الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَيفَ يصنع فِي ذَلِك فاستعان على هضم جَانب أَخِيه بِصَاحِب مصر يومئذٍ أَحْمد بن طولون وَكَانَ ملكا شجاعاً فاتكاً صَاحب جيوش وجنود كثير الْأَمْوَال والخزائن مُسْتقِلّا بمملكة مصر يَأْخُذ خراجها فكاتبه الْمُعْتَمد وَأمره أَن يُقَاتل أَخَاهُ ليخف أمره ويهون بذلك فجرت بَينهمَا حروب اشْتغل بهَا الْمُوفق عَن أَخِيه الْمُعْتَمد وَصَارَ يواليه تَارَة ويداريه ويباعده تَارَة ويدانيه وَمضى على ذَلِك زمَان والموفق بعد مرهن وَكَانَ للموفق ابْن نجيب اسْمه أَحْمد جعله الْمُوفق ولي عده واستعان بِهِ فِي حروبه وَظَهَرت لَهُ نجابة وَقُوَّة فخشي الْمُوفق على نَفسه وعَلى أحيه الْمُعْتَمد لما رأى من شجاعته وبسالته فأودعه بطن الْحَبْس ووكل بِهِ من يَثِق بِهِ فِي أمره وَاسْتمرّ مَحْبُوسًا إِلَى أَن اشْتَدَّ حَال الْمُوفق فِي الْمَرَض فبادر غلمانه إِلَى الْحَبْس وأخرجوا وَلَده أَحْمد مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُ الْمُوفق قَالَ يَا وَلَدي لهَذَا الْيَوْم خبأتك وَكَانَ ذَلِك قبل مَوته بِثَلَاثَة وفوض إِلَيْهِ وأوصاه بِعَمِّهِ الْمُعْتَمد خيرا ثمَّ مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام وشمت الْمُعْتَمد بِمَوْت أَخِيه وَظن أَنه استراح وَصفا لَهُ دهره والدهر مَا صفا لأحد من الْبشر وَإِن صروفه تَأتي بالعبر والغير فَمَا حَال عَلَيْهِ الْحول حَتَّى سلب ذَلِك الطول والحول وَلم يكن لَهُ بعد خذلانه النَّاصِر من قُوَّة وَلَا نَاصِر وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من رَجَب سنة تسع وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَأحد عشر شهرا وعمره أَرْبَعُونَ سنة وَسِتَّة أشهر
(خلَافَة المعتضد)
أَحْمد بن الْمُوفق بِاللَّه طلحه بن المتَوَكل بن المعتصم بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد وَفَاة عَمه الْمُعْتَمد فِي تَارِيخ وَفَاته الْمَذْكُور آنِفا أمه أم ولد اسْمهَا صَوَاب كَانَ قَلِيل الرَّحْمَة مهيبا ظَاهر الجبروت وافر الْعقل شجاعَاً
مظفراً دَانَتْ لَهُ الْأُمُور فسالمه كل مُخَالف ومعاند شَدِيد السطوة حسن السياسة يقدم على الْأسد وَحده إِذا غضب على أحد أَلْقَاهُ فِي حُفْرَة وطم عَلَيْهِ التُّرَاب وَله تَصَرُّفَات شَتَّى فِي قتل من غضب عَلَيْهِ أسقط المكوس وَرفع الْمَظَالِم عَن الرّعية وَأظْهر عز الْملك بعد مَا ذل ووهت وجدد ملك بني الْعَبَّاس وَفِي ذَلِك يَقُول عبد الله بن المعتز من // (السَّرِيع) //
(أَمَا تَرَى مُلْك بَنِي هَاشِم
…
عَادَ عَزِيزًا بَعْدَ مَا ذُلِّلا)
(يَا طالِبَ المُلْكِ فَكُنْ مِثْلهُ
…
تسْتَوجِبِ المُلْك وَإِلَاّ فَلَا)
وَفِيه يَقُول أَبُو الْعَبَّاس عَليّ بن الرُّومِي من // (الطَّوِيل) //
(هَنِئًا بَنِي الْعَبَّاسِ إِنَّ إِمَامَكُمْ
…
إِمامُ الْهدَى وَالْبَأْسِ والجودِ أَحْمَدُ)
(كَما بِأَبي العَبَّاسِ أسِّسَ مُلْكُكُمْ
…
كَذَا بِأَبي العَبَّاسِ أيْضًا يُجَدَّدُ)
(إِمَامٌ يظَلُّ الْأَمْسُ يَشْكُو فِرَاقَهُ
…
تأسُّفَ مَلْهُوفٍ وَيَشْتَاقُهُ الْغَدُ)
