المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(خلافة معاوية بن أبي سفيان) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٣

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)

- ‌(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)

- ‌(ذكر أقضيته رضي الله عنه

- ‌(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما

- ‌(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)

- ‌(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة)

- ‌(وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(صفة مُعَاوِيَة)

- ‌(ذكر مناقبه)

- ‌(بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة)

- ‌(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)

- ‌(مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد)

- ‌(خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة)

- ‌(وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه)

- ‌(إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ)

- ‌(انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام)

- ‌(بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط)

- ‌(مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير)

- ‌(خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة)

- ‌(خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان)

- ‌(وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره)

- ‌(مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم)

- ‌(شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير)

- ‌(مقتل ابْن زِيَاد)

- ‌(مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه)

- ‌(خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله)

- ‌(مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب)

- ‌(أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا)

- ‌(مقتل عبد الله بن الزبير)

- ‌(ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة)

- ‌(ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق)

- ‌(وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج)

- ‌(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك)

- ‌(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(وَفَاة الْحجَّاج)

- ‌(خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه وأرضاه)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم)

- ‌(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي الدولة العباسية)

- ‌(ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم)

- ‌(قصَّة الشورى)

- ‌(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)

- ‌(خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور)

- ‌(الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى)

- ‌(خلَافَة الْمهْدي)

- ‌(خلَافَة الْهَادِي)

- ‌(خلَافَة هَارُون الرشيد)

- ‌(خلَافَة مُحَمَّد الْأمين)

- ‌(خلَافَة الْمَأْمُون)

- ‌(خلَافَة المعتصم)

- ‌(خلَافَة الواثق بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعين بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المعتز بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُعْتَمد على الله

- ‌(خلَافَة المعتضد)

- ‌(خلَافَة المكتفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المقتدر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة القاهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراضي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتقي لله)

- ‌(خلَافَة المستكفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطيع بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطائع لله)

- ‌(خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة المستظهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المسترشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة أبي عبد الله المقتفي)

- ‌(خلَافَة المستنجد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستضييء بِنور الله)

- ‌(خلَافَة النَّاصِر لدين الله)

- ‌(خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعصم بِاللَّه)

- ‌(شرح حَال التتار)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر)

- ‌(نسب العبيديين بإفريقية)

الفصل: ‌(خلافة معاوية بن أبي سفيان)

(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

قَالَ العلَاّمة ابْن خلدون الْحَضْرَمِيّ فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بالعِبَر وديوان الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي أَخْبَار الْعَرَب والعجم والبربر كَانَ اتِّفَاق الْجَمَاعَة منتصف سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسمى ذَلِك الْعَام عَام الْجَمَاعَة عِنْدَمَا نسيث النَّاس النُّبُوَّة والخوارق وَرَجَعُوا إِلَى أَمر العصبية والتغالب وَتعين بَنو أُميَّة للغلب على مُضر وَسَائِر الْعَرَب وَمُعَاوِيَة يَوْمئِذٍ كَبِيرهمْ فَلم تتعده الْخلَافَة وَلَا ساهمه فِيهَا غَيره واستوت قدمه واستفحل شَأْنه واستحكمت فِي مُضر رياسته وتوثق عَهده وَأقَام فِي سُلْطَانه وخلافته عشْرين سنة ينْفق من بضَاعَة السياسة الَّتِي لم يكن أحد من قومه أوفر مِنْهُ فِيهَا يدامل أهل الترشيح من ولد فَاطِمَة وَبني هَاشم وَآل الزبير وأمثالهم ويصانع رُءُوس الْعَرَب وقرون مُضر بالإغضاء وَالِاحْتِمَال وَالصَّبْر على الْأَذَى وَالْمَكْرُوه وَكَانَت غَايَته فِي الْحلم لَا تدْرك وَعَصَاهُ لَا تقرع ومرقاته فِيهِ تزل عَنْهَا الأقدم مِنْهَا مَا روى أَنه مازح عدي بن حَاتِم يومَاً يؤنبه بِصُحْبَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ لَهُ عدي وَالله إِن الْقُلُوب الَّتِي أبغضناك بهَا لفي صدورنا وَإِن السيوف الَّتِي قَاتَلْنَاك بهَا لعلى عواتقنا وَلَئِن أدنيت إِلَيْنَا شبْرًا من الشَّرّ لندنين إِلَيْك من الشَّرّ باعا وَإِن حزم الْحُلْقُوم وحشرجة الحيزوم لأهونُ علينا من أَن نسْمع المساءة فِي عَليّ كرم الله تَعَالَى وَجهه السَّيْف يَا مُعَاوِيَة يبْعَث السَّيْف فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذِه كَلِمَات حق فاكتبوها وَأَقْبل على عدي بالمقالة مُحدثا أمه هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن أُميَّة بن عبد شمس أسلمت يَوْم فتح مَكَّة وبايعت النَّبِي

وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر رضي الله عنه دونه فَجَاءَتْهُ فِي نسْوَة من قُرَيْش يبايعن على الْإِسْلَام وَعمر رضي الله عنه يكلمهن عَن رَسُول الله

فَلَمَّا أَخذ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا قَالَت هِنْد قد علمنَا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله

ص: 109

غَيره لأغنَى عَنَّا فَلَمَّا قَالَ وَلَا يَسْرِقن قَالَت لكنْ يَا رَسُول الله أَبُو سُفْيَان رجل مُمْسك وَرُبمَا أخذتُ من مَاله بِغَيْر علمه مَا يصلح وَلَده فَقَالَ لَهَا رَسُول الله

خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ ثمَّ قَالَ أئنك لأَنْت هِنْد قَالَت نعم يَا رَسُول الله اعْفُ عني فَقَالَ عَفا الله عَنْك وَفِي رِوَايَة بعد قَوْلهَا نعم يَا رَسُول الله أَنه قَالَ لَهَا أأنتِ هِنْد أكالة الكبود فَقَالَت أَنَبِي حقود وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا فَلَمَّا قَالَ رَسُول الله

وَلَا يَزْنِين قَالَت أتزني الْحرَّة يَا رَسُول الله فَلَمَّا قَالَ لَهَا وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ قَالَت وَالله رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا حَتَّى قَتلتهمْ أَنْت وَأَصْحَابك ببدر كبارًا قَالَ فَضَحِك عمر من قَوْلهَا حَتَّى مَال فَلَمَّا قَالَ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف قَالَت بِأبي أَنْت وَأمي مَا أكرمك وَأحسن مَا دَعَوْت إِلَيْهِ وَالله مَا قُمْت مقَامي هَذَا وَأَنا أضمر أَن أخالفك فِي شَيْء وروى عَن حميد بن وهب قَالَ كَانَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة قبل أبي سُفْيَان عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة وَكَانَ من فتيَان قُرَيْش وَكَانَ لَهُ بَيت للضيافة تغشاه النَّاس من غير إِذن فَخَلا الْبَيْت ذَات يَوْم فَقَامَ الْفَاكِه وَهِنْد فِيهِ وَخرج لبَعض حاجاته وَأَقْبل رجل مِمَّن كَانَ يغشى ذَلِك الْبَيْت فولجه فَلَمَّا رأى الْمَرْأَة ولى هاربَاً فَأَبْصَرَهُ الْفَاكِه فَانْتهى إِلَيْهَا فَوَجَدَهَا رَاقِدَة فضربها بِرجلِهِ وَقَالَ من هَذَا الَّذِي كَانَ

ص: 110

عنْدك قَالَت مَا رَأَيْت أحدا وَلَا انْتَبَهت حَتَّى أنبهتني فَقَالَ لَهَا الحقي بأهلك وَتكلم فِيهَا النَّاس فَخَلا بهَا أَبوهَا عتبَة بن ربيعَة فَقَالَ لَهَا يَا بنية إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك فأنبئيني بذلك فَإِن يكن الرجل صادقَاً دسست إِلَيْهِ من يقْتله فتنقطع عَنَّا القالة وَإِن يكن كَاذِبًا حاكمته إِلَى بعض كهان الْيمن قَالَ فَحَلَفت لَهُ بِمَا كَانُوا يحلفُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَنه كاذبٌ فَقَالَ عتبَة للفاكه إِنَّك قد رميت ابْنَتي بأمرٍ عظيمٍ فحاكمني إِلَى بعض كهان الْيمن فَخرج الْفَاكِه فِي جمَاعَة من بني مَخْزُوم وَخرج عتبَة فِي جمَاعَة من بني عبد منَاف وَمَعَهُمْ هِنْد ونسوة مَعهَا تأنسُ بِهن فَلَمَّا أشرفوا على بِلَاد الكاهن تنكر حَال هِنْد وَتغَير وَجههَا فَقَالَ لَهَا عتبَة يَا بنية إِنِّي قد رأيتُ مَا بكِ من تغير الْحَال وَمَا ذَاك إِلَّا لمكروه عنْدك فَقَالَت لَا وَالله يَا أبتاه مَا ذَاك لمكروه وَلَكِنِّي أعرفُ أَنكُمْ ستأتون بَشَراً يُخطئ ويصيب فَلَا آمنهُ أَن يَسِمَنِي بِسِيمَاءَ تكون عليَ سُبة فِي الْعَرَب آخر الدَّهْر فَقَالَ لَهَا أَبوهَا إِنِّي سَوف أستخبره لَك قبل أَن ينظر فِي أَمرك فصفر لفرسه حَتَّى أدلى ثمَّ أَدخل فِي إحليله حَبَّة من الْحِنْطَة وأَوْكَأَ عَلَيْهَا بسير وصبحوا الكاهن فَنحر لَهُم وَأكْرمهمْ فَلَمَّا تغدوا قَالَ لَهُ عتبَة إِنَّا جئْنَاك لأمرِ وَقد خبأت لَك خبيئة أختبرك بهَا فَانْظُر مَا هُوَ قَالَ الكاهن بُرة فِي كمرة قَالَ عتبَة أُرِيد أبين مِن هَذَا قَالَ حَبَّة بر فِي إحليل مهر فَقَالَ عتبَة صدقت انْظُر فِي أَمر هَؤُلَاءِ النسْوَة فَجعل يدنو من إحداهنَ ويضربُ كتفها وَيَقُول انهضي حَتَّى دنا من هِنْد فضرَبَ كتفها وَقَالَ انهضي غَيْرَ وسخاء وَلَا زَانِيَة وستلدينَ ملكا يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة فَنظر إِلَيْهَا فاكه فَأخذ بِيَدِهَا فنترتْ يَدهَا من يَده وَقَالَت إِلَيْك عني فواللِّه لأحرصن أَن يكون من غَيْرك فتزوَجها أَبُو سُفْيَان فَجَاءَت مِنْهُ بِمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ أهل الْعلم وولدته فِي خيف مِني فَهُوَ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي العبشمي يلتقي مَعَ رَسُول الله

فِي جده عبد منَاف بن قصي وَلما اسْتَقل مُعَاوِيَة بالخلافة بعد نزُول الْحسن لَهُ عَنْهَا وَسمي ذَلِك الْعَام وَهُوَ عَامُ إِحْدَى وَأَرْبَعين عَام الجَمَاعة كَمَا تقدم ذَلِك بعث عماله على الْأَمْصَار

ص: 111

فَبعث على الْكُوفَة الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَيُقَال إِن مُعَاوِيَة كَانَ ولي على الْكُوفَة أَولا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فتاه الْمُغيرَة بن شُعْبَة متنصحاً وَقَالَ عَمْرو بِمصْر وَابْنه بِالْكُوفَةِ فَأَنت بَين نابي الْأسد فعزل مُعَاوِيَة حينئذِ عبد الله بن عَمْرو عَن الْكُوفَة وولاها الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَبلغ ذَلِك عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ لمعاوية إِن الْمُغيرَة يحتاز المَال فَلَا تَقدِرُ على رده مِنْهُ فَاسْتعْمل من يخافك فقصر مُعَاوِيَة ولَايَة الْمُغيرَة على الصَّلَاة وَولي على الْخراج غَيره ثمَّ ولي على الْبَصْرَة بُسر بن أَرْطَاة العامري وَكَانَ قد تغلب عَلَيْهَا حمْرَان بن أبان عِنْد صلح الْحسن مَعَ مُعَاوِيَة فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بُسراً فَخَطب النَّاس وَتعرض لعَلي ثمَّ قَالَ أنْشد الله رجلَا يعلم أَنِّي صَادِق أَو كَاذِب إِلَّا صدقني أَو كَذبَنِي فَقَالَ لَهُ أَبُو بكرَة وَهُوَ صَحَابِيّ مَشْهُور اسْمه نُفَيع بن الْحَارِث بن كلدة الثَّقَفِيّ قلت لقب بِأبي بكرَة لِأَنَّهُ كَانَ مَعَ ثَقِيف فِي حصن الطَّائِف حَال حِصَار النَّبِي

أهل الطَّائِف فَنَادَى

من أَتَى إِلَيْنَا فَلهُ الْأمان وَهُوَ حر فَتَدَلَّى نفيع بن الْحَارِث هَذَا من أَعلَى الْحصن ببكرة وَنزل إِلَيْهِ

وَأسلم فلقب لذَلِك بِأبي بكرَة اللَّهُمَّ لَا نعلمك إِلَّا كَاذِبًا فَأمر بِهِ يسجن فَقَامَ أَبُو لؤلؤة الضَّبِّيّ فَدفع عَنهُ وَكن على فَارس من أَعمال الْبَصْرَة زِيَاد ابْن أَبِيه عَاملا لعَلي فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يَطْلُبهُ بِالْمَالِ فَقَالَ زِيَاد صرفْتُ بعضه فِي وَجهه واستودعتُ بعضه للْحَاجة إِلَيْهِ وحملت مَا فضل إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رَحمَه لله ورضِيَ عَنهُ فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بالقدوم لينْظر فِي ذَلِك فَامْتنعَ فَلَمَّا ولي بسر جمع عِنْده أَوْلَاد زِيَاد الأكابر عبد الرَّحْمَن وَعبيد الله وعباداً وَكتب إِلَيْهِ لتقدمن أَو لأقتلن بنيك فَامْتنعَ زِيَاد واعتزم على قَتلهمْ فَأَتَاهُ أَبُو بكر وَكَانَ أَخا زِيَاد لأمه وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فَقَالَ لبسر أخذتهم بِلَا ذَنْب وَصلح الْحسن مَعَ مُعَاوِيَة علَى أَصْحَاب عَليّ حَيْثُ كَانُوا فأمهله بسر إِلَى أَن يَأْتِي كتاب مُعَاوِيَة ثمَّ قدم أَبُو بكر على مُعَاوِيَة وَقَالَ إِن النَّاس لم يبايعوا علَى قتل الْأَطْفَال وَإِن بُسراً يُرِيد قتل بني زِيَاد فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى بسر بتخليتهم وَجَاء إِلَى السجْن بعد المعياد وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا سَاعَة وهم

