المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مناقب الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٣

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)

- ‌(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)

- ‌(ذكر أقضيته رضي الله عنه

- ‌(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما

- ‌(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)

- ‌(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة)

- ‌(وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(صفة مُعَاوِيَة)

- ‌(ذكر مناقبه)

- ‌(بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة)

- ‌(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)

- ‌(مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد)

- ‌(خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة)

- ‌(وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه)

- ‌(إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ)

- ‌(انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام)

- ‌(بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط)

- ‌(مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير)

- ‌(خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة)

- ‌(خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان)

- ‌(وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره)

- ‌(مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم)

- ‌(شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير)

- ‌(مقتل ابْن زِيَاد)

- ‌(مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه)

- ‌(خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله)

- ‌(مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب)

- ‌(أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا)

- ‌(مقتل عبد الله بن الزبير)

- ‌(ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة)

- ‌(ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق)

- ‌(وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج)

- ‌(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك)

- ‌(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(وَفَاة الْحجَّاج)

- ‌(خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه وأرضاه)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم)

- ‌(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي الدولة العباسية)

- ‌(ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم)

- ‌(قصَّة الشورى)

- ‌(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)

- ‌(خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور)

- ‌(الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى)

- ‌(خلَافَة الْمهْدي)

- ‌(خلَافَة الْهَادِي)

- ‌(خلَافَة هَارُون الرشيد)

- ‌(خلَافَة مُحَمَّد الْأمين)

- ‌(خلَافَة الْمَأْمُون)

- ‌(خلَافَة المعتصم)

- ‌(خلَافَة الواثق بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعين بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المعتز بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُعْتَمد على الله

- ‌(خلَافَة المعتضد)

- ‌(خلَافَة المكتفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المقتدر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة القاهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراضي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتقي لله)

- ‌(خلَافَة المستكفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطيع بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطائع لله)

- ‌(خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة المستظهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المسترشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة أبي عبد الله المقتفي)

- ‌(خلَافَة المستنجد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستضييء بِنور الله)

- ‌(خلَافَة النَّاصِر لدين الله)

- ‌(خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعصم بِاللَّه)

- ‌(شرح حَال التتار)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر)

- ‌(نسب العبيديين بإفريقية)

الفصل: ‌(مناقب الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه)

وَكَانَ خير الرجلَيْن أَرَأَيْت إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ من لي بذراريهم من لي بأمورهم من لي بنسائهم قَالَ فَبعث عبد الرَّحْمَن بن مسيرَة فَصَالح الْحسن مُعَاوِيَة وَسلم الْأَمر لَهُ وَبَايَعَهُ بالخلافة على شُرُوط اشترطها ووثائق وَحمل إِلَيْهِ مُعَاوِيَة مَالا يُقَال خَمْسمِائَة ألف قلت لم أجد تعْيين هَذِه الْخَمْسمِائَةِ ألف هِيَ دَنَانِير أم دَرَاهِم فِيمَا اطَّلَعت عَلَيْهِ من التواريخ وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين قَالَ أَبُو عبد الله الْهَمدَانِي مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو العريف قَالَ لما ورد الْحسن إِلَى الْكُوفَة بعد مبايعة مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ رجل من هَمدَان يُقَال لَهُ أَبُو عَامر السَّلَام عَلَيْك يَا مذل الْمُسلمين فَقَالَ لست بمذل الْمُسلمين وَلَكِنِّي كرهت أَن أقتلكم على الْملك ثمَّ قَالَ لَهُ آخر يَا عَار الْمُسلمين فَقَالَ الْعَار خير من النَّار ثمَّ إِن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَجَعَ مَعَ آل بَيته من الْكُوفَة وَنزل الْمَدِينَة وَسمي هَذَا الْعَام الْمَذْكُور وَهُوَ عَام إِحْدَى وَأَرْبَعين عَام الْجَمَاعَة لِاجْتِمَاع الْأمة على خَليفَة وَاحِد هُوَ مُعَاوِيَة بعد نزُول الْحسن رضي الله عنه لَهُ بهَا ثمَّ دخل مُعَاوِيَة الْكُوفَة وَخرج عَلَيْهِ عبد الله بن أبي الحوساء بالنخلة فسير فَقتله وَخرج عَلَيْهِ بِالْبَصْرَةِ خوارج فَقتل فريقاً وَأمن فريقاً وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك عِنْد ذكر خِلَافَته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

هُوَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو مُحَمَّد سبط النَّبِي

وشبيهه يكنى أَبَا مُحَمَّد أمه فَاطِمَة بنت رَسُول الله

سيدة نسَاء الْعَالمين وَهُوَ سيد شباب أهل الْجنَّة وَرَيْحَانَة النَّبِي

ويلقب بالتقي وَالسَّيِّد ولد منتصف رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة قَالَ أَبُو عمر هَذَا أصح مَا قيل وَقيل فِي شعْبَان وَقيل سنة أَربع وَقيل سنة خمس قَالَ فِي الْإِصَابَة

ص: 84

وَالْأول أثبت سَمَّاهُ النَّبِي

الْحسن وعق عَنهُ يَوْم سَابِع وِلَادَته وَحلق شعر رَأسه وَتصدق بزنة شعره فضَّة وَهُوَ خَامِس أهل الكساء وَقَالَ أَبُو أَحْمد العسكري سَمَّاهُ النَّبِي

الْحسن وكناه أَبَا مُحَمَّد وَلم يكن يعرف هَذَا الِاسْم فِي الْجَاهِلِيَّة وروى عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن الْفضل قَالَ إِن الله تَعَالَى حجب اسْم الْحسن وَالْحُسَيْن حَتَّى سمي بهما النَّبِي

ابنيه الْحسن وَالْحُسَيْن قَالَ فَقلت لَهُ وَالَّذِي بِالْيمن قَالَ ذَاك حسن بِسُكُون السِّين وحَسِين بِفَتْح الْحَاء وَكسر السِّين وَلَا يعرف قبلهمَا إِلَّا اسْم رَملَة فِي بِلَاد ضبة قَالَ ابْن غنمة من // (الوافر) //

(لِأُمِّ الأرضِ ويلٌ مَا أجنَّتْ

غداةَ أَضَرِّ بالحَسَنِ السَّبِيلُ)

وَعِنْدهَا قتل بسطَام بن قيس الشَّيْبَانِيّ قَالَ عَليّ لما ولد الْحسن رضي الله عنهما قَالَ رَسُول الله

أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حسن فَلَمَّا ولد الْحُسَيْن قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن فَلَمَّا ولد الثَّالِث قَالَ أروني ابْني مَا سميتموه قلت حَربًا قَالَ بل هُوَ حُسَيْن ثمَّ قَالَ سميتهم بأسماء ولد هَارُون شبر وشيبر ومشبر وفضائله كَثِيرَة مَشْهُورَة ولي الْخلَافَة بعد أَبِيه رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِعشر لَيَال بَقينَ من رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة سِتَّة أشهر وَبَايَعَهُ أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفَاً ثمَّ نزل عَنْهَا لمعاوية فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين من الْهِجْرَة وَقيل لخمس بَقينَ من ربيع الأول وَقيل فِي ربيع الآخر قَالَ ابْن الْأَثِير قَول من قَالَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين أصح مَا قيل فِيهِ وَأما من قَالَ فِي نُزُوله سنة أَرْبَعِينَ فقد وهم وَكَانَ نُزُوله مصداق قَول جده

إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من

ص: 85

الْمُسلمين وَأي شرف أعظم من شرف من سَمَّاهُ النَّبِي

سيداً وروى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ والدولابي عَن قَابُوس بن الْمخَارِق قَالَ إِن أم الْفضل قَالَت لرَسُول الله

رَأَيْت كَأَن عضوا من أعضائك فِي بَيْتِي فَقَالَ رَسُول الله

خيرا رَأَيْت تَلد فَاطِمَة غُلَاما فترضعينه بِلَبن ابْنك قثم فَولدت حسنَاً فأرضعته بِلَبن قثم قَالَت فَجئْت بِهِ يَوْمًا إِلَى النَّبِي

فَوَضَعته فِي حجره فَضرب كتفه فَقَالَ النَّبِي

لم أرضعت ابْني يَرْحَمك الله وروى الإِمَام أَحْمد والشيخان وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أُسَامَة بن زيد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضا وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله

قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يُحِبهُ وروى الشَّيْخَانِ وَابْن حبَان عَن الْبَراء رضي الله عنه قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما على عاتق رَسُول الله

وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وروى البُخَارِيّ عَن أُسَامَة بن زيد أَن رَسُول الله

كَانَ يَأْخُذ الْحسن وَالْحُسَيْن وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أحبهما فأحبهما وروى التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُول الله

حَامِلا لِلْحسنِ على عَاتِقه فَقَالَ رجل نعم الْمركب ركبت فَقَالَ

نعم الرَّاكِب هُوَ

ص: 86

وروى الإِمَام أَحْمد فِي المناقب عَن أبي زهر بن الأرقم رجل من الأزد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله

يَقُول لِلْحسنِ بن عَليّ من أَحبَّنِي فليحبه فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَلَوْلَا عَزِيمَة رَسُول الله

مَا حدثتكم وروى الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله

قَالَ من أَحبَّنِي فليحب هَذَا يَعْنِي الْحسن وروى ابْن حبَان عَن أُسَامَة ابْن زيد قَالَ كَانَ رَسُول الله

يقعدني على فَخذه وَيقْعد الْحسن على فَخذه الْآخِرَة وَيَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أرحمهما فارحمهما وروى الدولابي عَن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن مولى بني هَاشم ن النَّبِي

رأى الْحسن مُقبلا فَقَالَ اللَّهُمَّ سلمه وَسلم مِنْهُ وروى أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قل لَا زلت أحب هَذَا الرجل يَعْنِي حسنا بَعْدَمَا رَأَيْت رَسُول الله

يصنع بِهِ مَا يصنع رَأَيْت الْحسن فِي حجر رَسُول الله

وَهُوَ يدْخل لِسَانه فِي فَمه أَو لِسَان الْحسن فِي فَمه ثمَّ قَالَ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ وَأحب من يجبهُ وروى الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه رأى الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما فِي بعض طرق الْمَدِينَة فَقَالَ اكشف عَن بَطْنك فدَاك أبي حَتَّى أقبل حَيْثُ كَانَ رَسُول الله

يقبل فكشف لَهُ عَن بَطْنه فَقبل سرته وروى ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو بكر الشَّافِعِي عَن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قَالَ رَأَيْت الْحسن بن عَليّ يَأْتِي رَسُول الله

وَهُوَ ساجد قيركبه على ظَهره فَمَا ينزله حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي ينزل وَيَأْتِي وَهُوَ رَاكِع فيفرج لَهُ بَين رجلَيْهِ حَتَّى يخرج من الْجَانِب الآخر

ص: 87

وروى أَبُو سعيد الْأَعرَابِي عَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ جَاءَ الْحسن إِلَى النَّبِي

وَهُوَ ساجد فَركب على ظَهره فَأَخذه النَّبِي

بِيَدِهِ فأقامه على ظَهره ثمَّ ركع ثمَّ أرْسلهُ فَذهب وروى ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْيَقِين عَن مُحَمَّد بن معشر الْيَرْبُوعي قَالَ قَالَ عَليّ لِلْحسنِ ابْنه رضي الله عنهما كم بَين الْإِيمَان وَالْيَقِين قَالَ أَربع أَصَابِع قَالَ بَين قَالَ الْيَقِين مَا رَأَتْهُ عَيْنك وَالْإِيمَان مَا سمعته أُذُنك وصدقت بِهِ قَالَ عَليّ أشهد أَنَّك مِمَّن أَنْت مِنْهُ ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وروى الدولابي عَن زيد بن الْحسن رَضِي لله عَنْهُمَا قَالَ خطب الْحسن رضي الله عنه النَّاس حِين قتل أَبوهُ رضي الله عنه فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لقد قبض فِي هَذِه اللَّيْلَة رجل لم يسْبقهُ الْأَولونَ وَلم يشركهُ الْآخرُونَ وَكَانَ رَسُول الله

يُعْطِيهِ الرَّايَة فَيُقَاتل جِبْرِيل عَن يَمِينه وميكائْيل عَن يسَاره فَمَا يرجع حَتَّى يفتح الله عز وجل عَلَيْهِ مَا ترك ظهر الأَرْض صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا أَرْبَعمِائَة دِرْهَم فضلت من عطائه أَرَادَ أَن يبْتَاع بهَا خَادِمًا لأَهله ثمَّ قَالَ يَا أَيهَا النَّاس مَنْ عرفني فقد عرفني وَمن لم يعرفنِي فَأَنا الْحسن بن عَليّ وَأَنا ابْن الْوَصِيّ وَأَنا ابْن البشير وَأَنا ابْن الْمُنْذر وَأَنا ابْن الدَّاعِي إِلَى الله بِإِذْنِهِ والسراج الْمُنِير وَأَنا من أهل الْبَيْت الَّذين افْترض الله محبتهم على كل مُسلم فَقَالَ تبارك وتعالى لنَبيه

{قُل لَا أَسأَلكُم عليهِ أجرا إِلَّا المَودةَ فِي اَلقُربى وَمَن يَقتَرِف حسنَةَ نزد لَه فِيهَا حُسناً} الشورى 23 فاقتراف الْحَسَنَة مودتنا أهل الْبَيْت قَالَ صَاحب السِّيرَة الشامية بَايعه أَكثر من أَرْبَعِينَ ألفا وَقَالَ صَالح ابْن الإِمَام أَحْمد سَمِعت أبي يَقُول بَايع الْحسن تسعون ألفا بِتَقْدِيم التَّاء فَترك الْخلَافَة وَصَالح مُعَاوِيَة لما سَار إِلَيْهِ من الشَّام وَسَار إِلَى مُعَاوِيَة فَلَمَّا تقاربا أرسل إِلَى

ص: 88

مُعَاوِيَة يبْذل لَهُ تَسْلِيم الْأَمر على أَن تكون الْخلَافَة لَهُ بعده وعَلى أَلا يطْلب أحدا من أهل الْمَدِينَة والحجاز بِشَيْء مِمَّا كَانَ فِي أَيَّام بني أُميَّة وَغير ذَلِك وَظَهَرت المعجزة النَّبَوِيَّة فِي قَوْله

