الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن سعيد نَحن أعلم بحرمتها مِنْك أَيهَا الشَّيْخ وَيُقَال إِن الْجَيْش كَانَ عدته ألفَى مقَاتل وعَلى مقدمته أنيس بن عُمَيْر الْأَسْلَمِيّ فَلَمَّا قاربوا مَكَّة نزل أنيس بِذِي طوى وَنزل عَمْرو بِالْأَبْطح وَبعث إِلَى أَخِيه عبد الله أَن بر يَمِين يزِيد فَإِنَّهُ حلف أَلا يقبل بيعَته إِلَّا أَن يُؤْتى بِهِ فِي جَامِعَة فَلَا تضرب النَّاس بَعضهم بِبَعْض فَإنَّك فِي بلد حرَام فَأرْسل عبد الله بن الزبير من اجْتمع مَعَه من أهل مَكَّة مَعَ عبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة فهزموا أنيسا بِذِي طوى وَقتل أنيس فِي الْهَزِيمَة وتخلف عَن عَمْرو بن الزبير أَصْحَابه فَدخل دَار ابْن عَلْقَمَة وَأَجَارَهُ وَقَالَ لِأَخِيهِ عبد الله بن الزبير قد أجرته فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِ وَأَجَازَ جواره وَقيل إِنَّه لم يجز جواره وضربه بِكُل من ضربه عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ من جماعته وحسبه بسجن عَارِم وَمَات تَحت السِّيَاط
(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)
لما خرج الْحُسَيْن من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة لقِيه عبد الله بن مُطِيع وَسَأَلَهُ أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ مَكَّة وأستخير الله فِيمَا بعد فنصحه أَلا يقرب الْكُوفَة وَذكره قَتلهمْ أَبَاهُ وخذلانهم أَخَاهُ وَأَن يُقيم بِمَكَّة لَا يُفَارق الْحرم حَتَّى يتداعى إِلَيْهِ النَّاس وَرجع عَنهُ وَنزل الْحُسَيْن بِمَكَّة فَأَقَامَ النَّاس يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ وَابْن الزبير فِي جَانب الْكَعْبَة يُصَلِّي وَيَطوف عَامَّة النَّهَار وَيَأْتِي الْحُسَيْن فِيمَن يَأْتِيهِ وَعلم أَن أهل الْحجاز لَا يلتفتون إِلَيْهِ مَعَ الْحُسَيْن وَلما بلغ أهل الْكُوفَة بيعَة يزِيد ولحاق الْحُسَيْن بِمَكَّة اجْتمعت أهالي الْكُوفَة والشيعة فِي منزل سُلَيْمَان بن صُرَدَ الْخُزَاعِيّ وَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِنَّا حبسنا أَنْفُسنَا على بيعتك وَنحن نموت دُونك وإننا لم نُبَايِع للنعمان بن بشير أَمِير الْكُوفَة وَلَا نَجْتَمِع مَعَه فِي جُمُعَة وَلَا عيد وَلَو جئتنا أخرجناه وبعثوا بِالْكتاب مَعَ عبد الله بن سميع
الْهَمدَانِي ثمَّ كتبو إِلَيْهِ ثَانِيَة بعد لَيْلَتَيْنِ نَحْو مائَة وَخمسين صحيفَة ثمَّ ثَالِثَة يستحثونه للحاق بهم فأجابهم الْحُسَيْن فهمت مَا قصصتم وَقد بعثت إِلَيْكُم أخي وَابْن عمي وثقتي من أهل بَيْتِي مُسلم بن عقيل يكْتب إِلَيّ بأمركم ورأيكم فَإِن اجْتمع ملؤكم على مثل مَا قدمت بِهِ رسلكُمْ أقدم عَلَيْكُم قَرِيبا ولعمري مَا الإِمَام إِلَّا الْعَامِل بِالْكتاب الْقَائِم بِالْقِسْطِ الدَّائِن بدين الْحق فَسَار مُسلم وَدخل الْمَدِينَة وَصلى فِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وودع أَهله واستأجر دَلِيلين من قيس فضَلا الطَّرِيق وعطش الْقَوْم فَمَاتَ الدليلان بعد أَن أَشَارَ إِلَيْهِم بِموضع المَاء وانتهوا إِلَيْهِ وَشَرِبُوا ونجوا فتطير مُسلم بذلك وَكتب إِلَى الْحُسَيْن يستعفيه فَكتب إِلَيْهِ الْحُسَيْن إِنِّي خشيت ألَا يكون حملك على ذَلِك إِلَّا الْجُبْن فَامْضِ لوجهك وَالسَّلَام فَسَار مُسلم وَدخل الْكُوفَة أول ذِي الْحجَّة من سنة سِتِّينَ اخْتلفت إِلَيْهِ الشِّيعَة وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب الْحُسَيْن فبكوا ووعدوه بالنصر وَعلم النُّعْمَان بن بشير أَمِير الْكُوفَة بمَكَان مُسلم وَكَانَ حَلِيمًا ينجح إِلَى المسالمة وَكَانَ على الْكُوفَة حِين مَاتَ مُعَاوِيَة فَلَمَّا بلغه خبر وَمُسلم وَالْحُسَيْن قَالَ لِابْنِ بنت رَسُول الله
أحب إِلَيْنَا من ابْن بنت بَحدَل فَخَطب وحذر النَّاس الْفِتْنَة وَقَالَ لَا أقَاتل من لَا يقاتِلُنِي وَلَا آخذ بالظنة والتهمة وَلَكِن أَن نكثتم ببيعتكم وخالفتم إمامكم فوَاللَّه لأضربنكم بسيفي مَا دَامَ قائمه فِي يَدي وَلَو لم يكن لي نَاصِر وَقَالَ لَهُ بعض حلفاء بني أُميَّة لَا يصلح مَا ترى إِلَى الغشم وَهَذَا الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ مَعَ عَدوك رَأْي الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ أكون من الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي طَاعَة الله أحب إِلَيّ من أَن أكون من الأَعزينَ فِي مَعْصِيّة الله ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر فَكتب عمار بن الْوَلِيد وَعمر بن سعد بن أبي وَقاص إِلَى يزِيد بالْخبر بِضعْف النُّعْمَان وَبِقَوْلِهِ لِابْنِ بنت رَسُول الله
…
إِلَخ فَابْعَثْ إِلَى الْكُوفَة رجلا قَوِيا ينفذ أَمرك وَيعْمل عَمَلك فِي عَدوك فَأَشَارَ إِلَى يزِيد سرجون الرُّومِي كَاتب أَبِيه بعبيد الله بن زِيَاد وَكَانَ منحرفاً عَنهُ فَقَالَ لَهُ إِن أَبَاك مُعَاوِيَة ولاه قبل مَوته فَكتب يزِيد لَهُ بعهده إِلَى الْكُوفَة مُضَافا على الْبَصْرَة وَبعث لَهُ مَعَ مُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ وَالِد قُتَيْبَة بن مُسلم وَأمره بِطَلَب مُسلم بن عقيل وَقَتله أَو نَفْيه
وَكَانَ الْحُسَيْن قد كتب إِلَى أَشْرَاف الْبَصْرَة الْأَحْنَف بن قيس وَالْمُنْذر بن الْحَارِث ومالكِ بن مسمع الْبكْرِيّ ومسعود بن عَمْرو وَقيس بن الْهَيْثَم وود وَعَمْرو بن عبيد الله بن معمر يَدعُوهُم إِلَى الْكتاب وَالسّنة وإماتة الْبِدْعَة وخشي الْمُنْذر أَن يكون دسيساً من عبيد الله بن زِيَاد فَأَتَاهُ بالرسول وَالْكتاب من بَين أَصْحَابه فَقتل الرَّسُول ثمَّ خطب النَّاس وَأخْبرهمْ بولايته الْكُوفَة واستخلافه أَخَاهُ عُثْمَان بن زِيَاد على الْبَصْرَة وتهددهم على الْخلاف بِالْقَتْلِ وَأخذ الْأَدْنَى بالأقصى والقريب بقريبه ثمَّ أَغَذ عبيد الله السّير يسابق الْحُسَيْن إِلَى الْكُوفَة قَالَ الْعَلامَة ابْن خلدون فِي خَمْسمِائَة فَتَخَلَّفُوا عَنهُ شَيْئا فَشَيْئًا وقا الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي اثْنَي عشر رجلَا حَتَّى دخل الْكُوفَة وَحده وَمر بالمجالس فظنوه الْحُسَيْن فَحَيوا ورحبوا وَهُوَ يسمع وساءه ذَلِك ثمَّ انْتهى إِلَى الْقصر فِي هجيج النَّاس يتبعونه فأغلق النُّعْمَان الْبَاب