يُرِيد بِعَمَلِهِ الله ورضوانه فَرد عَلَيْهِ صَالح الْجَواب يحضه على الْمَجِيء فَجمع شبيب قومه وَقدم على صَالح وَهُوَ بدارا فتصمدوا مائَة وَعشرَة أنفس ثمَّ وَثبُوا على خيل لمُحَمد بن مَرْوَان فَأَخَذُوهَا وقويت شوكتهم وأخافوا الْمُسلمين فندب مُحَمَّد إِلَى قِتَالهمْ عدي بن عدي بن عميرَة الْكِنْدِيّ فَقَاتلهُمْ فَهزمَ عدي فندب لقتالهم خَالِد بن جُزْء السّلمِيّ والْحَارث العامري واقتتلوا أَشد الْقِتَال وانجاب صَالح إِلَى الْعرَاق فَوجه الْحجَّاج عسكراً عَلَيْهِم سُورَة بن الْحر فَاقْتَتلُوا ثمَّ مَاتَ صَالح مثخنَاً بِهِ الْجراح فِي جُمَادَى الآخرى من السّنة الْمَذْكُورَة وعهد إِلَى شبيب بن يزِيد فَالتقى شبيب هُوَ وَسورَة فَانْهَزَمَ سُورَة بعد قتال شَدِيد ثمَّ سَار شبيب فلقي سعيد بن عَمْرو الْكِنْدِيّ فَاقْتَتلُوا ثمَّ انْصَرف شبيب فهجم الْكُوفَة وَقتل بهَا أَبَا سليم مولى عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان وَالِد اللَّيْث بن سليم وَغَيره من الْمَشَاهِير ثمَّ خرج عَنْهَا فَوجه الْحجَّاج لحربه زَائِدَة بن قدامَة الثَّقَفِيّ ابْن عَم الْمُخْتَار فِي جَيش كثير فَالْتَقوا أَسْفَل الْفُرَات فَهَزَمَهُمْ شبيب وَقتل زَائِدَة فَوجه الْحجَّاج لحربه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فَلم يقاتلهم وَكَانَ مَعَ شبيب امْرَأَته غزالة وَكَانَت مَعْرُوفَة بالشجاعة وَدخلت مَسْجِد الْكُوفَة تِلْكَ الْمَرْأَة وقرأت وردهَا فِي الْمَسْجِد وَكَانَت نذرت أَن تصعد الْمِنْبَر فصعدته ثمَّ حَار الْحجَّاج فِي أمره مَعَ شبيب فَوجه لقتاله عُثْمَان بن قطن الْحَارِثِيّ فَالْتَقوا فِي آخر الْعَام الْمَذْكُور فَقتل عُثْمَان وَانْهَزَمَ جمعه بعد أَن قتل مِنْهُم سِتّمائَة نفر واستفحل أَمر شبيب بن يزِيد فَنزل الْمَدَائِن فندب الْحجَّاج لقتاله أهل الْكُوفَة كلهم وَعَلَيْهِم زهرَة بن حوية السَّعْدِيّ شيخ كَبِير قد بَاشر الحروب وَبعث إِلَى زهرَة عِبد الْملك من الشَّام سُفْيَان بن الْأَبْرَد وحبيباً الْحكمِي مدَدا بِسِتَّة آلَاف
وَاجْتمعَ جَمِيع الْجَيْش خمسين ألفا وَعرض شَبَّبَ بن يزِيد جُنُوده بِالْمَدَائِنِ فَكَانُوا ألف رجل فَقَالَ يَا قوم إِن الله كَانَ ينصركم وَأَنْتُم مائَة أَو مِائَتَان فَأنْتم الْيَوْم مئون ثمَّ ركب فَأخذُوا يتخلفون عَنهُ ويتأخرون فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ لم يثبت مَعَه إِلَّا سِتّمائَة فَحمل شبيب فِي مِائَتَيْنِ على مسيرَة النَّاس فَانْهَزَمُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَال وعتاب بن وَرْقَاء جَالس هُوَ وزهرة بن حوية على طنفسة فِي الْقلب فَقَالَ عتاب هَذَا يَوْم كثر فِيهِ الْعدَد وَقل فِيهِ الْغناء يَعْنِي النَّفْع والهفي على خَمْسمِائَة من رجال تَمِيم وتفرق عَن عتاب عَامَّة الْجَيْش وَحمل عَلَيْهِ شبيب فقاتل عتاب سَاعَة وَقتل ووطئت الْخَيل زهرَة بن حوية فَهَلَك فتوجع لَهُ شبيب لما رَآهُ صريعَاً فَقَالَ لَهُ رجل من قومه وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لتتوجع لرجل من الْكَافرين قَالَ إِنَّك لست أعرف بصلاتهم مني إِنِّي أعرف من قديم أَمرهم مَالا تَعرفُ لَو ثبتوا عَلَيْهِ كَانُوا إِخْوَاننَا ثمَّ قَالَ شبيب لأَصْحَابه ارْفَعُوا عَنْهُم السَّيْف ودعا النَّاس إِلَى طَاعَته وبيعته فَبَايعُوهُ ثمَّ هربوا لَيْلًا وَهَذَا كُله قبل أَن