ص: 112

موثقون للْقَتْل فأدركهم وأطلقهم بُسر ثمَّ عزل مُعَاوِيَة بسرا وَولي عَلَيْهَا عبد لله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف ثمَّ ولى معاويةُ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين على الْمَدِينَة مَرْوَان بن الحكم وعَلى مَكَّة خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام ثمَّ عزل مروانَ عَن الْمَدِينَة سنة تسع وَأَرْبَعين وَولى مَكَانَهُ عَلَيْهَا سعيد بن لعاص ثمَّ عَزله سنة ربع وَخمسين فَرد إِلَيْهَا مَرْوَان بن الحكم ولمل امْتنع زِيَاد ابْن أَبِيه بِفَارِس بعد مقتل عَليّ كَمَا قدَمناه وَكَانَ عبد الرَّحْمَن ابْن أَخِيه لأمه أبي بكرَة يَلِي أَمْوَاله بِالْبَصْرَةِ رفع إِلَى مُعَاوِيَة ن زياداً استودع أَمْوَاله عبد الرَّحْمَن فَبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة بِالْكُوفَةِ أَن ينظر فِي ذَلِك فَحَضَرَ عبد الرَّحْمَن وَقَالَ إِن يَكن أَبوك أَسَاءَ إِلَيّ فقد أحسن عمك وَأحسن الْعذر عَنهُ عِنْد مُعَاوِيَة ثمَّ قدم الْمُغيرَة على مُعَاوِيَة فَذكر مُعَاوِيَة لَهُ مَا عِنْده من الوجل باعتصام زِيَاد بِفَارِس وَقَالَ داهية الْعَرَب مَعَه أَمْوَال فَارس يُدِير الْحِيَل فَلَا آمن أَن يُبَايع لرجل من أهل الْبَيْت وَيُعِيد الْحَرْب جَذَعَة فاستأذنه الْمُغيرَة أَن يَأْتِيهِ ويتلطف لَهُ ثمَّ أَتَاهُ وَقَالا مُعَاوِيَة بَعَثَنِي إِلَيْك وَقد بَايعه الْحسن وَلم يكن هُنَاكَ غَيره فَخذ لنَفسك قبل أَن يَسْتَغْنِي مُعَاوِيَة عَنْك قَالَ لَهُ زِيَاد أَشِر عَلَيَ والمستشار مؤتمن فَقَالَ الْمُغيرَة أرى أَن تشخص إِلَيْهِ وَتصل حبلك بحبله وَترجع عَنهُ فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بأمانه وَخرج زِيَاد من فَارس نَحْو مُعَاوِيَة فاعترضه عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ فِي جمَاعَة وَقد بَعثه عبد الله بن عَامر ليَأْتِيه بِهِ فَلَمَّا رأى عبد الله بن حَازِم كتاب الْأمان تَركه فَلَمَّا قد زِيَاد على مُعَاوِيَة سَأَلَهُ عَن أَمْوَال فَارس فَأخْبرهُ بِمَا أنْفق وَمَا حمله إِلَى عَليّ وَمَا بَقِي عِنْده مودعاً للْمُسلمين فَصدقهُ مُعَاوِيَة وَقَبضه مِنْهُ وَيُقَال إِنَّه قَالَ لَهُ أَخَاف أَن تكون مَكَرتَ بِي فصالحني فَصَالحه على ألفَيْ درهمِ بعث بهَا إِلَيْهِ واستأذنه فِي نزُول الْكُوفَة فَأذن لَهُ وَكَانَ الْمُغيرَة يُكرمهُ ويعظمه وَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة أَن يُلزم زياداً وَحجر بن عدي وَسليمَان بن صرد وشبيب ابْن ربعي وَابْن الْكواء وَابْن الْحمق وَهَؤُلَاء أَصْحَاب عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَة فَكَانُوا يحضُرُونَ الصَّلَاة

ص: 113

وَفِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين أَو الَّتِي قبلهَا كَانَ استلحاق مُعَاوِيَة زيادَاً قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون كَانَت سُمَية أم زِيَاد مولاة لِلْحَارِثِ بن كلدة الثَّقَفِيّ الطَّبِيب وَولدت مِنْهُ أَبَا بكرَة نفيع بن الْحَارِث ثمَّ زَوجهَا بمولى لَهُ فأتتْ مِنْهُ بِابْن سَمَّاهُ نَافِعًا ثمَّ إِن أَبَا سُفْيَان قد ذهب إِلَى الطَّائِف فِي بعض حاجاته فَأصَاب سميَّة هَذِه بِبَعْض أَنكِحَةِ الْجَاهِلِيَّة وولدَت زياداً هَذَا ونسبته إِلَى أبي سُفْيَان وأقرَ لَهَا بِهِ إِلَّا أَنه كَانَ يخفيه قلت هَذَا مَا ذكره ابْن خلدون ورأيتُ المَسْعُودِيّ فِي مروجه قَالَ مَا نَصه ذهب أَبُو سُفْيَان إِلَى الطَّائِف لتِجَارَة فَنزل على أبي مَرْيَم السَّلُولي خَمار بِالطَّائِف فَقَالَ لما طَالَتْ إِقَامَته إِن ابْنة عتبَة لَا أتمكنُ مَعهَا بِامْرَأَة وَقد طَالَتْ عزوبتي فأبغني بغياً فَقَالَ أَبُو مَرْيَم لَا أعلم الْآن إِلَّا سميَّة أمة الْحَارِث بن كلدة قَالَ فأتني بِهِ فَأَتَاهُ بهَا ثمَّ أَخذ أَبُو سُفْيَان بكُم درعها فَأدْخلهَا قي حجرَة من الدَّار ثمَّ خرج وجبينه يرشحُ عرقاً وَنَفسه يتتابع قَالَ أَبُو مَرْيَم فَقلت لَهُ كَيفَ رَأَيْتهَا فَقَالَ لَا بَأْس بهَا لَوْلَا استرخاء فِي ثدييها وذفر فِي إبطيها قَالَ ابْن خلدون وَلما شَب زِيَاد سمت بِهِ النجابة واستكتبه أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ لما كَانَ على الْبَصْرَة واستكفاه عمر رَضِي لله عَنهُ فِي أَمر فَحسن غَنَاؤه فِيهِ وَحضر زِيَاد عِنْده يُعلمهُ بِمَا صنع فأبلغ مَا شَاءَ فِي الْكَلَام فَقَالَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَكَانَ حَاضرا لِلَهِ هَذَا الغلامُ لَو كَانَ أَبوهُ من قُرَيْش سَاق العَرَبَ بعصاه فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وَعلي رضي الله عنه يسمع واللِّه إِنِّي لأعرف أَبَاهُ ومَنْ وَضعه فِي رحم أمه فَقل لَهُ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسكُتْ فَلَو سمع عمر هَذَا مِنْك كَانَ إِلَيْك سَرِيعا ثمَّ اسْتعْمل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ زيدا على فَارس فضبطها فَكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة يتهدده ويعرض لَهُ بِوِلَادَة أبي سُفْيَان إِيَّاه فَقَامَ زِيَاد فِي النَّاس خَطِيبًا فَقَالَ عجبا لمعاوية يخوفني وبيني وَبَينه ابْن عَم الرَّسُول فِي لمهاجرين وَالْأَنْصَار وَكتب إِلَيْهِ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِنِّي قد وليتك وَأَنا أَرَاك أَهلا وَقد

ص: 114

كَانَ من أبي سُفْيَان فلتة من أماني الْبَاطِل وَكذب النَّفس لَا توجبُ مِيرَاثا وَلَا نسبا وَمُعَاوِيَة يَأْتِي الْإِنْسَان من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله فاحذر ثمَّ احذر وَالسَّلَام وَلما قتل عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَصَالح زِيَاد مُعَاوِيَة وَضَعَ زِيَاد مصقلة بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ علَى مُعَاوِيَة ليعرض لَهُ بِنسَب أبي سُفْيَان فَفعل وَرَأى مُعَاوِيَة أَن يستميله باستلحاقه فالتمس الشَّهَادَة بذلك مِمَّن عَلِمَ لُحُوق نسبه بِأبي سُفْيَان فَشهد لَهُ رجل من أهل الْبَصْرَة وألحقه وَكَانَ أَكثر شيعَة عَلي يُنكرُونَ ذَلِك وينقمون على مُعَاوِيَة حَتَّى أَخُوهُ لأمه أَبُو بكرَة وَكتب زِيَاد إِلَى عَائِشَة رَضِي الله تهعالى عَنْهَا فِي بعض الأحيان من زِيَاد ابْن أبي سُفْيَان يَسْتَدْعِي جوابها بِهَذَا النّسَب ليَكُون جوابها لَهُ حجَّة فَكتبت إِلَيْهِ من عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ إِلَى ابْنهَا زِيَاد وَكَانَ عبد الله بن عَامر يبغض زياداً فَقَالَ يَوْمًا لبَعض أَصْحَابه ابْن سميَّة يقبح آثاري ويعترض مُعَاوِيَة فَأمر مُعَاوِيَة حَاجِبه عَمَّا لي لقد هَمَمْت أَن آتِي بقسامة من قُرَيْش أَن أَبَا سُفْيَان طرير سميَّة فوصل الْخَبَر إِلَى زِيَاد فَأخْبر بِهِ مُعَاوِيَة فَأمر مُعَاوِيَة حَاجِبه أَن يرد عبد الله بن عَامر من أقْصَى الْأَبْوَاب فَرد فَشَكا ذَلِك إِلَى ابْنه يزِيد فَركب مَعَه وَأدْخلهُ على مُعَاوِيَة فَلَمَّا رَآهُ قَامَ من مَجْلِسه وَدخل إِلَى بَيته فَقَالَ يزِيد نقعد فِي انْتِظَاره فَلم يَزَالَا حَتَّى خرج وَغدا ابْن عَامر يتَعَذَّر فِيمَا كَانَ مِنْهُ من القَوْل فِي زِيَاد فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنِّي لَا أكتثر بِزِيَاد من قلَّة وَلَا أتعزَّز بِهِ من ذلة وَلَكِن عرفت حَقًا للَه فَوَضَعته مَوْضِعه وَخرج ابْن عَامر يترضى زياداً وَرَضي مُعَاوِيَة لَهُ وَفِي استلحاق مُعَاوِيَة زياداً يَقُول يزِيد بن مفرغ الْحِمْيَرِي // (من الوافر) //

(أَلا أَبْلِغْ مُعَاويَةَ بْنَ حرْبٍ

مُغَلْغَلَةً مِنَ الرَّجُلِ اليَمانِي)

(أَتَغْضبُ أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ عَفٌّ

وَتَرضَى أَنْ يُقَالَ أَبُوكَ زَانِي)

(فَأَشْهدُ أَنَّ رَحْمَك مِنْ زِيَادٍ

كَرَحْمِ الفِيلِ مِنْ وَلَدِ الأَتَانِ)

وَفِي زِيَاد وأخويه لأمه نُفَيع وَنَافِع يَقُول حَارِث بن صريم الْحَارِثِيّ // (من المنسرح) //

(إِنَّ زِيادَا وَنافِعًا وَأَبَا

بَكْرَةَ عِنْدِي مِنْ أَعْجَبِ العَجَبِ)

ص: 115

(إِنَّ رجَالًا ثَلَاثَةً خُلِقُوا

مِنْ رَحْمِ أُنْثَى مُخَالِفي النَّسَبِ)

(ذَا قُرشيٌّ فِيمَا يَقُولُ وَذَا

مَوْلًى وَهَذَا بِالزَّعْمِ مِنْ عَرَبِ)

وَفِي سنة خمس وَأَرْبَعين عذل مُعَاوِيَة الْحَارِث بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن الْبَصْرَة وَولى عَلَيْهَا زيادا وَجمع لَهُ فِي خُرَاسَان وسجستان ثمَّ جمع لَهُ السَّنَد والبحرين وعمان وَفِي الْبَصْرَة خطب خطبَته البتراء وَإِنَّمَا سميت بتراء لِأَنَّهُ لم يفتتحها بِالْحَمْد وَالثنَاء وَفِي سنة سبع وَأَرْبَعين كَانَ الطَّاعُون بِالْكُوفَةِ وَعَلَيْهَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فهرب مِنْهَا ثمَّ عَاد إِلَيْهَا فَمَاتَ فَضمهَا إِلَى زِيَاد مَعَ الْبَصْرَة فَهُوَ أول من جمع لَهُ ولَايَة العراقين الْبَصْرَة بِالْكُوفَةِ وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين قبض مُعَاوِيَة فدك من مراون بن الحكم وَكَانَ وَهبهَا لَهُ عُثْمَان رَضِي لله عَنهُ وَفِي سنة خمسين حج مُعَاوِيَة وَأمر بِحمْل الْمِنْبَر من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام فكسفت الشَّمْس ورئيت الْكَوَاكِب فجزع لذَلِك وأعظمه ورده إِلَى مَوْضِعه وَزَاد فِيهِ سِتّ مراقٍ وَبعث جَيْشًا كثيفَاً إِلَى بِلَاد الرّوم مَعَ سُفْيَان بن عَوْف وَندب يزِيد ابْنه إِلَى الْخُرُوج مَعَهم فتثاقل فَتَركه ثمَّ بلغ النَّاس أَن الْغُزَاة أَصَابَهُم جوع وَمرض فَأَنْشد يزِيد // (من الْبَسِيط) //

(أَهْوِنْ عَلَى بِمَا لاقَتْ جموعُهُمُ

يَوْم الطوانةِ مِنْ حُمَّى ومِنْ شُومِ)

(إِذَا اتَّكأتُ عَلَى الأنماطِ مُرْتَفِقًا

بِدَيْرِ مرَّانَ عِنْدِي أُمُّ كُلْثُومِ)

قلت أم كُلْثُوم زَوجته بنت عبد الله بن عَامر بن كريز الْمُتَقَدّم ذكر قَوْله فِي زِيَاد لقد هَمَمْت أَن آتِي بقسامة

ص: 116

فَلَمَّا بلغ قَوْله هَذَا أَبَاهُ مُعَاوِيَة حلف ليلحقنهُ بهم فَسَار يزِيد فِي جمع كثير جمعه لَهُ مُعَاوِيَة فيهم ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَابْن الزبير وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ فأوغلوا فِي بِلَاد الرّوم وبلغوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة وقاتلوا الرّوم عَلَيْهَا فاستشهد أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ ودفنوه قَرِيبا من سورها وَرجع يزِيد والعساكر إِلَى الشَّام وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَيَّام إمارته على الْكُوفَة كثير مَا يتَعَرَّض لَعِلي فِي مجالسه وخُطَبِهِ ويترحم على عُثْمَان وَيَدْعُو لَهُ وَكَانَ حجر بن عَدِي بن حَاتِم الطَّائِي إِذا سَمعه يَقُول إيَّاكُمْ قد أضلّ الله وَلعن ثمَّ يَقُول أشهد أنَّ مَن تذمون أَحَقُّ بالفَضلِ وَمَن تُزكونَ أولَى بالذم فيعذله الْمُغيرَة وَيَقُول يَا حجر اتَّقِ غضب السُّلْطَان وسَطوته فَإِنَّهَا تهْلك أمثالك لَا يزِيدهُ على ذَلِك وَلما كن آخر إمارته قَالَ فِي بعض أَيَّامه مثل مَا كَانَ يَقُول فصاح بِهِ حجر مُر لنا بأرزاقنا فقد حبستها عَنَّا وأصبحتَ مولعَاً بذم خير النَّاس وَصَحَّ النَّاس بِهِ من جَوَانِب الْمَسْجِد صدق حجر فمُر لنا بأرزاقنا فَالَّذِي أَنْت فِيهِ لَا يُجدي علينا نفعا فَدخل الْمُغيرَة إِلَى بَيته وعذله قومه فِي جرْأَة حجر عَلَيْهِ بوهن سُلْطَانه ويسخط عَلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ الْمُغيرَة لَا أحب أَن أسعى يقتل أحد من أهل الْمصر وَسَيَأْتِي بعدِي من يصنع مَعَه مثل ذَلِك فيقتله ثمَّ توفّي الْمُغيرَة وَولى زِيَاد كَمَا تقدم فَلَمَّا قدم خطب النَّاس وترحَم على عُثْمَان وَلعن قَاتله فَقَالَ حجر مَا كَانَ يَقُول فَسكت عَنهُ زِيَاد وَرجع إِلَى الْبَصْرَة واستخلف على الْكُوفَة عَمْرو بن حُرَيْث وبلغه أَن حجرا تَجْتَمِع عَلَيْهِ شيعَة عَليّ ويعلنون بلعن مُعَاوِيَة والبراءة مِنْهُ وَأَنَّهُمْ حصبوا عَمْرو بِمَ حُرَيْث فشخص زِيَاد إِلَى الْكُوفَة حَتَّى دَخلهَا ثمَّ خطب النَّاس وحُجرٌ جَالس يسمع فتهدده وَقَالَ لست بِشَيْء إِن لم أمنع الْكُوفَة من حجر وأدعه نكالا لمن بعده ثمَّ بعث إِلَيْهِ فَامْتنعَ من الْإِجَابَة فَبعث صَاحب الشرطة شَدَّاد بن هَيْثَم الْهِلَالِي إِلَيْهِ فِي جمَاعَة فسبهم أَصْحَاب حجر فَجمع زِيَاد أهل الْكُوفَة وهددهم فتبرءوا فَقَالَ ليَدع كل رجل مِنْكُم عشيريه الَّذين عِنْد حُجر فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا لم يبْق مَعَه إِلَّا قومه قَالَ زِيَاد

