الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحجَّاج بأمانِ النَّاس إِلَّا الْهُذيْل وَابْن حَكِيم وَأمر أَلا تتبع المنهزمون وَلحق ابْن ظبْيَان بعمان فَمَاتَ هُنَالك وَبعث الْحجَّاج بِرَأْس الْجَارُود ورءوس ثمانة عشر من أَصْحَابه إِلَى الْمُهلب ونصبت ليراها الْخَوَارِج فيتأسوا من الْخلاف وَحبس الْحجَّاج عبيد بن كَعْب وَمُحَمّد بن عُمَيْر لامتناعهما من الْإِتْيَان إِلَيْهِ وَحبس ابْن القبعثري لتحريضه عَلَيْهِ فَأَطْلقهُ عبد الْملك وَكَانَ فِيمَن قتل مَعَ ابْن الْجَارُود عبد الله بن أنس بن مَالك فَقَالَ الْحجَّاج لَا أرى إنْسَانا يعين عَليّ وَدخل الْبَصْرَة فَأخذ مَاله وجاءه أنس فأساء عَلَيْهِ وأفحش فِي شَتمه فَكتب أنس إِلَى عبد الْملك يشكوه فَكتب عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج يشتمه ويغلظ عَلَيْهِ فِي التهديد على مَا فعل بأنس وَأَن يَجِيء إِلَى منزله ويتنصل وَإِلَّا ويتمعَّر وجبينه يرشح عرقاً ثمَّ جَاءَ إِلَى أنس بن مَالك وَاعْتذر إِلَيْهِ وَفِي غُضُون هَذِه الْوَاقِعَة خرج الزنج بفرات الْبَصْرَة وَقد كَانُوا خَرجُوا قبل ذَلِك فِي أَيَّام مُصعب وَلم يَكُونُوا بالكثير وأفسدوا الثِّمَار والزروع ثمَّ جمع لَهُم خَالِد ابْن عبد الله وافترقوا قبل أَن ينَال مِنْهُم وَقتل بَعضهم وصلبهم فَلَمَّا كَانَت هَذِه الْوَقْعَة قدمُوا عَلَيْهِم رجلَا مِنْهُم اسْمه رَبَاح ويلقب شير زنجي أَي أَسد الزنج وأفسدوا فَلَمَّا فرغ الْحجَّاج من ابْن الْجَارُود أَمر زِيَاد بن عَمْرو صَاحب الشرطة أَن يبْعَث إِلَيْهِم من يقاتلهم فَبعث إِلَيْهِم ابْنه حفصَاً فِي جَيش فَقَتَلُوهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابه فَبعث جيشَاً فَهزمَ الزنج وأبادهم
(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)
كَانَ الْمُهلب وَعبد الرَّحْمَن بن مخنف واقفَينِ للخوارج برامهرمز فَلَمَّا أمدهم الْحجَّاج بالعساكر من الْكُوفَة وَالْبَصْرَة تَأَخّر الْخَوَارِج من رامهرمز إِلَى كازرون واتبعهم الْعَسْكَر حَتَّى نزلُوا بهم وَخَنْدَق الْمُهلب على نَفسه وَقَالَ ابْن مخنف وَأَصْحَابه خندقنا سوفنا فبيتهم الْخَوَارِج وَأَصَابُوا الْغرَّة فِي ابْن مخنف فقاتل
وَأَصْحَابه حَتَّى قتلوا هَكَذَا حَدِيث أهل الْبَصْرَة وَأما أهل الْكُوفَة فَذكرُوا أَنهم لما نهضوا إِلَى الْخَوَارِج اشْتَدَّ الْقِتَال بَينهم وَمَال الْخَوَارِج على الْمُهلب واضطروه لى مُعَسْكَره وأمده عبد الرَّحْمَن بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال وَلما رأى الْخَوَارِج مدده تركُوا من شغل الْمُهلب وقصدوا عبد الرَّحْمَن فقاتلوه وانكشف عَنهُ النَّاس وصبر فِي سبعين من قومه فَقَاتلُوا إليآخر اللَّيْل وَقتلُوا عَن آخِرهم وَبعث الْحجَّاج على عَسْكَر ابْن مخنف من أهل الْكُوفَة عتاب بن وَرْقَاء وَأمره أَن يسمع للمهلب فثقل ذَلِك عَلَيْهِ فَلم تحسن بَينهمَا الْعشْرَة وَكَانَ رترادان فِي الْكَلَام وَرُبمَا أغْلظ لَهُ الْمُهلب وَأرْسل عتاب إِلَى الْحجَّاج يسْأَله الْعود وَكَانَ خرق الْخَوَارِج وشبيب وَقد اتَّسع عَلَيْهِ فصادف مِنْهُ ذَلِك موقعَاً واستقدمه وَأمره أَن يتْرك الْعَسْكَر مَعَ الْمُهلب فولى عَلَيْهِم الْمُهلب ابْنه حبيباً وَأقَام يقاتلهم بنيسابور نَحوا من سنة وتحركت الْخَوَارِج على الْحجَّاج من سنة سِتّ وَسبعين إِلَى سنة ثَمَان وشغل بِحَرْبِهِمْ وَأول من خرج مِنْهُم صَالح بن مسرح من بني تَمِيم بعث إِلَيْهِ العساكر فَقتل فَوَلوا عَلَيْهِم شبيبا وَبعث وَأتبعهُ كثير من بني شَيبَان إِلَيْهِم الحجاجُ العساكر مَعَ الْحَارِث بن عميرَة ثمَّ مَعَ سُفْيَان الْخَثْعَمِي ثمَّ الْحِرْز بن سعيد فهزموهم وَأَقْبل شبيب إِلَى الْكُوفَة فجار بِهِ الْحجَّاج وَامْتنع عَلَيْهِ ثمَّ سرح عَلَيْهِ العساكر وَبعث فِي أَثَرهم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث فهزموهم ثمَّ بعث عتاب بن وَرْقَاء وَقتل مِنْهُم جمَاعَة كَمَا نذْكر ذَلِك كُله ي أخبارهم وف سنة سِتّ وَسبعين خرج صَالح بن مسرح التَّمِيمِي وَكَانَ صَالحا ناسكاً مخبتاً وَكَانَ بدارا والموصل وَله أَصْحَاب يُقْرِئهُمْ ويفقههم ويقص عَلَيْهِم وَلكنه يحط على الخليفتين عُثْمَان وَعلي كدأب الْخَوَارِج ويتبرأ مِنْهُمَا وَيَقُول تيسروا رحمكم الله لجهاد هَذِه الْأَحْزَاب المتحزبة وللخروج من دَار الفناء إِلَى دَار الْبَقَاء وَلَا تجزعوا من الْقَتْل فِي الله فَإِن الْقَتْل أيسر من الْمَوْت وَالْمَوْت نَازل بكم لم يلبث أَن أَتَاهُ كتاب شبيب بن يزِيد من الْكُوفَة فِيهِ أما بعد فَإنَّك شيخ