دونه يَظُنّهُ الْحُسَيْن وَقَالَ مَا أَنا بِمُسلم أمانتي إِلَيْك وَلَا أقاتلك فَدَنَا مِنْهُ عبيد الله وَقَالَ افْتَحْ لَا فتحت فَعرف صَوته وَفتح لَهُ وتفرق النَّاس ثمَّ خطب لولايته ووعد بِالْإِحْسَانِ للمحسن والشدة على الْمُرِيب والعاصي وحذر من الْمُخَالفَة ثمَّ أَخذ العُرَفَاء بِأَن يكتبوا لَهُ الغرباء والحرورية وَأهل الريب وَيضمن كل وَاحِد مَا فِي عرافته وَمن وجد فِي عرافته أحد لم يعرفهُ صلبه على بَاب دَاره ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وَسمع مُسلم بن عقيل بذلك فَأتى منزل هَانِئ بن عُرْوَة وَكَانَ الْحُسَيْن أمره بالنزول عَلَيْهِ فَاسْتَجَارَ بِهِ فآواه على كره لمكانه خشيَة الْعَاقِبَة وأقامت الشِّيعَة تخْتَلف إِلَيْهِ فِي دَار هَانِئ ودعا ابْن زِيَاد مولى لَهُ وَأَعْطَاهُ مالَا ودسه عَلَيْهِم ليَأْتِيه بعلمهم فَأَتَاهُ مُسلم بن عَوْسَجَة الْأَسدي وَهُوَ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ وَكَانَ من كبار دعاتهم فَقَالَ لَهُ أَنا من أهل الشَّام وَأَرَدْت لِقَاء هَذَا الرجل الَّذِي يُبَايع للحسين فاقبض هَذَا المَال وأدخلني عَلَيْهِ أُبَايِعهُ وَإِلَّا فَخذ أَنْت بيعتي قبل لِقَائِه فَأخذ بيعَته وَبَقِي يخْتَلف إِلَيْهِ وَمرض هَانِئ بن عُرْوَة فَأَتَاهُ عبيد الله بن زِيَاد يعودهُ وَحمل أَصْحَاب هَانِئ على الفتك بِابْن زِيَاد فَقَالَ مَا أحب ذَلِك فِي بَيْتِي ثمَّ مرض شريك بن الْأَعْوَر
أَو تمارض فَقيل لِابْنِ زِيَاد إِن شَرِيكا شَاك يقئ الدَّم وَكَانَ قد شرب الْمغرَة فَجعل يقيئها فجَاء ابْن زِيَاد يعودهُ وَكَانَ قد نزل على هَانِئ وَكَانَ شَدِيد التَّشَيُّع شهر صفّين مَعَ عَليّ فَقَالَ لمُسلم بن عقيل إِذا قلت اسقوني فَاخْرُج وَقَتله ثمَّ اقصد الْقصر فَلَا حَائِل دونه وَإِن بَرِئت من وجعي كفيتك أَمر الْبَصْرَة فَلَمَّا جَاءَ عبيد الله بن زِيَاد إِلَى منزل هَانِئ جبن مُسلم عَن قَتله وَبَقِي شريك ينبهه لذَلِك وَيَقُول اسقوني اسقوني فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ وَيحكم اسقوني وَلَو كلنت فِيهِ نَفسِي فَلَا يُجيب حَتَّى خرج ابْن زِيَاد وَلم يصنع مُسلم شَيْئا وَكَانَ من أَشْجَع النَّاس وَلَكِن أَخَذته كبوة فَاعْتَذر عَن قَتله بِأَن هانئاً يكره ذَلِك فِي بَيته وَبِأَن عليا حدث عَن النَّبِي
أَن الْإِيمَان قيد الفتك ثمَّ قضى شريك بعد ثَلَاث وَصلى عَلَيْهِ عبيد الله بن زِيَاد ثمَّ علم بعد ذَلِك بِشَأْنِهِ فَحلف لَا يحضر جَنَازَة عراقي ثمَّ إِن الْمولى الَّذِي دسه ابْن زِيَاد بِالْمَالِ اخْتلف إِلَيْهِ مُسلم بن عَوْسَجَة بعد موت شريك فَأدْخلهُ على مُسلم بن عقيل فَأخذ بيعَته وَقبض مَاله وَأقَام يخْتَلف إِلَيْهِم ويخبر ابْن زِيَاد بأحوالهم حَتَّى تبين جلبة الْأَمر وَكَانَ هَانِئ انْقَطع عَن عبيد الله بن زِيَاد بِعُذْر الْمَرَض فَدَعَا بن زِيَاد مُحَمَّد ابْن الْأَشْعَث وَأَسْمَاء بنت خَارِجَة وَعَمْرو ابْن الْحجَّاج والزبيدي وعذل هانئاً فِي انْقِطَاعه عَنهُ وَأَنه بلغ بُرْؤُهُ من الْمَرَض وَقَالَ القوه فَمُرُوهُ أَلا يَنْقَطِع عني فَلَقِيَهُ الْقَوْم ولاموه فِي ذَلِك ثمَّ حلفوا عَلَيْهِ واستركبوه مَعَهم ودخلوا بِهِ على ابْن زِيَاد وَكَانَ مكرمَاً لَهُ فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد يَا هَانِئ مَا هَذِه الْأُمُور الَّتِي تربض فِي دَارك للْمُسلمين وأمير الْمُؤمنِينَ وَأخْبرهُ بشأن مُسلم بن عقيل فَأنكرهُ فَدَعَا ابْن زِيَاد الْمولى الَّذِي دَسَه عَلَيْهِم وَرَآهُ هَانِئ فَسقط فِي يَده ثمَّ قَالَ وَالله مَا دَعَوْت الرجلَ وَلَا علمت بِشَيْء من أمره وَصدقه الْخَبَر فِي مَجِيئه إِلَى دَاره واستجارته بِهِ واستحيائه من رده وَقد كَانَ من أمره مَا بلغك وَأَنا الْآن أُعْطِيك عهدا ورهينة حَتَّى أخرجه من دَاري وأعود إِلَيْك فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد وَالله لَا تُفَارِقنِي حَتَّى تَأتِينِي بِهِ فَقَالَ آتِيك بضيفي تقتله وَالله لَا فعلت ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ مُسلم بن عَمْرو الْبَاهِلِيّ وَلم يكن هُنَالك أعز مِنْهُ فَاسْتَأْذن ابْن زِيَاد ودخلا نَاحيَة ونصحه أَن يَأْتِي بِهِ فَإِنَّهُ ابْن عمهم وَلَيْسوا قاتليه وَلَا ضاربيه
وَلَيْسَ عَلَيْك فِي ذَلِك منقصة وَإِنَّمَا إِلَى السُّلْطَان فَأبى ولج وسَمعه ابْن زِيَاد فاستدناه لَئِن لم تأتني بِهِ لَأَضرِبَن عنقَك قَالَ هَانِئ إِذن وَالله تكْثر البارقة وَيُقَال إِن هَانِئ لما رأى الرجل الَّذِي كَانَ عينا قَالَ أَيهَا الْأَمِير أَنْت آمن وَأهْلك فسِرْ حَيْثُ شِئْت فَأَشَارَ ابْن زِيَاد إِلَى مهْرَان مَوْلَاهُ وَهُوَ قَائِم على رَأسه فَأخذ بضفيرتي هَانِئ وَأخذ ابْن زِيَاد الْقَضِيب من يَد مهْرَان وَلم يزل يضْرب وَجه هَانِئ حَتَّى كسر أَنفه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته ثمَّ أغلق عَلَيْهِ فِي بَيت وَجَاء أَسمَاء بن خَارِجَة مُنْكرا لذَلِك لِأَن هانئاً جَاءَ فِي جواره وَأمر بِهِ ابْن زِيَاد يطرد عَنهُ وَحبس وَأظْهر مُحَمَّد بن الْأَشْعَث الرِّضَا وَجلسَ وَبلغ عَمْرو بن حجاج أَن هانئاً قتل فَأقبل فِي مذْحج وَأَحَاطُوا بقصر ابْن زِيَاد وَأمر ابْن زِيَاد القَاضِي شريحاً أَن يعلمهُمْ بحياة هَانِئ بعد أَن أدخلهُ عَلَيْهِ فَرَآهُ حَياً فَأخْبرهُم فانصرفوا وَجَاء الْخَبَر إِلَى مُسلم بن عقيل وَكَانَ قد بَايعه ثَمَانِيَة عشر ألفا وَحَوله فِي الدَّار أَرْبَعَة آَلاف فَنَادَى فيهم وَركب نَحْو قصر عبيد الله بن زِيَاد وأحاط بِهِ وامتلأ الْمَسْجِد والسوق من النَّاس إِلَى السَّمَاء وضاق بعبيد الله بن زِيَاد أمره وَلَيْسَ مَعَه فِي الْقصر إِلَّا نَحْو خمسين رجلا من أهل بَيته ومواليه وتسلل إِلَيْهِ الْأَشْرَاف وَأمر كثير بن الْحَارِث أَن يخرج فِيمَن أطاعه من مذْحج فيخذل عَنهُ النَّاس وَأمر ابْن الْأَشْعَث أَن يخرج فِيمَن أطاعه من كِنْدَة وحضرموت وَيرْفَع راية أَمَان لمن حماه من النَّاس وَبعث بِمثل ذَلِك الْقَعْقَاع بن شور الذهلي وشبيب بن ربعي التَّمِيمِي ومجاز بن أبي أبجر الْعجلِيّ وشمر بن ذِي الجوشن الضبابِي وَترك وُجُوه النَّاس عِنْده استئناساً بهم وَخرج أُولَئِكَ النَّفر على النَّاس فافترقوا عَن مُسلم بن عقيل إِلَى أَن بَقِي فِي الْمَسْجِد فِي ثَلَاثِينَ فَخرج واختفى عِنْد عَجُوز من ذَوي ابْن الْأَشْعَث وتعرف إِلَيْهَا فأخنفته وَخرج ابْن زِيَاد إِلَى الْمَسْجِد قبل الْعَتَمَة ونادى فِي النَّاس فَامْتَلَأَ الْمَسْجِد وأحضر الْحصين بن تَمِيم وَكَانَ على الشَّرْط أَن يفتش الدّور وَشعر ابْن الْعَجُوز بِمُسلم بن عقيل عِنْد أمه فَأتى عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْأَشْعَث فَأخْبرهُ وَأخْبر أَبَاهُ فَأخْبر ابْن زِيَاد فَقَالَ ائْتِنِي بِهِ السَّاعَة وَبعث مَعَه عمر بن عبيد الله السّلمِيّ فِي
سبعين من قيس فَلَمَّا أَتَوا الدَّار وَسمع مُسلم بن عقيل الأصوت خرج بِسَيْفِهِ وَمَا زَالَ يحمل عَلَيْهِم وَقطعت شفته الْعليا وَسَقَطت ثنيتاه وألقوا عَلَيْهِ النَّار والقصب وَهُوَ يُقَاتل حَتَّى أثخن وَعجز عَن الْقِتَال فَأَمنهُ ابْن الْأَشْعَث وَحمله على بغل وانزعوا سَيْفه فَقَالَ هَذَا أول الْغدر وبكَى فعذله عَمْرو بن عبيد الله السّلمِيّ فَقَالَ إِنَّمَا أبْكِي على الْحُسَيْن وَآله قلت خَيبَ الله أهل الْعرَاق الخونة الْفجار وأحلَهم الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار ثمَّ قَالَ مُسلم لِابْنِ الْأَشْعَث عساك أَن تبْعَث تخبر الْحُسَيْن بحالي ليرْجع بِأَهْل بَيته وَلَا يغتر بِأَهْل الْكُوفَة فَفعل ذَلِك ابْن الْأَشْعَث ولقيه الرَّسُول بزبالة وَقد جَاءَهُ كتاب مُسلم فِي بِالْأولِ يُخبرهُ بِمن بَايعه ويستحثه على السّير فَقَالَ الْحُسَيْن حِين قَرَأَ كتاب الْأَشْعَث كُل مَا قدر كَائِن وَعند الله نحتسب أَنْفُسنَا وَفَسَاد أمتنَا ثمَّ أَدخل مُحَمَّد بن، الْأَشْعَث مُسلم بن عقيل على ابْن زِيَاد وَأخْبرهُ بِمَا أعطَاهُ من الْأمان فَقَالَ مَا بعثناك لتؤمنه واستسقى مُسلم وَهُوَ بَاب الْقصر فجَاء عمَارَة بن عقبَة بِمَاء بَارِد فَلم يطق الشّرْب لما كَانَ يسيل من دم فِيهِ فَتَركه وَدخل على ابْن زِيَاد فَقَالَ لَهُ لتقتلن فَقَالَ دَعْنِي لأوصي فَالْتَفت إِلَى عمر بن سعيد بن أبي وَقاص مناجاه بِأَن يقي عَنهُ دينه ويواري جثته وَيبْعَث إِلَى الْحُسَيْن يردهُ ثمَّ حاوره وأساء بعضهما على بعض ثمَّ أصعد فَوق الْقصر وَضربت عُنُقه وَتَوَلَّى ذَلِك بكير بن عمرَان لضربة أَصَابَهُ مُسلم بهَا فِي الجولة عِنْد الدَّار وَكَانَ ابْن الْأَشْعَث قد تشفع فِي هَانِئ بن عُرْوَة فوعد باستبقائه فَلَمَّا قتل مُسلم أخرج إِلَى السُّوق فَضربت عُنُقه وَبعث ابْن زِيَاد بالرأسين إِلَى يزِيد فَكتب إِلَيْهِ يزِيد يشكره ويأمره بالاحتراس وَوضع المراصد فَإِن الْحُسَيْن قد سَار إِلَيْك ثمَّ طلب ابْن زِيَاد الْمُخْتَار بن أبي عبيد وَعبيد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل وَكَانَا جَاءَا مَعَ مُسلم بن عقيل فحبسهما وَلما أَرَادَ الْحُسَيْن الْمسير إِلَى الْكُوفَة بِكِتَاب مُسلم السَّابِق وَأهل العلااق جَاءَهُ عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ الْعرَاق فَأَنا مُشفق عَلَيْك تَأتي بلد فِيهِ الْعمَّال والأمراء وبيوتُ الْأَمْوَال وَالنَّاس عبيد الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَلَا آمن عَلَيْك فجزاه الْحُسَيْن خيرَاً وَقَالَ لَا بدَّ لي
من ذَلِك وَأَتَاهُ ابْن عَبَّاس بِمثل ذَلِك فعصاهما ثمَّ ألم عَلَيْهِ ابْن عَبَّاس وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْخرُوجِ إِلَى الْيمن فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن يَا بن عمي لَا أنقض عزمي قَالَ فَإذْ قد عَصَيْتنِي فَلَا تسر بنسائك وَلَا صبيانك فَإِنِّي أَخَاف أَن تقتل وهم ينظرُونَ كَمَا قتل عُثْمَان وَلَقَد أَقرَرت عين ابْن الزبير بخروجك من الْحجاز ثمَّ الْتفت إِلَى ابْن الزبير فَإِذا هُوَ فِي جمَاعَة من قُرَيْش قد استعلاهم بالْكلَام فجَاء حَتَّى ضرب بِيَدِهِ بَين عضديه فَقَالَ أَصبَحت وَالله كَمَا قَالَ فأنشده // (من الرجز) //
(يَا لَكِ مِنْ قُنْيُبرَةٍ بِمَعْمَرِ
…
خَلَا لَكِ الجَوُّ فبِيضِي وَاصْفِرِي)
(وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
…
قَدْ رُفِعَ الفَخُّ فَمَاذَا تَنْظُرِي)
خلا الْحجاز من الْحُسَيْن بن عَليّ وَأَقْبَلت تهدر فِي جوانبها فغب ابْن الزبير وَقَالَ وَالله إِنَّك لترى أَنَّك أَحَق بِهَذَا الْأَمر من غَيْرك فَقَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا يرى ذَلِك من كَانَ فِي حَال مثلك وَأَنا من ذَلِك على يَقِين فَقَالَ ابْن الزبير وَبِأَيِّ شَيْء تحقق عنْدك أَنَّك أَولَى بِهَذَا الْأَمر مني فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَنا أَحَق بِمن تدلي بِحقِّهِ وَبِأَيِّ شَيْء تحقق عنْدك أَنَّك أَحَق بِهَذَا الْأَمر من سَائِر الْعَرَب إِلَّا بِنَا فَقَالَ ابْن الزبير تحقق عِنْدِي أَنِّي أَحَق بهَا مِنْكُم لشرفي عَلَيْكُم قَدِيما وحديثاً فَقَالَ ابْن عَبَّاس أَنْت أشرف أم من شرفت بِهِ فَقَالَ ابْن الزبير إِن من شرفت بِهِ زادني شرفاً إِلَى شرف قديم كَانَ لي قَالَ أَفَمَن الزِّيَادَة أم مِنْك قَالَ بل مِنْك فَتَبَسَّمَ ابْن عَبَّاس فَقَالَ ابْن الزبير يَا بن عَبَّاس دَعْنِي من لسَانك هَذَا الَّذِي تقلبه كَيفَ شِئْت وَالله لَا تحبوننا يَا بني هَاشم أبدا قَالَ ابْن عَبَّاس صدقت نَحن أهل بَيت مَعَ الله عز وجل لَا نحب من أبغضه الله تَعَالَى فَقَالَ مَا يَنْبَغِي لَك أَن تصفح عَن كلمة وَاحِدَة فَقَالَ إِنَّمَا أصفح عَمَّن أقرّ وَأما عَمَّن هر فَلَا وَالْفضل لأهل الْفضل قَالَ ابْن الزبير فَأَيْنَ الْفضل قَالَ عندنَا أهل الْبَيْت لَا نَصرِفُهُ عَن أَهله وَلَا نضعه فِي غير أَهله فنندم قَالَ ابْن الزبير فبظلم فلست من أَهله قَالَ بلَى إِن نبذت الْحَسَد ولزمت الْحُدُود وانقضى حَدِيثهمْ وَقَامَ الْقَوْم فَتَفَرَّقُوا وَكَانَ خُرُوج الْحُسَيْن من مَكَّة يَوْم التَّرويَة من سنة سِتِّينَ وَسَار مَعَ أَصْحَابه فلقي بِالتَّنْعِيمِ عيرًا مقبلة من الْيمن عَلَيْهَا الورس وَالْحلَل بعث بهَا بجير بن رُومَان عَامل الْيمن إِلَى يزِيد فَأَخذهَا الْحُسَيْن وَأعْطى أَصْحَابه كراهم ثمَّ سَار فَرَأى الفرزدق