يقدم جَيش الشَّام الَّذِي بَعثه عبد الْملك فَتوجه شبيب نَحْو الْكُوفَة وَقد دَخلهَا عَسْكَر الشَّام فشدوا ظهر الْحجَّاج وانتعش بهم وَاسْتغْنى عَن عَسْكَر الْكُوفَة وَقَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَا أعز الله من أَرَادَ بكم الْعِزّ الحقوا بِالْحيرَةِ مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلَا تقاتلوا مَعنا وحنق علهيم وهذْا مِمَّا يزيدهم فِيهِ بغضاً ثمَّ إِنَّه وَجه الْحَارِث بن مُعَاوِيَة الثَّقَفِيّ فِي ألف فَارس مَعَ الْكَشْف فالتمس شبيب غفلتهم فَالْتَقوا فَحمل شبيب على الْحَارِث فَقتله وَانْهَزَمَ من مَعَه ثمَّ جَاءَ شبيب فنازل الْكُوفَة وَحفظ النَّاس السكَك وَبنى شبيب مَسْجِدا بِطرف السبخة فَخرج إِلَيْهِ أَبُو الْورْد مولى الْحجَّاج فِي عدَّة غلْمَان فقاتل حَتَّى قتل ثمَّ خرج طهْمَان مولى الْحجَّاج أَيْضا فِي طَائِفَة فَقتله شبيب ثمَّ إِن الْحجَّاج خرج من قصر الْكُوفَة فَركب بغلا وَخرج فِي جَيش الشَّام فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ نزل الْحجَّاج وَقعد على كرْسِي ثمَّ نَادَى يَا أهل الشَّام أَنْتُم أهل السّمع وَالطَّاعَة وَالصَّبْر وَالْيَقِين لَا يغلبن بَاطِل هَؤُلَاءِ حقكم غضبوا الْأَبْصَار
قبر الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَجعله مزرعة وَمنع النَّاس من زيارته وَقد قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي ذَلِك من // (الْكَامِل) //
(تاللَّهِ إِنْ كانَتْ أميةُ قد أَتَتْ
…
قَتْلَ ابْنِ بِنْتِ نَبيهَا مَظْلُومَا)
(فَلَقَدْ أَتَاهُ بَنُو أَبِيهِ بمثْلِهِ
…
هَذَا لَعَمْرُكَ قَبْرُهُ مَهْدُومَا)
(أَسِفُوا على ألَاّ يَكُونُوا شَارَكُوا
…
فِي قَتْلِهِ فَتَتَبَّعُوهُ رميِمَا)
وَقَالَ آخر من // (الْكَامِل) //
(تاللَّهِ مَا فَعَلَتْ عُلُوجُ أميَّةٍ
…
مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بنُو العَبَّاسِ)
نعم كَانَ الْمُهْتَدي مِنْهُم زاهداً ناسكاً يتأسى بعمر بن عبد الْعَزِيز فِي هَدْيه لكنه قتل بعد سنة وَلم تطل أَيَّامه
(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)
قد قدمت كَيفَ كَانَ أصل هَذِه الدعْوَة وظهورها بخراسان على يَد أبي مُسلم عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي ثمَّ اسْتِيلَاء شيعتهم على خُرَاسَان وَالْعراق ثمَّ قتل مَرْوَان ابْن مُحَمَّد ببوصير بُويِعَ للسفاح هَذَا بالخلافة يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَفِي المسامرة بُويِعَ فِي الْكُوفَة يَوْم الْخَمِيس وَمن غَد يَوْم الْجُمُعَة لعشرين خلت من ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة بُويِعَ بيعَة الْعَامَّة وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم ابْن عبد منَاف بن قصي السفاح الْمَشْهُور بِابْن الحارثية كَانَ أَصْغَر من أَخِيه الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله بن مُحَمَّد كَانَ كَرِيمًا جواداً وَفِي كتاب قلادة النَّحْر لأبي مخرمَة مَا حصل فِي زَمَانه بَينه وَبَين الطالبين من الْأَشْرَاف شَيْء وَلَا قَامَ عَلَيْهِ أحد مِنْهُم بل قربهم وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَت الْمحبَّة صَافِيَة بَينهم وَقَامَ بِأَمْر الدولة العباسية أَبُو مُسلم الخرساني وتأطدت لَهُ الْأَعْمَال
من الشرق إِلَى الغرب وَحصل عِنْده برد النَّبِي