وجثوا على الركب وأشرعوا إِلَيْهِم الأسنة وَكَانَ شبيب فِي الستمائة فَجعل مِائَتَيْنِ مَعَه كردوساً وَمِائَتَيْنِ مَعَ سُوَيْد بن سليم وَمِائَتَيْنِ مَعَ الْمُحَلّل بن وَائِل فَحمل سُوَيْد عَلَيْهِم حَتَّى إِذا غشي أَطْرَاف الأسنة وَثبُوا فِي وُجُوههم يطعنونهم قدما قدما فانصرفوا فَأمر الْحجَّاج بتقدم كرسيه وَصَاح بِأَصْحَابِهِ فَحمل عَلَيْهِم شبيب فثبتوا وَطَالَ الْقِتَال فَلَمَّا رأى شبيب صبرهم نَادَى يَا سُوَيْد احْمِلْ على أهل هَذِه السِّكَّة لَعَلَّك تزيل أَهلهَا عَنْهَا فتأتي الْحجَّاج من وَرَائه وَنحن من أَمَامه فَحمل سُوَيْد بن سليم على أهل السِّكَّة فَرمى من فَوق الْبيُوت فَرد قَالَ أَبُو مخنف فَحَدثني فَرْوَة بن لَقِيط الْخَارِجِي من قوم شبيب قَالَ فَقَالَ لنا شبيب يَوْمئِذٍ يَا أهل الْإِسْلَام إِنَّمَا شرينا الله وَمن شرى الله لم يكثر عَلَيْهِ مَا أَصَابَهُ شدَّة كشداتكم فِي مواطنكم الْمَعْرُوفَة وَحمل على الْحجَّاج فَوَثَبَ أَصْحَاب الْحجَّاج طعنَاً وَضَربا فَنزل شبيب وَقَومه فَصَعدَ الْحجَّاج على مَسْجِد شبيب فِي نَحْو عشْرين رجلا وَقَالَ إِذا دنوا فارشقوهم بالنبال فَاقْتَتلُوا عَامَّة النَّهَار أَشد قتال فِي الدُّنْيَا حَتَّى أقرّ كل فريق لآخر ثمَّ إِن خَالِد بن عتاب بن وَرْقَاء قَالَ للحجاج ائْذَنْ لي فِي قِتَالهمْ فَإِنِّي موتور لِأَنَّهُ قتل أَبوهُ عتاب بن وَرْقَاء وَمِمَّنْ لَا يتهم فِي نصيحته فَأذن لَهُ فَخرج فِي عِصَابَة وَدَار من ورائهم فَقتل مصاداً أَخا شبيب وغزالة امْرَأَة شبيب وأضرم النيرَان فِي عسكره فَوَثَبَ شبيب وَأَصْحَابه على خيولهم فَقَالَ الْحجَّاج احملوا عَلَيْهِم فقد ارتعبوا فشدوا عَلَيْهِم فهزموهم وَتَأَخر شبيب عَن خَاصَّة قومه فَذكر من كَانَ مَعَ شبيب أَنه كَانَ يَنْعس ويخفق بِرَأْسِهِ وَخَلفه الطّلب قَالَ فَقلت يَا أَمر الْمُؤمنِينَ الْتفت فَانْظُر من خَلفك فَالْتَفت غير مكترث ثمَّ أكب يخْفق ثمَّ قلت إِنَّهُم دنوا فَالْتَفت ثمَّ أقبل يخْفق وَبعث الْحجَّاج إِلَى خيله ان دَعوه فِي حرقة النَّار فَتَرَكُوهُ وَرَجَعُوا
وَمر أَصْحَاب شبيب بعامل الْحجَّاج على بلد بِالسَّوَادِ فَقَتَلُوهُ ثمَّ أَتَوا بِالْمَالِ فِي على دَابَّة فشتمهم شبيب على مجيئهم بِالْمَالِ وَقَالَ لقد اشتغلتم بالدنيا ثمَّ رمى بِالْمَالِ فِي الْفُرَات ثمَّ سَار بهم إِلَى الأهواز وَبهَا مُحَمَّد بن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله فَخرج لقتاله وَسَأَلَهُ مُحَمَّد المبارزة فبارزه شبيب فَقتله ومضَى إِلَى كرمان فَأَقَامَ شَهْرَيْن وَرجع إِلَى الأهواز فندب لَهُ الْحجَّاج مقدمي جش الشَّام سُفْيَان بن الْأَبْرَد الْكَلْبِيّ وحبِيب بن عبد الرَّحْمَن الْحكمِي فَالْتَقوا على جسر دجيل فَاقْتَتلُوا حَتَّى حجز بَينهم اللَّيْل ثمَّ ذهب شبيب فَلَمَّا صَار على جسر دجيل قطع الجسر فَوَقع شبيب وغرق وَقيل قفز بِهِ فرسه فَأَلْقَاهُ فِي المَاء وَعَلِيهِ الدرْع فَقَالَ لَهُ رجل أغرقاً يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم وألقاه دجيل إِلَى ساحله مَيتا وَآتى بِهِ الْحجَّاج قَالَ أَبُو مخنف فَسَمِعتهمْ يَقُولُونَ إِنَّه شقّ بَطْنه فَأخْرج قلبه وَكَانَ مجتمعا صلبا كَأَنَّهُ صَخْر وَأَنه كَانَ يضْرب بِهِ الأَرْض فيثب قامة الْإِنْسَان قلت لله أَبُو هَذَا البطل القرم الَّذِي بارز الأقران فكسرهم وشتت شملهم وقهرهم يظقر فِي سِتّمائَة على خمسين ألفا وَهُوَ شبيب بن يزِيد بن نعيم بن قيس بن عَمْرو بن الصَّلْت الشَّيْبَانِيّ خرج بالموصل كَمَا تقدم فَبعث إِلَيْهِ الْحجَّاج خَمْسَة قواد قَتلهمْ وَاحِدًا بعد وَاحِد ثمَّ سَار إِلَى الْكُوفَة وحاصر الْحجَّاج بهَا وقاتله وَكَانَت امْرَأَته غزالة من الشجَاعَة والفروسية قربيا مِنْهُ هرب الْحجَّاج مِنْهَا فِي بعض حروبه فَعَيَّرَهُ بعض النَّاس // (من الْكَامِل) //
(أَسَدٌ عَلَى وَفي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ
…
فَتْخَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ)
(هَلَاّ بَرَزْتَ إلَي غَزَالَة فِي الوَغَى
…
بَلْ كَانَ قلبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ)
وَكَانَت أمه تسمى جهيزة تشهد الحروب كَذَلِك قَالَ بَعضهم رَأَيْت شبيبَاً وَقد دخل الْمَسْجِد وَعَلِيهِ جُبَّة طيالسة عَلَيْهَا نقط من أثر الْمَطَر وَهُوَ طَوِيل أشمط جعد آدم اللَّوْن فبقى فِي الْمَسْجِد يرتج ولد سنة سِتّ وَعِشْرُونَ من الْهِجْرَة وغرق بدجيل سنة سبع وَسبعين وَلما حمل إِلَى عبد الْملك عتْبَان الحروري من أَصْحَاب شبيب قَالَ لَهُ عبد الْملك أَلَسْت الْقَائِل // (من الطَّوِيل) //
(فإنْ كَانَ مِنْكُمْ كَانَ مَرْوَانُ وابنُهُ
…
وعَمْرٌ ر ومنْكُمْ هاشمٌ وحبيبُ)
(فمنا حُصَيْن والبطين وقَعْنَبٌ
…
وَمنا أَمِير المؤمنينَ شَبِيبُ)
فَقَالَ عتْبَان يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا قلت وَمنا أميرَ الْمُؤمنِينَ وَنصب على النداء فَاسْتحْسن قَوْله وَأطْلقهُ وجهيزة أم شبيب هِيَ الني يضْرب بهَا الْمثل فِي الْحمق لِأَنَّهَا لما حملت قَالَت فِي بَطْني شَيْء ينفر فَقيل أَحمَق من جهيزة وروى عَنْهَا مَا يدل على عدم الْحمق فَإِن عَمْرو بن شبيب قَالَ حَدثنِي خَلاد بن يزِيد الأرقط قَالَ كَانَ شبيب نعى إِلَى أمه فقيال لَهَا إِنَّه قد قتل فَلَا تقبل فَلَمَّا قيل لَهَا إِنَّه قد غرق قبلت ذَلِك وَقَالَت إِنِّي رأيتُ حِين وَلدته أَنه خرج مني شهَاب نَار فَعلمت أَنه لَا يطفئه إِلَّا المَاء كَذَا فِي دوَل الْإِسْلَام لِلْحَافِظِ الذَّهَبِيّ وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ بني الْحجَّاج مَدِينَة وَاسِط الْمَدِينَة الْمَعْرُوفَة وَذَلِكَ أَن الْحجَّاج كَانَ ينزل أهل الشَّام " ذَا ورد الْكُوفَة على أهل الْكُوفَة فَضرب الْبَعْث عَن أهل الْكُوفَة إِلَى خرسان وعسكروا قَرِيبا من الْكُوفَة حَتَّى يستتموا فَرجع مِنْهُم ذَات لَيْلَة فَتى حَدِيث عهد بعرس بابنة عَمه فطرق بَيته فدق الْبَاب فَلم يفتح لَهُ إِلَّا بعد هنيهة وَإِذا سَكرَان من أهل الشَّام يسْتَأْذن وَشَكتْ عَلَيْهِ ابْنة عَمه مراوونه إِيَّاهَا فَقَالَ لَهَا ائذني لَهُ فَأَذنت لَهُ فجَاء فَقتله الْفَتى الْكُوفِي وَخرج إِلَى الْعَسْكَر وَقَالَ ابعثي إِلَى الشاميين وادفعي إِلَيْهِم صَاحبهمْ فَفعلت فأحضرها عِنْد الْحجَّاج فَأَخْبَرته