وَكَانَ مَعَ سطوته وبأسه يتوخى الْعدْل ويبرز الْمَرْأَة فِي صُورَة الجبروت والعسف وَهُوَ فِي ذَلِك محق فِي الْبَاطِن فَمن ذَلِك مَا روى عَن عبد الله بن حمدون قَالَ خرج المعتضد للصَّيْد يَوْمًا وَأَنا مَعَه فَمر بمقثاة فعاث بعض جنود فِيهَا فصاح صَاحبهَا واستغاث بالمعتضد فَأحْضرهُ وَسَأَلَهُ عَن سَبَب صياحه فَقَالَ ثَلَاثَة من غلمانك نزلُوا المقتاه فأخربوها فَأمر عبيده بإحضارهم فَضرب أَعْنَاقهم وَمضى وَهُوَ يحادثني فَقَالَ لي اصدقني مَا الَّذِي تنكره النَّاس من أحوالي فَقلت لَهُ سفكك للدماء فَقَالَ مَا سفكت دمَاً حَرَامًا قطّ فَقلت بِأَيّ ذَنْب قتلت أَحْمد ابْن الطّيب فَقَالَ دَعَاني إِلَى الْإِلْحَاد فَقتلته لما ظهر لي إلحاده لنصرة الدّين فَقلت فالثلاثة الَّذين نزلُوا المقثاة الْآن فَقَالَ وَالله مَا قَتلتهمْ وَإِنَّمَا ثَلَاثَة من قطاع الطّرق وأوهمت النَّاس أَنهم هم ثمَّ أحضر صَاحب الشرطة فَأمره بإحضار الثَّلَاثَة الَّذين نزلُوا المقثاة فأحضرهم وشاهدتهم ثمَّ أَمر بإعادتهم إِلَى الْحَبْس وَهَكَذَا يَنْبَغِي تَدْبِير السياسة وَإِظْهَار النصفة وتخويف الْجند
وإراعابهم وَمِمَّا وَقع فِي أَيَّام المعتضد من عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام زِيَارَة دَار الندوة وَهِي الزِّيَارَة الَّتِي فِي شَامي الْمَسْجِد وَهِي أول الزيادتين وَالْأُخْرَى الَّتِي فِي الْجَانِب الغربي سَيَأْتِي أَن الْآمِر بهَا المقتدر وَبَينهمَا قريب من عشْرين وَلَيْسَت الزِّيَادَة هِيَ عين دَار الندوة بل محلهَا فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن لَا على التَّعْيِين من خلف مقَام الْحَنَفِيّ إِلَى آخر الزِّيَادَة قلت مَا سبق بَيَانه أَن قصياً أول من بنى مَكَّة ثمَّ بنت قُرَيْش بيوتها وَأَن الْبيُوت كَانَت محدقة بِالْكَعْبَةِ وَلها أَبْوَاب شارعة إِلَى المطاف وَبَين كل دارين طَرِيق إِلَى المطاف وَهُوَ هَذِه الْبقْعَة المرخمة يَقْتَضِي أَن دَار الندوة هِيَ مَحل مقَام الْحَنَفِيّ الْآن بِلَا شُبْهَة فَتَأمل ذَلِك وَمن شعر المعتضد قَالَه حِين مرض من // (الطَّوِيل) //
(تَمتَّعْ مِن الدُّنْيأ فإِنَّكَ لَا تبْقى
…
وَخُذْ صفْوهَا مَهْمَا صفتْ وَدَع الرَّنْقَا)
(وَلَا تَأْمَنَنَّ الدَّهْرَ إِنِّي أَمِنْتُهُ
…
فلمْ يُبْقِ لِي حَالاً ولَمْ يَرْعَ لِي حَقَّا)
(قَتلْتُ صَنَادِيدَ الرِّجالِ وَلمْ أَدعْ
…
عدُوًّا وَلَمْ أُمْهِلْ عَلَى حَسَدٍ خَلْقَا)
(وَأَخْلَيْتُ دارَ المُلْكِ عنْ كُلِّ نَازِلٍ
…
وَفَرَّقْتُهُمْ غَربًا وَمَزَّقْتُهُمْ شرْقَا)
(وَلَمَّا بلَغْتُ النَّجْمَ عِزًّا وَرِفْعَةً
…
ودَانتْ رِقابُ الخَلْقِ أجْمع لِي رِقَّا)
(رَمَانِي الرَّدى سهْمًا فأَخْمَدَ جَمْرَتِي
…
فَهأنذا فِي حُفْرَتِي عاجِلاً مُلْقى)
(وَأَفْسَدتُّ دُنْيَايَ وَدِينِي سَفَاهَة
…
فمنْ ذَا الَّذِي مِنِّى بِمَصْرَعِهِ أشْقَى)
(فَيا ليْتَ شِعْرِي بَعْدَ موْتِيَ مَا أَرَى
…
لِرحْمَةِ رَبِّي أَمْ إِلَى نارِهِ أُلْقى)
ثمَّ عهد إِلَى ابْنه عَليّ ولقبه المكتفي بِاللَّه وَأخذ لَهُ الْبيعَة قبل مَوته بِثَلَاثَة أَيَّام