المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(قيام أبي مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس بخراسان) - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٣

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)

- ‌(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)

- ‌(ذكر أقضيته رضي الله عنه

- ‌(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما

- ‌(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)

- ‌(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة)

- ‌(وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(صفة مُعَاوِيَة)

- ‌(ذكر مناقبه)

- ‌(بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة)

- ‌(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)

- ‌(مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد)

- ‌(خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة)

- ‌(وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه)

- ‌(إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ)

- ‌(انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام)

- ‌(بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط)

- ‌(مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير)

- ‌(خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة)

- ‌(خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان)

- ‌(وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره)

- ‌(مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم)

- ‌(شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير)

- ‌(مقتل ابْن زِيَاد)

- ‌(مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه)

- ‌(خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله)

- ‌(مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب)

- ‌(أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا)

- ‌(مقتل عبد الله بن الزبير)

- ‌(ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة)

- ‌(ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق)

- ‌(وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج)

- ‌(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك)

- ‌(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(وَفَاة الْحجَّاج)

- ‌(خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه وأرضاه)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم)

- ‌(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي الدولة العباسية)

- ‌(ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم)

- ‌(قصَّة الشورى)

- ‌(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)

- ‌(خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور)

- ‌(الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى)

- ‌(خلَافَة الْمهْدي)

- ‌(خلَافَة الْهَادِي)

- ‌(خلَافَة هَارُون الرشيد)

- ‌(خلَافَة مُحَمَّد الْأمين)

- ‌(خلَافَة الْمَأْمُون)

- ‌(خلَافَة المعتصم)

- ‌(خلَافَة الواثق بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعين بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المعتز بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُعْتَمد على الله

- ‌(خلَافَة المعتضد)

- ‌(خلَافَة المكتفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المقتدر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة القاهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراضي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتقي لله)

- ‌(خلَافَة المستكفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطيع بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطائع لله)

- ‌(خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة المستظهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المسترشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة أبي عبد الله المقتفي)

- ‌(خلَافَة المستنجد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستضييء بِنور الله)

- ‌(خلَافَة النَّاصِر لدين الله)

- ‌(خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعصم بِاللَّه)

- ‌(شرح حَال التتار)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر)

- ‌(نسب العبيديين بإفريقية)

الفصل: ‌(قيام أبي مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس بخراسان)

عبد الْعَزِيز عَنْهُم وَبَايَعُوا مَرْوَان وَخرج للقائه سُلَيْمَان بن هِشَام فِي مائَة وَعشْرين ألفا ومروان فِي ثَمَانِينَ ألفا فَدَعَاهُمْ إِلَى الصُّلْح وَترك الطّلب بِدَم الْوَلِيد على أَن يطلقوا ابنيه الحَكَم وَعُثْمَان وليي عَهده فَأَبَوا وقاتلوه وسرب عسكرا وجاءوهم من خَلفهم فَانْهَزَمُوا وأثخن فيهم أهل حمص فَقتلُوا مِنْهُم نَحوا من خَمْسَة عشر ألفا وأسروا مثلهَا وَرفع مَرْوَان الْقَتْل وَأخذ عَلَيْهِم الْبيعَة للْحكم وَعُثْمَان ابْني الْوَلِيد وَكَانَ مِمَّن شهد مقتل الْوَلِيد وهرب يزِيد بن خَالِد الْقَسرِي إِلَى دمشق فَاجْتمع مَعَ إِبْرَاهِيم وَعبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج وَتَشَاوَرُوا فِي قتل الحكم وَعُثْمَان خشيَة أَن يطلقهما مَرْوَان فيثأران كل مِنْهُمَا وولوا ذَلِك يزِيد بن خَالِد فَبعث مَوْلَاهُ أَبَا الْأسد فَقَتَلَهُمَا وَأخرج يُوسُف بن عمر فَقتله واعتصم أَبُو مُحَمَّد السفياني بِبَيْت فِي الْحَبْس فَلم يطيقوا فَتحه وأعجلتهم خيل مَرْوَان وأنهب سُلَيْمَان بن هِشَام بَيت المَال وَخرج من الْمَدِينَة وَعمر مولى الْوَلِيد بن يزِيد إِلَى دَار عبد الْعَزِيز بن الْحجَّاج فَقَتَلُوهُ ونبشوا قبر يزِيد بن الْوَلِيد وصلبوه على بَاب الْجَابِيَة وَجَاء مَرْوَان فَدخل دمشق وأُنبِئ بِابْن الْوَلِيد ويوسف بن عمر مقتولين فَدَفْنُهُمَا وأتى بِأبي مُحَمَّد السفياني فِي قيوده فَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَقَالَ إِن وليي الْعَهْد جعلاها لَك ثمَّ بَايعه وَسمع النَّاس فَبَايعُوهُ وَكَانَ أَوَّلهمْ بيعَة مُعَاوِيَة بن يزِيد بن حُصَيْن بن نمير وَأهل حمص ثمَّ رَجَعَ مَرْوَان وَاسْتَأْمَنَ لَهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد وَسليمَان بن هِشَام وقدما عَلَيْهِ وَكَانَ قدوم سُلَيْمَان بِمن مَعَه وَمن أخوته وَأهل بَيته ومواليه فَبَايعُوا لمروان فِي سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة فِي رَمَضَان مِنْهَا