فَقَالَ صدقت وَقَالَت للشاميين لَا قَود لَهُ وَلَا عَقل فَإِنَّهُ قَتِيل الله إِلَى النَّار ثمَّ نَادَى منادٍ لَا ينزل أحد على أحد وَبعث الرواد فارتادوا لَهُ مَكَان وَاسِط وَوجد هُنَاكَ رَاهِبًا ينظف بقْعَة من النَّجَاسَات فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ نجد فِي كتبنَا أَنه يبْنى هَهُنَا مَسْجِدا لِلْعِبَادَةِ فاختط الْحجَّاج مَدِينَة وَاسِط هُنَاكَ وَبني الْمَسْجِد فِي تِلْكَ الْبقْعَة وَفِي تَارِيخ ابْن خلكان أَن ابْن الزبير لما ولي الْخلَافَة بِمَكَّة ولى أَخَاهُ عبيد الله ابْن الزبير الْمَدِينَة وَلم يزل يُقيم للنَّاس الْحَج من سنة أَربع وَسِتِّينَ إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين فَلَمَّا ولي عبد الْملك منع أهل الشَّام من الْحَج من أجل ابْن الزبير لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ النَّاس بالبيعة إِذا حجُّوا فَضَجَّ النَّاس لما منعُوا من الْحَج فَبنى عبد الْملك قبَّة على صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس ومساجد الْأَمْصَار وَقيل إِن أول من سنّ التَّعْرِيف بِالْبَصْرَةِ عبد الله بن عَبَّاس رض الله عَنْهُمَا لما كَانَ عَاملا عَلَيْهَا لعَلي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وبمصر عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان أَخُو عبد الْملك وببيت الْمُقَدّس عبد الْملك بن مَرْوَان وَلما قتل عبد الْملك مُصعب بن الزبير وَأَرَادَ الرُّجُوع جَاءَ إِلَيْهِ الْحجَّاج فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنِّي أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فولني قِتَاله فَبَعثه فِي الْجَيْش الْمُتَقَدّم ذكره فحصره أَكثر من خمسين يَوْمًا وَقيل خَمْسَة أشهر وَفعل مَا فعل وَأرْسل بِرَأْسِهِ إِلَى عبد الْملك فَأرْسل عبد الْملك بِالرَّأْسِ إِلَى عبد الله بن حَازِم السّلمِيّ وَهُوَ عَامل ابْن الزبيرعلى خرسان وَمَا والاها وَكَانَ عبد الله بن حَازِم هَذَا من الْأَبْطَال والفرسان والمعدودين والمشهورين وَلَقَد سَمِعت عبارَة فِي وَصفه بالشجاعة لم أسمع نظريها فِي غَيره فَمَا أحقها أَن تكون فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب فَإِنَّهَا غَايَة فِي الْمَدْح مَا خلفهَا غَايَة وَهِي قَول بعض الْعَرَب فِيهِ مَا ستحيا شُجَاع قد ان يفر من عبد الله حَازِم السّلمِيّ فتأملها بالذوق تجدها تجذب المحامد بالطوق الشَّيْء بالشَّيْء يذكر قَالَ فِي العقد فرسَان الْحُرُوف فِي الْجَاهِلِيَّة ربيعَة بن مكدم من بني فَارس بن غنم بن مَالك بن كنَانَة
قلت هُوَ صَاحب الْوَاقِعَة مَعَ عَمْرو بن معدي كرب الَّتِي تقدم ذكرهَا كَانَ يعقر على قَبره فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم يعقر على قبر أحد قبله وَبَنُو فَارس من الَّذين قَالَ فيهم عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يمدحهم ويذم أهل الْكُوفَة يَا معشر الْكُوفَة من فَازَ بيكم فَازَ بِالسَّهْمِ الأخيب أبدلكم الله بِي من هُوَ شَرّ لكم وأبدلني بكم من هُوَ خير مِنْكُم وددت وَالله أَن لي بجمعكم وَأَنْتُم مائَة ألف ثَلَاثمِائَة من بني فراس بن غنم بن مَالك بن كنَانَة وعنترة بن شَدَّاد الْعَبْسِي وَعتبَة بن الْحَارِث بن شهَاب وَأَبُو بداء عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة وَزيد الْخَيل وبسطام بن قيس والأحيمر السَّعْدِيّ وعامر ابْن الطُّفَيْل وَعَمْرو بن عبد ود العامري وَعَمْرو بن معدي كرب الزبيدِيّ وَأما فِي الْإِسْلَام فعلي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَرِجَال من الْأَنْصَار مِنْهُم أَبُو دجانهة الْأنْصَارِيّ وَعَاصِم بن ثَابت بن أبي الأقلح وَقيس بن سعد بن عبَادَة وَعبادَة بن الْحصين وَالْأَشْتَر بن مَالك النَّخعِيّ وَعبد الله بن الزبير ومسلمة ابْن عبد الْملك بن مَرْوَان وَعُمَيْر بن الْحباب وقطري بن الفجاءه والحريش ين هِلَال السَّعْدِيّ وشبيب الحروري الْخَارِجِي وَعبد الله بن حَازِم السّلمِيّ الْمَذْكُور وَكَانَ عبد الله بن حَازِم هَذَا عَاملا لِابْنِ الزبير على خرسان وَمَا والاها كَمَا تقدم ذكره فَلَمَّا أرسل إِلَيْهِ عبد الْملك بن مَرْوَان بِرَأْس ابْن الزبير أرْسلهُ مَعَ رجل من بني عَامر بن صعصعة يَدعُوهُ إِلَى طَاعَته وَأَن تكون لَهُ خُرَاسَان طعمة سبع سِنِين لَا يسْأَل عَن شَيْء مِنْهَا قَالَ ابْن حَازِم للرسول لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل وَفِي رِوَايَة لَوْلَا خشيَة الْفِتْنَة من بني عَامر وَبني سليم لضَرَبْت عُنُقك ولكنْ كُل كِتَابَ صَاحبك فَأَكله ثمَّ أَمر بِالرَّأْسِ فَغسله وَقَبله وَدَفنه وَقيل إِنَّه بَعثه إِلَى آل الزبير بِالْمَدِينَةِ فدفنوه مَعَ جثته حَيْثُ دفنت وَعبد الْملك أول من سمي بِعَبْد الْملك فِي الْإِسْلَام كَانَ مشدود الْأَسْنَان بِالذَّهَب حازماً يقظاً لَا يكلُ أمره إِلَى سواهُ شَدِيد الْبُخْل يلقب رشح الْحجر لبخله ويلقب أَيْضا بِأبي الذُّبَاب لبخر كَانَ فِي فِيهِ كَذَا قيل مقدما على