إِن ابْني هَذَا سيد وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين وَلم يسفك فِي أَيَّامه محجمة دم وَهِي نَحْو سَبْعَة أشهر وَكَانَ صلحهما لخمس بَقينَ من ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقيل فِي النّصْف من جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة على الْخلاف الْمُتَقَدّم فِي ذَلِك فَإِن مُدَّة الْخلَافَة الَّتِي ذكرهَا عليه الصلاة والسلام انْتَهَت بخلافته وَلم يبْق إِلَّا الْملك وَقد صان الله تَعَالَى أهل الْبَيْت مِنْهُ قَالَ أَبُو بشر الدولابي أَقَامَ الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْكُوفَةِ إِلَى ربيع الأول سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَقتل عبد الرَّحْمَن بن ملجم لَعنه الله تَعَالَى وَيُقَال إِنَّه ضربه بِالسَّيْفِ فاتقاه بِيَدِهِ فندرت وَقَتله ثمَّ سَار إِلَى مُعَاوِيَة فَالْتَقَيَا ب مسكن من أَرض الْكُوفَة كَمَا تقدم نقل ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ واصطلحا وَسلم إِلَيْهِ الْأَمر وَبَايع لَهُ لخمس بَقينَ من ربيع الأول من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَأخذ مِنْهُ خَمْسمِائَة ألف كَمَا تقدم ذَلِك عَن الذَّهَبِيّ وروى الْحَافِظ أَبُو نعيم وَغَيره عَن الشّعبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ أما بعد فَإِن أَكيس الْكيس التقي وأحمق الْحمق الْفُجُور وَإِن هَذَا الْأَمر الَّذِي اخْتلفت عَلَيْهِ أَنا وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا هُوَ حق لامرئ فَإِن كَانَ لَهُ فَهُوَ أَحَق بِحقِّهِ وَإِن كَانَ لي فقد تركته لَهُ إِرَادَة صَلَاح الْأمة وحقن دِمَائِهِمْ {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} الْأَنْبِيَاء 111 ثمَّ نزل قلت رَأَيْت فِي المَسْعُودِيّ أَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَشَارَ على مُعَاوِيَة أَن يَأْمر الْحسن فيخطب فكره مُعَاوِيَة ذَلِك فألزمه عَمْرو وَقَالَ أُرِيد أَن يَبْدُو عيه فِي النَّاس فَإِنَّهُ يتَكَلَّم فِي أُمُور لَا يدْرِي مَا هِيَ فَأمر مُعَاوِيَة الْحسن فَقَامَ وَتشهد فِي بديهته ثمَّ

ص: 89

قَالَ يَا أهل الْكُوفَة لَو لم تذهل نَفسِي إِلَّا لثلاث لذهلت مقتلكم أبي ونهبكم رحلي وطعنكم فَخذي وَإِنِّي قد بَايَعت مُعَاوِيَة فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا وَمن مناقبه وجوده وزهه فِي الدُّنْيَا قَوْله إِنِّي لأَسْتَحي من الله عز وجل أَن أَلْقَاهُ وَلم أمش إِلَى بَيته فَمشى عشْرين حجَّة من لمدينة على رجلَيْهِ وَإِن الجنائب لتقاد بَين يَدَيْهِ وَخرج من مَاله مرَّتَيْنِ وقاسم الله ثَلَاث مَرَّات حَتَّى إِنَّه كَانَ يُعْطي نعلا ويمسك نعلا وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين رُبمَا كَانَ يُجِيز الْوَاحِد بِمِائَة ألف وَاشْترى حَائِطا من قوم من الْأَنْصَار بأربعمائة ألف وَإنَّهُ بلغه أَنهم احتاجوا إِلَى مَا فِي أَيدي النَّاس فَرده إِلَيْهِم وَلم يقل لسائل قطّ لَا وَلَا يأنس بِهِ أحد فيدعه يحْتَاج إِلَى غَيره وَرَأى غُلَاما أسود يَأْكُل من رغيف لقْمَة وَيطْعم كلبَاً هُنَالك لقْمَة فَقَالَ مَا يحملك على هَذَا فَقَالَ الْغُلَام إِنِّي أستحي أَن آكل وَلَا أطْعمهُ فَقَالَ الْحسن لَا تَبْرَح حَتَّى آتِيك فَذهب إِلَى سَيّده فَاشْتَرَاهُ وَاشْترى الْحَائِط الَّذِي هُوَ فِيهِ وَأعْتقهُ وَملكه الَحائط فَقَالَ الْغُلَام يَا مولَايَ قد وهبت الْحَائِط للَّذي وهبتني إِلَيْهِ وَكَانَ الْحسن سيداً حَلِيمًا زاهدَاً عاقلَا فَاضلا فصيحَاً ذَا سكينَة ووقار جواداً يكره الْفِتَن وَسَفك الدِّمَاء دَعَاهُ ورعه وزهده إِلَى ترك الْخلَافَة وَقَالَ خشيت أَن يجئَ يَوْم الْقِيَامَة سَبْعُونَ ألفَاً أَو أَكثر تنضح أوداجهم دَمًا وَكَانَ من أحسن النَّاس وجهَاً وَأكْرمهمْ وأجودهم وأطيبهم كلَاما وَأَكْثَرهم حَيَاء وَكَانَ أَكثر دهره صَائِما وَكَانَ فعله يسْبق قَوْله فِي المكارم والجود وَكَانَ كثير الأفضال على إخوانه لَا يغْفل عَن أحد مِنْهُم وَلَا يحوجه إِلَى أَن يسْأَله بل يتَقَدَّم بالعطاء قبل السُّؤَال وَقَالَ لأَصْحَابه إِنِّي أخْبركُم عَن أخٍ كَانَ من أعظم النَّاس فِي عَيْني وَكَانَ الَّذِي عظمه فِي عَيْني صغر الدُّنْيَا فِي عينه كَانَ خَارِجا عَن سُلْطَان بطشه فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يجد وَلَا يكثر إِذا وجد انْتهى وَمَا سمع من الْحسن كلمة فحش قطّ وَأعظم مَا سمع مِنْهُ أَنه كَانَ بَينه وَبَين شخص خُصُومَة فَقَالَ إِنَّه لَيْسَ عندنَا إِلَّا مَا رغم أَنفه قلت هَذَا الشَّخْص الْمُبْهم

ص: 90

هُوَ مَرْوَان بن الحكم الْأمَوِي وَقيل لَهُ إِن أَبَا ذَر يَقُول الْفقر أحب إليّ من الْغنى والسقم أحب إِلَيّ من الصِّحَّة فَقَالَ رحم الله أَبَا ذَر أما أَنا فَأَقُول من اتكل على حسن اخْتِيَار الله عز وجل لم يتمن غير الْحَالة الَّتِي اخْتَارَهَا لله عز وجل وَهَذَا حد الْوُقُوف على الرِّضَا بِمَا يصرف بِهِ الْقَضَاء وَمن كَلَامه رضي الله عنه كم فِي الدُّنْيَا بيدنك وَفِي الْآخِرَة بقلبك وَكَانَ يَقُول لِبَنِيهِ وَبني أَخِيه تعلمُوا الْعلم فَمن لم يسْتَطع مِنْكُم أَن يحفظه أَو قَالَ يرويهِ فليكتبه وليضعه فِي بَيته وَرَأى سيدنَا أَبُو بكر الْحسن رضي الله عنهما وَهُوَ يلْعَب مَعَ الصّبيان فَحَمله أَبُو بكر على عَاتِقه وَقَالَ بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيها بعلي وَعلي رضي الله عنه يبتسم وَقد كَانَ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه يجله ويعظمه ويحترمه ويكرمه وَكَذَلِكَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَقد جَاءَ الْحسن وَالْحُسَيْن يَوْم الدَّار وَعُثْمَان مَحْصُور ومعهما السِّلَاح ليقاتلا عَن عُثْمَان فخشي عُثْمَان عَلَيْهِمَا وَأقسم عَلَيْهِمَا ليرجعان إِلَى منازلهما تطييباً لقلب عَليّ وخوفاً عَلَيْهِمَا وَكَانَ عَليّ رضي الله عنه وكرم وَجهه أرسلهما وَأَمرهمَا بذلك وَكَانَ عَليّ يكرم الْحسن إِكْرَاما زَائِدا ويعظمه ويبجله وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَأْخُذ الركاب لِلْحسنِ وَالْحُسَيْن إِذا ركبا وَيرى هَذَا مِنَ النعم وَكَانَ إِذا طافا بِالْبَيْتِ يكَاد النَّاس يحطمونهما مِما يزدحمون عَلَيْهِمَا للسلام عَلَيْهِمَا رضي الله عنهما وأرضاهما وَكَانَ عبد الله بن الزبير يَقُول وَالله مَا قَامَت النِّسَاء عَن مثل الْحسن قَالَ البهيقي فِي كِتَابه المحاسن والمساوى أَتَى الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما إِلَى مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَقد سبقه ابْن عَبَّاس فَأمر مُعَاوِيَة بإنزالهما فِي مَحل فأنزلا فَبَيْنَمَا مُعَاوِيَة مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ ومروان بن الحكم وَزِيَاد بن أَبِيه يتذاكرون قديمهم وحديثهم ومجدهم إِذْ قَالَ مُعَاوِيَة أَكثرْتُم الْفَخر فَلَو حر الْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس لقصرا من أعينكُم