ص: 117

لصَاحب الشرطة انْطلق إِلَيْهِ فائتني بِهِ طَوْعًا أَو كرها فَلَمَّا جَاءَ يَدعُوهُ امْتنع من الْإِجَابَة وَحمل عَلَيْهِم وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو القمطرة الْكِنْدِيّ بِأَن يلْحق بكندة فيمنعوه هَذَا وَزِيَاد على الْمِنْبَر ينْتَظر ثمَّ غشيهم أَصْحَاب زِيَاد وَضرب عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ فَسقط وَدخل فِي دور الأزد فاختفي وَخرج حجر من أَبْوَاب كِنْدَة فَركب وَمَعَهُ أَبُو القميطرة إِلَى دور قومه وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس وَلم يَأْته من كِنْدَة إِلَّا قَلِيل ثمَّ أرسل زِيَاد وَهُوَ على الْمِنْبَر إِلَى مُدْلِج وهمدان ليأتوه بِحجر فَلَمَّا علم أَنهم فصدوه تسرب من دَاره إِلَى لنخع وَنزل على أخي لأشتر وبلغه أَن الشرطة تسْأَل عَنهُ فِي النخع فَأتى الأزد واختفى عِنْد ربيعَة بن ناجد وأعياهم طلبه فَدَعَا زِيَاد مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَقَالَ لَئِن لم تأتني بِهِ لأقطعنك إرباً إرباً فاستمهله ثَلَاثَة أَيَّام فأمهله حَتَّى بعث حجر بن عدي إِلَى مُحَمَّد بن الْأَشْعَث أَن يَأْخُذ لَهُ أَمَانًا من زِيَاد حَتَّى يبْعَث بِهِ إِلَى مُعَاوِيَة فجَاء مُحَمَّد بن الْأَشْعَث وَمَعَهُ جرير بن عبد الله وَحجر بن زيد وَعبد لله بن الْحَارِث أَخُو الأشتر فاستأمنوا لَهُ زياداً فأجابهم ثمَّ أحضروا حجرا فحبسه ثمَّ طلب أصاحبه فَخرج عَمْرو بن الْحمق الْخُزَاعِيّ من أَصْحَاب حجر شيعَة عَليّ إِلَى لموصل وَمَعَهُ رِفَاعَة بن شَدَّاد فاختفى فِي جبل هُنَالك فَرفع خبرهما إِلَى عَامل لموصل وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ ابْن أُخْت مُعَاوِيَة وَيعرف بِابْن أم لحكم فَسَار إِلَيْهِمَا فهرب رِفَاعَة وَقبض على عَمْرو وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة بذلك فَكتب مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد إِن عَمْرو بن الْحمق طعن عُثْمَان تسع طعنت وَقَالَ حِين طعنه سِتّ لله تَعَالَى وَثَلَاث لما فِي نَفْسِي فاطعنه يَا زِيَاد كَذَلِك تسع طعنات فطعن فَمَاتَ فِي الأولى وَالثَّانيَِة فكملتْ عَلَيْهِ مَيتا ثمَّ جَد زِيَاد فِي طلب أَصْحَاب حجر فَأتى بقبيصة بن ضبيعة الْعَبْسِي بِأَمَان فحبسه وَجَاء قيس بن عباد الشَّيْبَانِيّ بِرَجُل من قومه من أَصْحَاب حجر فَأحْضرهُ زِيَاد وَسَأَلَهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب فَأثْنى عَلَيْهِ فَضَربهُ وحبسه وعاش قيس بن عباد حَتَّى قَاتل مَعَ ابْن لأشعث ثمَّ دخل بَيته فِي الْكُوفَة وسعى بِهِ إِلَى الْحجَّاج فَقتله ثمَّ أرسل زِيَاد إِلَى عبد الله بن خَليفَة لطائي من أَصْحَاب حجر فتوارى عَنهُ وَجَاء الشَّرْط فَأَخَذُوهُ وَنَادَتْ أُخْته النوار بقَوْمه فخلصوه فَأخذ زِيَاد عدي بن

ص: 118

حَاتِم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وَقَالَ ائْتِنِي بِعَبْد الله بن خَليفَة الطَّائِي وَخَبره فَقَالَ لَهُ آتِيك بِابْن عمي تقتله وَالله لَو كَانَ تَحت قدمي مَا رفعتها عَنهُ فحبسوه فنكر النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك وكلموه وَقَالُوا تفعل هَذَا بِصَاحِب رَسُول الله

وكبير طَيئ فَقَالَ زِيَاد أخرجه علَى أَن يخرج ابْن عَمه عني فَأَطْلقهُ وَأمر عدي عبد الله أَن يلْحق بجبلي طَيئ فَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى مَاتَ وأتى زِيَاد بكريم بن عفيف الْخَثْعَمِي من أَصْحَاب حجر وَغَيره وَلما جمع مِنْهُم اثنَي عشر فِي السجْن دَعَا رُؤَسَاء الأرباع وهم يَوْمئِذٍ عَمْرو بن حُرَيْث على ربع أهل لمدينة وخَالِد بن عُرْوَة على ربع تَمِيم وهمدان وَقيس بن لوليد على ربع ربيعَة وَكِنْدَة وَأَبُو بردة بن أبي مُوسَى على ربع مذبح وَأسد فَشَهِدُوا كلهم أَن حجرا جمع الجموع وَأظْهر شتم مُعَاوِيَة ودعا إِلَى حربه وَزعم أَن الْإِمَارَة لَا تصلح إِلَّا فِي الطالبيين ووثب بِالْمِصْرِ وَأخرج الْعَامِل وَأظْهر عذرَ أبي تُرَاب والترحُمَ عَلَيْهِ أَقُول نعم رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورِضَاهُ والبراءة من عدوه وَمن أهل حربه وَإِن لنفر الَّذين مَعَه وهم رُءُوس أَصْحَابه على مثل رَأْيه ثمَّ استنكر زِيَاد من الشُّهُود فَشهد إِسْحَاق ومُوسَى ابْنا طَلْحَة وَالْمُنْذر بن الزبير وَعمارَة بن عقبَة بن أبي معيط وَعمر بن سعيد بن أبي وَقاص وَغَيرهم وَكتب فِي الشُّهُود شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي وَشُرَيْح بن هَانِئ ثمَّ استدعى زيادُ وَائِل بنَ حُجر الْحَضْرَمِيّ وَكثير بن شهَاب وَدفع إِلَيْهِمَا حُجْراً وَأَصْحَابه وهم الأرقم بن عبد الله الْكِنْدِيّ وَشريك بن شَدَّاد الْحَضْرَمِيّ وَصَيْفِي ابْن فُضَيْل الشَّيْبَانِيّ وقبيضة بن ضبيعة الْعَبْسِي وكريم بن عفيف الْخَثْعَمِي وَعَاصِم بن عَوْف البَجلِيّ وورقاء بن سمي البَجلِيّ وكرام بن حَيَّان الْعَنزي وَعبد الرَّحْمَن بن حسان الْعَنزي أَيْضا ومحرز بن شهَاب التَّمِيمِي وَعبد الله بن حوية السَّعْدِيّ ثمَّ أتبع هَؤُلَاءِ الاثْنَي عشر بِعتبَة بن الْأَخْنَس بن سعد بن بكر وَسعد ابْن عمرَان الْهَمدَانِي وَأَمرهمَا أَن يَسِيرا بهم إِلَى مُعَاوِيَة ثمَّ لحقهما شُرَيْح بن هَانِئ وَأرْسل كتابَاً إِلَى مُعَاوِيَة دَفعه إِلَى وَائِل بن حجر الْحَضْرَمِيّ فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى مرج عذراء قرب دمشق تقدم وَائِل وَكثير إِلَى مُعَاوِيَة وَقَرَأَ كتاب

ص: 119

شُرَيْح بن هَانِئ وَفِيه بَلغنِي أَن زياداً كتب شهادتي وَإِنِّي أشهد على حُجر أَنه مِمَّن يُقيم الصَّلَاة وَيُؤْتى لزكاة ويديم الْحَج وَالْعمْرَة وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن لمنكر حرامُ الدَّم وَالْمَال فَإِن شِئْت فاقتله أَو فَدَعْهُ فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا رأى هَذَا إلَا أخرج نَفسه من شهادتكم يَعْنِي شُرَيْح ين هَانِئ وَحبس الْقَوْم بمرج عذراء حَتَّى لحقهم عنبه بن الْأَخْنَس وَسعد بن عمرن للَّذين ألحقهما بهم زِيَاد وَجَاء عَامر بن الْأسود الْعجلِيّ إِلَى مُعَاوِيَة فَأخْبرهُ بوصولها فاستوهب يزِيد بن أَسد البَجلِيّ عَاصِمًا وورقاء ابْني عَمه وَقد كتب جرير يزكيهما وَيشْهد ببراءتهما فطلقهما مُعَاوِيَة وشفع وائْل بن حُجر فِي الأرقم وَأَبُو الْأَعْوَر السّلمِيّ فِي ابْن الْأَخْنَس وحبِيب بن سَلمَة فِي خويه فتركهم وَسَأَلَهُ ملك بن هُبَيْرَة فِي السكونِي فردهُ فَغَضب وَجلسَ فِي بَيته وَبعث مُعَاوِيَة هدبة بن فياض الْقُضَاعِي وَالْحصين بن عبد الْكلابِي وَأَبا شرِيف الْبَدِيِّ إِلَى حجر وَأَصْحَابه ليقتلوا مِنْهُم من أَمر بقتْله فأتوهم وعرضوا عَلَيْهِم الْبَرَاءَة من عَلِي فَأَبَوا وصَلوا عَامَّة ليلتهم ثمَّ قدمُوا من الْغَد للْقَتْل فَتَوَضَّأ حجر وَصلى وَقَالا وَالله لَوْلَا أَن يَظُنُّوا بِي لجزع من الْمَوْت لاستكثرت مِنْهَا اللَّهُمَّ إِنَّا نستعديك على أمتنَا أهل الْكُوفَة يشْهدُونَ علينا وَأهل لشام يقتلوننا ثمَّ مَشَى إِلَيْهِ هدبة بن فياض بِالسَّيْفِ فارتعد فَقَالُوا لَهُ كَيفَ وَأَنت تزْعم أَنَّك لَا تجزع من الْمَوْت فابرأ من صَاحبك وَنحن نَدعك فَقل وَمنا لي لَا أجزع وَأَنا بَين الْقَبْر والكفن وَالسيف وَإِن جزعت من الْقَتْل لَا أَقُول مَا يسْخط الرب فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا خْمسة مَعَه شريك بن شَدَّاد وَصَيْفِي بن فُضَيْل وَقبيصَة بن ضيبعة ومحرز ابْن شهَاب وكرام بن حِين وصلوا عَلَيْهِم ودفنوهم وجئ بِعَبْد الرَّحْمَن بن حَيَّان الْعَنزي وكريم الْخَثْعَمِي إِلَى مُعَاوِيَة فوعظه الْخَثْعَمِي وَطَلَبه مُعَاوِيَة الْبَراء من عَليّ فَسكت واستوهبه سَمُرَة بن عبد الله الْخَثْعَمِي فوهبه لَهُ عَلَى أَلا يدْخل الْكُوفَة فَنزل الْموصل ثمَّ سَأَلَ مُعَاوِيَة عبد الرَّحْمَن بن حسان عَن عَليّ فَأثْنى خيرا ثمَّ عَن عُثْمَان فَقَالَ أول من فتح بَاب الظُّلم وأغلق بَاب الْحق فَرده إِلَى زِيَاد ليَقْتُلهُ شَر قِتلة فدفنه زِيَاد حَيا فَهُوَ سَابِع الْقَوْم وَأما مَالك بن هُبَيْرَة السكونِي فَلَمَّا لم يشفعه مُعَاوِيَة فِي حُجر جمع قومه وَسَار

ص: 120

ليخلصه وَأَصْحَابه فلقي القتلة وسألهم وَقَالُوا تَابَ الْقَوْم وَسَار إلَى عذراء فتيقن قَتلهمْ فَأرْسل فِي أثر القتلة فَلم بدركوهم وَأخْبر مُعَاوِيَة فِيمَا فعل مَالك فَقَالَ تِلْكَ حرارة يجدهَا فِي نَفسه وَكَأَنِّي بِمَا قد طُفِئَت ثمَّ بعث إِلَيْهِ بِمِائَة ألف وَقَالَ خفت أَن يُعِيد الْقَوْم حَربًا فَتكون على الْمُسلمين أعظم من قتل حجر فطابتْ نفس مَالك وَلما بلغ عَائِشَة خبر حجر وَأَصْحَابه أرْسلت عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث إلَى مُعَاوِيَة تشفع فجَاء وَقد قتلوا فَقَالَ لمعاوية أَيْن غَابَ عَنْك حلم أبي سُفْيَان قَالَ حِين غَابَ عني مثلك من حلماء قومِي وحملني ابْن سميَّة فاحتملت وأسفت عَائِشَة على قتل حُجر وَكَانَت تُثنِي عَلَيْهِ قلت وَحجر هَذَا هُوَ حجر بن عدي بن حَاتِم الطَّائِي الْمَشْهُور بِالْكَرمِ وَأَبُو عدي صَحَابِيّ رضي الله عنه وَقيل إِن لحُجر ابنِهِ هَذَا صُحبَة وَلم يَصح وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين مَاتَ زِيَاد ابْن أَبِيه فِي رَمَضَان فِي بطاعون أَصَابَهُ فِي يَمِينه خرجت بهَا قرحَة يُقَال إِنَّهَا يَدعُوهُ عبد الله بن عمر بن الْخطاب وَذَلِكَ أَن زيادَاً كتب إِلَى مُعَاوِيَة إِنِّي ضبطت الْعرَاق بشمالي ويميني فارغة فاشغلها بالحجاز فَكتب لَهُ عهدا بذلك وَجمع لَهُ الْحجاز مَعَ بالعراقين وَخَافَ أهل الْحجاز من ذَلِك قَالَ الْعَلامَة المسعُودِي لما سمع بولايته أهل الْمَدِينَة اجْتمع الْكَبِير وَالصَّغِير بِمَسْجِد رَسُول الله

وقدَموا ابْن عمر فَاسْتقْبل الْقبْلَة ودعا مَعَهم وَكَانَ من دُعَائِهِ أَن قَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنَا يَمِين زِيَاد وضَجوا إِلَى الله تَعَالَى ولاذوا بِقَبْر النَّبِي

ثَلَاثَة أَيَّام لِعلمِهِم بظلمه وجوره وفسقه وَلما خرجن بكفه تِلْكَ البثرة حكها ثمَّ مدت واسودت فَصَارَت آكِلَة سَوْدَاء فاستدعى شريحاً القَاضِي واستشاره فِي قطع يَده فَقَالَ لَهُ لَك رزق مقسوم وَأجل مَعْلُوم وَإِنِّي أكره إِن كَانَت لَك مُدَّة أَن تعيش أَجْذم وَإِن حم أَجلك أكره أَن تلقى رَبك مَقْطُوع الْيَد فَإِذا سَأَلَك لم قطعتها قلت بغضاً لَك وفراراً من قضائك فَقَالَ لَا أَبيت والطاعون فِي لحافِ واحدٍ واعتزم عَلَى قطعهَا فَلَمَّا نظر

ص: 121

إِلَى النَّار والمكاوي جزع وَتَركه وَقيل تَركه لإشارة شُرَيْح القَاضِي وعذل النَّاس شريحاً فِي تِلْكَ الْإِشَارَة فَقَالَ لَهُم وددت لَو أَن الله قطع يَده يومَا وَرجله يَوْمًا وَسَائِر جسده يومَاً يَوْمًا وَلَكِن المستشار مؤتمن وَكَانَ زِيَاد قد جمع النَّاس بِبَاب قصره يعرضهم على لعن عَليّ بن أبي طَالب لعن الله اللاعنَ والعارضَ فَمن أَبى عرضه على السَّيْف وَذكر عبد الرَّحْمَن بن السَّائِب قَالَ حضرتُ فصرت إِلَى الرحبة وَمَعِي جمَاعَة من الْأَنْصَار فَنمت فَرَأَيْت فِي مَنَامِي وَأَنا جَالس فِي جمَاعَة رأيتُ شخصا طَويلا قد أقبل فَقلت من هَذَا قَالَ أَنا النقاد ذُو الرَّقَبَة بعثت إِلَى صَاحب هَذَا الْقصر فانتهيت فَزعًا فَمَا كَانَ إِلَّا مِقْدَار سَاعَة حَتَّى خرج خَارج من الْقصر فَقَالَ انصرفوا فالأمير عَنْكُم مَشْغُول وَإِذا بِهِ قد أَصَابَهُ مَا ذكرنَا من الْبلَاء فِي كَفه وَفِي ذَلِك يَقُول عبد لله بن السَّائِب من أَبْيَات // (من الْبَسِيط) //