سفك الدِّمَاء أوصى ابْنه الْوَلِيد لما ثقل مَرضه فَقَالَ يَا وليد لَا ألفينك إِذا وَضَعتنِي فِي حفرتي تعصر عَيْنَيْك كالأمة الوكعاء بل شمر وائتزر والبس جِلد النمر وادع النَّاس إِلَى الْبيعَة فَمن قَالَ بِرَأْسِهِ كَذَا أَي لأَفْعَل باليسف كَذَا أَي اضْرِب عُنُقه وَمن سكت مَاتَ بدائه وَكَانَ عبد الْملك يلقب قبل ذَلِك بحمامة الْمَسْجِد لقبه بِهِ عبد الله بن عمر وجاءته الْخلَافَة وَهُوَ يقْرَأ ي الْمُصحف فطبقه وَقَالَ سَلام عَلَيْك هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك وَقيل لِابْنِ عمر رأيتَ لَو تفانوا أَصْحَاب رَسُول الله
فَمن نسْأَل بعدهمْ قَالَ سلوا هَذَا الْفَتى يَعْنِي عبد الْملك بن مَرْوَان عَن يُونُس بن ميسرَة عَن عبد الْملك أَنه قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله
مَا من امْرِئ لَا يَغْزُو فِي سَبِيل الله أَو يُجهز غازياً أَو يخلفه بِخَير إِلَّا أَصَابَهُ الله بقارعة قبل الْمَوْت وَقَالَ النَّضر بن مُحَمَّد وَذكر سنداً إِلَى سحيم مولى أَي هُرَيْرَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن عبد الْملك بن مَرْوَان دخل عَلَيْهِم وَهُوَ غُلَام شَاب فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة هَذَا يملك الْعَرَب وَقَالَ جرير بن حَازِم عَن نَافِع لقد رَأَيْت الْمَدِينَة وَمَا بهَا شَاب أَشد تشميراً وَلَا أنسك وَلَا أَقرَأ لكتاب الله من عبد الْملك بن مَرْوَان وَعَن ابْن عمر قَالَ ولد النَّاس أَبنَاء وَولد مَرْوَان أَبَا قَالَ مَالك سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول أول من صلى فِي الْمَسْجِد مَا بَين الظّهْر إِلَى الْعَصْر عبد الْملك بن مَرْوَان وفتيان كَانُوا مَعَه إِذا صلى الإِمَام الظّهْر قَامُوا فصلوا إِلَى الْعَصْر فَقيل لسَعِيد بن الْمسيب لَو قمنا فصلينا كَمَا يُصَلِّي هَؤُلَاءِ فَقَالَ سعيد بن الْمسيب لَيست الْعِبَادَة بِكَثْرَة الصَّلَاة وَالصَّوْم إِنَّمَا الْعِبَادَة التفكير فِي أَمر الله والورع عَن محارم الله
وروى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن الشّعبِيّ مَا جالست أحدا إِلَّا وجدت لي الْفضل عَلَيْهِ إِلَّا عبد الْملك بن مَرْوَان فَإِنِّي مَا ذاكرته حَدِيثا إِلَّا زادني فِيهِ وَلَا شعرًا إِلَّا زادني فِيهِ وَقَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن يحيى الغساني حَدثنَا أبي عَن أَبِيه قَالَ لما نزل مُسلم بن عقبَة المري الْمَدِينَة دخلت الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فَجَلَست إِلَى جنب عبد الْملك فَقَالَ لي أَمن هَذَا الْجَيْش أَنْت قلت نعم قَالَ ثكلتك أمك أَتَدْرِي إِلَى من تسير إِلَى أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام قلت مُرَاده بِالْمَدِينَةِ فقد صَحَّ أَن عبد الله بن الزبير أول مَوْلُود ولد بهَا قيل بقباء وَقيل بِالْمَدِينَةِ نَفسهَا ففرح الْمُسلمُونَ فَرحا شَدِيدا لِأَن الْيَهُود تفوهوا بِأَنا سحرنَا محمدَاً وَأَصْحَابه فَلَا يُولد لَهُم فَكَانَ أول مكذب لَهُم رضي الله عنه انْتهى وَإِلَى ابْن حَوَاري رَسُول الله
وَإِلَى ابْن ذَات النطاقين وَإِلَى من حنكه رَسُول الله
أما وَالله إِن جِئْته نهارَاً وجدته صائمَاً وَإِن جِئْته لَيْلًا لتجدنه قائمَاً فَلَو أَن أهل الأَرْض أطبقوا على قَتله لأكبهم الله جميعَاً فِي النَّار فَلَمَّا صَارَت الْخلَافَة إِلَى عبد الْملك وجهنا مَعَ الْحجَّاج حَتَّى قَتَلْنَاهُ قَالَ الْأَصْمَعِي حَدثنَا عباد بن مُسلم بن زِيَاد عَن أَبِيه قَالَ ركب عبد الْملك ابْن مَرْوَان بكرا فَأَنْشَأَ قائده يَقُول // (من الرجز) //
(يَأَيُّهَا البكْرُ الَّذِي أَرَاكَا
…
)
)
غَلَبْتَ أهلَ الأرضِ فِي مَمْشَاكا
…
)
(وَيْحَكَ هَلْ تعلَمُ مَنْ عَلَاكَا
…
)
(خليفَةُ اللَّهِ الَّذِي امْتَطَاكَا
…
)
(لَمْ يَحْبُ بَكْرًا مِثْلَ مَا حَبَاكَا
…
)
فَلَمَّا سَمعه عبد الْملك قَالَ إيهاً يَا هَناه قد أمرت لَك بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَمِمَّا نقلته من العقد لِابْنِ عبد ربه الْقُرْطُبِيّ قَالَ مدح جرير الْحجَّاج بِأَبْيَات
مِنْهَا قَوْله // (من الوافر) //
(دَعَ الحَجَّاجُ مِثْلَ دعاءِ نُوحٍ
…
فأسمَعَ ذَا المعارجِ فَاسْتَجَابَا)
فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج إِن الطَّاقَة تَعجِزُ عَن مكافأتك وَلَكِنِّي موفدك على أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْملك بن مَرْوَان فسر بكتابي هَذَا إِلَيْهِ فَسَار إِلَى عبد الْملك فأنشده القصيدة الَّتِي مطْلعهَا // (من الوافر) //
(أَتَصْحُو أَمْ فؤادُكَ غَيْرُ صَاح
…
)
فَقَالَ عبد الْملك بل فُؤَادك يَا ابْن الفاعلة حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله فِيهَا // (من الوافر) //
(تَعَزَّتْ أمُّ حَزْرَةَ ثُمَّ قالَتْ
…
رأيتُ الوارِدِينَ ذَوِي امتِيَاحِ)
(ثِقِي باللَّهِ ليْسَ لَهُ شريكٌ
…
ومِنْ عندِ الخليفةِ بالنجاحِ)
(سأشكُرُ إِن رَدَدتَ إلَيَّ ريشِي
…
وأثبتَّ القَوَادِمَ مِنْ جَنَاحي)
(أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا
…
وأندى العَالَمينَ بُطُونَ راحِ)