وَأما الْقَضِيب والمخصرة فَإِن مَرْوَان بن مُحَمَّد لما تَيَقّن بِالْقَتْلِ دفنهما حسداً فَدلَّ عَلَيْهِمَا غُلَام فأخرجهما عَامر ابْن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي الدَّاخِل على مَرْوَان الْكَنِيسَة وَأرْسل بهما إِلَى السفاح وَاسم أمه ريطة بنت عبيد الله من ذُرِّيَّة حَارِث بن مَالك بن ربيعَة وَلذَلِك يُقَال السفاح ابْن الحارثية وَكَانَ بَنو أُميَّة يمْنَعُونَ بني هَاشم من نِكَاح الحارثيات لأَنهم كَانُوا يرَوْنَ أَن زَوَال ملكهم على يَد ابْن حارثية فَلَمَّا ولي الْخلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز أَتَاهُ مُحَمَّد بن عَليّ وَالِد السفاح فَقَالَ أُرِيد أَتزوّج ابْنة خَالِي من بني الْحَارِث فتأذن لي فَقَالَ لَهُ عمر تزوج من شِئْت فَتزَوج ريطة الْمَذْكُورَة فأولدها السفاح فانتقلت الحلافة إِلَيْهِ يفعل الله مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا راد لقضائه وَلَا مَانع لحكمه وَلما اسْتَقر السفاح فِي الْخلَافَة خرج عَلَيْهِ بعض أشياع بني أُميَّة وقوادهم وَكَانَ أول من نقض عَلَيْهِ حبيب بن مرّة المري من قواد مَرْوَان كَانَ بحوران والبلقاء خَافَ على نَفسه وَقَومه فَخلع وبيض وَمَعْنَاهُ لبس الْبيَاض وَنصب الرَّايَات الْبيض مُخَالفَة لشعار العباسية فِي ذَلِك وَتَابعه قيس وَمن يليهم والسفاح يَوْمئِذٍ بِالْحيرَةِ فزحف إِلَيْهِ عبد الله بن عَليّ عَم السفاح وبينما هُوَ فِي محاربته بلغه الْخَبَر بِأَن الْورْد مجزأَة بن الْكَوْثَر بن زفر بن الْحَارِث الْكلابِي نقض بِقِنِّسْرِينَ وَكَانَ من قواد مَرْوَان فَلَمَّا انهزم مَرْوَان وَقدم عَليّ عبد الله بن عَليّ بَايعه وَدخل فِي دَعْوَة العباسيين وَكَانَ ولد مسلمة بن عبد الْملك مجاورين لَهُ ببالس فَبعث بهم وبنسائهم الْقَائِد الَّذِي جَاءَهُ من قبل عبد الله بن عَليّ وَشَكوا ذَلِك إِلَى أبي الْورْد فَقتل الْقَائِد وخلع مَعَه أهل قنسرين وكاتبوا أهل حمص فِي الْخلاف وَقدمُوا عَلَيْهِم أَبَا مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَقَالُوا هُوَ السفياني الَّذِي يذكر وَلما بلغ ذَلِك عبد الله بن عَليّ وادع حبيب بن مرّة وَسَار إِلَى أبي الْورْد بِقِنِّسْرِينَ وَمر بِدِمَشْق فخلف بهَا أَبَا غَانِم عبد الحميد بن ربعي الطَّائِي فِي أَرْبَعَة آلَاف فَارس مَعَ حرمه وأثقاله وَسَار إِلَى حمص فَبَلغهُ أَن أهل دمشق خلعوا وبيضوا وَأَقَامُوا فيهم عُثْمَان بن عبد الْأَعْلَى الْأَزْدِيّ وَأَنَّهُمْ هزموا أَبَا غَانِم وَعَسْكَره وَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وانتهبوا مَا خَلفه عبد الله بن عَليّ عِنْدهم فَأَعْرض عَن ذَلِك وَسَار
للقاء السفياني وَأبي الْورْد وَقدم أَخَاهُ عبد الصَّمد فِي عشرَة آلَاف فانكشف وَرجع إِلَى أَخِيه عبد الله بن عَليّ مُنْهَزِمًا فزحف عبد الله فِي جمَاعَة القواد ولقيهم بمرج الآخرم وهم فِي أَرْبَعِينَ ألفا فَانْهَزَمُوا وَثَبت أَبُو الْورْد فِي خَمْسمِائَة من قومه فَقتلُوا جَمِيعًا وهرب أَبُو مُحَمَّد إِلَى تدمر وراجع أهل قنسرين طَاعَة العباسية وَرجع عبد الله بن عَليّ إِلَى قتال أهل دمشق وَمن مَعَهم فهرب عُثْمَان بن عبد الْأَعْلَى وَدخل أهل دمشق فِي الدعْوَة وَبَايَعُوا لعبد الله بن عَليّ وَلم يزل أَبُو مُحَمَّد السفياني بِأَرْض الْحجاز متغيباً إِلَى أَيَّام الْمَنْصُور فَقتله زِيَاد بن عبد