بالصفاح فَقَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن النَّاس خَلفك فَقَالَ الْقُلُوب مَعَك أَو قُلُوبهم مَعَك وَسُيُوفهمْ عَلَيْك مَعَ بني أُميَّة وَالْقَضَاء ينزل من السَّمَاء فَقَالَ الْحُسَيْن صدقت لله الْأَمر يفعل مَا يَشَاء كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن ثمَّ لحقه كتاب عبد الله بن جَعْفَر مَعَ ابنيه عون وَمُحَمّد يسْأَله بِاللَّه فِي الِانْصِرَاف وَالرُّجُوع لَا يهْلك نَفسه وَأهل بَيته وَإِنِّي فِي إِثْر كتابي ثمَّ جَاءَهُ كتاب عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ عَامل يزِيد على مَكَّة مَعَ أَخِيه يحيى بن سعيد بالأمان وَالتَّرْغِيب فَلم يفعل وَاعْتذر بِأَنَّهُ رأى رَسُول الله
فِي الْمَنَام يَأْمُرهُ بِأَمْر وَهُوَ مَاض لَهُ وَلما بلغ ابْن زِيَاد مسير الْحُسَيْن من مَكة بعث الْحصين بن تَمِيم التَّمِيمِي صَاحب شرطته فَنزل الْقَادِسِيَّة ثمَّ نظم الْخَيل مَا بَينه وَبَين خفان وَمَا بَينه وَبَين القطقطانة إِلَى جبل لعلع وَلَقي هُنَالك قيس بن مسْهر الْأَسدي بِكِتَاب الْحُسَيْن من الحاجر إِلَى أهل الْكُوفَة يعرفهُمْ بقدومه فَبعث بِهِ الْحصين إِلَى ابْن زِيَاد فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ اصْعَدْ الْقصر فسب الْحُسَيْن فَصَعدَ وَأدّى رِسَالَة أهل الْكُوفَة وَأَنه فَارقه بالحاجر وَلعن ابْن زِيَاد وأباه واستغفر لعَلي وبنيه فَأمر ابْن زِيَاد فَرمى بِهِ من الْقصر فتقطع وانْتهى الْحُسَيْن فِي مسيره إِلَى عبد اللَه بن مُطِيع فعذله فِيمَا جَاءَ لَهُ وَنَاشَدَهُ الله وَحُرْمَة الْإِسْلَام وَالْعرب وَبَنَات الرَّسُول لَا تَأتي الْكُوفَة فتقتلك بَنو أُميَّة فَأبى وَسَار ولقيه خبر قتل مُسلم بن عقيل بالثعلبية فَنَاشَدَهُ الله أَصْحَابه فِي الرُّجُوع فَقَالَ بَنو عقيل لَا وَالله حَتَّى ندرك ثَأْرنَا فَقل الْحُسَيْن لَا خير فِي الْعَيْش بعد هَؤُلَاءِ ثمَّ سَار فَكَانَ لَا يمر بِمَاء إِلَّا اتبعهُ من عَلَيْهِ حَتَّى انْتهى إِلَى زبالة فَلَقِيَهُ مقتل قيس بن مسْهر الْأَسدي الَّذِي أَلْقَاهُ ابْن زِيَاد من أَعلَى الْقصر فَأعْلم النَّاس الَّذين مَعَه بذلك وَقَالَ قد خذلتنا شِيعَتِنَا فَمن أحب فلينصرف وقصده أَن يوطنهم على مَا يقدمُونَ فافترقوا عَنهُ وَلم يبْق مَعَه إِلَّا أَصْحَابه الَّذين خَرجُوا مَعَه من مَكَّة فَسَار إِلَى سرف ثمَّ سَار مِنْهَا إِلَى منتصف النَّهَار فَلَقِيَهُمْ الْحر بن يزِيد التَّمِيمِي وَلما رَآهُ قَالَ لَهُ بعض النَّاس مَعَه مل بِنَا إِلَى ذِي جشم تَجْعَلهُ عَن يسارك ونستقبل الْقَوْم من وَجه وَاحِد فَفعل وسبقهم إِلَى الْجَبَل فَنزل وَجَاء الْحر فِي ألف فَارس أرْسلهُ الْحصين بن تَمِيم من الْقَادِسِيَّة يسْتَقْبل الْحُسَيْن فَقَالَ الْحُسَيْن إِنِّي لم آتِ إِلَّا بكتبكم ورسلكم فَإِن تعطوني مَا أطمئن إِلَيْهِ من الْعَهْد أقدم مِصرَكُم وَإِلَّا أرجع من
حَيْثُ جِئْت ثمَّ حضرت الصَّلَاة فصلى الْحُسَيْن وَصلى الْحر وَأَصْحَابه بِصَلَاتِهِ ثمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ وأنمى عَلَيْهِم شَأْن الْكتب وذم الْوُلَاة فَقَالَ الْحر وَالله مَا نَدْرِي لسنا من هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا أمرنَا إِذا لقيناك ألَا نُفَارِقك حَتَّى نقدمك الْكُوفَة على ابْن زِيَاد فَقَالَ الْحُسَيْن الْمَوْت أدنى من ذَلِك ثمَّ أَمر أَصْحَابه فَرَكبُوا لينصرفوا فَمَنعهُمْ الْحر وَطَالَ بَينهمَا الْكَلَام وَقَالَ الْحر لم أومر بقتالك وَإِنَّمَا أمرت أَلا أُفَارِقك حَتَّى أقدمك الْكُوفَة فَخذ طَرِيقا غير طريقها وأكتبُ أَنا إِلَى ابْن زِيَاد واكتب أَنْت إِلَيْهِ وَإِلَى يزِيد فَعَسَى أَن يَأْتِي من الْأُمُور مَا يدْفع عني أَن أُبتلى بِشَيْء من أَمرك فتياسر عَن طَرِيق العذيب والقادسية وَسَار الْحر مَعَه وَهُوَ يعظه ويذكره حُقُوق أهل الْبَيْت وَوُجُوب طاعتهم ويقدح لَهُ فِي ولاته وأمرائه بِمَا كَانَ مَعَهم ويذكُرُ لَهُ كتب أهل الْكُوفَة ورسلهم وَالْحر يعظه وَيَقُول لَهُ اتَّقِ الله فِي نَفسك فلئن قَاتَلت لتقتلن فَيَقُول بِالْمَوْتِ تخوفني وَيضْرب الْأَمْثَال وينشد فِي الشجَاعَة فَلَمَّا رَآهُ لحر كَذَلِك عدل يسير عَنهُ نَاحيَة حَتَّى انْتَهوا إِلَى عذيب الهجانات سمي بهجان ابْن النُّعْمَان كَانَت ترعى فِيهِ فَإِذا هُوَ بأَرْبعَة فرسَان دليلهم الطرماح بن عدي الطَّائِي وأجمح الْحر حسهم فردهم فَقَالَ الْحُسَيْن هم بِمَنْزِلَة أَصْحَابِي وَإِلَّا ناجزتك ثمَّ أخبرهُ بِخَبَر الْكُوفَة وَقتل قيس بن مسْهر فَبكى وَقَرَأَ {فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَه وَمنهُم مَن يَنتَظِر} الْأَحْزَاب 23 ثمَّ دَعَا لَهُم وَقَالَ لَهُ الطرماح مَا أرى مَعَك كثير أحد وَلَو لم يقاتلك إِلَّا هَؤُلَاءِ الَّذين مَعَ الْحر لكانوا أَكثر من كفْئِكَ فَكيف بِمن سَار إِلَيْك من الْكُوفَة فَلم تَرَ عَيْنَايَ جمعا أَكثر مِنْهُم فأنشدك الله ألَا تتقدم إِلَيْهِم شبْرًا وَإِن أردْت فسر معي انْزِلْ جبلنا أجأ فقد امتنعنا بِهِ وَالله من مُلُوك غَسَّان وحمير والنعمان وَمن الْأَبْيَض والأحمر وتجتمع إِلَيْك طَيئ فِي عشْرين ألفَاً لَا يُوصل إِلَيْك وَفِيهِمْ عين تطرف فجزاه خيرا وَقَالَ قد عاهدنا هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين مَعنا فَلَا بُد من الْوَفَاء لَهُم فودعه الطرماح وَانْصَرف فَسَار الْحُسَيْن ومَرَ بقصر بني مقَاتل فَرَأى فسطاطاً لِعبيد الله بن الْحر الْجعْفِيّ فاستدعاه فَقَالَ وَالله مَا خرجت من الْكُوفَة إِلَّا فرارَاً من الْحُسَيْن فَركب الحسينُ وجاءه وَدعَاهُ إِلَى النُّصْرَة أَو أَن يكون مِمَّن يكف فَأَجَابَهُ إِلَى هَذِه
