الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن الزبير لِلْبيعَةِ الَّتِي لَهُ فِي عُنُقه وَأَن يدْفع إِلَيْهِ مَال نَفسه فِي أَصْحَابه وَتَأَخر زفر عَن لِقَاء عبد الْملك خوفَاً من فعلته بِعَمْرو بن سعيد فَأرْسل إِلَيْهِ بقضيب النَّبِي
فجَاء إِلَيْهِ وَأَجْلسهُ عبد الْملك مَعَه على سَرِيره وَزوج ابْنه مسلمة الربَاب بنت زفر وَسَار عبد الْملك إِلَى قتال مُصعب فَبعث زفر بن الْهُذيْل مَعَه فِي عَسْكَر فَلَمَّا قَارب مصعباً هرب إِلَيْهِ وَقَاتل مَعَ ابْن الأشتر حَتَّى إِذا قتلوا اختفى الهذْيل فِي الْكُوفَة حَتَّى آمنهُ عبد الْملك كَمَا مر
(مقتل عبد الله بن الزبير)
كَانَ عبد الْملك لما بُويِعَ بِالشَّام بعث إِلَى الْمَدِينَة عُرْوَة بن أنيف فِي سِتَّة آلَاف من أهل الشَّام وَأمره أَن يعسكر بالعرصة وَلَا يدْخل الْمَدِينَة وعامل ابْن الزبير يَوْمئِذٍ على الْمَدِينَة الْحَارِث بن حَاطِب بن الْحَارِث بن معمر الجُمَحِي فهرب الْحَارِث وَأقَام ابْن أنيف شهرَاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ وَيرجع إِلَى مُعَسْكَره ثمَّ رَجَعَ ابْن أنيف إِلَى الشَّام فَرجع الْحَارِث إِلَى الْمَدِينَة وَبعث ابْن الزبير سُلَيْمَان ابْن خَالِد الدَّوْرَقِي على خَيْبَر وفدك وَبعث عبد الْملك إِلَى الْحجاز عبد الْملك بن الْحَارِث بن الحكم فِي أَرْبَعَة آلَاف فَنزل وَادي الْقرى وَبعث سَرِيَّة إِلَى سُلَيْمَان بِخَيْبَر وهرب فأدركوه فَقَتَلُوهُ وَمن مَعَه وَأَقَامُوا بِخَيْبَر وَعَلَيْهِم أَبُو القمقام ونكر عبد الْملك ذَلِك واغتم لَهُ وَقَالَ قتلوا رجلا صَالحا بِغَيْر ذَنْب ثمَّ عزل ابْن الزبير الْحَارِث بن حَاطِب عَن الْمَدِينَة وَولى مَكَانَهُ جَابر بن الْأسود بن عَوْف الزُّهْرِيّ فَبعث جَابر إِلَى خَيْبَر أَبَا بكر بن أبي قيس ي سِتّمائَة فَانْهَزَمَ ابْن المقمقام وَأَصْحَابه أمامهم وَقتلُوا صبرا ثمَّ بعث عبد الْملك طَارق بن عَمْرو مولى عُثْمَان وَأمره أَن ينزل بَين أَيْلَة ووادي الْقرى وَيمْنَع عُمَّال ابْن الزبير من الانتشار ويسد خللا إِن ظهر لَهُ بالحجاز فَبعث طَارق خيلا إِلَى أبي بكر بِخَيْبَر واقتتلوا فأصيب أَبُو بكر فِي مِائَتَيْنِ من أَصْحَابه وَكتب ابْن الزبير إِلَى القباع وَهُوَ عَامله على الْبَصْرَة يستمده ألفَي فَارس إِلَى