الْحَارِثِيّ عَامل الْحجاز يَوْمئِذٍ للمنصور وَبعث رَأسه إِلَى الْمَنْصُور مَعَ ابْنَيْنِ لَهُ أسيرين فأطلقهما الْمَنْصُور ثمَّ خلع أهل الجزيرة وبيضوا وَكَانَ السفاح بعث إِلَيْهَا ثَلَاثَة آلَاف من جنده مَعَ مُوسَى بن كَعْب من قواده وأزالهم بحران وَكَانَ إِسْحَاق بن مُسلم الْعقيلِيّ عَامل مَرْوَان على أرمينية فَلَمَّا بلغته هزيمَة مَرْوَان سَار عَنْهَا وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أهل الجزيرة وحاصروا مُوسَى بن كَعْب بحران شَهْرَيْن فَبعث السفاح أَخَاهُ أَبَا جَعْفَر إِلَيْهِم وَكَانَ محاصراً لِابْنِ هُبَيْرَة بواسط فَسَار لقِتَال إِسْحَاق بن مُسلم وَهُوَ بقرقيسيا والرقة وَقد خلعوا وبيضوا وَسَار نَحْو حران فأجفل إِسْحَاق بن مُسلم عَنْهَا وَدخل الرهَا وَبعث أَخَاهُ بكار بن مُسلم إِلَى قبائل ربيعَة بنواحي ماردين وَرَئِيسهمْ يَوْمئِذٍ بريكة من الحرورية فصمد أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فَهَزَمَهُمْ وَقتل بريكة فِي المعركة وَانْصَرف بكار إِلَى أَخِيه إِسْحَاق فخلفه إِسْحَاق بالرها وَسَار إِلَى سميساط وَجَاء عبد الله بن عَليّ فحاصره ثمَّ جَاءَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور فحاصروه سَبْعَة أشهر وَهُوَ يَقُول لَا أَخْلَع الْبيعَة من عنقِي حَتَّى أتيقن مَوتَ صَاحبهَا يَعْنِي مَرْوَان بن مُحَمَّد فَلَمَّا تَيَقّن مَوته طلب الْأمان فَاسْتَأْذنُوا السفاح فَأَمرهمْ بتأمينه وَخرج إِسْحَاق بن مُسلم إِلَى أبي جَعْفَر فَكَانَ من آثر أَصْحَابه وخواصه قلت لله أَبُو إِسْحَاق بن مُسلم هَذَا مَا أوقفهُ عِنْد عقده وأوفاه بميثاقه وَعَهده واستقام أهل الجزيرة وَالشَّام وَولى السفاح أَخَاهُ أَبَا جَعْفَر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى جَاءَتْهُ الْخلَافَة بعد وَفَاة أَخِيه السفاح وَلَقَد صدق من قَالَ من // (الْكَامِل) //
(لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرفيعُ مِنَ الأذَى
…
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ)
ذكر ابْن الْأَثِير أَن أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور لما أمره أَخُوهُ السفاح بحصار ابْن هُبَيْرَة أحد الناقضين عَلَيْهِ حاصره بواسط وَكَانَ ابْن هُبَيْرَة خَنْدَق على نَفسه فَقَالَ أَبُو جَعْفَر إِن ابْن هُبَيْرَة يخندق على نَفسه كالنساء فَبلغ ذَلِك ابْن هُبَيْرَة فَأرْسل إِلَى أبي جَعْفَر يَقُول أَنْت الَّذِي تَقول كَذَا وَكَذَا فابرز إِلَيّ لترى فَأرْسل إِلَيْهِ الْمَنْصُور لم أجد لي وَلَك مثل فِي ذَلِك إِلَّا كالأسدِ لَقِي خنزيراً فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِير بارزني فَقَالَ لَهُ الْأسد مَا أَنْت لي بكفء فَإِن بارزتك ونالني مِنْك سوء كَانَ عارا عَليّ وَإِن قَتلك قتلت خِنْزِير فَلم أحصل على حمد وَلَا فِي قَتْلِي إياك فَخر فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِير إِن لم تبارزني لأُعرفن السبَاع أَنَّك جبنت عني فَقَالَ لَهُ الْأسد احْتِمَال عَار كَذبك أيسر من تلطخ براثني بدمك قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي دوَل الْإِسْلَام لما صلى السفاح بِالنَّاسِ أول جُمُعَة خطب فَقَالَ فِي خطبَته الْحَمد لله الَّذِي اصْطفى الْإِسْلَام لنَفسِهِ فكرمه وشرفه وعظمه وَاخْتَارَهُ لنا وأيده بِنَا وَجَعَلنَا أَهله وكهفه وحصنه والقوام بِهِ والذابين عَنهُ ثمَّ ذكر قرابتهم فِي آيَات الْقُرْآن إِلَى أَن قَالَ فَلَمَّا قبض الله نبيه قَامَ بِالْأَمر أَصْحَابه إِلَى أَن وثب بَنو حَرْب ومروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لَهُم حينا حَتَّى آسفوه فانتقم مِنْهُم بِأَيْدِينَا ورد علينا حَقنا ليمن بِنَا على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض وَختم بِنَا كَمَا افْتتح بِنَا وَمَا توفيقنا أهل الْبَيْت إِلَّا بِاللَّه يَا أهل الْكُوفَة أَنْتُم مَحل محبتنا ومنزل مودتنا لم تفتروا عَن ذَلِك وَلم يثنيكم عَنهُ تحامل أهل الْجور فَأنْتم أسعد النَّاس بِنَا وَأكْرمهمْ علينا وَلَقَد زِدْت فِي عطياتكم مائَة مائَة
فَاسْتَعدوا فَأَنا السفاح الْمُبِيح والثائر المبير وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة اسْتَأْذن أَبُو مُسلم الخرساني السفاح فِي الْقدوم عَلَيْهِ للحجِّ وَكَانَ مُنْذُ ولي خُرَاسَان لم يفارقها فَأذن لَهُ فِي الْقدوم بِخَمْسِمِائَة من الْجند فَكتب إِلَيْهِ أَبُو مُسلم إِنِّي قد وترت النَّاس وَلَا آمن على نَفسِي فَأذن لَهُ فِي ألف وَقَالَ إِن طَرِيق مَكَّة لَا يحْتَمل الْعَسْكَر فَسَار فِي ثَمَانِيَة آلَاف فرقهم مَا بَين نيسابور والري وَخلف موَالِيه وخزائنهُ بِالريِّ وَقدم فِي ألف وَخرج القواد بِأَمْر السفاح لتلقيه وَدخل على السفاح فَأكْرمه وأعظمه وَاسْتَأْذَنَ فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَقَالَ لَوْلَا أَن أَبَا جَعْفَر يُرِيد الحجَ لاستعملتك على الْمَوْسِم وأنزله بِقُرْبِهِ وَكَانَ قد كتب إِلَى أبي جَعْفَر إِن أَبَا مُسلم استأذنني فِي الْحَج فأذنتُ لَهُ وَهُوَ يُرِيد ولَايَة الْمَوْسِم فاسألني أَنْت فِي الْحَج فَلَا يطْمع أَن يتقدمك فَقدم أَبُو جَعْفَر إِلَى الأنبار وَكَانَ بَين أبي جَعْفَر وَأبي مُسلم من حِين بعث السفاح أَبَا جَعْفَر إِلَى خُرَاسَان ليَأْخُذ عَلَيْهِ الْبيعَة لَهُ وَلأبي جَعْفَر من بعده وَتَوَلَّى أَبُو مُسلم على خُرَاسَان شَيْء فاستخف أَبُو مُسلم إِذْ ذَاك بِأبي جَعْفَر فَلَمَّا قدم أَبُو جَعْفَر الآَن أغرى السفاح بقتل أبي مُسلم فَأذن لَهُ فِي قَتله ثمَّ نَدم فكفه عَن ذَلِك وَسَار أَبُو جَعْفَر إِلَى الْحَج وَمَعَهُ أَبُو مُسلم وَفِي كتاب الأذكياء لأبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ حِكَايَة طريفة عَن خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي أَنه دخل على أبي الْعَبَّاس السفاح وَلَيْسَ عِنْده أحد فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي وَالله مَا زلت مذ قلدك الله تَعَالَى خِلَافَته أطلب أَن أصير إِلَى مثل هَذِه الْخلْوَة فَإِن رأى أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَأْمر بإمساك الْبَاب حَتَّى أفرغ فعل فَأمر السفاح الْحَاجِب بذلك فَقَالَ ابْن صَفْوَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي فَكرت فِي أَمرك وأجلت فكري فِيك فَلم أر أحدا لَهُ قدرَة واتساع فِي الِاسْتِمْتَاع بِالنسَاء مثلك وَلَا أضيق فِيهِنَّ عَيْشًا إِنَّك ملكت نَفسك امْرَأَة من نسَاء الْعَالمين فقصرت نَفسك عَلَيْهَا فَإِن مَرضت مَرضت وَإِن غَابَتْ غبت وَحرمت نَفسك التَّلَذُّذ باستطراف الْجَوَارِي