(مَا كَانَ منتهياً عَمَّا أَرَادَ بِنَا

حتَّى أُتِيحَ لَهُ النَّقَّادُ ذُو الرَّقَبَهْ)

)

فَأَسْقَطَ الشِّقَّ مِنْهُ ضَرْبَةٌ ثَبَتَتْ

لَمَّا تَنَاوَلَ ظُلْمًا صَاحِبَ الرَّحبهْ)

قلت صَاحب الرحبة يُرِيد بِهِ عَليّ بن أبي طَالب لِأَنَّهُ دفن فِي رحبة مَسْجِد الْكُوفَة على أحد الْأَقْوَال فِي مَوضِع قَبره وَقد ذكرت الِاخْتِلَاف فِيهِ فِيمَا تقدم فَهَلَك وَهُوَ ابْن خمس وَخمسين وَدفن بالثومة من أَرض الْكُوفَة لَا رحمه الله قَالَ يومَاً لجلسائه من أنعَم النَّاس عَيْشًا قَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَيْهَات فَأَيْنَ مَا يَلْقَى من لرعية قَالُوا فَأَنت أَيهَا الْأَمِير قَالَ فَأَيْنَ مَا يَرِدُ علينا من الثغور وَالْخَرَاج بل أنعمهم عَيْشًا من لَهُ سداد من عَيْشٍ وحَظ من دِينٍ وَامْرَأَة حسناءُ رضيها ورضيته لَا يعرفنا وَلَا نعرفه وَلما توفّي زِيَاد قدم ابْنه عبيد الله على مُعَاوِيَة وَهُوَ ابْن خمس وَعشْرين سنة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة من اسْتعْمل أَبوك على المصرين فَأخْبرهُ فَقَالَ مُعَاوِيَة لَو اسْتعْملت أَبوك لاستعملتك فَقَالَ لَهُ عبيد الله أنْشدك الله أَن يَقُول لي أحد

ص: 122

بعْدك لَو استعملك أَبوك لَا اسْتَعْمَلْتُك فولاه خرسان من الْبَصْرَة سنة خمس وَخمسين ووصاه فَكَانَ من وَصيته اتَّقِ الله وَلَا تؤثرن على تقواه شَيْئا فَإِن فِي تقواه عوضا وَقِ عرضك من أَن تذله وَإِذا أَعْطَيْت عهدا فأوف بِهِ وَلَا تتبعن كثيرا بِقَلِيل وَلَا يخْرجن مِنْك أَمر حَتَّى تبرمه فَإِذا خرج فَلَا يردن عَلَيْك وَإِذا لقِيت عَدوك فَكبر أكبر من مَعَك وقاسمهم على كتب الله وَلَا تطُمعنَّ أحدا فِي غير حَقه وَلَا تؤيسن أحدا من حق هُوَ لَهُ ثمَّ ودَعه وَسَار وَذَلِكَ فِي أول سنة أَربع وَخمسين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة والتحية ذكر أَن مُعَاوِيَة تنَازع إِلَيْهِ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله

رضي الله عنه فِي أَرض فَقَالَ عَمْرو لأسامة كَأَنَّك تنكرني فَقَالَ لَهُ أُسَامَة مَا يسرني نسبك بولائي فَقَامَ مَرْوَان بن الحكم فَجَلَسَ إِلَى جَانب عَمْرو بن عُثْمَان فَقَامَ الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب فَجَلَسَ إِلَى جنب أُسَامَة فَقَامَ سعيد بن الْعَاصِ فَجَلَسَ إِلَى جنب مَرْوَان فَقَامَ الْحُسَيْن بن عَليّ فَجَلَسَ إِلَى جنب الْحسن فَقَامَ عبد الله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن عبد شمس فَجَلَسَ إِلَى جنب سعيد بن الْعَاصِ فَقَامَ عبد لله بن جَعْفَر بن أبي طَالب فَجَلَسَ إِلَى جنب الْحُسَيْن فَقَامَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم فَجَلَسَ إِلَى جنب عبد الله بن عَامر فَقَامَ عبد الله ابْن الْعَبَّاس فَجَلَسَ إِلَى جنب عبد لله بن جَعْفَر فَلَمَّا رأى ذَلِك مُعَاوِيَة قَالَ لَا تعجلوا أَن كنت شَاهدا إِذْ أقطعها رَسُول الله

أُسَامَة بن زيد فَقَامَ الهاشميون فَخَرجُوا ظَاهِرين وَأَقْبل عَلَيْهِ الأمويون وَقَالُوا هلا كنت أصلحت بَيْننَا قَالَ دَعونِي فو الله مَا ذكرت عيونهم تَحت المغافر بصفين إِلَّا لبس على عَقْلِي وَإِن الْحَرْب أَولهَا نجوى واواسطها شكوى وَآخِرهَا بلوى ثمَّ تمثل بِأَبْيَات عَمْرو بن معدي كرب // (من الْكَامِل) //

(أَلْحَربُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّة

...

...

... .)

وَقد تقدم ذكرهَا فِي آخر خلَافَة عمر رَضِي لله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ مَا فِي لقلوب يشب الحروب وَالْأَمر الْكَبِير يَبْعَثهُ الْأَمر الصَّغِير وَمِمَّا ذكره المَسْعُودِيّ قَوْله ضحك مُعَاوِيَة ذَات يَوْم ضحكاً ذهب بِهِ كل

ص: 123

مَذْهَب فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لم تضحك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أضْحك الله سنك فَقَالَ مُعَاوِيَة أضْحك من تغور ذهنك يَوْم بارزت عليا وإبدائك سوءتك أمل وَالله يَا عَمْرو لقد واقعت لمنايا وَرَأَيْت الْمَوْت عيَانًا وَلَو شَاءَ لقتلك وَلَكِن أبي ابنُ أبي طَالب فِي أَمرك إِلَّا تكرماً فَقَالَ عَمْرو أما وَالله إِنِّي لعَن يَمِينك حِين دعَاك للبرازِ فاحولت عَيْنَاك وبدا سحرك وبدا مِنْك مَا أكره ذكره فَمن نَفسك فاضحك أَو فدع دخل عبد الله بن عَبَّاس على مُعَاوِيَة وَعِنْده وُجُوه قُرَيْش فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة إِنِّي سَائِلك عَن مسَائِل قَالَ ابْن عَبَّاس سل عَمَّا بدا لَك قَالَ فَمَا تَقول فِي أبي بكر قَالَ رحم الله أَبَا بكر كَانَ وَالله للْفُقَرَاء رحِيما وللقرآن تالياً وَعَن الْمُنكر ناهياً وبربه عَارِفًا وَمن الله خَائفًا وَعَن الشبهاتِ زاجرَاً وبالعروف آمراً وبالليل مُصَليا وبالنهار صَائِما ففاق أَصْحَابه ورعاه وكفافَاً وسادهم زهداً وعفافاً فَغَضب الله على مَن تنقصه أَو طعن فِيهِ قَالَ مَا تَقول فِي عمر قَالَ رحم الله عمر أَبَا حَفْص كَانَ وَالله كَهْف الْإِسْلَام ومأوى الْأَيْتَام ومثنى الْإِحْسَان وَمحل الْإِيمَان وكهف الضُّعَفَاء وَمَعْقِل الصفاء قَامَ بِحَق الله صَابِرًا محتسباً حَتَّى أوضح الدّين وَفتح الْبِلَاد وأمنَ الْعباد فأعقب الله من يبغضه اللَّعْنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فَمَا تَقول فِي عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ رحم الله عُثْمَان كَانَ وَالله أكرمَ الخَفَرَة وَأفضل البررة هجاداً بالأسحار كثير الدُّمُوع عِنْد ذكر النَّار نهاضاً إِلَى كل مكرمَة سباقا إِلَى كل فنجيه حَيِياً وفياً صَاحب جَيش الْعسرَة وختَنَ رسولِ الله

فأعقب الله من طعن عَلَيْهِ لعنة اللاعنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ فَمَا تَقول فِي عَلِي بن أبي طَالب قَالَ رحم الله عليا كَانَ وَالله علم الْهدى وكهف التقى وَبدر الحجى وبحر الندى وطود النهى وكهف الورى دَاعيا إِلَى الْحجَّة الْعُظْمَى مستمسكاً بالعروة الوثقى خير من آمن وَاتَّقَى وَأفضل

ص: 124

من تقمص وارتدى وَأحب من انتعل وسعى وأفصح من تنصت وقرا وأكبر من شهد النَّحْوِيّ سرى الْأَنْبِيَاء وَالنَّبِيّ المصطفَى صَاحب الْقبْلَتَيْنِ فَهَل يوازيه أحد وَأَبُو السبطين فَهَل يُقَارِبه بشر زَوجته خير النسوان فَهُوَ بفرقه فَاضل وَهُوَ للأسود قتال وَفِي الحروب يختال لم تَرَ عَيْني مثله فعلى من تَنَقصَهُ لعنة الله والعباد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ مُعَاوِيَة يَا بن عَبَّاس قد أكثرت فِي ابْن عمك فَمَا تَقول فِي أَبِيك الْعَبَّاس فَقَالَ رحم الله أَبَا الْفضل كَانَ صنو نَبِي لله وقرة عين صفي الله سيد الْأَعْمَام وَله أَخْلَاق آبَائِهِ الأمجاد وأحلام أجداده الأجواد تَبَاعَدت الْأَسْبَاب عِنْد فَضله صَاحب الْبَيْت والسقاية والمشاعِرِ والتلاوة وَلم لَا يكون كَذَلِك وَهُوَ يشابه أكْرم من دَب وهَب عبد الْمطلب فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا بن عَبَّاس أشهد أَنَّك بنيه أهل بَيْتك قَالَ ابْن عَبَّاس وَلم لَا أكون كَذَلِك وَقد قَالَ لي رَسُول الله

اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل

ص: 125

وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ أتيت مُعَاوِيَة وَقد قعد على سَرِيره وَجمع أَصْحَابه ووفود الْعَرَب عِنْده فدخلْتُ وسلمت وَقَعَدت فَقَالَ مُعَاوِيَة من النَّاس يَابْنَ عَبَّاس فَقلت نَحن قَالَ فَإِذا غبتم قلت فَلَا أحد قَالَ ترى أَنِّي قعدت هَذَا المقعد بكم قلت نعم فبمن قعدت قَالَ بِمن كَانَ مثل حَرْب بني أُميَّة قلت من أكفأ عَلَيْهِ إنائه قَالَ وَأَجَارَهُ بردائه قَالَ فَغَضب وَقَالَ وارِ شخصك عني شهرا فقد أمرتُ لَك بصلتك وأضعفتها لَك فَلَمَّا خرجت قلت لخاصته أَلا تَسْأَلُونِي مَا الَّذِي أغضب مُعَاوِيَة قَالُوا بلَى فَقل بِفَضْلِك قَالَ إِن أَبَاهُ حَربًا لم يلتق أحد من رُؤَسَاء قُرَيْش فِي عقبَة وَلَا مضيق مَعَ قوم إِلَّا لم يتَقَدَّم على الْحَرْب أحدا حَتَّى يجوزه أَولا فَالتقى حَرْب مَعَ رجل من بني تَمِيم فِي عقبَة فتقدمه التَّمِيمِي فَقَالَ حَرْب أَنا حَرْب بن أُميَّة فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ التَّمِيمِي وَجَاز قبله فَقَالَ حَرْب موعدك مَكَّة فبقى التَّمِيمِي دهراً ثمَّ أَرَادَ دُخُول مَكَّة فَقَالَ من يجيرني مِنْ حَرْب بن أُميَّة فَقَالُوا عبد الْمطلب فَقَالَ التَّمِيمِي عبد الْمطلب أجل قدرا من أَن يجير عَليّ حَرْب فَأتى لَيْلًا دَار الزبير بن عبد الْمطلب فدق عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ الزبير لِأَخِيهِ الغيداق قد جَاءَنَا رجل إِمَّا طالبُ حَاجَة وَإِمَّا طالبُ قِرى وَإِمَّا مستجير وَقد أعطيناه مَا أَرَادَ فَخرج إِلَيْهِ الزبير فَقَالَ منشدَاً // (من الْكَامِل) //

(لاقَيْتُ حَرْبًا فِي الثَّنِيَّةِ مُقْبِلاُ

والصُّبْحُ أبلَجُ ضَوْءَهُ للسَّارِي)

(فَدَعا بصَوْتٍ واكْتَنَى لِيَرُوعَنِي

وَدَعَا بِدَعْوَتِهِ يُرِيدُ فَجَارِي)

(فتركْتُهُ كالكَلْبِ يَنْبَحُ وَحْدَهُ

وأتيْتُ أَهْلَ معالِم وفَخَارِ)

(ليثاً هِزَبْرًا يُسْتَجَارُ بقُربِهِ

رَحْبَ المَبَاءَةِ مُكْرِمًا للجاَرِ)

(ولَقَدْ حَلَفْتُ بمكَّةٍ وبِزمزمٍ

والبيتِ ذِي الأحجَارِ والأسترِ)

ص: 126

(إِنَّ الزبيرَ لَمَانِعِي مِنْ خَوْفِهِ

مَا كَبَّر الحُجَّاجُ فِي الأَمْصَارِ)

فَقَالَ الزبير تقدم فَإنَّا لَا نتقدَم من نجيره فَتقدم التَّمِيمِي فَدخل الْمَسْجِد التَّمِيمِي فَرَآهُ حَرْب فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَطَمَهُ فَحمل عَلَيْهِ الزبير بِالسَّيْفِ فَعدا حَتَّى دخل دَار عبد الْمطلب فَقَالَ أجرني من الزبير فأكفأَ عَلَيْهِ جفنةّ كَانَ أَبوهُ هَاشم يطعم فِيهَا النَّاس فبقى تحتهَا سَاعَة ثمَّ قَالَ لَهُ اخْرُج فَقَالَ كَيفَ أخرج وَسَبْعَة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم على الْبَاب فَألْقى عَلَيْهِ عبد الْمطلب رداءَ كَانَ كَساهُ إِيَّاه سيفُ ذُو يزن لما قَدِمَ عَلَيْهِ لَهُ طرتان خضراوان فَخرج عَلَيْهِم بِهِ فَعَلمُوا أَنه قد أجاره فَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَحضر مرّة مجْلِس مُعَاوِيَة هُوَ وَعَمْرو بن الْعَاصِ فَأقبل عبد الله بن جَعْفَر فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ ابْن الْعَاصِ قَالَ قد جَاءَكُم رجل كثير الخلوات بالتمني والمطربات بالتغني يحب القيان كثير مزاحه شَدِيد طماحه صروف عَن السنان ظَاهر الطيش لين الْعَيْش أخاذ بِالسَّيْفِ منفاق بالسرف فَقَالَ ابْن عَبَّاس كذبت وَالله أنتَ وَلَيْسَ كَمَا ذكرت وَلكنه لله ذُكُور ولنعمائه شكور وَعَن الْخَنَا زجور جواد كريم سيد حَلِيم ماجد لهيم إِن ابْتَدَأَ أصَاب وَإِن شئل أجَاب غير حصر وَلَا هياب وَلَا فحاش عياب حل من قُرَيْش فِي كريم النّصاب كالهزبر الضرغام الجريء الْمِقْدَام فِي الْحسب القمقام لَيْسَ يدعى لدعي وَلَا يدنى لدني كمن اخْتصم فِيهِ من قُرَيْش شِرَارهَا فغلب عَلَيْهِ جزارها فَأصْبح ألأمها حسباً وَأَدْنَاهَا منصباً ينوء مِنْهَا بالذليل ويأوي مِنْهَا إِلَى الْقَلِيل مذبذب بَين الْحَيَّيْنِ كالساقط ين الفراشين لَا الْمُضْطَر إِلَيْهِم عرفوه وَلَا الظاعن عَنْهُم فقدوه فليت شعري بِأَيّ قدم تتعرض للرِّجَال وَبِأَيِّ حسب تبارز عِنْد النضال أبنفسك فَأَنت الوغد الزنيم أم بِمن تنتمي إِلَيْهِ فَأهل السَّفه والطيش والدناءة فِي قُرَيْش لَا بشرف فِي الْجَاهِلِيَّة شهروا وَلَا بقديم فِي الْإِسْلَام ذكرُوا غير أَنَّك تَتَكَلَّم بِغَيْر