(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

ظهر بهَا فِي مَدِينَة مرو فدانت لَهُ الْبِلَاد وَهزمَ الْأَحْزَاب المروانية وَكَانَ أَبُو مُسلم دَاعيا لإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الإِمَام بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب أخي

ص: 343

السفاح عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس وَكَانَ إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور بالقرية الْمَعْرُوفَة بالكرار والحميمة والكتب من أبي مُسلم تصل ليه بِمَا اتّفق من الفتوحات وَكَانَ قلبه نصر بن سيار عَاملا على خرسان لمروان فحاصره مُسلم حَتَّى خرج متخفيَاً فَكتب نصر إِلَى مَرْوَان يستنجده بِهَذِهِ الأبيات يَقُول // (من الوافر) //

(أَرى خَلَلَ الرمادِ وميضَ نَارٍ

وَيوشِكُ أَنْ يكُونَ لَهَا ضِرَامُ)

(فإِنَّ النارَ بالعيدان تُذْكى

وإنَّ الحَربَ أوَّلها كَلَامُ)

(فَإنْ لم تُطفِئوها تُخْرِجُوهَا

مُسَجَّرَةً يشيبُ لَهَا الغُلَامُ)

(أقولُ من التعجُّبِ ليْت شعري

أأيقاظٌ أُمَيَّةُ أَم نِيَامُ)

(فَإنْ يكُ قَومنَا أضحَوْا نياماً

فقلْ قُومُوا فَقَدْ حَانَ القيامُ)

(تعَزي عَنْ رجالِكِ ثُمَّ قوليِ

عَلَى الإسلامِ والعَرَبِ السلامُ)

فَوَجَدَهُ الرَّسُول مَشْغُولًا بِحَرب الضَحاك بن قيس فَكتب إِلَيْهِ الْجَواب الشَّاهِد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب فاحسم الثؤلول قَلْبك فقَال نصر لأَصْحَابه أما إِن صَاحبكُم قد أعلمكُم أَن لَا نصر عِنْده وصادف وُصُول كتاب نصر إِلَى مَرْوَان عثور مَرْوَان على كتاب إِبْرَاهِيم الإِمَام ابْن مُحَمَّد لأبي مُسلم يوبخه حَيْثُ لم ينتهز الفرصة من نصر إِذْ أمكنته وَلَا يطاوله فِي المحاصرة ويأمره أَلا يدع بخراسان متكلماً بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَمَّا قَرَأَ مَرْوَان الْكتاب بعث إِلَى الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة بن عبد الْملك وَهُوَ يَوْمئِذٍ عَامله على دمشق يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى عَامل البلقاء أَن يسير إِلَى الحميمة للقبض على إِبْرَاهِيم الإِمَام فَقَبضهُ عَامل البلقاء وشده وثاقَاً وَكَانَ الْقَبْض عَلَيْهِ فِي مَسْجِد الحميمة وَأرْسل بِهِ إِلَى الْوَلِيد وَأرْسل بِهِ إِلَى الْوَلِيد أرسل بِهِ الْوَلِيد إِلَى مَرْوَان فحسبه بحران ثمَّ قَتله وَكَانَ إِبْرَاهِيم قد عهد بِالْوَصِيَّةِ إِلَى أَخِيه عبد الله بن مُحَمَّد الملقب بالسفاح ابْن الحارثية أرسل إِلَيْهِ بالجامعة وَأمره أَن يسير على مَا ذكر فِيهَا فَإِن الْأَمر صائر إِلَيْهِ وَإِن بني الْعَبَّاس موطدة لَا محَالة فَلَمَّا اشْتهر قتل إِبْرَاهِيم الإِمَام بَايع