وَمَعْرِفَة أخلاقهن والتلذذ بِمَا يَشْتَهِي مِنْهُنَّ فَإِن مِنْهُنَّ الطَّوِيلَة الَّتِي تشْتَهي لجسمها والبيضاء الَّتِي تحب لروعتها والسمراء اللعساء والصفراء الذهبية ومولدات الْمَدِينَة والطائف واليمامة ذَوَات الألسن العذبة وَالْجَوَاب الْحَاضِر وَبَنَات الْمُلُوك وَمَا يَشْتَهِي من نضارتهن ولطافتهن وتخلل خَالِد لِسَانه فأطنب فِي صِفَات ضروب الْجَوَارِي وشوقه إلَيْهِنَّ فَلَمَّا فرغ من كَلَامه قَالَ السفاح وَيلك مَلَأت مسامعي مَا أشغل خاطري مَا سلك فِيهَا أحسن من هَذَا فأعدْ على كلامك فقد وَقع مني موقعا فَأَعَادَ خَالِد بِأَحْسَن مِمَّا ابتدأه فَقَالَ لَهُ السفاح انْصَرف فَانْصَرف وَبَقِي السفاح مفكراً فَدخلت عَلَيْهِ أم سَلمَة وَزَوجته وَكَانَ قد حلف ألَا يتَّخذ مَعهَا سَرِيَّة ووفى فَقَالَت إِنِّي أنْكرت مِنْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَهَل حدث شَيْء أَو أَتَاك خبر ارتعت لَهُ قَالَ لَا فَلم تزل بِهِ حَتَّى أخْبرهَا بمقالة خَالِد فَخرجت إِلَى مواليها وأمرتهم بِضَرْب خَالِد قَالَ خَالِد فَخرجت من الدَّار مَسْرُورا بِمَا ألقيت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم أَشك فِي الصِّلَة فَبَيْنَمَا أَنا وَاقِف إِذْ أَقبلُوا يسْأَلُون عني فحققت الْجَائِزَة فَقلت لَهُم هَا أَنا فَاسْتَبق أحدهم بخشبة فغمزت برذوني فلحقني وَضرب عجز البرذون وركضت فيهم واستخفيت فِي منزلي أَيَّامًا وَوَقع فِي قلبِي أَنِّي أتيت من أم سَلمَة فَبينا أَنا ذَات يَوْم جَالس فِي الْمنزل لم أشعر إِلَّا بقومٍ قد هجموا عَليّ فَقَالُوا أجب أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسبق فِي قلبِي أَنه الْمَوْت فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون لم أر دم شيخ أضيع من دمي وَركبت إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأَصَبْته جَالِسا ولحظت فِي الْمجْلس بَيْتا عَلَيْهِ ستور رقاق وَسمعت حسا من خلف السّتْر فأجلسني ثمَّ قَالَ ويجك يَا خَالِد وصفت لي صفة فأعدها عَليّ فَقلت نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلمتك أَن الْعَرَب إِنَّمَا اشْتقت اسْمَ الضرتين من الضَّرَر وَأَن أحدا لم يكن عِنْده من النِّسَاء أَكثر من وَاحِدَة إِلَّا كَانَ فِي ضُر وتنغيص فَقَالَ السفاح لم يكن هَذَا من كلامك أَولا قلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأعلمتك أَن الثَّلَاث من النِّسَاء يدخلنَ على الرجل الْبُؤْس ويشيبن الرَّأْس فَقَالَ السفاح برئتُ من رَسُول الله
إِن كنت سَمِعت هَذَا مِنْك أَو مر فِي حَدِيثك لي قلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وأخبرتك أَن الْأَرْبَع من النِّسَاء شَر مَجْمُوع لصَاحبه
يشبنه ويهرمنه قَالَ اسفاح لَا وَالله مَا سَمِعت هَذَا مِنْك أَولا قلت بلَى وَالله فَقَالَ السفاح أتكذبني قلت فتقتلني نعم وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أبكار الْإِمَاء رجال إِلَّا أَنه لَيْسَ لَهُنَّ خصي قَالَ خَالِد فَسمِعت ضحكاً من خلف السّتْر ثمَّ قلت وَالله وأخبرتك أَن عنْدك رَيْحَانَة قِرْش وَأَنت تطمح بِعَيْنَيْك إِلَى النِّسَاء والجواري فَقيل لي من وَرَاء السّتْر صدقتَ وَالله يَا عماه بِهَذَا حدثته وَلكنه غير حَدِيثك ونطق بِمَا فِي خاطره عَن لسَانك فَقَالَ السفاح مَالك قَاتلك الله قَالَ خَالِد فانسللت وَخرجت فَبعثت لي أم سَلمَة بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وبرذون وتخت ثِيَاب وَقَالَت الزم مَا سمعناه مِنْك ويروى أَنه سهر ذَات لَيْلَة