ثمَّ ركبُوا من الْغَد وَأَرَادَ أَن يُفَارق الْحر فَمَنعه وَإِذا بِكِتَاب من ابْن زِيَاد إِلَى الْحر يَأْمُرهُ أَن يجعجع بالحسين حَتَّى يَجِيء كِتَابه وَرَسُوله وَلَا ينزله إِلَّا بالعراء فِي غير حصن وَلَا مَاء وَقد أمرت الرَّسُول أَن يلزمك حَتَّى يأتيني بإنفاذك أَمْرِي فَقَرَأَ الْحر الْكتاب وَأعلم الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بِمَا فِيهِ فَقَالُوا دَعْنَا ننزل فِي الغاضرية فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَهَذَا الرجل قد بعث عينا عَليّ فَقَالَ زُهَيْر بن الْقَيْن وَكَانَ صَحبه من مَكَّة تعال نحاجز هَؤُلَاءِ فهم أَهْون علينا مِمَّن يأتينا بعدهمْ فَقَالَ مَا كنت لأبدأهم بِالْقِتَالِ وَذَلِكَ لليلتين من الْمحرم سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ فَلَمَّا كَانَ الْغَد قدم عمر بن سعد بن أبي وَقاص من الْكُوفَة فِي أَرْبَعَة آلَاف وَكَانَ ابْن زِيَاد جهزه إِلَى حَرْب الديلم وَكتب لَهُ عَهده على الرّيّ فَلَمَّا كَانَ أَمر الْحُسَيْن دَعَاهُ أَن يقدم حربه ثمَّ يرجع إِلَى عمله فاستعفاه فَقَالَ نعم على أَن ترد ولَايَة الرّيّ فَقَالَ أمهلني وَاسْتَشَارَ أَصْحَابه فكلهم نَهَاهُ غير ابْن أُخْته حَمْزَة ابْن الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَقَالَ لَهُ تَفْتَدِي من دم الْحُسَيْن بسُلْطَان الأَرْض لَو كَانَ لَك ثمَّ غذا على ابْن زِيَاد واستعفاه ثَانِيَة فَقَالَ لَهُ مثل الأول قَالَ فَإِنِّي سَائِر وَأَقْبل فِي الجيوش حَتَّى نزل بالحسين وَبعث إِلَيْهِ يسْأَله مَا جَاءَ بِهِ فَقَالَ كُتُبُ أهل الْكُوفَة فَأَما إِذْ كرهوني فَأَنا أنصرف عَنْهُم فَكتب بذلك إِلَى ابْن زِيَاد فَكتب إِلَيْهِ أَن يعرض على الْحُسَيْن الْبيعَة أَو يمنعهُ وَمن مَعَه من المَاء فَأرْسل عَمْرو بن الْحجَّاج إِلَى الشَّرِيعَة ومنعوهم المَاء وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْعَطش فَرَكبُوا إِلَى المَاء وقاتلوا عَلَيْهِ وملئوا قربهم ثمَّ بعث الْحُسَيْن إِلَى عمر فِي اللِّقَاء فَلَقِيَهُ لَيْلًا وتحادثا طَويلا وافترقا وَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ الْحُسَيْن دَعونِي أرجع إِلَى الْمَكَان الَّذِي جِئْت مِنْهُ أَو أذهب فِي الأَرْض العريضة حَتَّى يَسْتَقِيم أَمر النَّاس وَكتب عمر بذلك إِلَى عبيد الله بن زِيَاد يبشره بِأَن الله أطفأ النائرة وَجمع الْكَلِمَة فَقبل ابْن زِيَاد ذَلِك وَقَامَ إِلَيْهِ شمر بن ذِي الجوشن مُنْكرا لذَلِك وَقَالَ تقبل ذَلِك مِنْهُ وَقد نزل بأرضك وَلَئِن رَحل وَلم
تضع يدك فِي يَده لَيَكُونن أعز وَتَكون أعجز وَلَكِن لينزل على حكمك وَقد بَلغنِي أَن الْحُسَيْن وَعمر باتا يتحادثان عَامَّة ليلتهما بَين العسكرين فَقَالَ ابْن زِيَاد نِعمَ مَا رَأَيْت اخْرُج إِلَيْهِ أَنْت بِهَذَا الْكتاب ليعرض على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه النُّزُول على حكمي وَيبْعَث بهم سلما وَإِن امْتَنعُوا فليقاتلهم وَإِن أَبى عمر من ذَلِك فَأَنت الْأَمِير وَابعث إِلَيّ بِرَأْسِهِ وَكتب إِلَى عمر بذلك وعنفه على المطاولة والشفاعة وَأَن يفعل مَا أمره بِهِ وَإِلَّا فليعتزل الْعَسْكَر ويخلي بَين شمر وَبَينه وَكتب مَعَه أَمَانًا لبني عَليّ بن أبي طَالب من أم الْبَنِينَ بنت حذام وهم الْعَبَّاس وَعبيد الله وجعفر وَعُثْمَان سَأَلَهُ الْأمان لَهُم عبد الله ابْن خالهم أبي الْمحل بن حرَام وَكَانَ حَاضرا عِنْد ابْن زِيَاد فَردُّوا أَمَانه وقلوا لَا حَاجَة لنا فِيهِ وَلما أَتَى شمر إِلَى عمر قَالَ لَهُ يَا شمر أَظُنك أَنْت تثنيه عَمَّا كتبت بِهِ إِلَيْهِ وأفسدت علينا أموراً أَرْجُو أَن تصلح وَالْحُسَيْن وَالله لَا يستسلم أبدا ونهض إِلَيْهِ عَشِيَّة تاسوعاء فَركب الْعَبَّاس أَخُو الْحُسَيْن فِي عشْرين فَارِسًا وتلقاهم فأخبروه بِمَا جَاءَ بِهِ من أَمر ابْن زِيَاد فجَاء بِهِ إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ ارْجع إِلَيْهِم ووخرهم إِلَى الْغَدَاة لنستكثر من الصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار فَوَعَدَهُمْ الْحُسَيْن إِلَى الْغَدَاة فإمَّا رَضِينَا وَإِلَّا رددناه فَشَاور عمر أَصْحَابه فَأَشَارَ بَعضهم بإمهاله وَهُوَ عَمْرو بن الْحجَّاج الزبيدِيّ فَقَالَ وَالله لَو كَانَ من الديلم لوَجَبَ إمهاله وَأَشَارَ قيس بن الْأَشْعَث بالمناجزة وَقَالَ ليصبحنك بِالْقِتَالِ فَرجع عمر وَجمع الْحُسَيْن أَصْحَابه واستشارهم وجزاهم خيرَاً وَأذن لَهُم فِي الانطلاق وَقَالَ هَذَا اللَّيْل قد غشيكم فاتخذوه جملا وافترقوا فِي الْبِلَاد وَالْقَوْم إِذا أصابوني لَهُوا عَن غَيْرِي فَأَبَوا فَقَالَ يَا بني عقيل حسبكم من الْقَتْل بِمُسلم واذهبوا فقد أَذِنت لكم قَالُوا مَا تَقول النَّاس وَالله لَا نَفْعل ولنقاتلن مَعَك حَتَّى نرد موردك وَقَامَ إِلَيْهِ بعض أَصْحَابه من غير عشيرته فَقَالَ كَيفَ نتخلى عَنْك وَلم نغدر إِلَى الله فِي حَقك وَالله لَا أُفَارِقك حَتَّى أكسر رُمْحِي وسيفي وأقذفهم بِالْحِجَارَةِ دُونك حَتَّى أَمُوت وَتكلم أَصْحَابه بِمثل ذَلِك فجزاهم خيرَاً وسمعن أخواته بذلك فطفقن يعولن ويلطمن حَتَّى غشي على بَعضهنَّ فجَاء إلَيْهِنَّ وعزاهن برَسُول الله
وَمن سلف
من قومه وعاهَدنَ أَلا يكثرن الصُّرَاخ عَلَيْهِ وَلَا يشققن الْجُيُوب وَلَا يخمشن الْوُجُوه وَلَا يدعين بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ثمَّ أَمر أَن تدخل أطناب الْبيُوت بَعْضهَا فِي بعض ليستقبلوا الْعَدو من أمامهم ثمَّ قَامُوا يصلونَ وَيدعونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ حَتَّى أصبح وَذَلِكَ يَوْم عَاشُورَاء وَركب عمر بن سعد فِي التعبئة وعبأ الْحُسَيْن أَصْحَابه اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَارِسًا وَأَرْبَعين رَاجِلا وَأعْطى رايته أَخَاهُ الْعَبَّاس وَضرب للحسين فسطاط أَمَام أخبيته فَدخل فِيهِ وَاسْتعْمل النورة ثمَّ أميت لَهُ الْمسك فِي جَفْنَة وأطلى بِهِ ثمَّ ركب وَوضع الْمُصحف أَمَامه وَقَاتل أَصْحَابه بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَدْعُو ثمَّ تقدم على رَاحِلَته ونادى النَّاس وَوعظ وَذكر بحقوقه وَقَالَ إِن كذبتموني فعندكم من يُخْبِركُمْ سلوا جَابر بن عبد الله وَأَبا سعيد وأنساً وسُهَيل بن سعد وَزيد ابْن أَرقم يُخْبِرُوكُمْ بِمَا سمعُوا من رَسُول الله
فِي حَقنا أهل الْبَيْت أما فِي هَذَا حاجز يحجزكم عَن دمي تطلبوني بمالٍ أَو دمٍ أَو قصاصٍ فَلم يُجِيبُوهُ فَنَادَى يَا شبيب بن ربعي يَا حجار بن أبجر يَا قيس بن الْأَشْعَث يَا زيد بن لحارث ألم تكْتبُوا إِلي بالقدوم قَالُوا لَا قَالَ بلَى قد فَعلْتُمْ فدعوني أنصرف إِلَى مأمني من الأَرْض فَقَالَ لَهُ قيس أَفلا تنزل على حكم ابْن زِيَاد وَهُوَ ابْن عمك قَالَ لَا وَالله لَا أعطي يَدي إِعْطَاء الذَّلِيل وَلَا أقرّ إِقْرَار العَبْد عباد لله إِنِّي عذت بربي وربكم أَن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبرِ لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب ثمَّ أَنَاخَ رَاحِلَته وَنزل عَنْهَا وَخرج زُهَيْر بن الْقَيْن وَهُوَ شاكي السِّلَاح وَكَانَ صحب الْحُسَيْن من مَكَّة فَوقف بَين الْعَسْكَر وَوعظ أهل الْكُوفَة ونصحهم ودعاهم إِلَى نصْرَة ابْن رَسُول الله