ص: 344

أَبُو مُسلم وَغَيره من الدعاة أَبَا الْعَبَّاس عبد الله السفاح ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن عَبَّاس فَبَثَّ دَعوته فِي سَائِر الْأَمْصَار وَأظْهر لبس السوَاد وسير أَبَا عون عبد الْملك بن يزِيد الْأَزْدِيّ إِلَى شهر زور فَقتل عُثْمَان بن سُفْيَان وَأقَام بِنَاحِيَة الْموصل وَسَار مَرْوَان بن مُحَمَّد إِلَيْهِ من حران فِي مائَة وَعشْرين ألف قارح وَنزل بالزاب اسْم نهر قرب الْموصل وَبعث السفاح سَلمَة بن مُحَمَّد فِي أَلفَيْنِ وَعبد الله الطَّائِي فِي ألف وَخَمْسمِائة وَعبد الحميد بن ربعي الطَّائِي فِي أَلفَيْنِ وَوَرس بن نَضْلَة فِي خَمْسمِائَة كل ذَلِك إمداد لأبي عون ثمَّ ندب أهل بَيته إِلَى السّير إِلَى أبي عون فَأرْسل عبد الله بن عَليّ بن عبد الله ابْن عَبَّاس فَسَار وَقدم إِلَى أبي عون فتحول لَهُ عَن سرادقه بِمَا فِيهِ ثمَّ أَمر عَنْبَسَة ابْن مُوسَى فِي خَمْسَة آلَاف فَعبر النَّهر من الزاب فِي أول جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَقَاتل عَسَاكِر مَرْوَان إِلَى الْمسَاء فَرجع فعقد مَرْوَان الجسر من الْغَد وَقدم ابْنه عبد الله فَعبر فَبعث عبد الله بن عَليّ عَم السفاح الْمَذْكُور الْمخَارِق ابْن غفار فِي أَرْبَعَة آلَاف نَحْو عبد الله بن مَرْوَان فسرح ابْن مَرْوَان الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة ابْن مَرْوَان بن الحكم فَانْهَزَمَ أَصْحَاب الْمخَارِق وَأسر هُوَ وَجِيء بِهِ إِلَى مَرْوَان مَعَ رُءُوس الْقَتْلَى فَقَالَ لَهُ أَنْت الْمخَارِق قَالَ لَا قَالَ فتعرفه فِي هَذِه الرُّءُوس قَالَ نعم هُوَ ذَا فخلى سَبيله وَقيل بل أنكر أَن يكون فِي الرُّءُوس فخلى سَبيله ثمَّ عاجلهم عبد الله بن عَليّ بِالْحَرْبِ وعَلى ميمنته أَبُو عون وعَلى مسيرَة مَرْوَان الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة فَأرْسل إِلَيْهِ مَرْوَان فِي الْمُوَادَعَة فَأبى وَحمل الْوَلِيد بن مُعَاوِيَة وَهُوَ صهر مَرْوَان على ابْنَته فقاتل أَبَا عون حَتَّى انهزم إِلَى عبد الله بن عَليّ فَأمر النَّاس عبد الله بن عَليّ فترجلوا وَمَشى قدماً يُنَادي يالثارات إِبْرَاهِيم وبالشعار يَا مُحَمَّد يَا مَنْصُور وَأمر مَرْوَان الْقَبَائِل أَن يحملوا فتخاذلوا وَاعْتَذَرُوا حَتَّى صَاحب شرطته ثمَّ ظهر لَهُ الْخلَل فأباح الْأَمْوَال للنَّاس على أَن يقاتلوا فَأخذُوا من غير قتال فَبعث ابْنه عبد الله يصدهم عَن ذَلِك فَتَنَادَوْا بالفرار فَانْهَزَمُوا فَقتل مِنْهُم خلق كثير وَقطع مَرْوَان الجسر فغرق مِنْهُم أَكثر مِمَّن قتل