وَعِنْده أنَاس من مُضر وَفِيهِمْ خَالِد بن صَفْوَان بن أهتم التَّمِيمِي الْمَذْكُور وناس من الْيمن فيهم إِبْرَاهِيم بن مخرمَة الْكِنْدِيّ فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس هاتوا فافعلوا ليلتنا بمحادثتكم فَبَدَأَ إِبْرَاهِيم بن مخرمَة فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن أخوالك هم النَّاس وهم الْعَرَب الأول الَّذين كَانَت لَهُم الدُّنْيَا وَكَانَت لَهُم الْيَد الْعليا مَا زَالُوا ملوكاً وأربابا تداولوا الرياسة كَابِرًا عَن كَابر وَآخر عَن أول يلبس آخِرهم سرابيل أَوَّلهمْ يعْرفُونَ الْحَمد ومآثر الْحَمد مِنْهُم النعمانان والحمادان والقابوسان وَمِنْهُم غسيل الْمَلَائِكَة ومَنِ اهتز لمَوْته الْعَرْش وَمِنْهُم مُكَلم الذِّئْب وَمن كَانَ يَأْخُذ كل سفينة غصبَاً وَيجْرِي فِي كل نائية نهبَاً وَمِنْهُم أَصْحَاب التيجان وكماة الفرسان لَيْسَ من نبل وَإِن عظم خطره وَعرف أَثَره من فرس رائع أَو سيف قَاطع أَو مجن واق أَو درع حَصِينَة أَو درة مكنونةَ إِلَّا وهم أَرْبَابهَا وأصحابها إِن حل صيف قروه وَإِن سَأَلَهُمْ سَائل أَعْطوهُ لَا يبلغهم مُكَاثِر وَلَا يطاولهم مطاول وَلَا مفاخر فَمن مثلهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْبَيْت يمَان وَالْحجر يمَان والركن يمَان وَالسيف يمَان فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مَا أرى مُضر تَقول بِقَوْلِك هَذَا وَمَا أَظن خَالِدا يرضى بِمَا ذكرت فَقَالَ خَالِد إِن أذن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأمنت الموجدة تَكَلَّمت فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس تكلم وَلَا ترهب أحدا فَقَالَ خَالِد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خَابَ الْمُتَكَلّم وَأَخْطَأ المقتحم إِذْ قَالَ بِغَيْر علم
ونطق بِغَيْر صَوَاب أَو يفخر على مُضر وَمِنْهُم النَّبِي
وَالْخُلَفَاء من أهل بَيته وَهل أهل الْيمن إِلَّا دابغ جلد أَو قَائِد قرد أَو حائك برد دلّ عَلَيْهِم هدهد وغرقهم جرذ وملكتهم أم ولد وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا لَهُم أَلْسِنَة فصيحة وَلَا سنة صَحِيحَة وَلَا حجَّة تدل على كتاب وَلَا يعْرفُونَ بهَا صَوَاب وَإِنَّهُم لبإحدى الخصلتين إِن جازوا قصدُوا مَا أكلُوا وَإِن حادوا عَن حكمنَا قتلوا ثمَّ الْتفت إِلَى الْكِنْدِيّ فَقَالَ أتفخر بالفرس الراِئع وَالسيف الْقَاطِع والترس الواقي والدرع الحصينة وَأَشْبَاه ذَلِك أَفلا تَفْخَر بأكرم الْأَنَام وَخَيرهمْ مُحَمَّد
فالمن من الله عز وجل عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُم من أَتْبَاعه وأشياعه فمنا نَبِي الله الْمُصْطَفى وَخَلِيفَة الله المرتضى وَلنَا السؤدد والعلا وَفينَا الْعلم والحجا وَلنَا الشّرف الْمُقدم والركن الْأَعْظَم وَالْبَيْت المكرم والجناب الْأَخْضَر وَالْعدَد الْأَكْثَر والعز الْأَكْبَر وَلنَا الْبَيْت الْمَعْمُور والمشعر الْمَشْهُور والسقف الْمَرْفُوع وزمزم وبطحاؤها وجبالها وصحراؤها وحياضها وغياضها وأحجارها وأعلامها ومنابرها وسقايتها وحجابها وسدنة بَيتهَا فَهَل يعدلنا عَادل أَو يبلغ فخرنا قَائِل وَمنا أعظم النَّاس عبد الله بن عَبَّاس أعلم الْبشر الطّيبَة أخباره الْحَسَنَة آثاره وَمنا الْوَصِيّ وَذُو النورين وَمنا الصّديق والفاروق وَمنا أَسد الله وَأسد رَسُوله سيد الشُّهَدَاء حَمْزَة