ص: 127

لسَانك وتنطق بالزور بِغَيْر أركانك وَالله لَكَانَ أبين للفضل وَأظْهر للعدل أَن ينزلك مُعَاوِيَة منزلَة العَبْد الْحقيق فَإِنَّهُ طالما أسلس دلوك وطمح بك رجاؤك إِلَى الْغَايَة القصوى فَقَالَ عبد الله بن جَعْفَر لِابْنِ عَبَّاس أَقْسَمت عَلَيْك لَمَا أَمسَكت فَإنَّك عني ناضلت ولي فاوضت فَقَالَ ابْن عَبَّاس دَعْنِي وَالْعَبْد فَإِنَّهُ قد كَانَ يهدر خَالِيا إِذْ لَا يجد رامياً قد أتيح لَهُ ضيغم شرس للأقران مفترس وللأرواح مختلس فَقَالَ ابْن الْعَاصِ لمعاوية دَعْنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنتصف مِنْهُ فوَاللَّه مَا ترك شَيْئا فَقَالَ ابْن عَبَّاس دَعه فَلَا يبْقى المبقى إِلَّا على نَفسه فوَاللَّه إِن قلبِي لشديد وَإِن جوابي لعتيد وَبِاللَّهِ الثِّقَة كَمَا قَالَ نَابِغَة بني ديبان // (من الوافر) //

(وَقَبْلَكَ مَا قَذَعْتُ وقَاذَعُونيِ

فَمَا نزر الكَلَامُ وَمَا شَجَانِي)

)

يَصُدُّ الشّاَعِرُ العَرَّافُ عَنِّي

صُدُودَ الْبَكْرِ عَنْ قَدَمٍ هجَانِ)

وَلما بلغ غانمة بنت غَانِم القرشية سبّ مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ بني هَاشم قَالَت لأهل مَكَّة أَيهَا النَّاس إِن قُريْشًا سادَت فجادت وملكَت فملكَتْ وفضلت ففضلت واصطفيت فاصطفت لَيْسَ فِيهَا كدر عيب وَلَا أفن ريب وَلَا حسروا طاغين وَلَا جادوا نادمين وَلَا المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين إِن بني هَاشم أطول النَّاس باعاً وأمجد النَّاس أصلا وأوسع النَّاس حلماً وَأكْثر النَّاس عَطاء منا عبد منَاف الَّذِي يَقُول فِيهِ الشَّاعِر // (من الْكَامِل) //

(كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فتفلَّقَتْ

فَالمُحُّ خَالِصُهَا لِعَبْدِ منافِ)

وَولده هَاشم الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيد لِقَوْمِهِ وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) //

(عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لقَوْمِهِ

ورجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ)

ثمَّ منا عبد الْمطلب الَّذِي سُقِينَا بِهِ الْغَيْث وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) //

ص: 128

(وَنحن سنى الْمحل قَامَ شفيعنا

بِمَكة يَدْعُو والمياه تغور)

وَابْنه أَبُو طَالب عَظِيم قُرَيْش وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الْكَامِل) //

(أُنْبِئْتُهُ مَلكًا فَقَامَ بحَاجَتِي

وَترى العُلَيِّجَ خَاسِئًا مَذْمُوم)

وَمنا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أردفه رَسُول الله

وَأَعْطَاهُ مَاله وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //

(رَديفُ رَسُولِ الله لم أَرَ مثلَهُ

وَلَا مِثْلُهُ حَتَّى القيَامَةِ يُوجَدُ)

وَمنا حَمْزَة سيد الشُّهَدَاء وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الوافر) //

(أَبَا يَعْلَي لَكَ الأرْكَانُ هدَّتْ

وأَنْتَ الماجدُ البَرُّ الوَصُولُ)

وَمنا جَعْفَر ذُو الجناحَين أحسن النَّاس حسباً وأتمهم كمالَا لَيْسَ بغدار وَلَا ختال بدله الله تَعَالَى بِكُل يَد جنَاحا يطير بهما فِي الْجنَّة وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //

(فَهاتُوا محاكي جَعْفَرٍ وَعَليَّنَا

أَلَسْنَا أَعَزَّ النَّاسِ عِنْدَ الحقائِقِ)

وَمنا أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَفرس بني هَاشم وَأكْرم من احتفى وانتعل بعد رَسُول الله

وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //

(وَهَذَا عَليٌّ سَيِّدُ النَّاسِ فَاتَّقُوا

عَليُّا بِإِسْلَامٍ تَقَدَّمَ مِنْ قَبْلُ)

وَمنا الْحسن بن عَليّ سبط رَسُول الله

وَسيد شباب أهل الْجنَّة وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الوافر) //

(وَمَنْ يَكُ جَدُّهُ حَقاً نَبِيًّا

فَإِنَّ لَهُ الفَضِيلَةَ فِي الأَنَامِ)

ص: 129

وَمنا الْحُسَيْن بن عَليّ حمله جِبْرِيل على عَاتِقه وَكفى بذلك فخرَاً وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //

(نَفَى عَنْهُ عَيْبَ الآدَمِيَّينَ رَبُّهُ

وَمَن جَدُّهُ جَدُّ الحُسَيْنِ المُطَهَّرُ)

ثمَّ قَالَت يَا معشر قُرَيْش الْآدَمِيّين وَالله مَا مُعَاوِيَة بأمير الْمُؤمنِينَ وَلَا هُوَ كَمَا يزْعم هُوَ وَالله شأني رَسُول الله

وَإِنِّي آتِيَة مُعَاوِيَة وقائلة لَهُ مَا يعرق مِنْهُ جَبينه وَيكون مِنْهُ أنينه فَكتب عَامل مُعَاوِيَة إِلَيْهِ بذلك فَلَمَّا بلغ مُعَاوِيَة أَن غانمة قربت مِنْهُ أَمر بدار ضِيَافَة فنظفت وَألقى فِيهَا فرش فَلَمَّا دنت من الْمَدِينَة اسْتَقْبلهَا يزِيد فِي حشمه ومماليكه فَلَمَّا دخلت الْمَدِينَة نزلت دَار أَخِيهَا عَمْرو بن غَانِم فَقَالَ لَهَا يزِيد إِن أَبَا عبد الرَّحْمَن يَأْمُرك أَن تصيري إِلَى ضيافته وَكَانَت لَا تعرف يزِيد فَقَالَت من أَنْت كلأك الله قَالَ يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَت فَلَا رعاك الله يَا نَاقص لست بزائد فتمعَّر لون يزِيد فَأتى أَبَاهُ فَأخْبرهُ فَقَالَ هِيَ أسن قُرَيْش وأعظمهم حَالا قَالَ يزِيد كم تعدُّ لَهَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ كَانَت تعد على عهد رَسُول الله

أَرْبَعمِائَة عَام وَهِي بَقِيَّة الْكِرَام فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَاهَا مُعَاوِيَة فَسلم عَلَيْهَا فَقَالَت على أَمِير الْمُؤمنِينَ السَّلَام وعَلى الْكَافرين الهوان ثمَّ قَالَت مَنْ مِنْكُم ابْن الْعَاصِ قَالَ عَمْرو هانذا فَقَالَت لَهُ رَأَيْتُك تسب قُريْشًا وَبني هَاشم وَأَنت أهل السب وفيك السب وَإِلَيْك يعود السبُّ يَا عَمْرو إِنِّي وَالله لعارفة بعيوبك وعيوب أمك وَإِنِّي أذكر لَك ذَلِك عيبَاً عَيْبا وُلدْتَ من أمة سَوْدَاء مَجْنُونَة حمقاء تبول من قيام وتعولها اللئام إِذا لَا مَسهَا الْفَحْل كَانَت نطفتها أنفذ من نطفته ركبهَا فِي يَوْم وَاحِد أَرْبَعُونَ رجلا وَمَا أَنْت فقد رَأَيْتُك غاويَاً غير رَاشد ومفسداً غير مصلح وَلَقَد رَأَيْت فَحل زَوجتك على فراشك فَمَا غرت وَلَا أنْكرت وَأما أَنْت يَا مُعَاوِيَة فَم كنت فِي خير وَلَا ربيب فِي نعْمَة فَمَا لَك وَبني هَاشم أنساء أُميَّة كنسائهم أم أعْطى أُميَّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام مَا أعْطى هَاشم فكفي فخراً برَسُول الله

ص: 130

فَقَالَ مُعَاوِيَة أيتها الْكَبِيرَة أَنا كَاف عَن هَاشم قَالَت فَإِنِّي أكتب عَلَيْك عهدا فقد كَانَ النَّبِي

دَعَا ربه أَن يستجيب لي خمس دَعَوْت فأجعل تِلْكَ الدَّعْوَات كُله فِيك فخاف مُعَاوِيَة وَحلف لَهَا أَلا يسب بني هَاشم أبدَاً فَهَذَا آخر مَا كَانَ من أمرهَا مَعَه قيل قَالَ رجل من قُرَيْش مَا أَظن مُعَاوِيَة أغضبهُ شَيْء قطّ فَقَالَ بَعضهم إِن ذكرت أمه غضب فَقَالَ مَالك ابْن أَسمَاء الْقرشِي أَنا أغضبهُ إِن جعلتم لي جُعْلا فَفَعَلُوا فَأَتَاهُ فِي الْمَوْسِم فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن عَيْنَيْك لتشبهان عينَي أمك قَالَ نعم كَانَتَا عينين طالما أعجبتا أَبَا سُفْيَان ثمَّ دَعَا مُعَاوِيَة مَوْلَاهُ شقران فَقَالَ لَهُ أعدد لأسماء دِيَة ابْنهَا فَإِنِّي قد قتلته وَهُوَ لَا يدْرِي فَرجع وَأخذ الْجعل فَقيل لَهُ إِن أتيت عَمْرو بن الزبير فَقلت لَهُ مثل مَا قلت لمعاوية أعطيناك كَذَا وَكَذَا فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَأمر بضربه حَتَّى مَاتَ فَبلغ مُعَاوِيَة مَوته فَقل أَنا وَالله قتلته وَبعث إِلَى أمه بِتِلْكَ الدِّيَة الَّتِي أعدهَا وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //

(أَلَا قُلْ لأَسْمَاءِ المُنى أُم مَالِكٍ

فَإِني لَعَمْرُ الله أَهْلَكْتُ مَالِكَا)

وَقيل لِشَرِيك القَاضِي إِن مُعَاوِيَة كَانَ حَلِيمًا فَقَالَ كلا وَالله لَو كَانَ حَلِيم لما سفه الْحق وَقَاتل عَلِياً عليه السلام وَلما مَاتَ سعيد بن الْعَاصِ وَفد ابْنه عَمْرو على مُعَاوِيَة فاستنطقه فَقَالَ إِن أول كل مركب صَعب وَإِن مَعَ أمس غَدا فَقل لَهُ مُعَاوِيَة من أوصى بك أَبوك فَقَالَ إِنَّه أوصى إليَ وَلم يُوصِ بِي فَقَالَ مُعَاوِيَة إِن ابْن سميَّة هَذَا لأشدق فُسمي عَمْرو الْأَشْدَق من ذَلِك الْيَوْم وَدخل ملك بن هُبَيْرَة السَّلُولي على مُعَاوِيَة وَكَانَ شَيخا كبيرَاً فأجلسه فحرك رجله فَمدَّهَا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة لَيْت لنا جَارِيَة لَهَا مثل ساقيك فَقَالَ مُتَّصِلا وبمثل عجيزتك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخَجِلَ مُعَاوِيَة وَقَالَ وَاحِدَة بِوَاحِدَة وَدخل عَلَيْهِ شريك بن الْأَعْوَر فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَنْت شريك وَمَا لله من

ص: 131

شريك وَابْن الْأَعْوَر وَالصَّحِيح خير من الْأَعْوَر وَإنَّك لدميم والوسيم خير من الدميم فَبِمَ سَودَكَ قَوْمك فَقَالَ لَهُ شريك إِنَّك لمعاوية وَمَا مُعَاوِيَة إِلَّا كلبة عوت فاستعويت فسميت مُعَاوِيَة وَإنَّك ابْن حَرْب وَالسّلم خير من الْحَرْب وَإنَّك ابْن صَخْر والسهل خير من الصخر وَإنَّك ابْن أُميَّة وَمَا أُميَّة إِلَّا أمة صغرت فَبِمَ صرت أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا خرجت عني فَخرج وَهُوَ يَقُول // (من الوافر) //

(أَيَشْتُمُنِي مُعَاوِيَةُ بنُ حَربِ

وَسَيفي صَارِم ومَعِي لسانِي)

(وَحَولِي مِنْ ذَوِي يَمَنٍ لُيُوث

ضراغمة تَهَشُ إِلَى الطعانِ)

وَقَالَ أربيت على عَليّ فِي أَربع خِصَال كَانَ رجلا سره علنه ومنت كتوماً لأمري وَكَانَ لَا يسْعَى حَتَّى يفجأه لأمر وَكنت أبادر ذَلِك وَكَانَ فِي أَخبث جند وأشدهم ختلا وَكنت فِي أطوع جند وَكنت أحب مِنْهُ إِلَى قُرَيْش فَثَابَ إِلَيّ مَا شِئْت من جائح وتفرق عَنهُ وَدخل يَوْمًا على امْرَأَته مَيْسُونُ بنت بَحْدَل أم يزِيد وَمَعَهُ خَصي فاستترت مِنْهُ فَقَالَ لم ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة فَقَالَت كَأَنَّك ترى أَن مُثلَتَكَ بِهِ تحلل مَا حرم الله عَلَيْهِ مِني وروى أَن عدي بن حَاتِم دخل على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة يَا عدي أَيْن الطرفات يَعْنِي بنيه طارفاً وطريفاً وطرفةَ قَالَ قتلوا يَوْم صفّين بَين يدَي عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا أنصفك ابْن أبي طَالب إِذْ قدم بَيْنك وَأخر بنيه فَقَالَ عدي بل مَا أنصفت أَنا عليا إِذْ قُتِلَ وبقيتُ قيل قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ لمعاوية يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مابقي من شبابك وتلذذك قل وَالله مَا بقى شَيْء يُصِيبهُ النَّاس من الدُّنْيَا إِلَّا وَقد أصبته أما النِّسَاء فَلَا أرب لي فِيهِنَّ وَلَا لَهُنَّ وَأما الطّيب فقد شممته حَتَّى مَا أُبَالِي بِهِ وَأما الطَّعَام فقد طعمت الحلو والحامض حَتَّى لَا أجد فرق مَا بَينهمَا وَأما الثِّيَاب فقد لبست من لينها وجيدها حَتَّى مَا أُبَالِي مَا ألبس فَمَا شَيْء ألذ عِنْدِي من شربة مَاء بَارِد فِي يَوْم صَائِف ونظري إِلَى بني وَبني بني يدرجون حَولي فَأَنت يَا عَمْرو مَا بَقِي من لذتك قَالَ أَرض أغرسها وآَكل من ثَمَرَتهَا وأنتفع بغلتها ثمَّ الْتفت مُعَاوِيَة إِلَى وردان مولى عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ يَا وردان مَا بَقِي من

ص: 132

لذتك قَالَ صنائع كَرِيمَة أعقدها فِي عنَاق الرِّجَال لَا يكافئوني عَلَيْهَا تكون لأعقابي من بعدِي فَقَالَ مُعَاوِيَة تَباً لهَذَا الْمجْلس يغلبنا عَلَيْهِ هَذَا العَبْد وعَلى هَذَا الذّكر قَالَ قُتَيْبَة بن مُسلم لوكيع بن الْأسود مَا السرُور قَالَ لِوَاء منشور وجلوس على السرير وَالسَّلَام عَلَيْك أَيهَا الْأَمِير وَقيل لحصين بن الْمُنْذر مَا السرُور قَالَ مرأة حسناء فِي دَار قوراء وَفرس بالفناء وَقيل لبَعْضهِم أَي الْأُمُور أمتع قَالَ الْأَمَانِي فَلَيْسَ سرُور النَّفس بالجدة إِنَّمَا سرورها بالأمل والمنى وَأنْشد // (من الْبَسِيط) //