فَلَمَّا قَالَ هَذَا الْبَيْت اسْتَوَى عبد الْملك جَالِسا وَكَانَ متكئَاً ثمَّ قَالَ من مَدْحنَا فبمثل هَذَا فليمدح ثمَّ قَالَ يَا جرير أَتَرَى أم جزرة ترْوِيهَا مائَة نَاقَة من نعم كلب فَقَالَ إِذا لم تَرَوْهَا فَلَا أرواها الله وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْإِبِل أباق وَنحن مَشَايِخ وَلَيْسَ بأحدنا فضل عَن رَاحِلَته فَلَو أمرت بالرعاة لَهَا فَأمر لَهُ بِثمَانِيَة أعبد قَالَ وَكَانَت بَين يَدي عبد الْملك صحاف من فضَّة يقرعها بقضيب فِي يَده فَقَالَ جرير والمحلب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَأَشَارَ لى صَحْفَة فنبذها إِلَيْهِ بالقضيب وَقَالَ خُذْهَا فَفِي ذَلِك يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثمانيَةٌ
…
مَا فِي عطائِهمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ)
وروى هِشَام بن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ دخل أَعْرَابِي إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان فمدحه وَأحسن وَعِنْده جرير والفرزدق والأخطل فَقَالَ لَهُ عبد الْملك أتعرف أهجَى بَيت فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَول جرير // (من الوافر) //
(فَغُضَّ الطَّرْفَ إنكَ من نُمَيْرٍ
…
فَلَا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلَا كلَابا)
قَالَ أصبتَ فَهَل تعرف أرق بَيت قيل فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَول جرير أَيْضا // (من الْبَسِيط) //
(إِنَّ العُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حور
…
قتاْنَنَا ثمَّ لم يُحْيِينَ قَتْلنَنا)
(يَصْرعْنَ ذَا اللب حَتَّى لَا حراكَ بِهِ
…
وهُنَّ أضعَفُ خَلْقِ الله أركانا)
قَالَ عبد الْملك أَحْسَنت ثمَّ قَالَ فَهَل تعرفُ أمدح بَيت قيل فِي الْإِسْلَام قَالَ نعم قَوْله فِيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ // (من الوافر) //
(أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا
…
وأَنْدَى العالَمينَ بُطُونَ رَاحِ)
قَالَ أَحْسَنت فَهَل تعرف جريرَاً قَالَ لَا وَالله وَإِنِّي إِلَى رُؤْيَته لمشتاق فَقَالَ هَذَا جرير وَهَذَا الفرزدق وَهَذَا الأخطل فَأَنْشَأَ الْأَعرَابِي يَقُول // (من المتقارب) //
(فَحَيَّا الإلهُ أَبَا حَزْرَةٍ
…
وَأَرْغَمَ أنفَكَ يَا أَخْطَلُ)
(وَجَدُّ الفرزدقِ أَتْعِسْ بِهِ
…
وَدَقَّ خياشيمَكَ الجَنْدَلُ)
فَأَنْشَأَ الفرزدق يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(بَلْ أَرْغَمَ اللَّهُ أنفًا أنتَ حامِلُهُ
…
يَا ذَا الخَنَا ومقَالِ الزُّور والخَطَلِ)
(مَا أَنْتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حكومتُهُ
…
وَلَا الأَصِيلِ وَلَا ذِي الرأْيِ والجَدَلِ)
فَغَضب جرير وَأَنْشَأَ يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(أَتَشْتُمَانِ سفَاهًا خَيْرَكُمْ حَسَبًا
…
فَفِيكُمَا وإلهي الزُّورَ والخَطَلُ)
(شَتَمْتُماهُ عَلَى رَفْعِي وَوَضْعِكُما
…
لَا زِلْتُمَا فِي سِفَالٍ أَيهَا الرَّجُلُ)
ثمَّ نَهَضَ فَقيل يَدي عبد الْملك وَقَالَ يَا مولَايَ جائزتي لجرير فَقَالَ عبد الْملك وَله مني مثلهَا انْتهى وَحكى الْهَيْثَم بن عدي أَن عبد الْملك بن مَرْوَان بَعَثَ إِلَى عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَإِلَى جميل بن معمر العذري صَاحب بثينة وَإِلَى كثير عزة وَهُوَ كثير ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود الْخُزَاعِيّ الْمدنِي وأوقر نَاقَة ذهبَاً وَفِضة ثمَّ قَالَ لينشد كل وَاحِد مِنْكُم ثَلَاثَة أَبْيَات فَأَيكُمْ كَانَ أغزل شعرَاً فَلهُ النَّاقة وَمَا عَلَيْهَا فَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة // (من الطَّوِيل) //
(فَيَا ليْتَ أَنِّي حِينَ تَدْنُو منيَّتِي
…
شَمَمْتُ الَّذِي مل بَين عينيكِ والفَمِ)
(وَلَيْتَ طهوري كَانَ رِيقكِ بَعْدَهُ
…
ولَيْتَ حَنُوطِي مِنْ مُشَاشِكِ والدَّمِ)
(وَلَيْتَ سُلَيْمَى فِي المنامِ ضَجِيعتِي
…
لَدَى الجَنَّةِ الخضراءِ أَو فِي جَهَنَّمِ)
وَقَالَ جميل // (من الطَّوِيل) //
(حَلَفتُ يمنًا يَا بثينَةُ صَادِقا
…
فإنْ كُنْتُ فِيهَا كَاذِبًا فَعَمِيتُ)
(حلفتُ لَهَا بالبُدْنِ تدمى نحورُهَا
…
لقد شَقِيَت نَفْسِي بكُمْ وعنِيتُ)
(وَلَو أنَّ رَاقي المَوْتِ يَرْقي جنازتي
…
بمَنْطِقِهَا فِي الناطِقِينَ حَيِيتُ)
وَقَالَ كثير عزة // (من الْكَامِل) //
(بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ مِنْ معشوقةٍ
…
ظَفِرَ العدوُّ بهَا فَغيَّرَ حالَهَا)
(ومشَى إليَّ بعَيْبِ عزَّةَ نسوةٌ
…
حعل المليكُ خدودَهُنَّ نِعَالَهَا)
(وَلَو انَّ عزَّةَ حاكَمَتْ شَمْسَ الضحَى
…
فِي الحُسْنِ عِنْد موفَّقٍ لَقَضَى لَهَا)
فَقَالَ عبد الْملك خُذ النَّاقة يَا صَاحب جَهَنَّم وَكَانَ يُقَال من أَرَادَ رِقَّة الْغَزل فَعَلَيهِ بِشعر عمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَمن شعره مَا رَوَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي // (من الْكَامِل) //
(لَبِثُوا ثَلَاث مني بمَنْزِلِ قلعةٍ
…
وَهُمُ عِلى عرضٍ لَعمْرُكَ مَا هُمُ)
(الْعَتِيق متجاوزينَ بغَيْرِ دارِ إقامةٍ
…
لَو قد أجَدَّ رحيلهم لم يَقْدَمُوا)
(ولهن بالبيْتِ العتقِ لبانَةٌ
…
والبيتُ يعرفُهُنَّ لَو يتكلَّمُ)
(لَو كَانَ حَيَّا قبلهنَّ ظعائناً
…
حَيَّا الحطيمُ وجوهَهُنَّ وزَمْزَمُ)
(لكنَّهُ مِمَّا يطيفُ برُكْنِهِ
…
منهنَّ صماء الصَّدَى مُسْتَعْجمُ)
(وكأنهنَّ وَقد صدرْنَ عشيَّةً
…
بيضٌ بأكنافِ الخيامِ منظَّمُ)
وَفِي كتاب أَنْسَاب قُرَيْش للزبير بن بكار لعمر بن أبي ربيعَة قَوْله // (من الطَّوِيل) //