ص: 91

فَقَالَ زِيَاد وَكَيف ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يقومان لمروان فِي غرب مَنْطِقه وَلَا لنا فِي بواذخنا فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا حَتَّى تسمع كَلَامهمَا فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو مَا تَقول قَالَ هَذَا إِلَيْك فَابْعَثْ إِلَيْهِمَا فِي غَد فَبعث مُعَاوِيَة ابْنه يزِيد إِلَيْهِمَا فَأتيَاهُ فدخلا عَلَيْهِ وَبَدَأَ مُعَاوِيَة فَقَالَ إِنِّي أجلكما وَأَرْفَع قدركما عَن المسامرة بِاللَّيْلِ وَلَا سِيمَا أَنْت يَا أَبَا مُحَمَّد فَإنَّك ابْن رَسُول الله

وَسيد شباب أهل الْجنَّة فتشكرا لَهُ فَلَمَّا اسْتَويَا فِي مجلسهما وَعلم عَمْرو أَن الجرة ستقع بِهِ قَالَ وَالله لَا بُد أَن أَقُول فَإِن قهرت فسبيلي ذَاك وَإِن قهرت أكون قد ابتَدأت فَقَالَ يَا حسن إِنَّا تفاوضنا فَقُلْنَا إِن رجال بني أُميَّة أَصْبِر عِنْد اللِّقَاء وأمضى فِي الوغى وأوفى عهدا وَأكْرم خيما وَأَمْنَع ذمارَاً لما وَرَاء ظُهُورهَا من بني عبد الْمطلب ثمَّ تكلم مَرْوَان فَقَالَ وَكَيف لَا نَكُون كَذَلِك وَقد قارعناكم فغلبناكم وحاربناكم فملكناكم فَإِن شِئْنَا عَفَوْنَا وَإِن شِئْنَا بطشنا ثمَّ تكلم زِيَاد فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينكروا الْفضل لأَهله ويجحدوا الْخَيْر فِي مظانه نَحن الحملة فِي الحروب وَلنَا الْفضل على سَائِر النَّاس قديمَاً وحديثاً فَتكلم الْحسن رضي الله عنه فَقَالَ لَيْسَ من الْعَجز أَن يصمت الرجل عِنْد إِيرَاد الْحجَّة وَلَكِن من الْإِفْك أَن ينْطق بالخنا ويصور الْبَاطِل بِصُورَة الْحق يَا عَمْرو افتخاراً بِالْكَذِبِ وجرأة على الْإِفْك وَمَا زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرّة وَأمْسك أُخْرَى فتأبى إِلَّا انهماكاً فِي الضَّلَالَة أَتَذكر مصابيح الدجى وأعلام الْهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وَأَبْنَاء الطعان وربيع الضيفان ومعدن النُّبُوَّة ومهبط الْعلم وزعمتم أَنكُمْ أحمى لما وَرَاء ظهوركم وَقد تبين ذَلِك يَوْم بدر حِين نكصت الْأَبْطَال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث واعتركت الْمنية وَقَامَت رحاها على قطبها وافترت عَن نابها وطار شرار الْحَرْب فَقَتَلْنَا رجالكم

ص: 92

وَمن النَّبِي

على دراريكم فكنتم لعمري فِي هَذَا الْيَوْم غير مانعين لما وَرَاء ظهوركم ثمَّ قَالَ وَمَا أَنْت يَا مَرْوَان فَمَا أَنْت والإكثار فِي قُرَيْش وَأَنت طليق وَأَبُوك طريد تنْقَلب من خزية إِلَى سوءة وَلَقَد جئ بك إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا رَأَيْت الضرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه كَمَا قَالَ // (من الْكَامِل) //

(ليثٌ إِذا سَمِعَ الليوثُ زئيرَه

بَصْبَصْنَ ثمَّ قذفْنَ بالأبعارِ)

فَلَمَّا من عَلَيْك بِالْعَفو وأرخى خناقك بعد مَا ضَاقَ عَلَيْك وغصصت بريقك لَا تقعد منا مقْعد أهل الشُّكْر وَلَكِن تساوينا وتحاربنا وَنحن مِمَّن لَا يدركنا عَار وَلَا تلحقنا خزاية ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ وَمَا أَنْت يَا زِيَاد وقريشاً مَا أعرف لَك فِيهَا أديماً صَحِيحا وَلَا فرعا ثابتَاً وَلَا قَدِيما بائتَاً وَلَا منصباً كريمَاً كَانَت أمك بغيا تداولها رجالات قُرَيْش وفجر الْعَرَب فَلَمَّا ولدت لم يعرف لَك الْعَرَب والداً فادعاك هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة بعد ممات أَبِيه مَا لَك افتخار تكفيك سميَّة وَيَكْفِيك رَسُول الله

وَأبي عَليّ بن أبي طَالب سيد الْمُؤمنِينَ الَّذِي لم يرْتَد على عَقِبَيْهِ وَحَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وجعفر الطيار وَأَنا وَأخي سيدا شباب أهل الْجنَّة ثمَّ الْتفت إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ يَا بن عَم إِنَّمَا هِيَ بغاث الطير انقض عَلَيْهَا أجدل فَأَرَادَ ابْن عَبَّاس أَن يتَكَلَّم فأقسم عَلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن يكف فَكف ثمَّ خرجا فَقَالَ مُعَاوِيَة أَجَاد عَمْرو الْكَلَام لَوْلَا أَن حجَّته دحضت وَقد تكلم مَرْوَان لَوْلَا أَنه يكفر ثمَّ الْتفت إِلَى زِيَاد فَقَالَ مَا دعَاك إِلَى محاورتهما مَا كنت إِلَّا كالحجل فِي كف الْعقَاب فَقَالَ عَمْرو لمعاوية أَلا رميت من وَرَائِنَا فَقَالَ مُعَاوِيَة إِذا أشرككم فِي الْجَهْل أفاخر رجلا رَسُول الله جده وَهُوَ سيد من مضى وَمن بَقِي وَأمه فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين ثمَّ قَالَ لعَمْرو وَالله لَئِن سمع بِهِ أهل الشَّام لهى السوأة السوءاء فَقَالَ عَمْرو لقد أبقى عَلَيْك وَلكنه طحن مَرْوَان وزياداً طحن الرَّحَى يثفالها وَوَطئهَا وَطْء البازل القراد بمنسمه

