الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي تِلْكَ السّنة مرَّتَيْنِ فجَاء ابْن الْأَثِير رَسُولا من صَاحب الْموصل برسالة فِي التَّعْزِيَة أَولهَا مَا اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يعتذران وَقد عظم حادثهما وَمَا للشمس وَالْقَمَر لَا ينكسفان وَقد فقد ثالثهما من // (الطَّوِيل) //
(فيا وَحْشَةَ الدنْيَا وكانَتْ أنسيةً
…
ووحدةَ مَنْ فِيهَا لِمَصْرَع واحدِ)
وَهُوَ سيدنَا ومولانا الإِمَام الظَّاهِر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي جعلت ولَايَته رَحْمَة للْعَالمين إِلَى آخر رِسَالَة ذكرهَا السُّيُوطِيّ فِي تَارِيخه وَكَانَت مدَّته عشرَة أشهر وأياماً وعمره اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَقيل وَخَمْسُونَ وَسِتَّة أشهر
(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)
أبي جَعْفَر مَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن المستضيء الْحسن بن المستنجد يُوسُف بن المقتفي مُحَمَّد بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد موت أَبِيه الظَّاهِر فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة فنشر الْعدْل وبذل الْإِنْصَاف وَقرب أهل الْعلم وَالدّين وَبني الْمَسَاجِد والربط والمدارس وَأقَام منار الدّين وقمع المتمردين وَنشر السّنَن وكفَ الْفِتَن وَحمل النَّاس على أقوم سنَن وَحفظ الثغور وافتتح الْحُصُون وَاجْتمعت الْقُلُوب على محبته والألسن على مدحته وَلم يجد أحد من المتعنتة فِيهِ معاباً وَكَانَ جده النَّاصِر يقربهُ ويسميه القَاضِي لهديه وعقله وإنكار مَا يجده من الْمُنكر قَالَ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ كَانَ الْمُسْتَنْصر رَاغِبًا فِي فعل الْخَيْر مُجْتَهدا على أَعمال الْبر وَله فِي ذَلِك آثَار جميلَة وَهُوَ الَّذِي أنشأ المستنصرية الَّتِي لم يبن مثلهَا فِي مدارس الْإِسْلَام وَلم يُوجد فِي الْمدَارِس أَكثر كسباً مِنْهَا وَلَا أَكثر أوقافاً عَلَيْهَا ورتب فِيهَا الرَّوَاتِب الْحَسَنَة لأهل الْعلم
وَقَالَ ابْن وَاصل بناها على دجلة من الْجَانِب الشَّرْقِي وَهِي بأَرْبعَة مدرسين على الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَعمل فِيهَا مارستاناً ورتب فِيهَا مطبخاً للفقهاء ومزملة للْمَاء الْبَارِد ورتب لبيوت الْفُقَهَاء الْحصْر والبسط وَالزَّيْت وَالْوَرق والحبر ورتب فِيهَا الْخبز وَاللَّحم والحلوى والفواكه وَكِسْوَة الشتَاء وَكِسْوَة الصَّيف وَجعل فِيهَا ثَلَاثِينَ يَتِيما ووقف على ذَلِك ضيَاعًا وقرى كَثِيرَة سردها الذَّهَبِيّ وَغَيره وَلكُل فَقِيه فِي الشَّهْر دِينَار وَشرع فِي عمارتها سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وأتمها فِي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَنقل إِلَيْهَا من الْكتب النفيسة وعدة فقهائها مِائَتَان وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ فَقِيها من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَشَيخ حديثٍ وَشَيخ نَحْو وَشَيخ طب وَشَيخ فَرَائض وَكَانَ غلال مَا وقف عَلَيْهِمَا فِي كل عَام نيفاً وَسبعين ألف مثقالِ ذَهَبا وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَمر الْمُسْتَنْصر بِضَرْب الدَّرَاهِم الفضية ليعامل بهَا بَدَلا عَن قراضة الذَّهَب فَجَلَسَ الْوَزير وأحضر الْوُلَاة والتجار والصيارفة وفرشت الأنطاع وأفرغ عَلَيْهَا الدَّرَاهِم وَقَالَ الْوَزير قد رسم مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بمعاملتكم بِهَذِهِ الدَّرَاهِم عوضا عَن قراضة الذَّهَب رفقَاً بكم وإنقاذَاً لكم من التَّعَامُل بالحرام وَمن الصّرْف الرِّبَوِيّ فأعلنوا الدُّعَاء لَهُ ثمَّ أديرت وسعرت كل عشرَة دَرَاهِم بِدِينَار فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْقَاسِم بن أبي الحويل فِي ذَلِك أبياتاً من // (الْخَفِيف) //