(نَظَرْتُ إِلَيْهَا بالمحصَّبِ من مِنًى
…
ولي نَظَرٌ لَوْلَا التحرُّمُ عازمُ)
(فقلْتُ أشمسٌ أَو مصابيحُ بيعَةٍ
…
بَدَتْ لكَ تَحت السُّجْفِ أَمْ أنْتَ حَالِمُ)
(بعيد مَهْوى القُرْطِ أما لنوفَلٍ
…
أَبُوهَا وإمَّا عَبْدُ شَمْسٍ وهاشِمُ)
)
فَلم أستطِعْهَا غيْرَ أَنْ قَد بَدَا لَنا
…
عشيَّةَ راحَتْ وَجْهُهَا والمَعَاصِمُ)
وَقَالَ الزبير بن بكار أنْشد ابْن أبي عَتيق سعيدَ بن الْمسيب قَول عمر بن أبي ربيعَة // (من الْخَفِيف) //
(أَيهَا الراكبُ المجدُّ ابتِدَارَا
…
قد قَضَى مِنْ تِهَامَةَ الأوطارا)
(إِن يكُنْ قلبُكَ الغدَاة جلِيدًا
…
ففؤادي بالحُبِّ أمْسَى مُعَارا)
(لَيْت ذَا الدَّهْرَ كَانَ حَتْمًا علينا
…
كُلَّ يومَين حِجَّةً واعتِمَارا)
فَقَالَ سعيد بن الْمسيب لقد كلف ابْن أبي ربيعَة الْمُسلمين شططاً وروى الْأَصْمَعِي عَن صَالح بن أسلم قَالَ قَالَ عمر بن أبي ربيعَة إِنِّي قد
أنشدت من الشّعْر مَا بلغك وَبلغ غَيْرك وَلَكِن وَرب هَذِه البِنِية يُشِير إِلَى الْكَعْبَة مَا حللت إزَارِي على فرج حرَام قطّ حضر مجْلِس عبد الْملك يَوْمًا قوم من وُجُوه الْعَرَب فَقَالَ لَهُم عبد الْملك أَي المناديل أفضل فَقَالَ بَعضهم مناديل مصر كَأَنَّهَا غِرقِئُ الْبيض وَقَالَ بعض مناديل الْيمن كَأَنَّهَا أنوار الرّبيع فَقَالَ عبد الْملك مَا صَنَعْتُم شَيْئا أفضلهَا مَا قَالَه عَبدة بن الطَّبِيب حَيْثُ يَقُول // (من الْبَسِيط) //
(لَمَّا نزلْنَا ضربْنَا ظِلَّ أخبيةٍ
…
وفَارَ بالغَلْيِ للقَوْمِ المراجيلُ)
(ورد وأشْقَر لَا يُؤْنيه طابخُهُ
…
مَا قارَبَ النضْجَ مِنْهَا فَهُوَ مأكولُ)
(ثمَّ انثنينا عَلَى عُوجٍ مسوَّمةٍ
…
أعرافُهُنَّ لأيدينا منَاديِلُ)
ثمَّ قَالَ وَمَا أطربني لقَوْل طفيل الْخَيل // (من الْبَسِيط) //
(إِنِّي وإنْ قَلَّ مَالِي لَا يُفَارِقُنِي
…
مِثلُ النعامةِ فِي أوصالهَا طُولُ)
(تقريبُهَا المَرطَى والجَوْزُ معتدلٌ
…
كَأَنَّهُ سبدٌ بالماءِ مغسُولُ)
(أَو ساهم الوجهِ لم تقطَعْ أباجلُهُ
…
يُصَانُ وَهْوَ بيومِ الروعِ مبذولُ)
قلت وَفِي حفظي لِابْنِ المعتز فِي مثل هَذَا الْمَعْنى من وصف الْفرس مَا يعجب سَمَاعه وَيحسن فِي الطروس إيداعه قَوْله // (من الْكَامِل) //
(وَلَقَد وَطِئْتُ الغيثَ يَحْملُنِي
…
طِرْفٌ كلونِ الصبحِ حينَ وقدْ)
(يمشِي ويعرضُ فِي العِنَانِ كَمَا
…
صَدَفَ المعشَّقُ بالدَّلَالِ وصَدّ)
(طارَتْ بِهِ رجلٌ موقعةٌ
…
رجَّامةٌ لحَصَى الطرقِ وَيَدْ
…
(وَكَأَنَّهُ مَوْجٌ يسيلُ إِذا
…
أطلقتَهُ وَإِذا حبست جَمَدْ)
وَقَول زيد الْخَيل // (من الرمل) //
(يَا بني الصيداء رُدُّوا فَرَسي
…
إنماُيصنَعُ هَذَا بالذَّلِيلِ)
(لَا تذيلوه فَإِنِّي لم أكُن
…
يَا بني الصَّيْدَا لِمُهْرِي بالمُذِيلِ)
(عَوِّدُوهُ كَالَّذِي عَوَّدْتُهُ
…
دلج الْليلِ وَإِيطَاء القَتِيلِ)
قيل وفدت عزة على عبد الْملك بن مَرْوَان فَلَمَّا دخلت سلَمَت فَرد عليها السلام ورحب بهَا وَقَالَ مَا أقدمك يَا عزة قَالَت شدَّة الزَّمَان وَكَثْرَة الألوان
واحتباس الْقطر قَالَ هَل تروين لكثير // (من الطَّوِيل) //
(وَقَدْ زعَمتْ أنِّي تغيَّرْتُ بَعْدَمَا
…
ومَنْ ذَا الَّذِي يَا عَزُّ لَا يتغَّيرُ)
قَالَت أَروِي لَهُ هَذَا وَلَكِنِّي أَروِي قَوْله فِي قصيدة لَهُ // (من الطَّوِيل) //
(كأَنِّي أُنَادِي صَخْرَةً حِينَ أَعْرَضَتْ
…
مِنَ الصُّمِّ لَو تمشِي بهَا العُصْمُ زَلَّتِ)
قَالَ ماكنت لتصرين لى حَاجته أَو تهبين نَفسك لي فأزوجك مِنْهُ قَالَت الْأَمر إِلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كنت لأزهد فِي هَذَا الشّرف الْبَاقِي لي مَا دَامَت الدُّنْيَا أَن يكون أَمِير الْمُؤمنِينَ وليي فَعظم بذلك قدرهَا عِنْده وَأمر لَهَا بِمَال وَكتب إِلَى كثير وَهُوَ بِالْكُوفَةِ أَن اركب الْبَرِيد وَعجل فَإِنِّي مزوجك عزة وَأَتَاهُ الْكتاب وَهُوَ مضني من الشوق إِلَيْهَا فَرَحل وَأَقْبل نَحْوهَا فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق إِذا هُوَ بغراب على شَجَرَة بانة ينتف ريشه ويطايره وَكَانَ كثير شَدِيد الطيرَة فَلَمَّا رَآهُ تَطَير وهَم بالانصراف ثمَّ غَلبه شوقه فَمضى وَهُوَ مكروب لما رأى حَتَّى آتى مَاء لبني نهد فَإِذا هُوَ بِرَجُل يسْقِي إبِله فَنزل كثير عَن رَاحِلَته واستظل بشجرة هُنَاكَ فَأَبْصَرَهُ النَّهْدِيّ وَأَتَاهُ وَسَأَلَهُ عَن اسْمه وَنسبه فانتسب فرحبَ بِهِ فَأخْبرهُ كثير عَمَّا رأى فِي طَرِيقه فَقَالَ أما الْغُرَاب فغربة وَأما البانة فَبين وَأما نتف ريشه ففرقة فتطير من ذَلِك ومشَى حَتَّى دنا من دمشق فَإِذا بِجنَازَة فاستعبر وَقَالَ أسأَل الله خير مَا هُوَ كَائِن فَسَأَلَ عَن الْمَيِّت فَإِذا هِيَ عزة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فعُرِفَ وصب عَلَيْهِ المَاء فَكَانَ مجهوده أَن بلغ الْقَبْر فَلَمَّا دفنت انكب على الْقَبْر وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(سِرَاجُ الدُّجَى صفْرُ الحَشَا مُنْتَهى المنى
…
كَشَمْسِ الضحَى نَوَّامة حينَ أُصْبحُ)
(إِذا مامشتْ بَين البيوتِ تخزَّلت
…
ومالَتْ كَمَا مَال النزيفُ المرنَّحُ)
(تعاَّقتُ عزا وهىَ رَود شبابها
…
علاقَة حُبَّ كَاد بالقَلْبِ يرجحُ)
(أقولُ ونِضْوِى واقفٌ عِنْد رَمْسِها
…
عليكِ سلامُ اللهِ والعَيْن تسفَحُ)
(فَهَلا فَدَاكِ الموتُ مَنْ أنتِ دونه
…