وخذلان ابْن زِيَاد وأفحش فِي ذمّ عبيد الله وَأَبِيهِ وَقَالَ يقتلانكم ويقطعانكم ويسملانكم ويقتلان أماثلكم اذْكروا حجر بن عدي وهانئ بن عُرْوَة فَشَتَمُوهُ وأثنوا على ابْن زِيَاد وَقَالُوا لَا نَبْرَح حَتَّى نقتلكم أَو نأسركم فَقَالَ لَهُم أعيذكم بِاللَّه أَن تقتلُوا ابْن فَاطِمَة خلوا بَينه وَبَين ابْن مُعَاوِيَة فَإِن يزِيد يُرْضِي مِنْكُم بِدُونِ هَذَا ثمَّ رَمَاه شمر وَشَتمه فتشاتما سَاعَة ثمَّ رده الْحُسَيْن فَرجع
وَلما زحف عمر بن سعد نَحْو الْحُسَيْن قَالَ لَهُ الْحر بن يزِيد الَّذِي كَانَ جَاءَ ليلازم الْحُسَيْن أمقاتل أَنْت هَذَا الرجل قل نعم قَالَ وَلَا تقبلون مِنْهُ وَاحِدَة من الْخِصَال الَّتِي عرض عَلَيْكُم فَقَالَ عمر لَو كَانَ الْأَمر إِلَيّ لفعلتُ وَلَكِن أميرنا أَبى ذَلِك ثمَّ أقبل يدنو نَحْو الْحُسَيْن حَتَّى استراب بِهِ أَصْحَابه وَلحق بِهِ وَقَالَ يَا بن رَسُول الله أَنا صَاحبك الْحر الَّذِي حبستك عَن الرُّجُوع وسايرتك فِي الطَّرِيق وجعجعت بك فِي هَذَا الْمَكَان وَوَاللَّه لَو ظَنَنْت أَنهم لَا يقبلُونَ مِنْك وَاحِدَة مِمَّا عرضت عَلَيْهِم أَو يبلغون بك هَذِه الْمنزلَة مَا فعلت الَّذِي فعلت وَقد جئْتُك تائبَاً أَمُوت دُونك أفتراها لي تَوْبَة قَالَ نعم يَتُوب الله عَلَيْك وَيغْفر لَك ثمَّ انعطف إِلَى أَصْحَابه وَقَالَ أَلا تقبلون من الْحُسَيْن وَاحِدَة مِمَّا عرض عَلَيْكُم فيعافيكم الله من حربه وقتاله فَقَالَ لَهُ عمر قد حرصت على ذَلِك وَمَا وجدت إِلَيْهِ سبيلَا ثمَّ نَادَى أهل الْكُوفَة ووبخهم على أَن دَعوه وأسلموه ثمَّ منعُوهُ من التَّوَجُّه فِي بِلَاد الله العريضة حَتَّى يَأْمَن ويأمن أهل بَيته فَأصْبح كالأسير لَا يملك لنَفسِهِ نفعا وَلَا ضراً ومنعوه وَأَصْحَابه مَاء الْفُرَات يشربه الْيَهُودِيّ والنصرانيُ والمجوسيُ وتمرغ فِيهِ كلاب السوَاد وخنازيرهم وَهُوَ وَأَهله صرعى من الْعَطش بئْسَمَا خَلفْتُمْ مُحَمَّدًا فِي ذُريَّته ودعا عَلَيْهِم فَرَمَوْهُ بِالنَّبلِ فَرجع ثمَّ تقدم عمر بن سعد برايته وَرمى بِسَهْم وَقَالَ اشْهَدُوا أَنا أول رامٍ وتبارز النَّاس وَقتل فِي البرَاز يسَار مولى زِيَاد وَسَالم مولى عبيد الله بن زِيَاد قَتلهمَا عبد الله بن عُمَيْر الْكَلْبِيّ وَكَانَ قد لحق بالحسين من الْكُوفَة وَمَعَهُ امْرَأَته ثمَّ حمل عَمْرو بن الْحجَّاج على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه فجثوا على الركب وأشرعوا نَحوه الرماح فَلم يقدموا وذهبوا ليرجعوا فأصابوهم بِالنَّبلِ فصرعوا مِنْهُم رجَالًا وَخرج يزِيد بن حُصَيْن من أَصْحَاب الْحُسَيْن يبارز يزِيد بن معقل فبارزه فَقتله آخر دونه وَخرج عَمْرو بن قرظة الْأنْصَارِيّ فقاتل وَقتل وَقَاتل الْحر بن يزِيد مَعَ الْحُسَيْن قتالَا شَدِيدا وَقتل من أَصْحَاب عَمْرو وَصَاح عَمْرو بن الْحجَّاج بِالنَّاسِ يُقَاتلُون فرسَان الْمصر مستميتين وهم قَلِيلُونَ وَقل مَا يبقون وَلَو رميتموهم بِالْحِجَارَةِ لقتلتموهم وَوَافَقَهُ عمر فَمنع النَّاس من المبارزة ثمَّ حمل عَمْرو بن الْحجَّاج على جَانب الْحُسَيْن واقتتلوا سَاعَة وَقتل مُسلم بن عوسج الْأَسدي وَانْصَرف عَمْرو
وَمُسلم صريع فجَاء إِلَيْهِ الْحُسَيْن ودعا لَهُ ودنا مِنْهُ حبيب بن مظَاهر واستوصاه وَقَالَ أوصِي إِلَيْك بِهَذَا أَن تَمُوت دونه وَأَشَارَ إِلَى الْحُسَيْن فَقَالَ أفعل ثمَّ قضى مُسلم وصاحَتْ جَارِيَته وسمعها شمر بن ربعي وَقد سمع أَصْحَابه يَقُولُونَ قتلنَا مُسلم بن عَوْسَجَة فنكر قَتله وتسخط وَقَالَ أتفرحون لمثل مُسلم وَعدد مواقفه ثمَّ حمل فِي المسيرة فثبتوا ثمَّ حملُوا على الْحُسَيْن وَأَصْحَابه من كل جَانب وهم يكْرهُونَ وَلَا يحملون على جَانب من خيل الْكُوفَة إِلَّا كشفوا وَبعث عُرْوَة بن قيس وَهُوَ على خيل الْكُوفَة إِلَى عمر بن سعد أَن ابْعَثْ إِلَيْنَا الرِّجَال وَالرُّمَاة فَقَالَ لشبيب بن ربعي تقدم فَقَالَ مثلي لَا يبْعَث فِي الرُّمَاة وَكَانَ يكره ذَلِك الْقِتَال كُله فَقَالَ للحصين بن تَمِيم تقدم فرشقوا الْحُسَيْن وَأَصْحَابه بِالنَّبلِ فعقروا خيولهم وأرجلوهم وَقَاتل الْحر بن يزِيد أَشد قتال إِلَى أَن انتصف النَّهَار وَلَا يقدرُونَ يأتونهم إِلَّا من وَجه وَاحِد لِاجْتِمَاع مضاربهم فَبعث عَمْرو من يقوض تِلْكَ الْأَبْنِيَة وَكَانَ أَصْحَاب الْحُسَيْن يتخللون الْأَبْنِيَة فيقتلون الرجل يعرض أَو ينهب فَأمر عمر بن سعد فأضرمت نَار ومنعت الْعَدو من الْجَوَاز من جَانبهَا وَبلغ شمر فسطاط الْحُسَيْن ليحرقه بالنَّار فصاح بِهِ الْحُسَيْن وَالنِّسَاء وَجَاء شبيب بن ربعي فزجره عَن ذَلِك فَرجع وَاتبعهُ زُهَيْر بن الْقَيْن فِي عشيرة فكشفهم عَن الْبيُوت وَقتلُوا من أَصْحَاب شمر أَبَا عوزة الضبابِي وَعطف عَلَيْهِم فَأصَاب مِنْهُم ثمَّ حضر وَقت الصَّلَاة وَذكر أَبُو ثُمَامَة الْأنْصَارِيّ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ الْحُسَيْن الْإِمْهَال لنصلي وَوَقع الْكَلَام فِي ذَلِك بَين الْحصين بن زيد من أهل الْكُوفَة وحبِيب ابْن مظَاهر من أَصْحَاب الْحُسَيْن وَقتل الحبيب رجل من بني تَمِيم وَقَتله الْحصين وَلما قتل حبيب هد ذَلِك من الْحُسَيْن ثمَّ حمل الْحر بن يزِيد فقاتل حَتَّى قتل ثمَّ صلى الْحُسَيْن الظّهْر صَلَاة الْخَوْف ثمَّ اشْتَدَّ الْقِتَال بعد الصَّلَاة وخلصوا إِلَى الْحُسَيْن فاستقدم الْحَنَفِيّ أَمَامه واستهدف لَهُم فَرَمَوْهُ حَتَّى سقط وَقَاتل زُهَيْر بن الْقَيْن حَتَّى قتل وَأسر يافع بن هِلَال الْجملِي بعد أَن قتل اثْنَي عشر مِنْهُم وَقَتله شمر فتنافر أَصْحَاب الْحُسَيْن أَن يقتلُوا بَين يَدَيهِ فَقتل مِنْهُم جمَاعَة ثمَّ رموا بِالْحِجَارَةِ من كل جَانب واستأذنه الضَّحَّاك بن عبد الله فِي الِانْصِرَاف والنجاة فَأذن