(إِذَا تَمَنَّيْتُ بِتُّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا

إِنَّ المُنَى رأْسُ أَمْوَالِ المَفَالِيسِ)

(لَوْلَا المُنَى متُّ مِن هَمِّ ومِنْ جَزَعٍ

إِذا تذكَّرْتُ مَا فِي داخلِ الكِيسِ)

وَقيل لعبد الله بن الْأَهْتَم مَا السرُور قَالَ رفع الْأَوْلِيَاء وَحط الْأَعْدَاء وَقَالَ بَعضهم السرُور توقيع نَافِذ وَأمر جَائِز وَقيل لطرفة بن لعبد مَا السرُور فَقَالَ مطعم شهي ومركب وطي وملبس دفي وَقيل للأعشى مَا السرُور فَقَالَ صهباء صَافِيَة تمزجها غانية بِصَوْت غادية وَقيل لِمَعْنٍ مَا السرُور فَقَالَ مجْلِس يقل هذره وعود يصفو وتره وعقول تفهم مَا أَقُول وَقيل لمظلوم مَا السرُور فَقَالَ كِفَايَة ووطن وسلامة وَسكن وَقيل لبَعض الْعَرَب مَا السرُور فَقَالَ ينون أغبظ بهم عداتي وَلَا تقرع مَعَهم صفاتي وَقيل لفتاة مَا السرُور فَقَالَت زوج يمْلَأ قلبِي جلالَا وعيني جمالا وفنائي جِمالا وَقيل لطفيلي مَا السرُور فَقَالَ ندامى تسكن صُدُورهمْ وتغلي قدورهم وَلَا تغلق دُورهمْ وَقيل لقانص مَا السرُور فَقَالَ قسي مأطورة وشرعة مشرورة ونبال مطرورة

ص: 133

وَقَالَ الشَّاعِر // (من الْخَفِيف) //

(أطْيَبُ الأطيباتَ قتْلُ الأَعادِي

واخْتيَالٌ عَلى مُتُونِ الجَيادِ)

(وَأَيادٍ تَحْبُو بِهنَّ كَرِيمًا

إِنَّ عندَ الكَريمِ تزكُو الأَيَادِي)

)

ورسولٌ يَأْتِي بِوَعْدِ حبِيبٍ

وَحَبِيبٌ يَأُتِي بِلَا مِيعَادِ)

وَقل الآخر // (من الْخَفِيف) //

(أَطْيبُ الطْيبَاتَِأمْرٌ ونهْىٌ

لَا يُرَدَّانِ فِي الأمورِ الجِسَامِ)

(وامتطاءُ الخُيُولِ فِي كَنَفِ الأَمنِ

بِغَيْرَ الإِقدامِ والإِحجامِ)

(وَسماع الصَّهِيلِ فِي لجبِ المَوكبِ

تحتَ اللِّوَاءِ والأعلامِ)

وَقَالَ الآخر // (من الْخَفِيف) //

(أَطيبُ الأطيباتِ طيبُ الزمانِ

وندامَى المُنعَّمَاتِ الغَوانِي)

(واحتساءُ العُقارِ فِي غُرَّةِ الصُّبْحِ

على شَدْوِ مَاهِرَاتِ القِيَانِ)

(وأَمَانٌ مِن الهُمُومِ وَمَالٌ

لَيْسَ يُفْنِيهِ نَائِبُ الحَدَثَانِ)

وَلَقَد خرج بِنَا الاستطراد إِلَى غير المرد فنعود فَنَقُول وَقدم زِيَاد ابْن أَبِيه على مُعَاوِيَة فَلَمَّا طَال بِهِ الْمجْلس حَدثهُ بِحَدِيث فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة كذبت فَقَالَ زِيَاد مهلَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فوَاللَّه مَا حللت للْكَلَام حبوة إِلَّا على بيعَة الصدْق وَلم أكذب وحياة الْكَذِب عِنْدِي موت الْمُرُوءَة فاستحياه مُعَاوِيَة وَقَالَ يغْفر الله لَك يَا أخي فَكَأَنِّي أرى بك حَرْب بن أُميَّة فِي جميل شميه وكرم أخلاقه وَحكى عَن مُعَاوِيَة أَنه قعد للنَّاس فِي يَوْم عيد وَوضعت الموائد وَبدر الدَّرَاهِم للجوائز والصلات فجَاء رجل فَقعدَ على كيس دَنَانِير وَالنَّاس يَأْكُلُون فصاح بِهِ الخدم تنحَ فَلَيْسَ لَك هَذَا بِموضع فَقَالَ مُعَاوِيَة دعوا الرجُلَ يجلس حَيْثُ أحبَّ فَأخذ الْكيس وَقَامَ فَلم يَجْسُر أحد أَن يدنو مِنْهُ فَقَالَ الخدم إِنَّه قد نقص من المَال كيس فَقَالَ مُعَاوِيَة أَنا صَاحبه وَهُوَ مَحْسُوب لكم

ص: 134

ويحكي عَن مُعَاوِيَة بَيْنَمَا هُوَ يسير وشرحبيل بن لسمراء يسايره إِذْ راثَتْ فرس شُرَحْبِيل فساءه ذَلِك فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَبَا يزِيد إِنَّه يُقَال إِن الهامة إِذا عظمتْ دلتْ على وفور الدِّمَاغ وَصِحَّة الْعقل قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا هامتي فَإِنَّهَا عَظِيمَة وعقلي ضَعِيف نَاقص فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَة وَقَالَ كَيفَ ذَاك لله أَنْت قَالَ لإعلافي دَابَّتي مكوكين من شعير فَتَبَسَّمَ مُعَاوِيَة أَيْضا وَحمله على فرس من مراكبه قَالَ صَاحب كتاب المحاسن والمساوئ قيل لمعوية من رَأَيْت شَرّ النَّاس فَقَالَ عَلْقَمَة بن وَائِل الْحَضْرَمِيّ قدم على رَسُول الله

فَأمرنِي ن أَنطلق بِهِ إِلَى رجل من الْأَنْصَار أنزلهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقت مَعَه وَهُوَ على نَاقَته وَأَنا مشي فِي سَاعَة شَدِيدَة الْحر وَلَيْسَ برجلي حذاء فَقلت احملني يَا عَم من هَذَا الْحر فَإِنَّهُ لَيْسَ على حذاء قَالَ لست من أرْدف الْمُلُوك قلت أَنا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ قد سَمِعت رَسُول الله

يَقُول ذَلِك فَقلت ألق إِلَيّ نعليك قَالَ لَا تقلهما قدمك وَلَكِن امش فِي ظلّ نَاقَتي وَكَفاك بذلك شرفاً وَإِن الظل لَك كثير قَالَ مُعَاوِيَة فَمَا مرَ بِي مثل ذَلِك الْيَوْم ثمَّ أدْرك سلطاني فَلم أؤاخذه بذلك بل أجلسته على سَرِيرِي هَذَا وقضيت حَوَائِجه انْتهى كَانَ صعصعة بن صوحان وَأَخُوهُ زيد وَقيل يزِيد بن صوحان وَكِلَاهُمَا شيعَة عَليّ من الفصحاء البلغاء دخل صعصعة على مُعَاوِيَة فَسَأَلَهُ مَا السؤدد فِيكُم قَالَ إطْعَام الطَّعَام ولين الْكَلَام وبذل النوال وكف النَّفس عَن السُّؤَال والتودد للصَّغِير وَالْكَبِير وَأَن يكون النَّاس عنْدك شرعا ثمَّ قَالَ مَا الْمُرُوءَة والسيادة قَالَ أَخَوان اجْتمعَا فَإِن لقيا قهرا وَإِن كَانَ بَينهمَا قَلِيل وصاحبهما جليل محتاجان إِلَى صِيَانة ونزاهة ودماثة وفراهة قَالَ فَهَل تحفظ فِي ذَلِك شَيْئا قَالَ نعم أما سَمِعت قَول مرّة بنِ ذهل الشَّيْبَانِيّ حَيْثُ يَقُول // (من الْكَامِل) //

(إنَّ السِّادة والمُرُوءَةَ عُلِّقَا

حَيْثُ السِّمَاكُ من السماءِ الأعزلُ)

(وَإذَل تَقابلَ يجريانِ لغايةٍ

عَثر الهَجِيْنُ وأَسْلَمَتْهُ الأَرْجُلُ)

ص: 135

(ونجَا الصريحُ مَعَ الغِياثِ مُعوَّدًا

قربَ الجيادِ ولمْ يجِئْهُ الأَفْكلُ)

قَالَ مُعَاوِيَة لَو أَن رجلا ضرب آَباط الْإِبِل شرقاً وغرباً لفائدة هَذِه الأبيات مَا عفته ثمَّ قَالَ لَهُ فَمن الْحَلِيم قَالَ من ملك غَضَبه فَلم يَجْعَل وَأوحى إِلَيْهِ بِحَق أَو بَاطِل فَلم يقبل ذَلِك الْحَلِيم يَا مُعَاوِيَة ثمَّ قَالَ لَهُ فَمن الْفَارِس فِيكُم الشجاع حد لي فِيهِ حَداً أسمعهُ مِنْك فَإنَّك تضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا يَابْنَ صوحان قَالَ الْفَارِس من قصر أَجله فِي نَفسه وضغم عَن أمله بضرسه وَكَانَت الْحَرْب عَلَيْهِ يَوْمه أَهْون من أمسه ذَلِك الْفَارِس إِذا أوقدت الْحَرْب وَاشْتَدَّ بالأنفس الكرب وتداعوا للنزال وتسارعوا لِلْقِتَالِ وتخالسوا المهَج واقتحموا بِالسُّيُوفِ اللجج قَالَ مُعَاوِيَة زِدْنِي قَالَ نعم الْفَارِس كثير الحذر يردد النّظر يلْتَفت بِقَلْبِه وَلَا يُدِير خَرَزَات صلبه قَالَ أَحْسَنت يَا بن صوحان فَهَل فِي مثل هَذِه الصّفة من شعر قَالَ نعم لزهير بن جناب الْكَلْبِيّ قَوْله // (من الْخَفِيف) //

(فارسٌ يَكْلأُ الصَّحَابَة مِنْهُ

بِحُسَامٍ يمرُّ مَرَّ الحرِيقِ)

(لَا تَرَاهُ يَوْمَ الوَغَى فِي مَجَالٍ

يُغْفِلُ الضَّرْبَ لَا وَلَا فِي المَضِيقِ)

(مَنْ يَرَاهُ يَخَلْهُ فِي الحربِ يَومًا

أَنه تَائِهٌ مُضِلُّ الطَّرِيقِ)

وَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة أَحْسَنت كل الحسُن يَا بن صوحان وَمن حسن سياسات مُعَاوِيَة أَن رجلا من أهل الْكُوفَة قدم دمشق على بعير لَهُ بعد منصرفهم من صفّين فَتعلق بِهِ رجل من أهل دمشق وَقَالَ هَذِه نَاقَتي أخذت مني

ص: 136

بصفين فَرفع أَمرهمَا إِلَى مُعَاوِيَة فَأَقَامَ الدِّمَشْقِي خمسين رجلا يشْهدُونَ أَنَّهَا نَاقَته فَقضى مُعَاوِيَة على الْكُوفِي وَأمره بِتَسْلِيم النَّاقة فَقَالَ الْكُوفِي أصلحك الله إِنَّمَا هُوَ جمل وَلَيْسَ بِنَاقَة فَقَالَ مُعَاوِيَة هَذَا حكم مضى ودس إِلَى الْكُوفِي من أحضرهُ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ثمن بعيره فَدفع إِلَيْهِ ضعف ثمنه وبره وَأحسن إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أبلغ عليا أَنِّي أقاتله بِمِائَة ألف مَا فيهم من يفرق بَين النَّاقة والجمل وَلَقَد بلغ من طاعتهم لَهُ أَنه صلى بهم عِنْد مسيره إِلَى صفّين الْجُمُعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وأعاروه رُءُوسهم عِنْد الْقِتَال وجملوه بهَا هَكَذَا ذكره المَسْعُودِيّ فِي مروجه ثمَّ انْتهى بهم الْحَال إِلَى أَن جعلُوا لَعنَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وكرم الله وَجهه سُنَة ينشأ عَلَيْهَا صَغِيرهمْ وَيهْلك عَلَيْهَا كَبِيرهمْ أَقُول انْظُر إِلَى هَذَا النَّقْل من المَسْعُودِيّ هَل يخرج إِلَّا من قلب مبغض وَيدخل إِلَّا فِي أذن مبغض سبما صلَاته بهم الْجُمُعَة يَوْم الْأَرْبَعَاء أَي معنى فِيهِ لَهُ هَب أَن مَا عداهُ على تَقْدِير صِحَّته لَهُ غَرَض فِيهِ وَأما نِسْبَة الصَّلَاة فَلَيْسَ الْقَصْد بهَا إِلَّا نسبته إِلَى الاستخفاف بِالدّينِ والتلاعب بعماده الَّتِي هِيَ أعظَمُ رُكْنه المكين وَقد علمت أ، المَسْعُودِيّ هُوَ من هُوَ وَإِذا كَانَ اعْتِقَادهم فِي الشَّيْخَيْنِ وحاشاهما ارتدادهما وهما من هما فَمَا ظَنك بسواهما وَذكر بعض الإخباريين أَنه قَالَ لرجل من هَل الشَّام من زعمائهم وَهل الرَّأْي مِنْهُم من أَبُو تُرَاب هَذَا الَّذِي يلعنه الإِمَام على الْمِنْبَر فَقَالَ الشَّامي أرَاهُ إِمَّا لِصُّاً من لصوص الْقَيْن أَو من قطاع الطَّرِيق وَحكى الجاحظ أَنه قَالَ لرجل من أهل الشَّام وَهُوَ يُرِيد الْحَج وَقد ذكر لَهُ الْبَيْت الشريف يَا أخي إِذا أَتَيْته فَمن يكلمني مِنْهُ وَقَالَ أَيْضا إِنَّه أخبرهُ صديق لَهُ أَنه قَالَ لَهُ رجل وَقد سَمعه يُصَلِّي على مُحَمَّد

مَا تَقول فِي مُحَمَّد هَذَا أربنا هُوَ وَذكر ثُمَامَة بن أَشْرَس قَالَ كنت ماراً بِالسوقِ بِبَغْدَاد فَإِذا رجل يَبِيع كحلا ويصفه أَنه ينجح لكل دَاء فِي الْعين فَنَظَرت إِلَى عَيْنَيْهِ فَإِذا وَاحِدَة برشاء

ص: 137

وَالْأُخْرَى موكوسة فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ أَو هَاهُنَا اشتكيت عَيْني يَا أبله إِنَّمَا اشتكيتها بِمصْر فَقَالَ أَصْحَابه صدق صدق قَالَ المَسْعُودِيّ وَذكر لي بعض إخْوَانِي من أهل الْعلم قَالَ كُنَّا نقعد فنتذاكر أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعلياً وَمُعَاوِيَة وَنَذْكُر مَا يذكرهُ أهل الْعلم وَكَانَ قوم من النَّاس مِنْهُم ينظرُونَ إِلَيْنَا فَقَالَ لي بَعضهم وَكَانَ أظرفهم وأعقلهم وأكبرهم لحية كم تطنبون فِي عَليّ وَمُعَاوِيَة وَفُلَان وَفُلَان فَقلت لَهُ وَمَا تَقول أَنْت فِي ذَلِك فَقَالَ من تُرِيدُ قلت عَليّ مَا تَقول فِيهِ قَالَ أَلَيْسَ هُوَ أَبَا فَاطِمَة قلت وَمن كَانَت فَاطِمَة قَالَ امْرَأَة النَّبِي

بنت عَائِشَة أُخْت مُعَاوِيَة قلت فَمَا كَانَ من قصَّة عَليّ قَالَ قتل فِي غزَاة حنين مَعَ النَّبِي

وَفِي الطيوريات عَن سُلَيْمَان المَخْزُومِي قَالَ أذن مُعَاوِيَة للنَّاس إِذْنا عَاما فَلَمَّا أحتفل بِالْمَجْلِسِ قَالَ أنشدوني ثَلَاثَة أَبْيَات لرجل من الْعَرَب كل بَيت مِنْهَا قَائِم بِمَعْنَاهُ فَسَكَتُوا ثمَّ طلع عبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَة أَنْشدني ثَلَاثَة أَبْيَات لرجل من الْعَرَب كل بَيت قَائِم بِمَعْنَاهُ قَالَ بثلاثمائة ألف قَالَ أَو تَسَاوِي قَالَ أَنْت بِالْخِيَارِ فَأَنت واف كَاف قَالَ هَات فأنشده للأفوه الأودي // (من الوافر) //