ص: 345

قَالَ الكاتي فِي تَارِيخه قيل كَانَ سَبَب هزيمته أَنه نزل عَن فرسه فِي الْحَرْب ليزيل حقنه فهرب الْفرس إِلَى وسط الْعَسْكَر فتوهموا أَنه قتل فَقيل ذهبت الدولة بالبولة وَكَانَت الْهَزِيمَة يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمضى مَرْوَان فِي هزيمته وَنظر إِلَى أَصْحَابه مَعَ كَثْرَة عَددهم وَقُوَّة عُددهم ولِمَا قد ظَهَرَ فيهم من الفشل وَمَا حل بهم من الْجزع والوجل فَقَالَ إِذا انْقَضتْ الْمدَّة لم تَنْفَع الْعدة فَأَقَامَ عبد الله بن عَليّ فِي عسكره سَبْعَة أَيَّام واجتاز عَسْكَر مَرْوَان بِمَا فِيهِ وَكتب بِالْفَتْح إِلَى ابْن أَخِيه عبد الله السفاح وَسَار مَرْوَان مُنْهَزِمًا إِلَى مَدِينَة الْموصل وَعَلَيْهَا هِشَام بن عَمْرو التغلبي وَبشر بن خُزَيْمَة الْأَسدي فقطعا الجسر ومنعاه العبور إِلَيْهِم وَقيل لَهُم هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فتجاهلوا وَقَالُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يفرُّ ثمَّ أسمعوه الشتم والقبائح فَسَار إِلَى حران وَبهَا أبان ابْن أَخِيه يزِيد بن مُحَمَّد فَأَقَامَ بهَا نَحوا من عشْرين لَيْلَة وَسَار عبد الله بن عَليّ الْمَذْكُور على أَثَره إِلَى الْموصل فملكها وعزل هشاماً التغلبيَ وَولى مَكَانَهُ مُحَمَّد بن صول ثمَّ سَار فِي أَتبَاع مَرْوَان إِلَى حران فَخرج مِنْهَا مَرْوَان وَترك عَلَيْهَا أبان ابْن أَخِيه وَسَار إِلَى حمص وَجَاء عبد الله إِلَى حران فَلَقِيَهُ أبان مُفردا فأَمنه وَملك الجزيرة وَلما بلغ مَرْوَان حمص أَقَامَ بهَا ثَلَاثًا وارتحل فَاتبعهُ أَهلهَا لينبهوه فَقَاتلهُمْ وَهَزَمَهُمْ وأثخن فيهم وَسَار إِلَى دمشق وَعَلَيْهَا الْوَلِيد ابْن عَمه فَأَوْصَاهُ بِقِتَال عُرْوَة وَسَار إِلَى فلسطين فَنزل نهر أبي فطرس وَقد غلب على فلسطين الحكم بن ضبعان الجذامي فَأرْسل مَرْوَان إِلَيْهِ عبد الله بن يزِيد بن روح بن زنباع الجذامي فأجاره ثمَّ سَار عبد الله بن عَليّ فِي أَثَره من حران بعد أم هدم الدَّار الني حبس فِيهَا مَرْوَان أَخَاهُ إِبْرَاهِيم الإِمَام وَقدم عَلَيْهِ أَخُوهُ عبد الصَّمد بن على بَعثه السفاح مدَدا فِي أَرْبَعَة آلَاف فَسَار إِلَى قنسرين فأطاعوه ثمَّ إِلَى حمص كَذَلِك ثمَّ إِلَى بعلبك ثمَّ لما نزل مزة دمشق من قرى الفوطة قدم عَلَيْهِ أَخُوهُ صَالح بن عَليّ بَعثه السفاح مدَدا فِي ثَمَانِيَة آلَاف وَأقَام عبد الله بن عَليّ خمس عشرَة لَيْلَة وارتحل يُرِيد

ص: 346

فلسطين فأجفل مَرْوَان إِلَى النّيل ثمَّ إِلَى الصَّعِيد وَنزل صَالح بن عَليّ الْفسْطَاط يَعْنِي مصر فتقدمت عساكره فَلَقوا خيلا لمروان فهزموهم وأسروا مِنْهُم ودلوهم على مَكَانَهُ بيوصر ذكر الْعَلامَة الدَّمِيرِيّ فِي حَيَاة الْحَيَوَان أَن مَرْوَان لما أَن وصل إِلَى أَبُو صير وَهِي قَرْيَة عِنْد الفيوم قَالَ مَا اسْم هَذِه الْقرْيَة قيل لَهُ أَبُو صير فَقَالَ وَإِلَى الله الْمصير ثمَّ دخل كَنِيسَة فَبَلغهُ أَن خَادِمًا نم عَلَيْهِ فَأمر بِهِ فَقطع رَأسه وسل لِسَانه وَألقى على الأَرْض فَجَاءَت هرة فأكلته ثمَّ سَار إِلَيْهِ أَبُو عون وعامر بن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي فأدركوه ببوصير ثمَّ هجم على الْكَنِيسَة الَّتِي كَانَ نازلا بهَا عَامر بن إِسْمَاعِيل الْمذْحِجِي فَخرج مَرْوَان من بَاب الْكَنِيسَة وَفِي يَده السَّيْف وَقد أحاطت بِهِ الْجنُود وصفت حوله الْخُيُول فتمثل بِبَيْت العجاج بن حَكِيم السّلمِيّ من // (الْكَامِل) //

(مُتَقَلِّدِينَ صَفَائِحًا هِنْدِيّةً

تَتْرُكْنَ منْ ضَرَبُوا كأَنْ لَمْ يُولَدِ)

ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل فَأمر عَامر برَأْسه فَقطع فِي ذَلِك الْمَكَان وسل لِسَانه وَألقى على الأَرْض فَجَاءَت تِلْكَ الْهِرَّة بِعَينهَا فخطفته وأكلته فَقَالَ عَامر لَو لم يكن فِي الدُّنْيَا عجب إِلَّا هَذَا لَكَانَ كَافِيا لِسَان مَرْوَان فِي فَمِ هرةٍ وَفِي ذَلِك يَقُول شَاعِرهمْ من // (الْبَسِيط) //

(قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ مِصْرًا عَنْوَةً لكُمُ

وأهْلَكَ الظَّالِمَ الجَبَّارَ إِذْ ظَلَماَ)

(فَلَاكَ مِقْوَلَهُ هِرُّ يُجَرْجِرُهُ

وَكَانَ عَامِرُ مِنْ ذِي الظُّلْمِ منْتَقِمَا)