الْمَدِينَة فبعثهم القباع وَأمر ابْن الزبير جَابر بن الْأسود أَن يسيرهم إِلَى قتال طَارق فَفعل ولقيهم طَارق فَهَزَمَهُمْ وَقتل مقدمهم وَقتل من أَصْحَابه خلقَاً وأجهز على جريحهم وَلم يستبق أسيرهم وَرجع لى وَادي الْقرى ثمَّ عزل ابْن الزبير جَابِرا عَن الْمَدِينَة وَاسْتعْمل طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف وَهُوَ طَلْحَة الندي وَذَلِكَ سنة سبعين فَلم يزل على الْمَدِينَة حَتَّى أخرجه طَارق وَلما قتل عبد الْملك مصعبَاً وَدخل الْكُوفَة بعث مِنْهَا الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ فِي ثَلَاثَة آلَاف من أهل الشَّام لقِتَال ابْن الزبير وَكتب مَعَه الْأمان لِابْنِ الزبير وَمن مَعَه إِن أطاعوا فَسَار فِي جُمَادَى سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين فَلم يعرض للمدينة وَنزل الطَّائِف وَكَانَ يبْعَث الْخَيل إِلَى عَرَفَة وتلقاهم هُنَاكَ خيل ابْن الزبير فينهزمون دَائِما وَترجع خيل الْحجَّاج بالظفر ثمَّ كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك يُخبرهُ بِضعْف ابْن الزبير وتفرُق أَصْحَابه ويستأذنه فِي دُخُوله الْحرم لحصار ابْن الزبير ويستمده فَكتب عبد الْملك إِلَى طَارق باللحاق بالحجاج فَقدم الْمَدِينَة فِي ذِي الْقعدَة سنة ثِنْتَيْنِ وَسبعين وَأخرج عَنْهَا طَلْحَة الندى عَامل ابْن الزبير وَولى مَكَانَهُ رجلا من أهل الشَّام وَسَار إِلَى الْحجَّاج بِمَكَّة فِي خَمْسَة آلَاف وَلما قدم الْحجَّاج مَكَّة أحرَم بِحجَّة وَنزل بِئْر مَيْمُون وَحج بِالنَّاسِ وَلم يطف وَلَا سعى وَحصر ابْن الزبير عَن عَرَفَة فَنحر بدنه بِمَكَّة وَلم يمْنَع الْحجَّاج من الطّواف وَالسَّعْي ثمَّ نصب الْحجَّاج المنجنيق على أبي قبيس وَرمى بِهِ الْكَعْبَة وَكَانَ ابْن عمر قد حج تِلْكَ السّنة فَبعث بالحجاج بالكف عَن المنجنيق لأجل الطائفين فَفعل ونادى مُنَادِي الْحجَّاج عقيب الْإِفَاضَة انصرفوا إِلَى بِلَادكُمْ فَإنَّا نعود بِالْحِجَارَةِ على ابْن الزبير وَرمى المنجنيق على الْكَعْبَة وألحتِ الصَّوَاعِق عَلَيْهِم فِي يَوْمَيْنِ وَقتلت من أهل الشَّام رجَالًا فذرعوا فَقَالَ لَهُم الْحجَّاج لَا تنكوا فَهَذِهِ صواعق تهَامَة وَإِن الْفَتْح قد حضر فأبشروا ثمَّ أَصَابَت الصَّوَاعِق من أَصْحَاب ابْن الزبير فسرى عَن أهل الشَّام وَكَانَت الْحِجَارَة تقع بَين يَدي ابْن الزبير وَهُوَ يُصَلِّي فَلَا ينْصَرف وَلم يزل الْقِتَال بَينهم وغلت الأسعار وَأصَاب النَّاس مجاعَة شَدِيدَة حَتَّى ذبح ابْن الزبير فرسه وَقسم لَحْمه فِي أَصْحَابه وبيعت الدَّجَاجَة بِعشْرَة دَرَاهِم والمُد من الذّرة بِعشْرين وبيوت ابْن الزبير مَمْلُوءَة قمحَاً وشعيراً وذرة وَتَمْرًا وَلَا ينْفق مِنْهُ إِلَّا مَا