ومَنْ هُوَ أسوا منكِ دلَاّ وأقبحُ)
(على أمَّ بكرٍ رحمةٌ وتحيَّةٌ
…
لَهَا مِنْك والنائي يودُّ ينصحُ)
(منعمة لَو يدرج النمْلُ بَينهَا
…
وَبَين حواشِي بردهَا كَادَ يجرحُ)
(وَمَا نظَرَتْ عَيْني إِلَى ذِي بشاشةٍ
…
من الناسِ إِلَّا أنْتِ فِي العينِ أملحُ)
ثمَّ بَكَى حَتَّى غشي عَلَيْهِ فأفاق وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(مَا أَعْيفَ النَّهْدِيَّ لَا دَرَّ دَرُّهُ
…
وأزجَرَهُ للطَّيْرِ لَا طَارَ طاءرُهْ)
(رأيتُ غراباً واقِعًا فَوْقَ بانَةٍ
…
يُنَتّفُ أعلَى ريشِهِ ويطايرُهْ)
(فَقَالَ غرابٌ ذَا اغترابٌ من النوَى
…
وبانَة بَيْن مِنْ حَبِيبٍ تُعَاشِرُهْ)
ثمَّ لم ير ضَاحِكا بعْدهَا حَتَّى أدْركهُ الْمَوْت انْتهى وَقيل كَانَ جوثة الضمرِي صديقا لعبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ خرج عَلَيْهِ مَعَ ابْن الزبير فَلَمَّا استأمن النَّاس قَالَ عبد الْملك لجوثة أكنتُ مُسْتَحقّا مِنْك أَن تعين ابْن الزبير على مَا بيني وَبَيْنك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تعجلن عَليّ حَتَّى تسمعَ عُذْري قَالَ هاته قَالَ هَل رَأَيْتنِي قطّ فِي حَرْب أَو سباق أَو نضال إِلَّا والفئة الَّتِي أَنا مَعهَا مغلوبة ومهزومة بِسوء بخْتِي وشؤمي وَإِنِّي خرجت مَعَ ابْن الزبير ليقل على رسمي فَضَحِك مِنْهُ عبد الْملك وَعَفا عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ وَقَالَ عبد الْملك كلكُمْ يرشح نَفسه لهَذَا الْأَمر يَعْنِي الْخلَافَة وَلَا يصلح لَهُ مِنْكُم إِلَّا من كَانَ لَهُ سيف مسلول وَمَال مبذول وَعدل تطمئِن إِلَيْهِ الْقُلُوب والعقول وَقَالَ لِابْنِهِ الْوَلِيد يَا بني اعْلَم أَنه لَيْسَ بَين السُّلْطَان وَبَين أَن يملك الرّعية أَو تملكه الرّعية إِلَّا حزم أَو توان واصطبح فِي يَوْم شَدِيد الْبرد فَدَعَا بِزَوْج سمور وعمامة خَز فلبسهما وَأمر بكَوَانِينِ النارِ فأضرم فِيهَا الفحم بَين يَدَيْهِ ثمَّ دَعَا بمُضَحِكٍ لَهُ يُدعَى أَبَا الزعيريرة فَقَالَ لَهُ عبد الْملك اخْرُج إِلَى الشتَاء فَقل لَهُ أرعد وأبرق كَيفَ شِئْت قد استعددنا لَك فَخرج إِلَى صحن الدَّار ثمَّ عَاد فَقَالَ قد أديتُ رسالتَكَ إِلَيْهِ فَقَالَ أمَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ وَلَكِن وَالله لَأَضرِبَن ضبب أبي الزعيريرة ضربا يدْخلهُ فِي حِر أمه فَضَحِك مِنْهُ وَوَصله وخلع عَلَيْهِ من ثِيَابه وَكَانَ يَقُول خلَّتَانِ لَا تدعوهما إِن قدرتم تعلم الْعَرَبيَّة ولباس الثِّيَاب الفاخرة فَإِنَّهُمَا الزِّينَة والمروءة الظَّاهِرَة وَعَن عوَانَة قَالَ جرى بَين عُرْوَة بن الزبير وَبَين عبد الْملك بن مَرْوَان كَلَام أغْلظ لَهُ عُرْوَة فِيهِ وَكَانَ الْحجَّاج حَاضرا فَقَالَ لَهُ يَا ابْن العمياء أَتكَلّم أَمِير الْمُؤمنِينَ بِمثل هَذَا فَقَالَ لَهُ عُرْوَة وَمَا أَنْت وَذَاكَ يَا ابْن المتمنية فَضَحِك
عبد الْملك وَقَالَ للحجاج قد كنت غَنِيا عَن هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ عُرْوَة أَن أم الْحجَّاج وَهِي الفارعة بنت همام قَالَت // (من الْبَسِيط) //
(هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمرٍ فَأَشْرَبَها
…
أَمْ هَلْ سَبِيلٌ إِلَى نَصْرِ بنِ حَجَّاجِ)
وَكَانَ نصر بن الْحجَّاج هَذَا من أجمل أهل الْمَدِينَة قلت ذكرُوا أَن عمر بن الْخطاب خشِي من وُقُوع الْفِتْنَة بِهِ فنفاه من الْمَدِينَة بعد أَن حلق لمة كَانَت لَهُ فَفِيهِ يَقُول الشَّاعِر // (من الْخَفِيف) //
(حَلَقُوا رَأْسَهُ لِيَزْدَادَ قُبْحا
…
غِيرَةٌ مِنْهُمُ عَلَيْهِ وشُحَّا)
(كَانَ صُبْحًا عَلَيْهِ لَيْلٌ بهيمٌ
…
فَمَحَوْا لَيْلَهُ وأَبْقَوْهُ صُبْحَا)
وَعَن الْمَدَائِنِي جرى بَين عبد الْملك وَعَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ مُنَازعَة فَأَغْلَظ لَهُ عَمْرو فَقَالَ لَهُ خَالِد بن يزِيد يَا عَمْرو أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا يكلم بِمثل هَذَا فَقَالَ لَهُ عَمْرو اسْكُتْ فوَاللَّه لقد سلبوك ملكَكَ ونكَحُوا أمك فَمَا هَذَا النصح الموشح بغش أَنْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر // (من الطَّوِيل) //
(كَمُرْضِعَةٍ أولادَ أُخْرَى وضيعَتْ
…
بنيها فَلَم ترقع بذلك مَرْقَعَا)
وَقدم الْحجَّاج على عبد الْملك بن مَرْوَان فَمر بِخَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة وَعِنْده رجل من أهل الشَّام فَقَالَ الشَّامي لخَالِد من هَذَا يُشِير إِلَى الْحجَّاج فَقَالَ لَهُ خَالِد كَالْمُسْتَهْزِئِ هَذَا عَمْرو بن الْعَاصِ فَعدل إِلَيْهِ الْحجَّاج وَقَالَ إِنِّي وَالله مَا أَنا بِعَمْرو بن الْعَاصِ وَلَا ولدت عمرا وَلَا ولدني وَلَكِنِّي ابْن الغطاريف من ثَقِيف والعقائل من قُرَيْش وَلَقَد ضربت بسيفي هَذَا أكثَرَ من مائَة ألف كلهم يشْهد أَنَّك وأباك وَجدك من أهل النَّار ثمَّ لم أجد لذَلِك جَزَاء وَلَا شكرا وَانْصَرف عَنهُ وَهُوَ يَقُول عَمْرو بن الْعَاصِ عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ عبد الْملك إِذا دخل عَلَيْهِ رجل من أفق من الْآفَاق قَالَ لَهُ أعفني من أَربع وَقل بعْدهَا مَا شِئْت لَا تكذبني فَإِن المكذوب لَا رَأْي لَهُ وَلَا تجبني عَمَّا لم أَسأَلك فَإِن فِيمَا أَسأَلك غنية عَنهُ وَلَا تطرني فَإِنِّي أعلم بنفسي مِنْك وَلَا تحملنِي على الرّعية فَإِنِّي إِلَى الرِّفْق بهم أحْوج ذكر ابْن خلكان أَن عبد الْملك بن مَرْوَان لما عزم على الْخُرُوج لمحاربة