وَبعث عون بِالرَّأْسِ إِلَى صَالح بن عَليّ فَبعث بِهِ صَالح إِلَى السفاح وَوجد عَامر بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور نسَاء مَرْوَان وَبنَاته فِي كَنِيسَة بوصير وَقد وكل بِهن خَادِمًا يقتلهن بعده فَبعث بِهن إِلَى صَالح وَلما دخلن عَلَيْهِ سألنه فِي الْإِبْقَاء عَلَيْهِنَّ على قتلاهم عِنْد بني أُميَّة ثمَّ عَفا عَنْهُن وحملهن إِلَى حران يبكينَ وَدخل عَامر بعد قتل مَرْوَان الكنسية فَجَلَسَ على فرش مَرْوَان وَكَانَ مَرْوَان يتعشَّى فَلَمَّا سمع الوجبة وثب عَن عشائه فَخرج فَقتل فَجَلَسَ عَامر على ذَلِك الطَّعَام وَجعل يَأْكُل مِنْهُ ودعا بابنة لمروان وَكَانَت أسن بَنَاته فَقَالَت يَا عَامر إِن دهراً أنزل مَرْوَان عَن

ص: 347

فرشه وأقعدك عَلَيْهِ حَتَّى تعشيت بعشائه واستصحبت بمصباحه ونادمت ابْنَته لقد أبلغ فِي موعظتك وأجمل فِي إيقاظك فاستحيا عَامر وصرفها قَالَ ابْن زنبل فِي تَارِيخه قتل مَعَ مَرْوَان ابْنه عبيد الله وهرب ابْنه الآخر عبد الله حَتَّى انتهَى إِلَى ملك النّوبَة فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا وصل إِلَيْهِ ملك الْبِلَاد وَمَا رَضِي بِالْجُلُوسِ فَوق الْفرش بل جلس فَوق التُّرَاب فَقَالَ للترجمان قل للْملك لم فعلت ذَلِك فَقَالَ لَهُ إِنِّي ملك وَحقّ على كل ملك أَن يكون متواضعاً لِعَظَمَة الله تَعَالَى ثمَّ أقبل ينْكث فِي الأْرض بإصبعه ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ لَهُ كَيفَ سُلبتم نعْمَة الْملك وَأَنْتُم أقرب النَّاس إِلَى نَبِيكُم فَقَالَ جَاءَ من هُوَ أقربُ منا إِلَيْهِ وقتلنا وطردنا وجئتُ أَنا مستجيراً إِلَيْك ثمَّ قَالَ كَيفَ كُنْتُم تشربون الْخمر وَهِي مُحرمَة عَلَيْكُم فِي كتابكُمْ فَقَالَ فعله عبيدنا وأتباعنا من الْعَجم وَغَيرهم لما دخلُوا فِي ملكنا من غير علمنَا ثمَّ قَالَ فَلم كُنْتُم تَرْكَبُونَ على دوابكم بِآلَة الذهَبِ والفضةِ والديباج وَهُوَ محرم عَلَيْكُم فَقَالَ لَهُ مثل الأول ثمَّ قَالَ فَلم كُنْتُم إِذا خَرجْتُمْ لصيد طَائِر لَا خَطَرَ لَهُ هجمتم فِي أهل الْقرى وكلفتموهم الضِّيَافَة وَمَا لَا قدرَة لَهُم عَلَيْهِ وأفسدتم مَزَارِعهمْ بدوابكم وَالْفساد محرم فِي دينكُمْ فَتعذر بِمثل الأول وَقَالَ كرهنا مخالفتهم لِأَن مماليكنا تمكنوا فِي الْبِلَاد فهز رَأسه وَقَالَ لَا وَالله وَلَكِنَّكُمْ استحللتم مَا حرم عَلَيْكُم وارتكبتم مَا نهاكم عَنهُ وأحببتم الْفساد وَالظُّلم وكرهتم الْعدْل فسلبكم الله تَعَالَى العِز وألبسكم الذل والنقمة إِذا نزلت عَمت والبلية إِذا حلت شملت وَإِن الله فِيكُم نقمة لن تبلغ غايتها فَاخْرُج من بلدي وَإِلَّا قتلتك وَمن مَعَك قَالَ فَخرج من بِلَاده ملوماً مَدْحُورًا قَالَ ابْن خلدون بَقِي عبد الله بن مَرْوَان الْمَذْكُور إِلَى أَيَّام الْمهْدي العباسي فَأَخذه عَامل فلسطين وسجنه إِلَى أَن مَاتَ فِي السجْن وَكَانَ مَرْوَان بطلا شجاعَاً مهيباً كَانُوا يعدونه فِي مُقَابلَة ألف مقَاتل أَبيض اللَّوْن ربعَة أشهل الْعين ضخماً كث اللِّحْيَة كَانَ حاكمَاً سائساً لقب بالجعدي قَالَ الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه نِسْبَة إِلَى مؤدبه الْجَعْد بن دِرْهَم لتمسكه بمذهبه كَانَ يَقُول بِخلق الْقُرْآن ويتزندق أَمر هِشَام بن عبد الْملك خَالِدا الْقَسرِي بقتْله لذَلِك فَقتله ويلقب مَرْوَان

