الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلَافَة النُّبُوَّة وَأمر الْأمة زنديقاً إِنَّه أَخْبرنِي عَنهُ من كَانَ يشهده فِي ملاعبه وشربه بمروءة فِي طَهَارَته وَصلَاته فَكَانَ إِذا حضرت الصَّلَاة يطْرَح الثِّيَاب الَّتِي عَلَيْهِ المطيبة المصبغة ثمَّ يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ويؤتي بِثِيَاب بيض نظيفة فيلبسها وَيُصلي فِيهَا فَإِذا فرغ عَاد إِلَى تِلْكَ الثِّيَاب فلبسها واشتغل بشربه ولهوه أَتَرَى هَذَا من فعال من لَا يُؤمن بِاللَّه فَقَالَ لَهُ الْمهْدي بَارك الله فِيك يَا بن علاثة وَإِنَّمَا كَانَ الرجل محسداً فِي خلاله ومزاحماً بكبار عشيرته وَأهل بَيته من عمومته مَعَ لَهو كَانَ يصاحبه أوجَدَ لَهُم السَّبِيل على نَفسه فَكَانَ من خلاله قرض الشّعْر الوثيق ونظم الْكَلَام البليغ قَالَ يَوْمًا لهشام يغريه فِي مسلمة إِن عَقبي من بَقِي لخوف من مضى وَقد أمكن بعد مسلمة الصَّيْد لمن رمى واختل الثغر فهوى وعَلى أثر من سلف يمْضِي من خلف فتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى فَأَعْرض هِشَام وَسكت الْقَوْم وَأما حِكَايَة مَقْتَله فَإِنَّهُ لما تعرض لَهُ بَنو عَمه ونالوا من عرضه أَخذ فِي مكافأتهم فَضرب سُلَيْمَان ابْن عَمه هِشَام مائَة سَوط وحلقه وغربه إِلَى معَان من أَرض الشَّام فحبسه إِلَى آخر دولته وَحبس أَخَاهُ يزِيد بن هِشَام وَفرق بَين روح بن الْوَلِيد وَبَين امْرَأَته وَحبس عدَّة من ولد الْوَلِيد وطعنوا عَلَيْهِ فِي تَوْلِيَة ابنيه الحكم وَعُثْمَان الْعَهْد مَعَ صغرهما وَكَانَ أَشد النَّاس عَلَيْهِ يزِيد بن الْوَلِيد لِأَنَّهُ يتنسك فَكَانَ النَّاس إِلَى قَوْله أميل فَخرج عَلَيْهِ يزِيد بن الْوَلِيد الْمَذْكُور الملقب بالناقص وتغلب على دمشق
(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)
لما خلع أهل دمشق الْوَلِيد بن يزِيد بن الْوَلِيد الْمَذْكُور ثمَّ جهز يزِيد الْجَيْش إِلَى الْوَلِيد بمكانه من الْبَادِيَة فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبا بهَا فَجهز إِلَيْهِ الْجَيْش مَعَ عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك وَمَعَ مَنْصُور بن جُمْهُور وَقد كَانَ الْوَلِيد حِين بلغه الْخَبَر
بعث عبد الله بن يزِيد بن مُعَاوِيَة إِلَى دمشق فَأَقَامَ بطريقه قَلِيلا ثمَّ بَايع ليزِيد وَأَشَارَ على الْوَلِيد وَأَصْحَابه أَن يلْحق بحمص فيتحصن بهَا قَالَ لَهُ ذَلِك يزِيد بن خَالِد بن يزِيد وَخَالفهُ عبد الله بن عَنْبَسَة وَقَالَ مَا يَنْبَغِي للخليفة أَن يدع عسكره وَحرمه قبل أَن يُقَاتل فَسَار إِلَى قصر النُّعْمَان بن بشير وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ من ولد الضَّحَّاك وَغَيرهم وجاءه كتاب الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بِأَنَّهُ قادم وَلما وصل عبد الْعَزِيز وَمَنْصُور اللَّذَان أرسلهما يزِيد صُحْبَة الْجَيْش بعث إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابه زِيَاد بن الْحصين الْكَلْبِيّ يدعوانهم إِلَى الْكتاب وَالسّنة فَقتله أَصْحَاب الْوَلِيد فقَاتلوهم حِينَئِذٍ وَاشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم وَبعث عبد الْعَزِيز بن مَنْصُور بن جُمْهُور لاعتراض الْعَبَّاس بن الْوَلِيد فِي أَن يَأْتِي الْوَلِيد فجَاء بِهِ مَنْصُور كرها إِلَى عبد الْعَزِيز وألزمه الْبيعَة لِأَخِيهِ يزِيد ونصبوا راية باسمه فتفرقْ النَّاس عَن الْوَلِيد واجتمعوا على الْعَبَّاس وَعبد الْعَزِيز وَأرْسل الْوَلِيد إِلَى عبد الْعَزِيز بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَولَايَة حمص مَا بَقِي على أَن ينْصَرف فَأبى ثمَّ قَاتل الْوَلِيد قتالاً شَدِيدا حَتَّى سمع النداء بقتْله وسبه من جَوَانِب الحومة فَدخل الْقصر وأغلق الْبَاب وطَلَبَ الْكَلَام من أَعلَى الْقصر فكالمه يزِيد بن عَنْبَسَة السكْسكِي فَذكره بحقوقة وفعاله فيهم وزيادته فِي