ص: 93

فَقَالَ زِيَاد قد وَالله فعل وَلَكِن مُعَاوِيَة يَأْبَى إِلَّا الإغراء بَيْننَا وَبينهمْ لَا جرم وَالله لَا شهِدت مَجْلِسا يكونَانِ فِيهِ إِلَّا كنت مَعَهُمَا عَليّ من فاخرهما فَخَلا ابْن عَبَّاس بالْحسنِ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ أفديك يَا بن عَم وَالله مَا زَالَ بحرك يزْجر وَأَنت تصور حَتَّى شفيتني من أَوْلَاد البغايا ثمَّ إِن الْحسن رضي الله عنه غَابَ أَيَّامًا ثمَّ رَجَعَ حَتَّى دخل على مُعَاوِيَة وَعِنْده عبد الله بن الزبير فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا مُحَمَّد إِنِّي أَظُنك تعباً نصبَاً فأت الْمنزل فأرح نَفسك فَقَامَ الْحسن فَلَمَّا خرج قَالَ مُعَاوِيَة لعبد الله بن الزبير لَو افتخرت على الْحسن فَإنَّك ابْن حوارِي رَسُول الله

وَابْن عمته ولأبيك فِي الْإِسْلَام نصيب وافر فَقَالَ ابْن الزبير أَنا لَهُ فَرجع وَهُوَ يطْلب ليلته الْحجَج فَلَمَّا أصبح دخل على مُعَاوِيَة وَجَاء الْحسن رضي الله عنه فحياه مُعَاوِيَة وَسَأَلَهُ عَن مبيته فَقَالَ خير مبيت وَأكْرم مستفاض فَلَمَّا اسْتَوَى بِهِ مَجْلِسه قَالَ ابْن الزبير لَوْلَا أَنَّك خوار فِي الْحَرْب غير مِقْدَام مَا سلمت الْأَمر لهَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة وَكنت لَا تحْتَاج إِلَى اختراق الْآفَاق وَقطع المفاوز تطلب معروفه وَتقوم بِبَابِهِ وَكنت حريُّاً أَلا تفعل ذَلِك وَأَنت ابْن عَليّ ونائبه ونجدته فَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي حملك على ذَلِك ضعف رَأْي أم وهدة مخبر فَمَا أَظن لَك مخرجا من هَاتين الخليتين أما وَالله لَو استجمع لي مَا استجمع لَك لعَلِمت أَنِّي ابْن الزبير وَأَنِّي لَا أنكس عَن الْأَبْطَال وَكَيف لَا أكون كَذَلِك وجدتي صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب وَأبي الزبير جواري رَسُول الله

وَأَشد النَّاس بَأْسا وَأكْرمهمْ حسبَاً فِي الْجَاهِلِيَّة وألوطهم برَسُول الله

فَالْتَفت إِلَيْهِ الْحسن وَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن بني أُميَّة تنسبني إِلَى الْعَجز عَن الْمقَال لكففت عَنْك تهازيَاً وَلَكِن سأبين ذَلِك لتعلم أَنِّي لست بالعي وَلَا الكليل اللِّسَان إيَّايَ تعير وَعلي تفتخر وَلم يكن لجدك بَيت فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا مكرمَة فَزَوجهُ جدي صَفِيَّة فتفاخر على جَمِيع الْعَرَب بهَا وَشرف بمكانتها فَكيف تفاخر من هُوَ من القلادة واسطتها وَمن الْأَشْرَاف سادتها نَحن أكْرم أهل الأَرْض لنا

ص: 94

الشّرف الثاقب وَالْكَرم الْغَالِب ثمَّ تزْعم أَنِّي سلمت الْأَمر فَكيف يكون وَيحك كَذَلِك وَأَنا ابْن أَشْجَع الْعَرَب وَقد ولدتني فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين لم أفعل وَيحك ذَلِك جببنا وَلَا ضعفا وَلكنه بايعني مثلك وَهُوَ يطلبني بترة ويداجيني الْمَوَدَّة فَلم أَثِق بنصرته لأنكم أهل بَيت غدر وَكَيف لَا يكون كَمَا أَقُول وَقد بَايع أَبوك أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ نكث بيعَته ونكص على عقيبة واختدع حشية من حشايا رَسُول الله

ليضل بهَا النَّاس فَلَمَّا خلف إِلَى الأعنة قتل بمضيعة لَا نَاصِر لَهُ وأتى بك أيسرا وَقد وَطئتك الكماة بأظلافها وَالْخَيْل بسنابكها واعتلاك الأشتر فغصصت بريقك وأقيعت على عقبيك كَالْكَلْبِ إِذا احتوشته الليوث فَنحْن وَيحك نور الْبِلَاد وملاكها وبنا يفتخر الْأَئِمَّة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة أتصول وَأَنت بمختدع الشَّاء ثمَّ أَنْت تفتخر على بني الْأَنْبِيَاء لم تزل الْأَقَاوِيل منا مَقْبُولَة وَعَلَيْك وعَلى أَبِيك مَرْدُودَة دخل النَّاس فِي دين جدي طائعين وكارهين ثمَّ بَايعُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسَارُوا إِلَى أَبِيك وَطَلْحَة حِين نَكثا الْبيعَة وخدعا عرس رَسُول الله

فَقتل أَبوك وَطَلْحَة وأتى بك أسيرَاً فبصبصت بذنبك وَنَاشَدْته الرَّحِم أَلا يقتلك فَعَفَا عَنْك فَأَنت عتاقة أبي وَأَنا سيدك وَسيد أَبِيك فذق وبال أَمرك فَقَالَ ابْن الزبير اعذرنا يَا أَبَا مُحَمَّد فَإِنَّمَا حَملَنِي على محاورتك هَذَا وَأحب الإغراء بَيْننَا فَهَلا إِذْ جهلتُ أَمْسَكت عني فَإِنَّكُم أهل بيتَ سجيتكم الْحلم وَالْعَفو فَقَالَ الْحسن يَا مُعَاوِيَة انْظُر هَل أكيع عِنْد محاورة أحد وَيحك أَتَدْرِي من أَي شَجَرَة أَنا وَإِلَى من أَنْتَهِي انته قبل أَن أسمك بميسم تَتَحَدَّث بِهِ الركْبَان فِي الْآفَاق والبلدان فَقَالَ ابْن الزبير هُوَ لذَلِك أهل فَقَالَ مُعَاوِيَة فَلَا أَرَاك تفتخر على أحد بعْدهَا وَاسْتَأْذَنَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا على مُعَاوِيَة فَأذن لَهُ وَعِنْده عبد الله بن جَعْفَر وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَلَمَّا أقبل قَالَ عَمْرو قد جَاءَكُم الأقدُّ العييُ

ص: 95

الَّذِي كَأَن بَين لحييْهِ عبلة فَقَالَ عبد الله بن جَعْفَر مَه فوَاللَّه لقد رمت صَخْرَة ململمة تنحط عَنْهَا السُّيُول وتقصر دونهَا الوعول وَلَا تبلغها السِّهَام فإياك وَالْحسن إياك فَإنَّك لَا تزَال راتعاً فِي لحم رجل من قُرَيْش وَلَقَد رميت فَمَا برح سهمك وقدحت فَمَا أورى زندك فَسمع الْحسن الْكَلَام فَلَمَّا أَخذ النَّاس مجَالِسهمْ قَالَ الْحسن يَا مُعَاوِيَة لَا يزَال عنْدك عبدا راتعاً فِي لُحُوم النَّاس أما وَالله لَئِن شِئْت لَيَكُونن بَيْننَا مَا تتفاقم فِيهِ الْأُمُور وتحرج مِنْهُ الصُّدُور ثمَّ أنشأ يَقُول من // (الوافر) //