ص: 348

بالحمار أَيْضا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يجِف لَهُ لبد فِي محاربة الخارجين عَلَيْهِ كَانَ يصل السّري بالسري ويصبر على مكاره الْحَرْب وَيُقَال فِي الْمثل فلَان أَصْبِر من حمَار أَو لِأَن الْعَرَب تُسَمى كل مائَة سنة حمارا فَلَمَّا قَارب ملك بني أُميَّة فِي زَمَنه مائَة سنة لقبوه بالحمار قَالَ مَرْوَان وَا لهفتاه على دولة مَا نصرت وكف مَا ظَفرت ونعمة مَا شكرت فَقَالَ لَهُ خادمه وَكَانَ من أَوْلَاد عُظَمَاء النَّصَارَى من أهمل الصَّغِير حَتَّى يكبر والقليل حَتَّى يكثر والخفي حَتَّى يظْهر أَصَابَهُ مثل هَذَا مُدَّة خِلَافَته خمس سِنِين وَعشرَة أشهر وعمره خَمْسُونَ سنة وَقيل سبع وَخَمْسُونَ وَقيل ثَمَان وَقيل سِتُّونَ وَفِي روض الْأَخْبَار ذهبنت الدولة من بني أُميَّة فِي عهد ثَلَاثَة من الرِّجَال مَرْوَان ابْن مُحَمَّد وَصَاحب عسكره يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة وَكَانَ خَطِيبًا شجاعاً يضْرب بشجاعته الْمثل ووزيره وكاتبه عبد الحميد وَكَانَ يُقَال بدئت الْكِتَابَة بِعَبْد الحميد وختمت بِابْن العميد قَالَ المطرزي فِي شَرحه على المقامات الحريرية كَانَ لمروان عبد الحميد كَاتبا والبعلبكي مُؤذنًا وسلامة الْحَادِي حاديَاً فأحضروا إِلَى السفاح بعد قتل مَرْوَان فَقَالَ سَلامَة الْحَادِي استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي أحسن الحداء قَالَ وَمَا بلغ من حدائك قَالَ تعمد إِلَى إبل ظمئت ثَلَاثًا ثمَّ توردها فَإِذا بدأت تشرب رفعت صوتي بالحداء فَترفع رءوسها وَتَدَع الشّرْب ثمَّ لَا تشرب حَتَّى أسكت فَأمر بِإِبِل ظماء فَقرب مِنْهَا المَاء ثمَّ حدا فَرفعت رءوسها فَلم تزل رَافِعَة حَتَّى سكت من حدائه فاستبقاه وَأَجَازَهُ ثمَّ قَالَ البعلبكي إِنِّي مُؤذن مُنْقَطع النظير قَالَ وَمَا بلغ من أذانك فَقَالَ تَأمر جَارِيَة فَتقدم لَك طستاً وَتَأْخُذ إبريقاً بِيَدِهَا وأشرع فِي الْأَذَان فتدهش وَيذْهب عقلهَا حتّى تلقَي الإبريق من يَدهَا وَهِي لَا تعلم فَأمر بذلك فَوَجَدَهُ صَحِيحا فاستبقاه وَأَجَازَهُ وَقَالَ عبد الحميد استبقني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي فريد الدَّهْر غي الْكِتَابَة والبلاغة فَقَالَ مَا اْعرفني بك فَأَنت الَّذِي فعلت بِنَا الأفاعيل وعملت بِنَا

ص: 349

الدَّوَاهِي فَقطعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَضرب عُنُقه وَدخل سديف يَوْمًا على السفاح وَعِنْده سُلَيْمَان بن هِشَام وَقُدَامَة فَقَالَ من // (الْخَفِيف) //

(لَا يَغُرّنْكَ مَا تَرَى مِنْ رجالٍ

إنَّ تَحْتَ الضلوعِ دَاء دَوِيَّا)

(فَضَعِ السيْفَ وارْفَعِ السَّوْطَ حتَّى

لَا تَرَى فَوْقَ ظَهْرِها أُمَوِيَّا)

فَأمر السفاح بِسُلَيْمَان فَقتل وَدخل شبْل بن عبد الله مولى بني هَاشم على السفاح وَعِنْده ثَمَانُون أَو تسعون نفسَاً من بني أُميَّة قد أَمنهم فهم على الكراسي فَأَنْشد من // (الْخَفِيف) //

(أَصْبَحَ المُلْكُ ثابتَ الآساسِ

بالبهاليلِ مِن بَني العَبَاسِ)

(طَلَبُوا وتْرَ هاشمٍ فَشَفَوْهَا

بعدَ مَيْلٍ مِنَ الزمَانِ وَبَاسِ)

(لَا تُقِيلَنَّ عبد الشمْسٍ عثارٍ ا

واقْطَعَنْ كلَّ رقْلَةٍ وغِرَاسِ)

(أقْصِهِمْ أَيهَا الخليفَةُ واقْطَعْ

عنكَ بالسَّيْفِ شَأْفَةَ الأَرْجَاسِ)