أَرْزَاقهم فَقَالَ ابْن عَنْبَسَة مَا ننقم عَلَيْك فِي أَنْفُسنَا وَإِنَّمَا ننقم عَلَيْك فِي انتهاكك مَا حرم الله تَعَالَى وَشرب الْخمر وَنِكَاح أُمَّهَات أَوْلَاد أَبِيك واستخفافك بِأَمْر الله تَعَالَى فَقَالَ حَسبك يَا أَخا السكاسك لقد أكثرت وأغرقْتَ فِيمَا أحل الله سَعَة عَمَّا ذكرتَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّار فَجَلَسَ وَأخذ الْمُصحف يقْرَأ وَقَالَ يَوْم كَيَوْم عُثْمَان فتسوروا عَلَيْهِ وَأخذ يزِيد بن عنبسهّ بِيَدِهِ يَقِيه لَا يُرِيد قَتله وَإِذا بمنصور بن جُمْهُور فِي جمَاعَة مَعَه ضربوه واحتزوا رَأسه وَسَارُوا بِهِ إِلَى يزِيد فَأمر بنصبه فتلطف لَهُ يزِيد بن فَرْوَة فِي الْمَنْع من ذَلِك وقَال هَذَا ابْن عمك وَخَلِيفَة وَإِنَّمَا تنصب رُءُوس الْخَوَارِج وَلَا اَمن أَن يغْضب لَهُ أهل بَيته فَلم يجبهُ يزِيد إِلَى ذَلِك وأطافه بِدِمَشْق على رمح وَبَعثه إِلَى أَخِيه سُلَيْمَان بن يزِيد وَكَانَ مَعَهم عَلَيْهِ وَكَانَ قَتله فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة كَمَا تقدم ذكر ذَلِك وَلما قتل خطب يزِيد بِالنَّاسِ فذمه وثلبه وَأَنه قَتله لأجل ذَلِك ثمَّ وعدهم بِحسن النّظر والاقتصار عَن النَّفَقَة فِي غير حاجاتهم وسد الثغور وَالْعدْل فِي الْعَطاء
والأرزاق وَرفع الْمَظَالِم وَإِلَّا فلكم مَا شِئْتُم من الْخلْع وَكَانَ يُسمى النَّاقِص لِأَنَّهُ نقص الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا الْوَلِيد فِي أعطيات الْجند وَهِي عشرَة عشرَة وردهَا كَمَا كَانَت أْيام هِشَام وَقيل لنُقْصَان كَانَ فِي أَصَابِع رجلَيْهِ وَأول من سَمَّاهُ بذلك مَرْوَان ابْن مُحَمَّد وَلما قتل الْوَلِيد كَانَ مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم على أرمينية وَكَانَ على الجزيرة عَبدة بن رَبَاح الغساني وَكَانَ الْوَلِيد قد بعث بالصائفة أَخَاهُ فَبعث مَعَه مَرْوَان بن عبد الْملك فَلَمَّا انصرفوا من الصائفة لَقِيَهُمْ بحران خبر مقتل الْوَلِيد فَسَار عَبدة عَن الجزيرة إِلَى الشَّام فَوَثَبَ عبد الْملك بالجزيرة وحران فضبطهما وَكتب إِلَى أَبِيه مَرْوَان بأرمينية يستحثه طَالبا بِدَم الْوَلِيد بعد أَن أرسل إِلَى الثغور من يضبطها وَكَانَ مَعَه ثَابت بن نعيم الجذامي من أهل فلسطين وَكَانَ صَاحب فتْنَة وَكَانَ هِشَام قد حَبسه على إِفْسَاد الْجند بإفريقية عِنْد مقتل كُلْثُوم بن عِيَاض وَتشفع فِيهِ مَرْوَان فَأَطْلقهُ وَاتخذ عِنْده يدا فَلَمَّا سَار من أرمينية دخل ثَابت بن نعيم إِلَى أهل الشَّام فِي الْعود إِلَى الشَّام من وَجه الْفُرَات وَاجْتمعَ لَهُ الْكثير من جند مَرْوَان وناهضه الْقِتَال ثمَّ غلبهم وانقادوا لَهُ وَحبس ثَابت بن نعيم وَأَوْلَاده ثمَّ أطلقهُم من حران إِلَى الشَّام وَجمع نيفاً وَعشْرين ألفا من الجزيرة يسير بهم إِلَى يزِيد وَكتب إِلَيْهِ بِشَرْط مَا كَانَ عبد الْملك ولي أَبَاهُ مُحَمَّدًا من الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان فَأعْطَاهُ يزِيد ولَايَة ذَلِك وَبَايع لَهُ مَرْوَان وَانْصَرف وَأقَام يزِيد فِي الْخلَافَة والأمور مضطربة عَلَيْهِ وَكَانَ مظْهرا للنسك وَقِرَاءَة الْقُرْآن وأخلاق عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ ذَا دين وورع قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ولي يزِيد بن الْوَلِيد وَكَانَ قدرياً فَدَعَا النَّاس إِلَى الْقدر وَحَملهمْ عَلَيْهِ وَبَايع لِأَخِيهِ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بالعهد وَمن بعده لعبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج بن عبد الْملك حمله على ذَلِك أَصْحَابه الْقَدَرِيَّة لمَرض أَصَابَهُ ثمَّ توفّي يزِيد آخر سنة 126 سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَكَانَت خِلَافَته خَمْسَة أشهر وَعشْرين يَوْمًا وعمره تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل أَرْبَعُونَ