وَمنا ذُو الجناحين جَعْفَر الطيار وَمنا الكماة والفرسان وَمنا الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَمنا عرف الدّين وَمن عندنَا أَتَاكُم الْيَقِين فَمن زاحمنا وزحمناه وَمن عَادَانَا اصطلمناه وَمن فاخرنا فخرناه وَمن بدل سنتنا قَتَلْنَاهُ ثمَّ الْتفت إِلَى الْكِنْدِيّ فَقَالَ كَيفَ علمك بلغات قَوْمك قَالَ إِنِّي بهَا عَالم فَقَالَ مَا الجمحة فِي لغتكم قَالَ الْعين قَالَ فَمَا المبزم قَالَ السن قَالَ فَمَا الشناتر قَالَ الْأَصَابِع قَالَ فَمَا الصنبارة قَالَ الْأذن قَالَ فَمَا الْقُلُوب قَالَ الذِّئْب قَالَ فَمَا الزب قَالَ اللِّحْيَة قَالَ أفتقرأ كتاب الله تَعَالَى قَالَ نعم قَالَ فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {إنَّا أَنزَلْنَاهُ قرءانا عَرَبيا} يُوسُف 2 وَقَالَ {بلِسَانٍ عَرَبي مُبين} الشُّعَرَاء 195 وَقَالَ جلّ ذكره {وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قوَمِه} إِبْرَاهِيم 4 فَقَالَ عز وجل {السن بِالسِّنِّ وَالْعين بِالْعينِ} الْمَائِدَة 45 وَلم يقل الجحمة بالجحمة
وَقَالَ {يجعَلوُنَ أَصاَبِعهُم فِي آذَانهم} الْبَقَرَة 19 وَلم يقل شناترهم فِي صنابرهم وَقَالَ {وَالسِّنَّ بِاَلسِّن} الْمَائِدَة 45 وَلم يقل المبزم بالمبزم وَقَالَ {فَأكَلَهُ الذِّئْب} وسف 17 وَلم يقل أكله الْقُلُوب وَقَالَ {لَا تَأخذْ بِلِحيتَي} طه 94 وَلم يقل بزبي وَإِنِّي سَائِلك يَا ابْن مخرجة عَن ثَلَاث خِصَال فن أَقرَرت بهَا قهرت وَإِن جحدتها كفرت قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ أتعلم أَن فِينَا نَبِي الله الْمُصْطَفى
قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ أفتعلم أَن فِينَا كتاب الله الْمنزل قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ أفتعلم أَن فِينَا خَليفَة الله المرتضى قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَأَي شَيْء يعدل هَذِه الْخِصَال قَالَ أَبُو الْعَبَّاس اكفف عَنهُ فوَاللَّه مَا رَأَيْت غَلَبَة قطّ أنكَرَ مِنْهَا وَالله مَا فرغت من كلامك يَا أَخا مُضر حَتَّى توهمتُ أَنه سيعرَجُ بسريري إِلَى السَّمَاء ثمَّ أَمر لخَالِد بِمِائَة ألف دِرْهَم وَفِي ابْن خلكان أَن السفاح نظر يَوْمًا إِلَى الْمرْآة وَكَانَ من أجمل النَّاس وجهَاً فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُول كَمَا قَالَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَلَكِنِّي أَقُول اللَّهُمَّ عمرني طَويلا فِي طَاعَتك ممتعَاً بالعافية فَمَا استتم كَلَامه حَتَّى سمع غُلَاما يَقُول لآخر الْأَجَل بيني وَبَيْنك شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام فتطير من كَلَامه وَقَالَ حسبي الله وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَبِه استعنت فَمَا مَضَت الْمدَّة الْمَذْكُورَة حَتَّى أَخَذته الْحمى وَمرض فَمَاتَ بعد شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام بالجدري بالأنبار مدينته الَّتِي بناها وسماها الهاشمية وَهُوَ ابْن إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَقيل ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَحَد لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمُدَّة خِلَافَته أَربع سِنِين وَتِسْعَة أشهر وولادته سنة خمس وَمِائَة وَكَانَ أَبيض مليحَاً جميلا حسن اللِّحْيَة والهيئة