(أتأْمُرُ يَا معاويَ عَبْدَ سهمٍ

بشتْمِي والملا مِنَّا شهودُ)

(إِذا أخذَتْ مجالسَهَا قريشٌ

فقدْ عامَتْ قريشٌ مَا تريدُ)

(قَصَرتْ إليَّ تَشْتِمني سفاهاً

لضغْنٍ مَا يزولُ وَمَا يبيدُ)

(فَمَا لَكَ مِنْ أبٍ كَأبي تسامي

بِهِ مَنْ قد تسامي أَو تكيدُ)

(وَلَا جَدُّ كجدِّي يَابْنَ هندٍ

رسولُ الله إِن ذكِر الجدودُ)

(وَلَا أمِّ كأمي مِنْ قريشٍ

إِذا مَا حُصِّلَ الحسبُ التليدُ)

(فَمَا مِثْلِي تهكّم يابنَ هنْدٍ

وَلَا مثلي تُجَارِيهِ العبيدُ)

(فمهلا لَا تَهِجْ مني أمورَاً

يشيبُ لَهَا مُعَاوِيَة الوليدُ)

وَذكروا أَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لمعاوية ذَات يَوْم ابْعَثْ إِلَى الْحسن بن عَليّ فمره أَن يخْطب فَلَعَلَّهُ أَن يحصر فَيكون ذَلِك مِمَّا يعير بِهِ فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فأصعده الْمِنْبَر وَقد جمع لَهُ النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس من عرفني فَأَنا الَّذِي يعرف وَمن لم يعرفنني فَأَنا الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب ابْن عَم النَّبِي

أَنا ابْن البشير النذير السراج الْمُنِير أَنا ابْن من بعث رَحْمَة للْعَالمين وسخطاً على الْكَافرين أَنا ابْن من بعث إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس أَنا ابْن المستجاب الدعْوَة أَنا ابْن الشَّفِيع المطاع أَنا ابْن أول من ينفض رَأسه من التُّرَاب أَنا ابْن أول من يقرع بَاب الْجنَّة أَنا ابْن من قَاتَلت مَعَ الْمَلَائِكَة نصر بِالرُّعْبِ من مسيرَة شهر فافتن فِي هَذَا الْكَلَام وَلم يزل حَتَّى أظلمت الدُّنْيَا غلى مُعَاوِيَة فَقَالَ يَا حسن قد

ص: 96

كنت ترجو أَن تكون خَليفَة وَلست هُنَاكَ فَقَالَ الْحسن إِنَّمَا الْخَلِيفَة من سَار بسيرة نَبِي الله

وَعمل بِطَاعَة الله تَعَالَى وَلَيْسَ الْخَلِيفَة من دَان بالجور وعطل السّنَن وَاتخذ الدُّنْيَا أَبَا وَأما وَلَكِن ذَاك ملك أصَاب ملكا تمتّع بِهِ قَلِيلا وَكَانَ قد انْقَطع عَنهُ فتعجل لذته وَبقيت عَلَيْهِ تَبعته فَكَانَ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} الْأَنْبِيَاء 111 ثمَّ انْصَرف فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو وَالله مَا أردْت إِلَّا هتكي مَا كَانَ أهل الشَّام يرَوْنَ أَن أحدا مثيلي حَتَّى سمعُوا من الْحسن مَا سمعُوا وَقدم عَلَيْهِ مرّة أُخْرَى فَوجدَ عِنْده عَمْرو بن الْعَاصِ ومروان بن الحكم والمغيرة بن شُعْبَة وصناديد قومه ووجوه أهل الْيمن وَأهل الشَّام فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وثب وَأَقْعَدَهُ على سَرِيره وَأَقْبل عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ يُرِيد السرُور بمقدمه فَلَمَّا نظر مَرْوَان إِلَى ذَلِك حسده وَكَانَ مُعَاوِيَة قد قَالَ لَهُم لَا تحاوروا هذَيْن الرجلَيْن يَعْنِي الْحسن وَابْن عَبَّاس فَلَقَد قلداكم الْعَار وفضحاكم عِنْد أهل الشَّام فَقَالَ مَرْوَان يَا حسن لَوْلَا صلَة أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمَا قد بني لَهُ آباؤه الْكِرَام من الْمحل والْعَلَاء مَا أقعدك هَذَا المقعد ولقتلك وَأَنت لَهُ مستوجب بقودك الجماهير فَلَمَّا أحسست بِنَا وَعلمت أَن لَا طَاقَة لَك بفرسان أهل الشَّام وصناديد بني أُميَّة أذعنت بِالطَّاعَةِ واحتجزت بالبيعة وَبعثت تطلب الْأمان أما وَالله لَوْلَا ذَاك لأريق دمك وَعلمت أَنا نعطي السيوف حَقّهَا عِنْد الوغى فاحمد الله تَعَالَى إِذا ابتلاك بِمُعَاوِيَة فَعَفَا عَنْك ثمَّ صنع بك مَا ترى فَنظر إِلَيْهِ الْحسن فَقَالَ وَيحك يَا مَرْوَان لقد تقلدت مقاليد الْعَار فِي الحروب عِنْد مشاهدتها والمحاولة عِنْد مخالطتها نَحن هبلتك الهوابل لنا الْحجَج البوالغ وَلنَا إِن شكرتم عَلَيْكُم النعم السوابغ ندعوكم إِلَى النجَاة وتدعوننا إِلَى النَّار فشتان مَا بَين المنزلتين تَفْخَر ببني أُميَّة وتزعم أَنهم صُبر فِي الحروب أَسد عِنْد اللِّقَاء ثكلتك أمك أُولَئِكَ البهاليل السَّادة والحماة القادة بَنو عبد الْمطلب أما وَالله لقد رَأَيْتهمْ وَجَمِيع من فِي هَذَا الْبَيْت مَا هالتهم الْأَهْوَال وَلم يحيدوا عَن

ص: 97

الْأَبْطَال كالليوث الضارية الباسلة الْخفية فَعندهَا وليت هَارِبا وَأخذت أَسِيرًا فقلدت قَوْمك الْعَار لِأَنَّك فِي الحروب خوار أيراق دمي زعمت أَفلا أرقت دم من وثب على عُثْمَان فِي الدَّار فذبحه كَمَا يذبح الْجمل وَأَنت تغثو ثُغَاء النعجة وتناديْ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور كالأمة اللكعاء أَلا دافعت عَنهُ بيد أَو ناضلت عَنهُ بِسَهْم لقد ارتعدت فرائضك وَغشيَ بَصرك فاستغثت بِي كَمَا يستغيث العَبْد بربه فأنجيتك من الْقَتْل ومنعتك مِنْهُ ثمَّ تحث مُعَاوِيَة على قَتْلِي وَلَو رام ذَلِك مَعَك لذبح كَمَا ذبح ابْن عَفَّان أَنْت مَعَه أقصر يدا وأضيق باعاً وأجبن قلباً أَن تجسرا على ذَلِك ثمَّ تزْعم أَنِّي ابْتليت بحلم مُعَاوِيَة أما وَالله لَهو أعْرَف بِشَأْنِهِ وأشكر لما وليناه هَذَا الْأَمر فَمَتَى بدا لَهُ فَلَا يغضى جفْنه القذى الَّذِي مَعَك فوَاللَّه مَعَك فوَاللَّه لألحقن بِأَهْل الشَّام بِجَيْش يضيق عَنهُ فضاؤها ويستأصل فرسانها ثمَّ لَا ينفعك عِنْد ذَلِك الْهَرَب والروغان وَلَا ترد عَنْك الطّلب يذرعك فِي الْكَلَام فَنحْن من لَا نجهل آباؤن القدماء الأكابر وفروعنا السَّادة الأخيار وانطق إِن كنت صَادِقا فَقَالَ عَمْرو ينْطق بالخنا وتنطق بِالصّدقِ ثمَّ أنشأ يَقُول من // (من الْبَسِيط) //)