(بَلَوْتُ الناسَ قرنا بعد قرْنٍ

فلمْ أَرَ غَيْرَ ختالٍ وقَالِي)

فَقَالَ مُعَاوِيَة صدقت هيه فَقَالَ // (من الوافر) //

(وَذُقْتُ مَرَارَة الأَشْيَاءِ طُرًّا

فَمَا طعْمٌ أَمَرّ مِن السُّؤالِ)

قَالَ صدقت هيه فَقَالَ // (من الوافر) //

(وَلمْ أَرَ فِي الخُطُوبِ أَشَدَّ وَقعا

وَأَصْعبَ مِن مُعَادَاةِ الرِّجَالِ)

قَالَ مُعَاوِيَة صدقت ثمَّ أَمر لَهُ بثلاثمائة ألف

ص: 138

قَالَ الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الحيون الْكُبْرَى لما تزوَج مُعَاوِيَة مَيْسُونُ بنت بَحْدَل الْكَلْبِيَّة أم يزِيد بن مُعَاوِيَة واتصلت بِهِ وَكَانَت ذَات جمال باهر وَحسن غامر وأعجب بهَا مُعَاوِيَة وهيأ لَهَا قصرَاً مشرفاً على الغوطة وزينه بأنواع الزخارف وَوضع فِيهِ من الْأَوَانِي الْفضة وَالذَّهَب مَا يضاهيه وَنقل إِلَيْهِ من الديباج الرُّومِي الملون والفرش مَا هُوَ لَائِق بِهِ ثمَّ أسكنها مَعَ وصائف لَهَا كأمثال الْحور الْعين فَلبِست يَوْمًا أَفْخَر ثِيَابهَا وتطيبتْ وتزينَتْ بِمَا أعدَ لَهَا من الْحلِيّ والجواهر الَّتِي لَا يُوجد مثلهَا ثمَّ جَلَست فِي روشنها وحولها الوصائف ونظرَتْ إِلَى الغوطة وأشجارها وأنهارها وتجاوب الطير فِي أوكارها واشتمَّتِ الأزهارَ والرياحينَ والنُوَّارَ فتذكرت نجداً وحنَّتْ إِلَى أترابها وأناسها وَذكرت مسْقط رَأسهَا فَبَكَتْ وتنهدت فَقَالَ لَهَا بعض حظاياها مَا يبكيك وَأَنت فِي ملك يضاهي ملك بلقيس فتنفست الصعداء ثمَّ أنشدت // (من والوافر) //

(لبَيْتٌ تَخْفُقُ الأَرْوَاحُ فِيهِ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قصرٍ مُنِيفِ)

(وَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عَيْني

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لبسِ الشُّفوفِ)

(وأَكل كسيرةٍ فِي ظلِّ بَيْتِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أكلِ الرَّغيفِ)

(وأصواتُ الرياحِ بكلِّ فَجٍّ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نقرِ الدُّفوفِ)

(وكلْبٌ ينبحُ الطُّرَّاقَ دوني

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِطٍّ أَلُوفِ)

(وَبَكْرُ يتبعُ الأظعَانَ صَعْبٌ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ بَعْلٍ زفُوفِ)

(وخرق مِنْ بني عَمي نحِيفٌ

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْجٍ عَنُوفِ)

فَلَمَّا دخل معاوبة عَرفته الحظية بِمَا قَالَت وَقيل إِنَّه سَمعهَا وَهِي تنشد ذَلِك فَقَالَ مَا رضيتْ بنت بَحْدَل حَتَّى جَعَلتني علجاً عنوفاً هِيَ طَالِق ثَلَاثًا مروها فلتأخذ جَمِيع مَا فِي الْقصر فَهُوَ لَهَا ثمَّ سيره إِلَى أَهلهَا بِنَجْد وَكَانَت إِذْ ذَاك حاملَا بِيَزِيد فولدته بالبادية وأرصعته سنتَيْن وليتها لم تَلد وَلم ترْضع ثمَّ أَخذه مُعَاوِيَة مِنْهَا بعد ذَلِك وَذكر الْعَلامَة أَبُو الْقَاسِم الحريري فِي درة الغوص أَن عبيد بن شرية الجرهمي عَاشَ ثَلَاثمِائَة سنة وَأدْركَ الْإِسْلَام فَأسلم وَدخل على مُعَاوِيَة بِالشَّام وَهُوَ خَليفَة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة حَدثنِي بِأَعْجَب مَا رَأَيْت فَقَالَ مَرَرْت بِقوم يدفنون مَيتا لَهُم فَلم

ص: 139

انْتَهَيْت إِلَيْهِ اغرورقت عَيناهُ بالدموع فتمثلت بقول الشَّاعِر من // (الْبَسِيط) //

(ياَ قَلْبُ إنكَ من أسماءَ مغرورُ

فاذْكُرْ ولنْ يَنْفَعَنْكَ اليَوْمَ تذكيرُ)

(قَدْ بُحْتَ بالحُبِّ مَا تُخْفِيهِ مِنْ أَحَدٍ

حَتَّى جَرَتْ لَكَ أطْلَاقٌ مَحَاضِيرُ)

(فَلَسْتَ تَدْرِي وَمَا تَدْرِي أَعَاجِلُهَا

أدنَى لِرُشْدِكَ ذَا أَمْ فِيهِ تَأْخِيرُ)

(فَاسْتَقْدِرِ الله خَيْرًا ورأضَيَنَّ بِهِ

فَبَيْنَمَا العُسْرُ إذْ دَارَتْ مياسيرُ)

(وبينما المرءُ فِي الأحْيَاءِ مغتبطٌ

إذْ قَدْ هَوَى الرَّمْسَ تَغْفُوهُ الأعَاصِيرُ)

(يَبْكِي الغَرِيبُ عَلَيْهِ لَيْسَ يَعْرِفُهُ

وَذُو قَرَابَتِهِ فِي الحَيِّ مَسْرُورُ)

فَقَالَ لي شخص أتعرفُ مَن يَقُول هَذِه الأبيات قلت لَا وَالله إِلَّا أَنِّي أرويها مُنْذُ زمَان فَقَالَ وَالَّذِي يُحلَفُ بِهِ إِن قَائِلهَا هُوَ صاحبنا الَّذِي دفناه السَّاعَة وَأَنت الغريبُ الَّذِي يبكي عَلَيْهِ وَلَيْسَ يعرفهُ وَهَذَا الَّذِي خرج من قَبره أَمَسُّ النَّاس بِهِ رحما وَهُوَ أسرهُم بِمَوْتِهِ كَمَا وصف فتعجب مُعَاوِيَة من هَذَا الِاتِّفَاق الْغَرِيب وَوَصله بِمَال عَظِيم وَذكر أَن أَبَا الْأسود الديلِي من شيعَة عَليّ دخل على مُعَاوِيَة خَالِيا فتحادثا طَويلا فحبق أَبُو الْأسود فَقَالَ لمعاوية إِنَّهَا فلتة فاكتمها عَليّ فَقَالَ مُعَاوِيَة أفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج من عِنْده دخل على مُعَاوِيَة عَمْرو بن الْعَاصِ فَأخْبرهُ عَن ضرطة أبي الْأسود ثمَّ خرج عَمْرو فلقي أَبَا الْأسود بِالسوقِ فَقَالَ لَهُ مَا فعلت ضرطتك يَا أَبَا الْأسود فَقَالَ أَبُو الْأسود كل ذِي جَوف ضروط ثمَّ غَدا على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ إِن امْرأ لم يُؤمن على ضرطة حقيق ألَا يُؤمن على إمرة الْمُؤمنِينَ قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ فِي دوَل الْإِسْلَام عِنْد ذكر عبيد الله بن زِيَاد الْمَعْرُوف أَبوهُ بِزِيَاد ابْن أَبِيه عِنْد النَّاس وَعند بني أُميَّة بِزِيَاد بن أبي سُفْيَان روى عَن مُعَاوِيَة أَنه كتب إِلَى زِيَاد أوفد عَليّ ابْنك عبيد الله فَفعل فَمَا سَأَلَهُ مُعَاوِيَة عَن شَيْء إِلَّا أنفذه فِيهِ حَتَّى سَأَلَهُ عَن الشّعْر فَلم يعرف مِنْهُ شَيْئا فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مَا مَنعك من رِوَايَة الشّعْر قَالَ كرهت أَن أجمع كَلَام الله وَكَلَام الشَّيْطَان فِي صَدْرِي فَقَالَ اغرب وَالله لقَد وضعتُ رِجَلي فِي الركاب يَوْم صفّين مرَارًا مَا يَمْنعنِي من الْعَزِيمَة أبياتَ ابْن الإطنابة حَيْثُ يَقُول من // (الوافر) //

(أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى حَيَائِي

وأَخْذِي الحمْدَ بالثَّمَنِ الرَّبيحِ)

ص: 140

(وَإعْطَائِي على الإعدامِ مَالِي

وإِقْدَامِي عَلَى البَطَلِ المُشِيحِ)

(وَقَوْلِي كُلَّما جَشأَتْ وطَاشَتْ

مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحي)

وَكتب إِلَى أَبِيه فَرَوَاهُ الشّعْر فَمَا سقط عَلَيْهِ مِنْهُ بعدُ شَيْء قلت وَإِنَّمَا ذكرتها هَهُنَا لتعلقها بِمُعَاوِيَة إِذْ الْكَلَام فِيهِ هُنَا قَالَ مُعَاوِيَة يَوْمًا على الْمِنْبَر أَيهَا النَّاس إِن الله فضل قُريْشًا بِثَلَاث فَقَالَ لنَبيه {وَأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} الشُّعَرَاء 214 وَنحن عشريته الأقربون وَقَالَ {وَإنَّهُ لذكر لَك ولقومك} الزخرف 44 وَنحن قومه وَقَالَ {لإيلافِ قُرَيشٍ} قُرَيْش 1 وَنحن قُرَيْش فَقَالَ لَهُ رجل من الْأَنْصَار على رسلك يَا مُعَاوِيَة فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وكذبَ بِه قَومُكَ وَهُو اَلحق} الْأَنْعَام 66 وَأَنْتُم قومه وَقَالَ {وَلمَا ضرِبَ ابنُ مَريَمَ مَثَلا إِذَا قَومك مِنهُ يصدُّون} الزخرف 57 وَأَنْتُم قومه وَقَالَ {وَقَالَ اَلرسول يَا رب إِن قومِي اتَّخذُوا هَذَا القرءان مَهْجُورًا} الْفرْقَان 30 وَأَنْتُم قومه ثَلَاث بِثَلَاث وَلَو زدتنا لزدناك قَالَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت دخل رَهْط من الْأَنْصَار على مُعَاوِيَة فقّال لَهُم يَا معشر الْأَنْصَار قُرَيْش خير لكم مِنْكُم لَهُم فَإِن يكن ذَلِك لقتلَى أُحُد فقد نلتم يَوْم بدر وَإِن تكن للأثرة فوَاللَّه مَا جعلتم إِلَى صلتكم سَبِيلا خذلتم عُثْمَان يَوْم الدَّار وقتلتم أنصاره يَوْم الْجمل وصليتم بِالْأَمر يَوْم صفّين فَقَالَ رجل مِنْهُم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما قَوْلك عَن قَتْلَى أحد فَإِن قتيلنا شَهِيد وحينا فائز وَأما قَوْلك الأثرة فَإِن رَسُول الله

أمرنَا بِالصبرِ عَلَيْهَا وَأما قَوْلك إِنَّا خذلنا عُثْمَان يَوْم الدَّار فإِنِ الْأَمر فِي عُثْمَان إِلَّا جَفَلَى وَأما قَوْلك إِنَّا قتلنَا أنصاره يَوْم الْجمل فَذَاك مَا لَا نعتذر مِنْهُ وَأما قَوْلك إِنَّا صلينَا الْأَمر يَوْم صفّين فَإنَّا كُنَّا مَعَ رجل لم نأله خيرا فَإِن لمتنا فَرب ملوم لَا ذَنْب لَهُ مَا مددت لنا شبْرًا من عذر إِلَّا مددنا لَك باعاً من خير وَإنَّك جدير بِأَن تستصفي قُلُوبنَا من كدرها بفَضلِ حلمك فَقَالَ أفعلُ وكرامة ثمَّ أَدْنَاهُم وأجزل حباءهم كَذَا فِي المحاسن للبيهقي وَعَن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ قَالَ دخلت بكارة الْهِلَالِيَّة على مُعَاوِيَة وَكَانَت قد كَبرت وَغشيَ على بصرها وضعفت قوتها فَسلمت وَجَلَست فَرد عَلَيْهَا مُعَاوِيَة السَّلَام

ص: 141

وَقل لَهَا كَيفَ أَنْت يَا خَالَة قَالَت بِخَير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ غَيرَكِ الدهْرُ قَالَت هُوَ كَذَا من عَاشَ كبر وَمن مَاتَ قبر فَقَالَ عَمْرو بن لعاص هِيَ القائلة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من // (الْكَامِل) //

(يَا زَيْدُ دُونَكَ فَاحْتَفِرْ فِي أرْضِنَا

سَيْفًا حُسَامًا فِي التُّرابِ دَفِينَا)

(قَدْ كُنْتُ أخبوه لِيَوْمِ مُلمَّةٍ

وَاليَوْم أَبْرَزَهُ الزَّمَانُ مَصُُونا)

فَقَالَ مَرْوَان هِيَ وَالله القائلة أَيْضا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من // (الْكَامِل) //

(أَتُرَى ابْنَ هِنْدٍ للخِلَافةِ مَالِكًا

هَيْهَاتَ ذَاكَ وَإِنْ أراهُ بَعِيدُ)

(منَّتْكَ نَفْسُكَ فِي الخَلَاءِ ضَلَالَةً

أَقْوَال عَمْرٍ ووَالشَّقيُّ سَعِيدُ)

وَقَالَ سعيد بن الْعَاصِ هِيَ وَالله القائلة أيضَاً من // (الْكَامِل) //

(قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَمُوتَ ولَا أَرَى

فَوْقَ المَنابِرِ مِنْ أُمَيَّةَ خاطِبا)

(أَلله أَخَّرَ مُدَّتِي فَتَطَاوَلَتْ

حَتَّى رأَيْتُ مِنَ الزَّمَانِ عَجَائِبَا)

فَقَالَت يَا مُعَاوِيَة إِن هَؤُلَاءِ جمَاعَة حَسَنَة وَأَنا وَالله القائلة هَذَا جَمِيعه وَمَا خَفِي عَنْك أَكثر فَضَحِك مُعَاوِيَة وَقَالَ لَهَا لَيْسَ يمنعنا ذَلِك من أَدَاء حَقك وَقَضَاء حوائجك فَمَا كَانَ لَك من حَاجَة فأبديها قلت أما فِي الْمجْلس فَلَا وانصرفت فَأرْسل خلفهَا واسترضاها وَأَعْطَاهَا عشرَة آلَاف دِرْهَم وَعَن سهل التَّيْمِيّ قَالَ حج مُعَاوِيَة فَسَأَلَ عَن امْرَأَة من بني كنَانَة يقل لَهَا دارمة الحجازية الكنانية فأخبروه بسلامتها فَأمر بإحضارها فَلَمَّا حضرت وَكَانَت سَوْدَاء فَقَالَ لَهَا كَيفَ أَنْت يابنة حام قَالَت لست بابنة حام إِنَّمَا أَنا امْرَأَة من بني كنَانَة قَالَ أَتَدْرِينَ لم أرْسلت إِلَيْك قَالَت لَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله قَالَ أردْت ن أَسأَلك لم أَحْبَبْت عليا وأبغضتني وواليتِه وعاديتِني قَالَت أَحْبَبْت عليا لعدله فِي الرّعية وقسمته بِالسَّوِيَّةِ وأبغضتك لِقِتَالِك من هُوَ أولى بالخلافة مِنْك وطلبك مَا لَيْسَ بِحَق لَك وواليت عليا لما عقد لَهُ رَسُول الله