(لَا عَدِمْنَا جميلَ رأيَكَ فِينَا
…
أَنْتَ باعَدتَّنَا عَنِ التَّطفيفِ)
(ورسَمْتَ اللُّجَينَ حَتَّى أَلِفْنَاهُ
…
وَمَا كَانَ قَبْلُ بالمألوفِ)
(لَيْسَ للجَمْعِ كَانَ منْعُكَ للصَّرْفِ
…
ولكنْ للعَدْلِ والتعريفِ)
قلت تَأمل بَيته الْأَخير فَمَا ألطفه وَمن مناقبه أَن الْوَجِيه القيرواني امتدحه بقصيدة يَقُول فِيهَا من // (الْكَامِل) //
(لَو كُنْت فِي يومِ السقيفةِ حَاضرا
…
كُنْتَ المقدَّمَ والإمامَ والأَوْرَعَا)
فَقَالَ لَهُ قَائِل بِحَضْرَتِهِ أَخْطَأت قد كَانَ حَاضرا الْعَبَّاس جد أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم يكن الْمُقدم إِلَّا أَبُو بكر فَأقر ذَلِك الْمُسْتَنْصر وخلع على الْقَائِل ثمَّ أَمر بِنَفْي الْوَجِيه
فَخرج إِلَى مصر كَذَا قَالَه الذَّهَبِيّ قلت الْعَبَّاس رَضِي تَعَالَى عَنهُ لم يحضر السَّقِيفَة فالرد مَرْدُود على أَن قَول الشَّاعِر حَاضر لَا يلْزم مِنْهُ حُضُوره عِنْد السَّقِيفَة حَتَّى يرد مَا قَالَه هَذَا الْقَائِل بل مُرَاده حُضُوره أَي وجوده فِي ذَلِك الزَّمن يَعْنِي زمن اجْتِمَاعهم فِي السَّقِيفَة لَا حُضُور نفس الِاجْتِمَاع فِيهَا وَكَانَت مدارس بَغْدَاد يضْرب بهَا الْمثل فِي ارْتِفَاع الْعِمَاد وإتقان المهاد وَطيب المَاء ولطف الْهَوَاء ورفاهية الطلاب وسعة الطَّعَام وَالشرَاب وَأول مدرسة بنيت فِي الدُّنْيَا مدرسة نظام الْملك فَلَمَّا سمع عُلَمَاء مَا وَرَاء النَّهر هَذَا الْخَبَر اتَّخذُوا ذَلِك الْعَام مأتماً وحزنوا على سُقُوط حُرْمَة الْعلم فَقَالُوا حِين سئلوا عَن ذَلِك إِن للْعلم ملكة شريفة لَا تطلبها إِلَّا النُّفُوس الشَّرِيفَة بجاذب الشّرف الذاتي فَلَمَّا جعلت عَلَيْهِ الأجور تطلبته النُّفُوس الرذلة لتجعله مكسباً وسلمَا لحطام الدُّنْيَا لَا لتَحْصِيل شرف الْعلم بل لتَحْصِيل المناصب الدُّنْيَوِيَّة الأسفلية الفانية فيرذل الْعلم لرذالتهم وَلَا يشرفون بشرفه أَلا ترى إِلَى علم الطِّبّ فَإِنَّهُ مَعَ كَونه شريفاً لما تعاطاه الْيَهُود وَالنَّصَارَى رذل برذالتهم وَلم يشرفوا بشرفه وَهَذَا حَال طلبة الْعلم فِي هَذَا الزَّمَان الْفَاسِد كَذَا فِي الْأَعْلَام قلت قد كَانَ هَذَا قبل وَأما الْيَوْم فَلَا طلب وَلَا مَطْلُوب وَلَا رَغْبَة وَلَا مَرْغُوب نسْأَل الله اللطف وَحسن الخاتمة وَمن جملَة خدام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الْأَمِير شرف الدّين وإقبال الشرابي المستنصري وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقع بِالْيمن مطر عَظِيم عَمه جميعَاً وَكَانَ فِيهِ برد عَظِيم قتل من الدَّوَابّ والوحوش شَيْئا كثيرا وَنزلت فِيهِ بردة كالجبل الصَّغِير لَهَا شناخيب يزِيد كل وَاحِد مِنْهَا على ثَلَاثَة أَذْرع وَقعت فِي مفازة من بِلَاد سنحان وزراحة وَذَلِكَ بمرحلتين بمسير الْجمال عَن صنعاء فَغَاب فِي الأَرْض أَكْثَرهَا وَكَانَت يَدُور حولهَا عشرُون رجلا فَلَا يرى بَعضهم يعضا وبشاذروان الْكَعْبَة الشَّرِيفَة فِي وسط مصلى جِبْرِيل عليه الصلاة والسلام وَهِي الحفيرة الْمُسَمَّاة الآَن بالمعجنة حجر من الرخام الْأَزْرَق ومنقور فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمر بعمارة هَذَا