يمسك الرمق يُقَوي بِهِ نفوس أَصْحَابه ثمَّ أجهدهم الْحصار وَبعث الْحجَّاج إِلَى أَصْحَاب ابْن الزبير بالأمان فَخرج إِلَيْهِ مِنْهُم نَحْو عشرَة آلَاف وافترق النَّاس عَنهُ وَكَانَ مِمَّن فَارقه ابناه حَمْزَة وخبيب وَأقَام ابْنه الزبير حَتَّى قتل مَعَه وحرض الْحجَّاج النَّاس وَقَالَ قد ترَوْنَ قلَّة أَصْحَاب ابْن الزبير وَمَا هم فِيهِ من الْجهد والضيق فتقدموا وملئوا مَا بَين الْحجُون إِلَى الْأَبْوَاب فَدخل ابْن الزبير على أمه أَسمَاء وَقَالَ يَا أمه قد خذلني النَّاس حَتَّى وَلَدي وَالْقَوْم يعطونني مَا أردتُ من الدُّنْيَا فَمَا رَأْيك فَقَالَت لَهُ أَنْت أعلم بِنَفْسِك إِن كنت على حق وَتَدْعُو إِلَيْهِ فَامْضِ لَهُ فقد قتل عَلَيْهِ أَصْحَابك وَلَا تمكِّن من رقبتك تلعب بهَا غلْمَان بني أُميَّة وَإِن كنت إِنَّمَا أردْت الدُّنْيَا فبئس العَبْد أنتَ أهلكْتَ نَفسك وَمن قتل مَعَك وَإِن قلت كنت على حق فَلَمَّا وَهن أَصْحَابِي ضعفتُ فَلَيْسَ هَذَا بِفعل الْأَحْرَار وَلَا أهل الدّين فَقَالَ يَا أمه أَخَاف أَن يمثلوا بِي ويصلبوني فَقَالَت يَا بني الشَّاة لَا تألم بالسلخ فَامْضِ على بصيرتك واستعز بِاللَّه فَقبل رَأسهَا وَقَالَ هَذَا رَأْيِي الَّذِي خرجتُ بِهِ دَاعيا إِلَى يومي هَذَا وَمَا ركنت إِلَى الدُّنْيَا وَمَا أخرجني إِلَّا الْغَضَب لله وَأَن تستحلَّ حرماته لَكِن أَحْبَبْت أَن أعلم رَأْيك قد زدتني بَصِيرَة وَإِنِّي يَا أمه فِي يومي هَذَا مقتول فَلَا يشْتَد حزنك وسلمي الْأَمر لله فَإِن ابْنك لم يتَعَمَّد إتْيَان مُنكر وَلَا عملا بِفَاحِشَة وَلم يخن وَلم يغدر وَلم يظلم وَلم يقر على الظُّلم وَلم يكن عِنْدِي آثر من رضَا الله تَعَالَى اللَّهُمَّ لَا أَقُول هَذَا تَزْكِيَة لنَفْسي لَكِن تَعْزِيَة لأمي حَتَّى تسلو عني فَقَالَت إِنِّي لأرجو أَن يكون عزائي فِيك جميلا إِن تقدمتنِي أحتسبك وَإِن ظفرتَ سررت بظفرك ثمَّ قَالَت اخْرُج حَتَّى أنظر إلامَ يصير أَمرك فَقَالَ جَزَاك الله خيرا فالا تَدعِي الدُّعَاء فدعَتْ لَهُ فودعها وودعته وَلما عانقته للوداع وَقعت يَدهَا على الدرْع فَقَالَت مَا هَذَا صنيعُ مَنْ يُرِيد مَا تُرِيدُ قَالَ مَا لبسته إِلَّا لأشد مِنْك فَقَالَت إِنَّه لَا يشد مني فنزعها وَقَالَت لَهُ البس ثِيَابك مشمرة ثمَّ خرج فَحمل على أهل الشَّام حَملَة مُنكرَة فَقتل مِنْهُم ثمَّ انْكَشَفَ هُوَ وَأَصْحَابه وَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعضهم بالفرار فَقَالَ بئس الشَّيْخ أَنا فِي الْإِسْلَام إِن أوقعت