مُصعب بن الزبير ناشدته زَوجته عَاتِكَة بنت يزِيد بن مُعَاوِيَة أَلا يخرج بِنَفسِهِ وَأَن يَسْتَنِيب غَيره وألحت عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة فَلَمَّا لم يسمع مِنْهَا بَكت وَبكى من حولهَا من جواريها وحشمها فَقَالَ عبد الْملك قَاتل الله كثيراًَ كَأَنَّهُ رأى موقفنا هَذَا حِين قَالَ // (من الطَّوِيل) //
(إِذا مَا أرَادَ الغزْوَ لم يَثْنِ هَمَّهُ
…
حَصَانٌ عَلَيْهَا نَظْمُ دُرِّ يَزينُهَا)
(نهتْهُ فلمَّا لم تَرَ النَّهيَ عاقَهُ
…
بكَتْ فبكَى مِمَّا شَجَّاهَا قَطِينُهَا)
ثمَّ عزم عليهل أَن تقصر وَخرج وروى جرير بن عبد الحميد لعبد الْملك // (من الطَّوِيل) //
(لَعَمْري لقد عُمِّرْتُ فِي الدهْرِ بُرْهَةً
…
ودلنَتْ لِيَ الدُّنيا بِوَقْعِ البَوَاترِ)
(فَأضحَى الَّذِي قد كَانَ ممَّا يَسُرُّنِي
…
كلمحٍ مَضَى فِي المزمناتِ الغوابرِ)
(فيا لَيْتَني لَمْ أَغْنَ فِي الْملك ساعةَ
…
وَلم أَلْهُ فِي لذاتِ عيشٍ نواضِرِ)
(وكنتُ كذي طِمْرَيْنِ عاشَ ببُلْغَةٍ
…
من الدَّهْرِ حتَّى زارَ ضَنْكَ المَقَابرِ)
وَعَن يحيى الغساني قَالَ كَانَ عبد الْملك كثيرا مَا يجلس إِلَى أم الدَّرْدَاء فِي مُؤخر الْمَسْجِد بِدِمَشْق فَقَالَت لَهُ مرّة بَلغنِي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّك شربت الطلا بعد النّسك وَالْعِبَادَة فَقَالَ إِي وَالله والدماء وَقَالَ عَليّ بن مُحَمَّد لما أيقَنَ عبد الْملك بِالْمَوْتِ دَعَا مَوْلَاهُ أَبَا علاقَة فَقَالَ وَالله لَوَدِدْت أَنِّي كنت مُنْذُ ولدت يومي هَذَا جمالَا وَلم يكن لَهُ من الْبَنَات إِلَّا وَاحِدَة وَهِي فَاطِمَة وَكَانَ قد أَعْطَاهَا قرطي مَارِيَة والدرة الْيَتِيمَة وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لم أخلف شَيْئا أهم إِلَيّ مِنْهَا فاحفظها فَتَزَوجهَا عمر بن عبد الْعَزِيز ثمَّ أوصى بنيه بتقوى الله ونهاهم عَن الْفرْقَة وَالِاخْتِلَاف وَقَالَ انْظُرُوا مسلمة وأصدروا عَن رَأْيه يَعْنِي أَخَاهُم فَإِنَّهُ مجنكم الَّذِي تجتنون بِهِ ونابكم الَّذِي عَنهُ تفترون وَكُونُوا بني أم بررة وَكُونُوا فِي الْحَرْب أَحْرَار واحلولوا فِي مرَارَة ولينوا فِي شدَّة وَكُونُوا كَمَا قَالَ ابْن عبد الْأَعْلَى الشَّيْبَانِيّ // (من الْكَامِل) //
(إنَّ القِدَاحَ إِذا اجتمعْنَ فَرَامَهَا
…
بالكَسْرِ ذُو حَنَقٍ وبطْشٍ أَيِّدِ)
(عَزَّتْ فَلم تُكْسَرْ وإنْ هِيَ بُدِّدَتْ
…
فالكَسْرُ والتوْهِينُ للمتبدِّدِ)
يَا وَلَدي اتَّقِ الله فِيمَا أخلفك فِيهِ واحفظ وصيتي وَخذ بأَمْري وَانْظُر أخي مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ ابْن أُمِّي وَقد ابتلى فِي عقله بِمَا علمتَ ولولاك لآثرته بالخلافة فصل رَحمَه واحفظني فِيهِ وَانْظُر أخي مُحَمَّد بن مَرْوَان فأقره على الجزيرة وَلَا تعزله وَانْظُر أَخَاك عبد الله فَلَا تؤاخذه وأقرره على عمله بِمصْر وَانْظُر الْحجَّاج فَأكْرمه فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وطأ لكم المنابر وَهُوَ سَيْفك يَا وليد ويدك على من ناوأك فَلَا تسمعن فِيهِ قَول أحد وَأَنت إِلَيْهِ أحْوج مِنْهُ إِلَيْك ثمَّ تمثل // (من الوافر) //
(فَهَلْ مِنْ خالدٍ إمَّا هَلَكْنا
…
وهَلْ بالمَوْتِ يَا للناسِ عارُ)
وِلَادَته فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَعشْرين من الْهِجْرَة وجلوسه فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ مدَّته إِحْدَى وَعِشْرُونَ سنة وشهران وَفَاته يَوْم الْخَمِيس نصف شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ عمره إِحْدَى وَسِتُّونَ سنة خلف سَبْعَة عشر ذكرا وَأُنْثَى وَاحِدَة ولي الْخلَافَة مِنْهُم أَرْبَعَة الْوَلِيد وَسليمَان وَهِشَام وَيزِيد وَكَانَ مِنْهُم ولد اسْمه مُعَاوِيَة مَشْهُورا بالعِي والبلادة طَار يَوْمًا باز من يَده فَقَالَ أغلقوا أَبْوَاب الْمَدِينَة حَتَّى لَا يخرج الْبَازِي ووقف يَوْمًا على بَاب طحان فَنظر إِلَى حمَار لَهُ يَدُور بالرحى وَفِي عُنُقه جلجل فَقَالَ للطحان لم جعلت هَذَا الجلجل فِي عنق هَذَا الْحمار فَقَالَ الطَّحَّان رُبمَا أدركتني سآمة أَو نمت فَإِذا لم أسمع الجلجل علمت أَنه وَاقِف فَصحت عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْت إِن وقف الْحمار وحرك رَأسه بالجلجل فَقَالَ الطَّحَّان من لي بِحِمَار يكون عقله مثل عقل ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ أَبوهُ عبد الْملك منع أَن يمشي أحد بِاللَّيْلِ بعد الْعشَاء الْأَخِيرَة فَخرج ذَات لَيْلَة مَعَ الشَّرْط يَدُور فِي الطّرق فوجدوا رجلَا فَلَمَّا رَآهُمْ الرجل قعد على رَوْث فرس فَقَالُوا لَهُ لم خرجتَ قَالَ خرجت لأقضي الْحَاجة فتلوه من يَده فَإِذا تَحْتَهُ رَوْث فرس فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ لَا عَلَيْكُم أَلا تبحثوا عَن ذَلِك يخرى كل إِنْسَان مَا أَرَادَ فَقَالَ مُعَاوِيَة ابْن عبد الْملك صدق وَالله فأطلقوه بعد أَن استغبروا ضحكاً وَكَانَ عبد الْملك يروم خلع أَخِيه عبد الْعَزِيز من ولَايَة الْعَهْد الَّذِي كَانَ عَهده أَبوهُ مَرْوَان لعبد الْملك بن مَرْوَان ثمَّ من بعده لِأَخِيهِ عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان والبيعة لِابْنِهِ