قد يَضْطر "ُ العيرُ والمكواةُ تأخذُهُ

ويضرطُ العيرُ والمكواةُ فِي النارِ)

ذُقْ وبال أَمرك يَا مَرْوَان وَأَقْبل عَلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ قد نهيتك عَن هَذَا الرجل فَأَنت تأبى إِلَّا انهماكاً فِيمَا لَا يَعْنِيك أَربع على نَفسك فَلَيْسَ أَبوك كأبيه وَلَا أَنْت مثله أَنْت ابْن الطريد الشريد وَهُوَ ابْن رَسُول الله

الْكَرِيم فَقَالَ ارْمِ من دون قبضتك وقم بِحجَّة عشيريك ثمَّ قَالَ مَرْوَان لعَمْرو طعنك أَبوهُ فوقيت نَفسك بخصيتك فَلذَلِك تحذره وَقَامَ مغضباً فَقَالَ مُعَاوِيَة لَا تحاور البحور فتغمرك وَلَا الْجبَال فتبهرك واسترح من الِاعْتِذَار وَلَقي عَمْرو بن الْعَاصِ الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما فِي الطّواف فَقَالَ لَهُ يَا حسن أزعمت أَن الدبن لَا يقوم إِلَّا بك وبأبيك فقد رَأَيْت الله عز وَجل

ص: 98

أَقَامَهُ بِمُعَاوِيَة فَجعله رأسَاً بعد ميله وَبَينا بعد خفائه أفرضي الله قتل عُثْمَان أم من الْحق أَن تَدور بِالْبَيْتِ كَمَا يَدُور الْحمار بالطحين عَلَيْك ثِيَاب كغرفئ الْبيض وَأَنت قَاتل عُثْمَان وَالله إِن لألم للشعت وأسهل للوعث أَن يوردك مُعَاوِيَة حِيَاض أَبِيك فَقَالَ الْحسن رضي الله عنه إِن لأهل النَّار عَلَامَات يعْرفُونَ بهَا وَهِي الْإِلْحَاد لأولياء الله تَعَالَى والمولاة لأعداء الله تَعَالَى الله إِنَّك لتعلم أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يرتب فِي الْأَمر وَلم يشك فِي الله طرفَة عين وَايْم الله لتنتهين يَا بن أم عَمْرو أَو لأقرعن جبينك بِكَلَام تبقى سمته عَلَيْك مَا حييت فإياك والإنزال عَليّ فَإِنِّي مَنْ قد عرفت لست بضعيف الغمرة وَلَا بهش المشاشة وَلَا بمرئ المأكلة وَإِنِّي من قُرَيْش فِي وسط القلادة يُعرف حسبي وَلَا أَدعِي لغير أبي وَقد تحكمت فِيك قُرَيْش فغلب عَلَيْك ألأمهم نسبا وعظمهم لعنة فإياك عني فَإنَّك رِجْس وَإِنَّمَا نَحن هَل بَيت الطَّهَارَة أذهب الله عَنَّا الرجس وَطَهِّرْنَا تَطْهِيرا وَقيل وَاجْتمعَ مرّة أُخْرَى بالْحسنِ فَقَالَ الْحسن قد علمت قُرَيْش بأسرها أَنِّي مِنْهَا فِي عز أرومتها لم أطلع على ضعف وَلم أعكس على خسف أعرف بشبهي وأدع لأبي فَقَالَ عَمْرو قد علمت قُرَيْش أَنَّك من أقلهَا عقلَا وأكثرها جهلَا وَإِن فِيك خِصَالًا لَو لم يكن مِنْهَا إِلَّا وَاحِدَة لشملك خزيها كَمَا شَمل الْبيَاض الحلك وَالله لتنبهين عَمَّا أَرَاك تصنع أَو لألبسن لَك حافة كَجلْد العائط أرميك من خللها بِأخذ من وَقع الأثافي أغرك مِنْهَا أديمك عَرك السلقة مَا لَك طالما ركبت صَعب المنحدر وَنزلت غي عراص الوعر التماساً للفرقة وارتصاداً للفتنة وَلنْ يزيدك الله تَعَالَى فِيهَا إِلَّا ضياعة فَقَالَ الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أما وَالله لَو كنت تسمو بحسبك وتعمل بِرَأْيِك مَا سلكت فج قصد وَلَا حللت رابية مجد وليم الله لَو أطعني مُعَاوِيَة فجعلك بِمَنْزِلَة الْعَدو الْكَاشِح فَإنَّك طالما طويت على هَذَا كشحك وأخفيته فِي

ص: 99

صدرك وطمح بك الرجا إِلَى الْغَايَة القصوى الَّتِي لَا يورق فِيهَا غصنك وَلَا يخضر بهَا مرعاك أما وَالله ليوشكن يَا ابْن الْعَاصِ أَن تقع بَين لحيي ضرغام من قُرَيْش فري مُمْتَنع فروس ذِي لبد يضغطك ضغط الرَّحَى للحب لَا ينجيك مِنْهُ الروغان إِذا الْتفت حلقتا البطان انْتهى وَذكر هَذَا الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمّى المحسن والمساوئ وَكَانَ لرجل على أبي عَتيق مَال فتقاضاه فَقَالَ أَبُو عَتيق ائْتِنِي العشية فِي مجْلِس كَذَا فسلني عَن بَيت قُرَيْش فَأَتَاهُ الْغَرِيم فِي ذَلِك الْمجْلس وَفِيه وُجُوه قُرَيْش وَالْحسن بن عَليّ فَقَالَ الغلايم يَا أَبَا عَتيق إِنَّا تلاحينا فِي بَيت قُرَيْش ورضينا بك حكما فَقَالَ آل حَرْب فَقَالَ الْغَرِيم ثمَّ من فَقَالَ آل أبي الْعَاصِ فشق ذَلِك على الْحسن فَقَالَ الْغَرِيم فَأَيْنَ بَنو عبد الْمطلب فَقَالَ لم أكن أَظن أَن تَسْأَلنِي عَن غير بَيت الْآدَمِيّين فَأَما إِذْ صرت تَسْأَلنِي عَن بَيت الْمَلَائِكَة وَعَن رَسُول رب الْعَالمين وَسيد كل شَهِيد والطيار مَعَ الْمَلَائِكَة فَمن يسامي هَؤُلَاءِ فخراً إِلَّا وَهُوَ مُنْقَطع دونهم فانجلي عَن الْحسن رضي الله عنه ثمَّ قَالَ لأبي عَتيق إِنِّي لأحسب أَن لَك حَاجَة قَالَ نعم يَا بن رَسُول الله لهَذَا عَليّ كَذَا وَكَذَا فاحتملها عَنهُ وَوَصله بِمِثْلِهَا وَذكروا أَن رجلَيْنِ أَحدهمَا من بني هَاشم وَالْآخر من بني أُميَّة قَالَ هَذَا قومِي أسمح وَقَالَ هَذَا قومِي أسمح قل فاسأل أَنْت عشرَة من قَوْمك وأسأل أَنا عشرَة من قومِي فَانْطَلق صَاحب بني أمبة فَسَأَلَ عشرَة فَأعْطَاهُ كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة آلَاف دِرْهَم وأتى صَاحب بني هَاشم إِلَى الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما فَأمر لَهُ بِمِائَة وَخمسين ألف دِرْهَم ثمَّ أَتَى الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهما فَقَالَ لَهُ هَل بدأت بِأحد قبلي قَالَ بدأت بأخيك الْحسن فَقَالَ مَا أَسْتَطِيع أَن أَزِيد على سَيِّدي فَأعْطَاهُ مائَة وَخمسين ألف دِرْهَم فجَاء صَاحب بني أُميَّة يحمل مائَة ألف من عشرَة أنفس وَجَاء صَاحب بني هَاشم يحمل ثَلَاثمِائَة ألف من نفسين فَغَضب صَاحب بني أُميَّة فَردهَا عَلَيْهِم فقبلوها وَجَاء صَاحب بني هَاشم فَردهَا عَلَيْهِمَا فأبيا أَن يقبلاها وَقَالا مَا كُنَّا نبالي أَخَذتهَا أم ألقيتها فِي الطَّرِيق