(ذلُّهَا أَظْهَرَ التودُّدَ مِنْهَا

وبهَا مِنْكُمُ كَحَرِّ المواسِي)

)

(ولَقَدْ سَاءَنِي وسَاءَ سَوَائي

قُرْبُهَا مِنْ مَنَابِرٍ وكراسِي)

(أَنْزِلُوهَا بحَيثُ أَنْزَلَهَا اللهُ

بدَارِ الهَوَانِ والإتْعَاسِ)

(واذكُرُوا مَصْرَعَ الحُسَيْنِ وَزَيْدٍ

وقَتِيلاً بجَانِبِ المِهْرَاسِ)

(والقتيلَ الَّذِي بحرَّانَ أضْحَى

ثَاوِيًا بَيْنَ غُرْبَةٍ وَتَنَاسِي)

فَقَالَ السفاح أَنْتُم بَين يَدي على الْكُرْسِيّ وَدِمَاء أسلافي تقطر من أسيافكم فَأمر بهم فشدخوا بعمد الْحَدِيد وَبسط فَوْقهم الأنطاع فَأكل عَلَيْهَا الطَّعَام وأنينهم يسمع وَإِن الطَّعَام فِي صحون الْمَائِدَة ليختلج لاختلاجهم وَقَالَ وَالله مَا أكلت طَعَاما ألذ من طَعَامي هَذَا يَوْم بِيَوْم الْحُسَيْن وَلَا سَوَاء وَكَانَ كَبِير مِنْهُم جَالِسا إِلَى جَانب السفاح فَقَالَ لَهُ السفاح كَأَن هَذَا لم تطبْ بِهِ نَفسك فَقَالَ نعم وَالله قَالَ أفتحب اللحاق بهم قَالَ نعم وَإِنِّي إِلَى ذَلِك لمشتاق فَلَا خير فِي الْعَيْش بعدهمْ فَأمر بِهِ فسحب وشدخ كَمَا شدخوا وَقيل إِن الْقَائِل للشعر الثَّانِي هُوَ سديف صَاحب الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلين لَا شبْل بن عبد الله ثمَّ تتبعوا بني أُميَّة بِالْقَتْلِ فَقتل سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس عَم السفاح

ص: 350

بِالْبَصْرَةِ جمَاعَة مِنْهُم ورموا بأشلائهم فِي الطَّرِيق فَأَكَلتهَا الْكلاب ونبش عبد الله ابْن عَليّ عَم السفاح أَيْضا قُبُور الْخُلَفَاء مِنْهُم فَلم يَجدوا فِي الْقُبُور إِلَّا شبه الرماد وخيطاً فِي قبر مُعَاوِيَة وجمجمة فِي قبر عبد الْملك وَرُبمَا وجدوا فِيهَا بعض الْأَعْضَاء إِلَّا هِشَام بن عبد الْملك فَإِنَّهُ وجد كَمَا هُوَ لم يبل فَضَربهُ بالسياط ثمَّ صلبه وَحَرقه وذراه فِي الرّيح قَالَ ابْن خلدون كَذَا قيل وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك واستقصوا فِي تتبعهم قتلا وَلم يفلت إِلَّا الرضعاء أَو مَنْ هرب إِلَى الأندلس مثل عبد الرَّحْمَن الملقب بالداخل لِأَنَّهُ أول من دخل إِلَى بِلَاد الْمغرب وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَغَيره مِمَّن تبعه من قرَابَته وَفِي ربيع الْأَبْرَار للزمخشري انقرضت دولة بني أُميَّة وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر نَفرا مُعَاوِيَة يزِيد بن مُعَاوِيَة وَمُعَاوِيَة بن يزِيد الَّذِي يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة الْأَصْغَر رضي الله عنه مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة عبد الْملك بن مَرْوَان الْوَلِيد بن عبد الْملك سُلَيْمَان بن عبد الْملك عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة رضي الله عنه وأرضاه يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان الْفَاسِق ممزق الْمُصحف بِالسِّهَامِ ومقدم الْجَارِيَة تؤم النَّاس فِي صَلَاة الصُّبْح جنبَاً سكرى يزِيد ابْن الْوَلِيد بن عبد الْملك إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد أخي يزِيد الْمَذْكُور قبله يَلِيهِ مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم المنبوز بالحِمَارِ وَفِي أَكثر التواريخ ذكرُوا أَن مُدَّة ملكهم ألف شهر لِأَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا حِين تكلمُوا عَلَيْهِ فِي تَسْلِيم الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ {ليلةُ اَلقَدرِ خَير مِنْ ألفِ شهر} الْقدر 3 وَذَلِكَ ثَلَاث وَثَمَانُونَ سنة وَأَرْبَعَة أشهر فَقَوْل الْحسن رضي الله عنه كَانَ تَقْرِيبًا لَا تحديداً وَيُمكن أَن يكون تحديداً على بعض الْحساب نظرَاً إِلَى تمكنهم وانهزامهم وقتلهم من تدَاخل السنين والشهور وَهِي يسيرَة فَأَما على ظَاهر الْحساب أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بُويِعَ بعد وَفَاة عَليّ بن أبي طَالب فِي ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة فِي سنة أَرْبَعِينَ من الْهِجْرَة وبويع عبد الله السفاح