لَهُ وَانْصَرف ثمَّ خلص الْقَوْم إِلَى أهل الْبَيْت فَقتل عَليّ الْأَكْبَر بن الْحُسَيْن بعد أَن حمل عَلَيْهِم مرَارًا فطعنه مرّة بن منفذ فصرع فجَاء الْحُسَيْن فَحَمله حَتَّى وَضعه بَين يَدَي فسطاطه ثمَّ رمى عبد الله بن مُسلم بن عقيل بِسَهْم فَقتل ثمَّ حمل آَخر على عون ابْن عبد الله بن جَعْفَر فَقتل ثمَّ على عبد الرَّحْمَن بن عقل فَقتل ثمَّ على جَعْفَر بن عقيل فَقتل ثمَّ على الْقَاسِم بن الْحُسَيْن فَقتل وجالوا عِنْده جَوْلَة وطئته فِيهَا الْخَيل ثمَّ انجلت الغبرة وَالْحُسَيْن قَائِم على فرسه وَهُوَ يفحص برجَليهِ ثمَّ احتمله فَأَلْقَاهُ مَعَ ابْنه عَليّ وقتلى أهل بَيته وَمكث الْحُسَيْن طَويلا من النَّهَار وَالنَّاس يتحاشَونَ قَتله ثمَّ جَاءَ مَالك بن النسير من كِنْدَة فربه على رَأسه بِالسَّيْفِ فأدماه ودعا الْحُسَيْن بِابْنِهِ عبد الله وَهُوَ محتير فأجلسه فِي حجره فَرمى بِسَهْم ذبحه ثمَّ رمى أَبُو بكر بن الْحُسَيْن بِسَهْم فَقتل ثمَّ تقدم الْعَبَّاس بن عَليّ وأخوته من أمه فَقتلُوا جَمِيعًا وَاشْتَدَّ عَطش الْحُسَيْن فجَاء ليشْرب من الْفُرَات فَرمى حُصَيْن بن تَمِيم بِسَهْم فِي فَمه فَجعل يتلَقَّى الدَّم وَيَدْعُو ثمَّ أقبل شمر بن ذِي الجوشن فِي عشرَة من رجالته فحالوا بَين الْحُسَيْن وَبَين أَهله فَقَالَ امنعوا أَهلِي ورحلي من طَعَامكُمْ فَقَالَ ذَلِك لَك ثمَّ حمل عَلَيْهِم وحملوا عَلَيْهِ وَأَحَاطُوا بِهِ من يَمِينه وشماله وَخرجت زَيْنَب تنادي فَلَقِيت عمر بن سعد فَقَالَت يَا عمر يقتل أَبُو عبد الله وَأَنت تنظر فَبكى وزوى عَنْهَا وَجهه ثمَّ نَادَى شمر مَاذَا تنتظرون بِالرجلِ فحملوا عَلَيْهِ وَضرب زرْعَة بن شريك التَّمِيمِي كتفه الْأَسير وعَلى عَاتِقه فأوهنه ثمَّ طعنه سِنَان بن قيس النَّخعِيّ بِالرُّمْحِ وَقَالَ لخولى بن يزِيد الأصبحي جز رَأسه فأرعد فَنزل إِلَيْهِ سِنَان فَأخذ رَأسه وَدفعه إِلَى خولى وسلب مَا كَانَ عَلَيْهِ فَأخذ سراويله بَحر بن كَعْب وقطيقته قيس بن الْأَشْعَث وَكَانَت من خَز وسيفه رجل من درام وانتهب النَّاس ثقله ومتاعه وأبله وسلبوا نِسَائِهِ ونتهوا إِلَى عَليّ بن الْحُسَيْن وَهُوَ مَرِيض وَأَرَادَ الشمر قَتله فَمَنعه حميد بن مُسلم وَجَاء عمر بن سعيد وَقَالَ لَا يدخلن بَيت النُّبُوَّة أحد وَلَا يعرض لهَذَا الْغُلَام الْمَرِيض وليرد عَلَيْهِم مَتَاعهمْ وَلم ينج من الْقَوْم إِلَّا اثْنَان ونادى عمر بن
سعد فِي أَصْحَابه من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه وَكَانَ ابْن زِيَاد أمره بذلك فَانْتدبَ عشرَة فداسوه حَتَّى ضروا ظَهره وصدره وَكَانَ بِهِ ثَلَاث وَثَلَاثُونَ طعنة وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ ضَرْبَة وَقتل من أَصْحَابه اثْنَان وَسَبْعُونَ رجلا ودفنهم أهل الغاضرة من بني أَسد وَقتلُوا من أَصْحَاب عمر بن سعيد مائَة وَثَمَانِينَ رجلا فصلى عَلَيْهِم ودفنهم وَبعث بِرَأْس الْحُسَيْن ورءوس أَصْحَابه إِلَى ابْن زِيَاد مَعَ شمر وَقيس بن الْأَشْعَث عَمْرو بن الْحجَّاج وَعُرْوَة بن قيس وأحضرها بَين يَدَيْهِ وَجعل ينكت بِقَضِيبِهِ بَين ثنيتي الْحُسَيْن فَقَالَ لَهُ زيد بن الأرقم ارْفَعْ قضيبك عَنْهَا فَلَقَد رَأَيْت شفتي رَسُول الله
على هَاتين الشفتين يقبلهما ثمَّ بَكَى فزجره ابْن زِيَاد فَخرج مغضبَاً ثمَّ ارتحل عمر بن سعد إِلَى الْكُوفَة بعد مقتلهم بيومين وَمَعَهُ نِسَائِهِم وصبيانهم وبناتهم وَعلي بن الْحُسَيْن مَرِيض ومروا بالحسين وَأَصْحَابه صرعى فأعولوا ولطموا وَلما أدخلُوا على ابْن زِيَاد قَالَ عبيد الله من هَذِه يُشِير إِلَى زَيْنَب فَقيل لَهُ هَذِه زَيْنَب بنت فَاطِمَة فكلمها وأجابته وأبلغَت فأغضبته حَتَّى قَالَ لَهُ هَذِه شجاعة وَلَقَد كَانَ أَبوك شجاعاً فَقَالَت ماللمرأة والشجاعة ثمَّ قَالَ لعَلي بن الْحُسَيْن مَا اسْمك فَأخْبرهُ فَقَالَ ألم يقتل الله عليا فَقَالَ {وَمَا كَانَ لِنَفسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بإذنِ اَلله} آل عمرَان 145 فَقَالَ أَنْت وَالله مِنْهُم ثمَّ قَالَ انْظُرُوا هَل أنبت فَقيل لَهُ نعم فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالَ وَمن يُوكل بِهَذِهِ النسْوَة وتعلقت بِهِ زَيْنَب وَقَالَت يَا بن زِيَاد حَسبك أما رويت من دمائنا ثمَّ اعتنقته وَقَالَت إِن قتلته فاقتلني مَعَه وَقَالَ عَليّ يَا بن زِيَاد إِن كَانَ بَيْنك وبينهن قرَابَة فَابْعَثْ مَعَهُنَّ من يصحبهن يصحبة الْإِسْلَام ثمَّ خطب النَّاس وَتعرض للحسين وَشَتمه بعض شيعته وَأمر بقتْله وصلبه ثمَّ أَمر بِرَأْس الْحُسَيْن فطيف بِهِ فِي الْكُوفَة ثمَّ بعث بِهِ وبرءوس أَصْحَابه إِلَى يزِيد مَعَ عَمْرو بن ذِي الجوشن وَيُقَال مَعَ زفر بن قيس وَبعث مَعَهم بِالنسَاء وَالصبيان محمولاتٍ على الأقتاب والغل فِي عنق عَليّ بن الْحُسَيْن ورقبته فَدخل على يزِيد
زفر بن قيس فَقَالَ مَا وَرَاءَك قل أبشر بِفَتْح لله وبنصره ورد علينا الْحُسَيْن فِي ثَمَانِيَة عشر من أهل بَيته وَسِتِّينَ من شيعته وسرنا إِلَيْهِم وسألناهم أَن ينزلُوا على حكم الْأَمِير عبيد الله أوالقتال فَاخْتَارُوا الْقِتَال فغدونا عَلَيْهِم مَعَ شروق الشَّمْس فأحطنا بهم من كل نَاحيَة حَتَّى أخذت السيوف مأخذها من هام الْقَوْم وَجعلُوا يهربون إِلَى غير وزر ويلوذون بالآكام والحفر كَمَا لَاذَ الْحمام من صقر فَمَا كَانَ إِلَّا جزر جزور أَو نومَة قَائِل حَتَّى أَتَيْنَا على آخِرهم فهاتيك أجسامهم مُجَرّدَة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة تصهرهم الشَّمْس وتعفر عَلَيْهِم الرّيح زوارهم العقبان والرخم قَالَ فَدَمَعَتْ عينا يزِيد وَقَالَ كنت أرْضى من طَاعَتك بِدُونِ قتل الْحُسَيْن لعن الله ابْن سُمَيةَ أما وَالله لَو أَنِّي صَاحبه لعفوتُ عَنهُ فرحم الله الْحُسَيْن أَقُول بل لعن ابْن مَيْسُونُ قبل ابْن سميَّة وَبعده إِلَى يَوْم يبعثون وَيُقَال إِن آل الْحُسَيْن لما وصلوا إِلَى الْكُوفَة حَبسهم ابْن زِيَاد وَبعث إِلَى يزِيد بالْخبر فَأمره بإرسالهم إِلَيْهِ فبعثهم مَعَ نخفر بن ثَعْلَبَة وشمر ومعهما الثّقل وَالرَّأْس وأنهما لما وضعا الرَّأْس بَين يَدَيْهِ وحدثاه سَمِعت حَدِيثهمَا هِنْد بنت عبد الله بن عَامر وَكَانَت تَحت يزِيد فتسفعت بثوبها وَخرجت فَقَالَت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأس الْحُسَيْن بن فَاطِمَة بنت رَسُول الله
قَالَ نعم فأعولي عَلَيْهِ عجل عَلَيْهِ ابْن زِيَاد فَقتله قَتله الله ثمَّ دخل عَلَيْهِ النَّاس وَالرَّأْس بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ إِن هَذَا وإيانا كَمَا قَالَ الْحصين بن الْحمام من // (الطَّوِيل) //