قومَاً قتلوا ثمَّ فَرَرْت على مثل مصَارِعهمْ وامتلأت أَبْوَاب الْمَسْجِد بِأَهْل الشَّام وَالْحجاج وطارق بِنَاحِيَة الأبطح إِلَى الْمَرْوَة وَابْن الزبير يحمل على هَؤُلَاءِ وينادي أَبَا صَفْوَان لعبد الله بن صَفْوَان ابْن أُميَّة بن خلف فَيُجِيبهُ من جَانب المعرك وَلما رأى الْحجَّاج إحجامَ الناسِ عَن ابْن الزبير غضب وترجل وصمد إِلَى صَاحب الرَّايَة بَين يَدَيْهِ فَتقدم ابْن الزبير إِلَيْهِم عَنهُ وكشفه وَرجع فصلى رَكْعَتَيْنِ عِنْد الْمقَام وحملوا على صَاحب الرَّايَة فَقَتَلُوهُ عِنْد بَاب بني شيبَة وَأخذُوا الرَّايَة ثمَّ قَاتلهم وَابْن مُطِيع مَعَه حَتَّى قتل وَيُقَال أَصَابَته جِرَاحَة فَمَاتَ مِنْهَا بعد أَيَّام وَيُقَال إِنَّه قَالَ لأَصْحَابه يَوْم قتل يَا آَل الزبير لَو طبتم لي نفسا عَن أَنفسكُم كُنَّا أهل الْبَيْت فِي الْعَرَب اصطلمنا فِي الله فَلَا يرعكم وَقع السيوف فَإِن ألم الدَّوَاء فِي الْجراح أَشد من وقعها صونوا سُيُوفكُمْ عَمَّا تصونون وُجُوهكُم وغضوا أبصاركم عَن البارقة وليشغل كل امْرِئ قرنه وَلَا تسألوا عني وَمن كَانَ عني سَائِلًا فَإِنِّي فِي الرعيل الأول ثمَّ حمل حَتَّى بلغ الحَجُون فأصابته جِرَاحَة فِي وَجهه فأرعش لَهَا ودمى وَجهه ثمَّ قَاتل قتالا شديدَاً وَقتل فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَسبعين وَحمل رَأسه إِلَى الْحجَّاج فَسجدَ وكبَّر أهل الشَّام وَسَار الْحجَّاج وطارق حَتَّى وَقفا عَلَيْهِ وَبعث الْحجَّاج بِرَأْسِهِ وَرَأس عبد الله بن صَفْوَان وَرَأس عمَارَة بن عَمْرو بن حزم إِلَى عبد الْملك وصلب جثته منكسة على ثنية الْحجُون اليمني وَبعثت إِلَيْهِ أَسمَاء فِي دَفنه فَأبى وَكتب إِلَيْهِ عبد المملك يلومه على ذَلِك فخلى بَينهَا وَبَينه وَلما قتل عبد الله ركب أَخُوهُ عُرْوَة وَسبق رسل الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك فَرَحَّبَ بِهِ وَأَجْلسهُ على سَرِيره وَجرى ذكر عبد الله فَقَالَ عُرْوَة إِنَّه كَانَ فَقَالَ عبد الْملك وَمَا فعل قَالَ قتل فَخر سَاجِدا ثمَّ أخبرهُ عُرْوَة أَن الْحجَّاج صلبه واستوهَبَ جثته لأمه فَقَالَ نعم وَكتب إِلَى الْحجَّاج يُنكر عَلَيْهِ صلبه فَبعث بجثته إِلَى أمه وَصلى عَلَيْهِ عُرْوَة وَدَفنه وَمَاتَتْ أمه بعده بِخَمْسَة أَيَّام وَلما فرغ الْحجَّاج من ابْن الزبير دخل إِلَى مَكَّة فَبَايعهُ أَهلهَا لعبد الْملك أَمر