من الْولَايَة ولحبه الْمَسَاكِين وإعظامه لأهل الدّين وعاديتك بسفك الدِّمَاء وجورك فِي الْقَضَاء وحكمك بالهوى فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة ورأيتِ عليا قَالَت نعم قَالَ كَيفَ رأيتِه قَالَت رَأَيْته مَا فتنه الملكُ الَّذِي فتنك وَلم تشغله النِّعْمَة الَّتِي شغلتك قَالَ فَهَل سَمِعت من كَلَامه شَيْئا قَالَت نعم كَانَ كَلَامه يجلو الْقُلُوب من

ص: 142

الْعَمى كَمَا يجلو الْقَيْن الصدى قَالَ فَهَل لَك من حَاجَة قَالَت نعم أَعْطِنِي مائَة نَاقَة حَمْرَاء فِيهَا فحولها ورعاها قَالَ فَم تصنعين بهَا قَالَت أغذي بلبنها الصغار وأستحي وأكتسب بهَا المكارم وَأصْلح بهَا بَين العشائر قَالَ فَإِذا دفعتها لَك أكون عنْدك فِي منزلَة عَليّ قَالَت لَا وَالله فَقَالَ مُعَاوِيَة // (من الطَّوِيل) //)

إِذَا لمْ أَجُدْ بِالحِلْمِ مِنِّي عليْكُمُ

فَمَنْ ذَا الَّذِي بَعْدِي يُؤَمَّلُ لِلْحِلْمِ)

)

خُذِيَها هَنِيئًا واذْكُرِي فِعْلَ ماجدٍ

جَزَاكِ عَلَى حرْبِ العداوةِ بِالسِّلْمِ)

ثمَّ قَالَ لَهَا وَالله لَو كَانَ عَليّ حَيا مَا أَعْطَاك مِنْهَا نَاقَة قَالَت لَا وَالله وَلَا وَبرَة لأَنها من مَال الْمُسلمين واستأذنت أم الْبَراء بنت صَفْوَان على مُعَاوِيَة فَأذن لَهَا فدخلتْ وسلمت وَكَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَة دروع تسحب خلفهَا ثمَّ جَلَست فَقَالَ لَهَا كَيفَ أَنْت يابنة صَفْوَان قَالَت كسلت بعد نشاط وضعفت بعد قُوَّة فَقَالَ شتَان بَين لسَانك الْيَوْم وَبَين قَوْلك // (من الْكَامِل) //

(يَا زَيْدُ دُونَكَ صَارِمًا ذَا رَوْنَقٍ

عَضْبِ المحزة لَيْسَ بالخَوَّارِ)

(أسرجْ جَوادَكَ مُسْرعًا ومُشَمِّرًا

للحَرْبِ غَيْر معوّدٍ لِفِرَارِ)

(أَجِبِ الإِمامَ وَذبَّ تَحْتَ لوائِهِ

وَالْقَ العَدْوَّ بِصَارِمٍ بتَّارِ)

(يَا اليتني أَصْبحْتُ غَيْرَ قعيدةٍ

فَأذبَّ عَنْهُ عَسَاكِرَ الفُجَّارِ)

قَالَت قد كَانَ ذَلِك وَلَكِن عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ قَالَ هَيْهَات أما وَالله لَو عَاد لعدتِ وَلكنه اخترم قَالَت أجل وَالله إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي وَهدى من أَمْرِي فَقَالَ بعض جُلَسَائِهِ وَهِي القائلة ترثي عليا // (من الْكَامِل) //

(ياَ لَلرِّجَالِ لهوْلِ عُظْمِ مُصِيبَةٍ

حلَّتْ فَلَيْسَ مُصَابها بالحَائِلِ)

(ألشَّمْسُ كاسفَةٌ لِفَقْدِ إِمَامِنَا

خَيْرِ الخلائِقِ والإمَامِ العَادِلِ)

(صِهْرَ النبيِّ لقَدْ نَفَذْتَ فؤَادنا

وَالحَقُّ أَصْبَحَ خَاضِعًا للبَاطِلِ)

فَقَالَ لَهَا مُعَاوِيَة قَاتلك الله مَا أبقيت لنا من قَول ثمَّ خرجت فَبعث لَهَا مُعَاوِيَة بجائزة سنية وأخباره بِمثل ذَلِك كَثِيرَة شهيرة

ص: 143

قيل ذكر أَنه جلس يَوْمًا فِي مجْلِس كَانَ لَهُ بِدِمَشْق وَكَانَ ذَلِك الْمجْلس مفتح الجوانب يدْخل مِنْهُ النسيم من سَائِر جهاته فَبَيْنَمَا هُوَ جَالس ينظر وَكَانَ يَوْمًا شَدِيد الْحر لَا نسيم فِيهِ وَكَانَ وسط النَّهَار إِذْ نظر إِلَى رجل يمشي نَحوه وَهُوَ يتلظى من حر الرمضاء ويحجل فِي مشيته رَاجِلا حافياً فَتَأَمّله وَقَالَ لجلسائه هَل خلق الله رجلا أَشْقَى مِمَّن يحْتَاج إِلَى الْحَرَكَة فِي مثل هَذِه السَّاعَة فَقَالَ بَعضهم لَعَلَّه يقْصد أَمِير الْمُؤمنِينَ فأوصى حَاجِبه إِن طلبني هَذَا الْأَعرَابِي فَلَا تَمنعهُ من الدُّخُول عَليّ فَكَانَ كَذَلِك فَأدْخلهُ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة مِمَّن الرجل فَقَالَ من تَمِيم قَالَ مَا الَّذِي جَاءَ بك فِي هَذَا الْوَقْت قَالَ جِئْت شكيا وَبِك مستجيراً قَالَ مِمَّن قَالَ من مروانَ بنِ الحكمِ بِمَا ملك وَأنْشد من // (الطَّوِيل) //

(مُعَاوِيَ يَا ذَا الحِلْمِ والجودِ والفَضْلِ

وَيَا ذَا النَّدي والعِلْمِ وَالرُّشْدِ والنُّبْلِ)

(أَتيتُكَ لمَّا ضَاقَ فِي الأرْضِ مَذْهَبِي

فَيَا غَوْثُ لَا تَقْطَعْ رَجَائِي مِنَ العَدْلِ)

(وَجُدْ لِي بِإِنْصَافٍ مِنَ الجَائِرِ الَّذِي

بَلَانِي بِشَيءِ كانَ أَيْسَرُهُ قَتْلِي)

(سَبَانِيَ سُعْدَى وانبَرى لخُصُومَتِي

وَجَارَ وَلم يَعْدِلْ وَغَاصَبَنِي أَهْلِي)

(وَهَمَّ بقتلى غيْرَ أَنَّ منِيَّتِي

تَنَاءَتْ وَلم أسْتَكْمِلِ الرِّزْقَ مِنَْأجْلِي)

فَلَمَّا سمع مُعَاوِيَة إنشاده وَالنَّار تتوقد من فِيهِ قَالَ مهلا يَا أَخا الْعَرَب اذكر قصتك وأبِن عَن أَمرك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَت لي زَوْجَة وَكنت لَهَا محباً وَبهَا كلفَاً وَكَانَت لي صرمة من إبل نستعين بهَا على قيام حَالي فأصابتنا سنة سنتَاءُ حطمَة شَدِيدَة أذهبتِ الْخُف والحافر فَبَقيت لَا أملك شَيْئا فَلَمَّا ذهب مَا بيَدي بقيت مهاناً ثقيلا على النَّاس فَلَمَّا علم أَبوهَا مَا بِي من سوء الْحَال أَخذهَا مني وحجرني وطردني وَأَغْلظ عَليّ فَأتيت إِلَى عاملك مَرْوَان راجيَاً لنصرته فَلَمَّا أحضر أَبَاهَا سَأَلَهُ عَن حَالي فَقَالَ مَا أعرفهُ قبل الْيَوْم فَقلت أصلح الله أَمِير إِن رَأَى أَن يحضرها ويسألها عَن قَول أَبِيهَا فَلْيفْعَل فَبعث خلفهَا فأحضرها فَلَمَّا حضرت بَين يَدَيْهِ وقعَتْ مِنْهُ موقع الْإِعْجَاب فَصَارَ لي خصما وَعلي منكرَاً وَأظْهر لي الْغَضَب وَبعث بِي إِلَى السجْن فَبَقيت كأنني خَرَرْت من السَّمَاء واستهوت بِي الرّيح فِي مَكَان سحيق ثمَّ قَالَ لأَبِيهَا هَل لَك أَن تزَوجهَا مني على ألف دِينَار وَعشرَة آلَاف دِرْهَم لَك وَأَنا ضمن لَك خلاصها من هَذَا الْأَعرَابِي فَرغب أَبوهَا

ص: 144

فِي المَال وأجابه إِلَى ذَلِك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعث إِلَيّ وأحضرني وَنظر إِلَيّ كالأسد الغضبان وَقَالَ يَا أَعْرَابِي طلق سعدى فَقلت لَا فَسلط عَليّ جمَاعَة من غلمانه فأخذوني يعذبوني أنوع الْعَذَاب فَلم أجد بُداً من طَلاقهَا فأعادني إِلَى السجْن فَمَكثت فِيهِ إِلَى ن انْقَضتْ عدتهَا فَتَزَوجهَا وَدخل بهَا وأطلقني وَقد أَتَيْتُك مستجيراً إِلَيْك ملتجئاً وَأنْشد // (من المجتث) //

(فِي القَلْبِ مِنِّيَ نَارُ

وَالنَّارُ فِيها اسْتِعَارُ)

(وَالجسْمُ مِنِّى سَقِيمٌ

فِيهِ الطَّبِيبُ يَحَارُ)

(وَفِي فؤادِيَ جَمْرٌ

والْجَمرُ فِيهِ شَرارُ)

(والعيْن تنهلُّ دمعاً

فَدَمْعُهَا مِدْرَارُ)

(وَلَيْسَ إِلَاّ بِربِّي

ثُمَّ الأَمِيرِ انْتِصَارُ)

ثمَّ اضْطربَ واصطكت لحياه وَصَارَ مغشيا عَلَيْهِ وَأخذ يتلوى كالحية المقتولة فَلم سمع كَلَامه مُعَاوِيَة وإنشاده قَالَ تعدى وظلم بن الحكم فِي حُدُود الدّين واجترأ على حرم الْمُسلمين ثمَّ قَالَ وَالله يَا أَعْرَابِي لقد أتيتني بِحَدِيث لم أسمع بِمثلِهِ ثمَّ دَعَا بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاس وَكتب إِلَى مَرْوَان بن الحكم قد بَلغنِي أَنَّك ظلمت واعتديت وَيَنْبَغِي لمن كَانَ والياً أَن يكف بَصَره عَن شهواته ثمَّ كتب إِلَيْهِ بعد كَلَام فَقَالَ // (من الْبَسِيط) //

(وَلِيتَ ويْحَك أمرا لَسْت تُدْرِكُهُ

فَاسْتَغْفِرِ اللَّه مِنْ فِعْلِ امريٍء زَاني)

(وَقَدْ أَتَانَا الفَتَى الْمِسْكِينُ مُنْتَحِبًا

يَشْكُو إِلَيْنَا بِبَثٍّ ثُمَّ أَحْزَانِ)

(أُعْطِي الإِلَهَ يَمِينًا لَا أُكَفِّرُهَا

نعَمْ وأَبْرأُ من دينيِ وَدَيَّانِي)

(إِن أَنْتَ خالَفْتنِي فِيمَا كَتَبْتُ بِهِ

لأَجْعَلَنَّكَ لَحْمًا بَيْن عقْبَانِ)

(طَلِّقْ سُعَاد وعَجِّلْهَا مُجَهَّزَةً

مَعَ الكُمَيْتِ ومَعْ نَصْرِ بن ذبيانِ)

ثمَّ طوى الْكتاب وطبعه بِخَاتمِهِ واستدعى بالكميت وَنصر بن ذبيان وَكَانَ يستنهضهما للمهمات لأمانتهما فأخذا الْكتاب وقدما الْمَدِينَة وأسلما الْكتاب إِلَى مَرْوَان فَجعل يقْرَأ ويرتعد ويبكي وَأخْبر سعدى وَطَلقهَا وجهزها وصحبها الرّجلَانِ وَكتب إِلَى مُعَاوِيَة فصلا يَقُول فِيهِ // (من الْبَسِيط) //

ص: 145

(لَا تعجَلنَّ أميرَ المؤمنينَ فقَدْ

أوْفى بنذْرِكَ فِي رفْقٍ وإِحسانِ)

(وَمَا أَتَيْتُ حَرَامًا حينَ أعجبني

فكَيْفَ أُدْعَى بإِسْمِ الخائِنِ الزانيِ)

(أُُعْذُرْ فإنَّكَ لَو أبصَرْتَها لَجَرتْ

مِنْكَ الأمانِي على تِمْثَالِ إنسانِ)

(وسَوْفَ تَأْتِيكَ شَمْسٌ لَيْسَ يَعْدِلُهَا

عِنْد الحقيقةِ مِنْ إِنْسٍ وَلَا جَانِ)

وَختم الْكتاب وَدفعه إِلَى الرسولين وَسلم إِلَيْهِمَا الْجَارِيَة فوصلوا إِلَى مُعَاوِيَة فَقَرَأَ الْكتاب ثمَّ قَالَ لقد أحسن فِي الطَّاعَة ثمَّ أَمر بإحضار الْجَارِيَة فَلَمَّا رَآهَا رأى صُورَة لم ير مثلهَا فخاطبها فَوَجَدَهَا فصيحة اللِّسَان عذبة الْمنطق فَقَالَ عَلَي بالأعرابي فَأتى بِهِ وَهُوَ على غَايَة من سوء الْحَال فَقَالَ يَا أَعْرَابِي هَل لَك عَنْهَا من سلو وأعيضك عَنهُ ثَلَاث جوَار نهد أَبْكَارًا مَعَ كل جَارِيَة ألف دِينَار وَأقسم لَك من بَيت لمَال فِي كل سنة مَا يَكْفِيك فَقل الْأَعرَابِي استجرت بعدلك من مَرْوَان فبمن أستجير من جورك ثمَّ أنْشد من // (الْبَسِيط) //

(لَا تجْعَلنِّي جَزَاكَ اللَّه مِنْ ملِكٍ

كَالمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَا إِلَى النَّارِ)

(أُرْدُدْ سُعَادَ عَلَى حرَّانَ مُكْتَئِبٍ

يُمْسي ويُصْبح فِي هَمٍّ وَتَذْكَارِ)

(أَطْلِقْ وثَاقي ولَا تَبْخَلْ عَلَيَّ بهَا

فإِنْ فَعلْتَ فإِني غيْرُ كَفَّارِ)

وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو أَعْطَيْتنِي مَا حوته الْخلَافَة مَا أَخَذته دون سعاد وَأَنْشَأَ يَقُول من // (الطَّوِيل) //

(أَبَي القلبُ إِلَاّ حُبَّ سُعْدَى وبُغِّضَتْ

إِلَيَّ نساءٌ مَا لَهُنَّ ذُنُوبُ)

فَقَالَ مُعَاوِيَة يَا أَعْرَابِي إِنَّك مقرّ أَنَّك طَلقتهَا ومروان طَلقهَا وَنحن نخيرها فَإِن اخْتَارَتْ سواك زوجناها قَالَ افْعَل فَقَالَ مُعَاوِيَة مَا تَقُولِينَ أَيّمَا أحبُّ إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي عِزهِ وشرفه وسلطانه أَو مَرْوَان بن الحكم فِي عسفه وجوره أَو هَذَا الْأَعرَابِي فِي جوعه وَفَقره فأنشدت من // (الْبَسِيط) //

(هَذَا وَإِنْ كَانَ فِي جُوعٍ وإِضْرارِ

أَعَزُّ عِنْدِيَ مِنْ قَوْمِي ومِنْ جارِي)

(وَصَاحِبِ التَّاجِ أَو مرْوَانَ عامِلِهِ

وَكُلِّ ذِي دِرْهَمٍ عِنْدِي وَدِينارِ)

ثمَّ قالتَ وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا أَنا بخاذلته لحادثة الزَّمَان وَلَا لغدرة الْأَيَّام فَإِن لي مَعَه صُحْبَة قديمَة لَا تُنْسَى ومحبة لَا تبلَى فَأَنا أَحَق من صَبر مَعَه فِي الضراء كَمَا تنعمت مَعَه فِي السَّرَّاء فَعجب مُعَاوِيَة من عقلهَا ومروءتها وموافاتها

ص: 146