ص: 100

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الباقر جَاءَ رجل إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فاستعان بِهِ فِي حَاجَة فَوَجَدَهُ معتكفاً فَاعْتَذر إِلَيْهِ فَذهب إِلَى أضيه الْحسن فاستعان بِهِ فَقضى حَاجته وَكن معتكفاً وَقَالَ لَقَضَاءُ حَاجَة أخٍ لي فِي الله عز وجل أحب إليَ من اعْتِكَاف شهر وَكَانَ رضي الله عنه كثير التَّزْوِيج فَكَانَ لَا تُفَارِقهُ أَربع حرائر وَكَانَ مطلاقاً مُصدقا وَكَانَ أَبوهُ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه يَقُول يَا أهل الْكُوفَة لَا تزوجوه فَإِنَّهُ مطلاق فَيَقُولُونَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو خطب إِلَيْنَا كل يَوْم زوجناه منا ابْتِغَاء فِي صهر رَسُول الله

وَرَأى الْحسن فِي مَنَامه كَأَن مَكْتُوبًا بَين عَيْنَيْهِ {قُل هُوَ اَللَهُ أَحَد} الْإِخْلَاص 1 فَبلغ ذَلِك سعيد بن الْمسيب رضي الله عنه فَقَالَ إِن كَانَ رأى هَذِه الرُّؤْيَا فَقل مَا بَقِي من أَجله فَلم يلبث الْحسن بن عَليّ بعد ذَلِك إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَقد أوصى أَخَاهُ الْحُسَيْن أَلا يطْلب الْخلَافَة ورغبه فِي الزّهْد فِي الدُّنْيَا والعزوف عَنْهَا إِلَى غير ذَلِك من وَصَايَا كَثِيرَة قَالَ فِي آخرهَا أَبى الله أَن يَجْعَل فِينَا أهل الْبَيْت مَعَ النُّبُوَّة الْخلَافَة وَالْملك وَالدُّنْيَا فإياك وسفهاء أهل الْكُوفَة أَن يستخفوك فيخرجوك فتندم حَيْثُ لَا ينفعك النَّدَم ثمَّ رفع طرفه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أحتسب نَفسِي عنْدك فَإِنِّي لم أصب بِمِثْلِهَا فَارْحَمْ صرعتي وآنس فِي الْقَبْر وَحْدَتي وَأَقل عثرتي يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ قَالَ الْعَلامَة المَسْعُودِيّ فِي المروج عَن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ دخل أبي الْحُسَيْن على عمي الْحسن حدثان مَا سقى السم فَقَامَ عمي الْحسن لقَضَاء الْحَاجة ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لقد سقيت السم عدَّة مَرَّات فَمَا سقيت مثل هَذِه وَلَقَد لفظت طَائِفَة من كَبِدِي فرأيتني أنكثه بِعُود فِي يَدي فَقَالَ لَهُ أبي يَا أخي من سقاك قَالَ لَهُ وَمَا تُرِيدُ من ذَلِك فَإِن كَانَ الَّذِي أَظن فَالله حسيبه وَإِن كَانَ غَيره فَمَا أحب أَن يُؤْخَذ بِي بريءٌ فَلم يلبث أَن توفّي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر بِأَن امْرَأَته جعدة بنت الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ قد بعث إِلَيْهَا يزِيد إِن

ص: 101

احتلت فِي قتل الْحسن وجهت إِلَيْك مائَة ألف دِرْهَم وتزوجتك فَكَانَ هَذَا الَّذِي بعثها على سَمِّه فَلَمَّا مَاتَ وفى لَهَا بِالْمَالِ وَأرْسل إِلَيْهَا إِنَّا لم نرضك لِلْحسنِ فَكيف نرضاك لأنفسنا وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك وَقَالَ الشَّاعِر النَّجَاشِيّ وَكَانَ من شيعَة عَليّ فِي شعر طَوِيل يرثيه بِهِ مِنْهُ قَوْله من // (السَّرِيع) //

(حَعْدَة ابكِيهِ وَلَا تَسْأَمي

جعد بكاء الْمعول الثاكلِ)

(لم تسلبي السَّتْر على مثُلِهِ

فِي الأرضِ مِنْ حافٍ وَمن ناعلِ)

وَقَالَ آخر من // (المتقارب) //

(تعَزّ فكَمْ لكَ من سالفٍ

يفرخُ عَنْك عليلَ الحزَنْ)

(بموتِ النبيِّ وقتْلِ الوصيِّ

وقَتْلِ الحُسَيْنِ وسمِّ الحَسَنْ)

وَكَانَت وَفَاته لخمس خلون من ربيع الأول سنة خمسين وَقيل اثْنَتَيْنِ وَخمسين من الْهِجْرَة وَدفن بِالبَقِيعِ فِي قبَّة عَمه الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَلما دفن وقف مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة أَخُوهُ على قَبره فَقَالَ لَئِن عزت حياتك فقد هزت وفاتك ولنعم الرّوح روح تضمنها كفنك ولنعم الْكَفَن كفن تضمنه بدنك وَكَيف لَا يكون هَذَا وَأَنت عضيد الْهدى وعتيد التوى وَخلف أهل التقى وخامس أهل لكسا غذتك بالتقوى أكف الْحق وأرضعتك ثدي الْإِيمَان وربيت فِي حجر الْإِسْلَام فطب حَيا وَمَيتًا وَإِن كَانَت أَنْفُسنَا غير سخية بِفِرَاقِك رَحِمك الله أَبَا مُحَمَّد ثمَّ تمثل بقول الْقَائِل من // (الطَّوِيل) //

(أأدهُنُ رَأْسِي أم تطيبُ مجالسي

وخدّكَ معفورٌ وأنتَ سليبُ)

(سأبكيكَ مَا ناحَ الحمامُ بأيكةٍ

وَمَا اخضَرَّ فِي أرضِ الحجازِ قضيبُ)

(غريبٌ وأكنافُ الحجازِ تحوطُهُ

ِألا كُلُّ مَا تحتَ الترابِ غريبُ)

ص: 102