ص: 351

العباسي فِي ثَالِث عشر ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة فَإِن أخرجنَا من هَذِه الْمدَّة مُدَّة ابْن الزبير تكون مُدَّة ملكهم إِلَى أَن مَاتَ مَرْوَان ثلاثَاً وَثَمَانِينَ سنة وشهرين وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا لِأَن مُدَّة ابْن الزبير تسع سِنِين وَأشهر بُويِعَ سنة أَربع وَسِتِّينَ وَقيل ثَلَاث وَسبعين سنة وَإِن حسبتها من الْيَوْم الَّذِي صَالح فِيهِ الْحسن مُعَاوِيَة تكون بعد إِخْرَاج مُدَّة ابْن الزبير ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سنة وشهراً وَاحِدًا وَسِتَّة وَعشْرين يَوْمًا وَالله أعلم وَفِي سراج الْمُلُوك سُئِلَ بعض الْعلمَاء مَا الَّذِي أذهب ملك بني أُميَّة فَقَالَ تحاسد الْأَكفاء وَانْقِطَاع الْأَخْبَار وَذَلِكَ أَن يزِيد بن عمر بن هُبَيْرَة وَزِير مَرْوَان كَانَ يحب أَن يضَعَ نصر بن سيار أَمِير خُرَاسَان لمروان فَكَانَ لَا يمده بِالرِّجَالِ وَلَا يرفع إِلَى مَرْوَان مَا يرد من الْأَخْبَار وَسُئِلَ بعض بني أُميَّة عَن سَبَب زَوَال ملكهم فَقَالَ اسْتِعْمَال الصغار من الرِّجَال على الْكَبِير من الْأَعْمَال وَتَقْدِيم الأرذال والأنذال على أهل الدّين والكمال وَذَوي النجدة من الرِّجَال فآل أمرنَا إِلَى مَا آل وَقَالَ بَعضهم وَقد سُئِلَ عَن مثل ذَلِك فَقَالَ نوم الغدوات وَشرب العشيات والاجتراء بإعلان الْفُجُور وَترك النهيِ عَن الْمُنْكَرَات وَلَا شَيْء أضيع للْملك وَأهْلك للرعية من شدَّة الْحجاب وَعدم الْقبُول لقَوْل الْعُقَلَاء لأَنهم قَالُوا من تمّ سروره قصرت شهوره والحزم أَسد الآراء والغفلة أضرّ الْأَعْدَاء وَمن قعد عَن حِيلَة تَدْبِير الْملك أقامته شَدَائِد الْفِتَن وَمن نَام عَن عدوه نبهته المكائد والمحن وَمن أَعْجَبته آراؤه غلبته أعداؤه وَمن استضعف عدوه اغْترَّ وَمن اغْترَّ ظفر بِهِ عدوه وَمن طَالَتْ عداوته زَالَت سلطته وَمن كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلكه وفناؤه وَرَأس الْحِكْمَة التودد إِلَى النَّاس قلت صدق فِيمَا بِهِ نطق فسبحان من لَا يَزُول ملكه وَلَا يتَحَوَّل سُلْطَانه وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الْعَلامَة مَحْمُود بن عَليّ بن أَحْمد البهوتي الْمُسَمّى بتاريخ الخلائف مَا نَصه قد كَانَ لبني أُميَّة ألقاب تلقبوا بهَا فمعاوية بن أبي سُفْيَان يلقب بالتام لدين الله وَيزِيد يلقب بالمنتصر على أهل الزيغ وَمُعَاوِيَة بن يزِيد يلقب بالراجع إِلَى الله ومروان بن الحكم يلقب بالمؤتمن بِاللَّه وَعبد الْملك بن مَرْوَان

ص: 352

بالموفق لأمر الله والوليد بن عبد الْملك بالمنتقِم لله وَسليمَان بن عبد الْملك بالداعِي إِلَى الله وَعمر بن عبد الْعَزِيز بالمعصومِ باللهِ وَيزِيد بن عبد الْملك بالقادر بصُنْع الله وَهِشَام بن عبد الْملك بالمنصور بِاللَّه والوليد بن يزِيد بالمكتفي بِاللَّه وَيزِيد بن الْوَلِيد بالشاكر لأنعم الله وَإِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بالمعتز بِاللَّه ومروان بن مُحَمَّد بالقائم بِحَق الله وَعبد الله بن الزبير بالعائذ بِبَيْت الله فسبحان مغيِّر الدول ومفني الْأُمَم لَا رب غَيره سُبْحَانَهُ فَلَيْسَ العباسية أَبَا عذرتها فَليعلم ذَلِك

ص: 353