(أَبَي قَوْمُنا أَنْ يُنْصِفُونَا فَأَنْصَفَتْ
…
قَوَاضِبُ فِي أَيْمَانِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا)
(تُفلِّقْنَ هَاماً مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةِ
…
علينا وَهُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا)
وَيُقَال إِنَّه اسْتشْهد بِبَعْض أَبْيَات قصيدة عبد الله بن الزبعري الَّتِي قَالَهَا فِي يَوْم أحد الَّتِي مطْلعهَا قَوْله من // (الرمل) //
(يَا غُرَابَ البَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ
…
إِنَّماَ تنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ)
وَمِنْهَا قَوْله
(لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا
…
جزَعَ الخَزْرَجِ مِنَ وَقْعِ الأَسَلْ)
وَإنَّهُ نكت فِي ثغر الْحُسَيْن بِقَضِيبِهِ كَمَا فعل ابْن زِيَاد فَقَالَ لَهُ أَبُو بزْرَة الْأَسْلَمِيّ
مَا قَالَ زيد بن أَرقم لِابْنِ زِيَاد ثمَّ قَالَ يزِيد يَا حُسَيْن وَالله لَو أْني صَاحبك مَا قتلتك ثمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ من أَيْن أَتَى الْحُسَيْن قَالَ أبي خير من أَبِيه وَأمي فَاطِمَة خير من أمه وجدي رَسُول الله خير من جده وَأَنا خير مِنْهُ فَأَما أمه وجده فَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يعْتَقد غير هَذَا وَأما أبي وَأَبوهُ فقد تحاجا عِنْد الله وَمَا علم النَّاس أَيهمَا حكم لَهُ وَلكنه أَتَى من قبل الْفِقْه وَلم يقْرَأ {قل اللَّهُمَّ ملك اَلمُلكَ تُؤتيِ اَلملك مَن تشَاءُ} آل عمرَان 26 ثمَّ أَدخل نسَاء الْحُسَيْن عَلَيْهِ وَالرَّأْس بَين يَدَيْهِ فَجعلت فَاطِمَة وسكينا بِنْتا الْحُسَيْن تتطاولان تنظران إِلَى الرَّأْس وَيزِيد يَتَطَاوَل يستر عَنْهُمَا الرَّأْس فَلَمَّا أبصرنه صحنَ فصاح نسَاء يزِيد وَبَنَات مُعَاوِيَة فَقَالَت فَاطِمَة أبنات رَسُول الله سَبَايَا يزِيد فَقَالَ يَا بنة أخي كنت لهَذَا أكره قَالَت وَالله مَا ترك لنا من خوص قَالَ أما إِنِّي سأوصل إلَيْكُنَّ مَا هُوَ أعظم مِمَّا أَخذ مِنْكُن ثمَّ أخرجن ودخلن دور يزِيد فَلم تبْق امْرَأَة فِي بيتهن إِلَّا أتتهن وأقمْنَ المأتم وَسَأَلَ عَمَّا أَخذ منهنَّ فأضعفه لَهُنَّ وَكَانَت سكينَة تَقول مَا رَأَيْت عدوا خير من يزِيد بن مُعَاوِيَة ثمَّ أَدخل عَليّ بن الْحُسَيْن مغلولاً فَقَالَ يَا يزِيد لَو رَآنِي رَسُول الله مغلولاً لفكني قَالَ صدقت وَأمر بفكه عَنهُ فَقَالَ لَو رآنا رَسُول الله على بعد لقربنا فَأمر بِهِ فَقرب مِنْهُ وَقَالَ لَهُ يَا عَليّ أَبوك الَّذِي قطع رحمي وَجَهل حَقي ونازعني سلطْاني فَصنعَ الله بِهِ مَا رَأَيْته فَقَالَ عَليّ {مَا أَصَابَ مِن مُصِيبة فِي اَلأرضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُم إِلا فِي كتاب} الْآيَة الْحَدِيد 22 وَقَالَ يزِيد {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبةِ فَبِمَا كسبَت أيدِيكم} الشورى 30 ثمَّ سكت عَنهُ وَأمر بإنزاله وإنزال نِسَائِهِ فِي دَار جده ثمَّ لم يزل يذم من ابْن زِيَاد فعله فِي الْحُسَيْن وَيَقُول لعن الله ابْن مرْجَانَة سَأَلَهُ أَن يضع يَده فِي يَدي أَو يلْحق بثغر حَتَّى يتوفاه الله فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك وَقَتله وبغَّضني إِلَى الْمُسلمين وَزرع الْعَدَاوَة لي عِنْد الْبر والفاجر مَالِي وَلابْن مرْجَانَة لَعنه الله وَغَضب عَلَيْهِ ثمَّ أَمر النُّعْمَان بن بشير أَن يجهزهم بِمَا يصلحهم وَبعث مَعَهم إِلَى الْمَدِينَة رجلا من أهل الشَّام فِي خيل تسير مَعَهم ودعا عليا ليودعه وَقَالَ لَهُ لعن الله ابْن مرْجَانَة وَالله لَو أَنِّي صَاحب أَبِيك مَا سَأَلَني خصْلَة أبدا إِلَّا أَعْطيته إِيَّاهَا ولدفعت
عَنهُ الحيف بِمَا اسْتَطَعْت وَلَو بِهَلَاك وَلَدي وَلَكِن قضى الله مَا رَأَيْت فكاتبني بأية حَاجَة تكون لَك وَأوصى بهم ذَلِك الرَّسُول فَخرج بهم فَكَانَ يسايرهم لَيْلًا من ورائهم بِحَيْثُ لَا يفوتون نظره عَن حوائجهم حَتَّى دخلُوا الْمَدِينَة فَقَالَت فَاطِمَة لأختها زَيْنَب لقد أحسن إِلَيْنَا هَذَا الرجل فَهَل لَك أَن نصله بِشَيْء فَقَالَت مَا مَعنا إِلَّا حلينا فأخرجتا سِوَارَيْنِ ودملجين لَهما فبعثتا بذلك إِلَيْهِ واعتذرتا فَرد الْجَمِيع وَقَالَ لَو كَانَ الَّذِي صَنعته للدنيا لَكَانَ فِي هَذَا مَا يرضيني وَإِنَّمَا صَنعته لله ولقرابتكم من رَسُول الله
وَكَانَ ابْن زِيَاد بعث إِلَى الْمَدِينَة بِخَبَر الْحُسَيْن وَبهَا عَمْرو بن سعيد فَأعْلم النَّاس وَبكى نسَاء بني هَاشم فَلَمَّا سمع عَمْرو أصواتهن قَالَ ناعية بناعية عُثْمَان وَفِي الذَّهَبِيّ قَالَ يزِيد اليزدي حَدثنِي من شافه الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ رَأَيْت أبنية مَضْرُوبَة فِي الفلاة للحسين فَأَتَيْته فَإِذا شيخ يقْرَأ الْقُرْآن والدموعُ تسيل على خديه فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي يَا بن رَسُول الله مَا أنزلك هَذِه الْبِلَاد والفلاة الَّتِي لَيْسَ بهَا أحد فَقَالَ هَذِه كتب أهل الْكُوفَة إِلَيّ لأخرج وَلَا أُرَاهُم إِلَّا قاتلي فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يدعوا لله حُرْمَة إِلَّا انتهكوها فيسلط الله عَلَيْهِم من يذلهم حَتَّى يَكُونُوا أذلّ من قرم الْأمة يَعْنِي مقنعتها وروى الزبير بن بَكار عَن مُحَمَّد بن حسن قَالَ لما نزل عمر بن سعد بالحسين وأيقن أَنهم قَاتلُوهُ قَامَ فِي أَصْحَابه فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ قد نزل بِنَا مَا ترَوْنَ وَإِن الدُّنْيَا قد تَغَيَّرت وتنكرت حَتَّى لم يبْق مِنْهَا إِلَّا صبَابَة كَصُبَابَةِ الْإِنَاء وَإِلَّا خسيس عَيْش كالمرعى الوبيل أَلا ترَوْنَ الْحق لَا يعْمل بِهِ وَالْبَاطِل لَا ينهَى عَنهُ ليرغب الْمُؤمن فِي لِقَاء الله وَإِنِّي لَا أرى الْمَوْت إِلَّا سَعَادَة والحياة مَعَ الظَّالِمين إِلَّا ندماً وَقَالَ خَالِد الْحذاء عَن الْجريرِي إِن الْحُسَيْن لما أرهقه السِّلَاح قَالَ أَلا تقبلون مني مَا كَانَ رَسُول اله
يقبله من الْمُشْركين قيل وَمَا كَانَ يقبل مِنْهُم قَالَ كَانَ إِذا جنح أحد مِنْهُم للسلم قَبِلَ مِنْهُ قَالُوا لَا قَالَ فدعوني أرجع قَالُوا لَا قَالَ فدعوني آتِي أَمِير الْمُؤمنِينَ يزِيد فأضع يَدي فِي يَده فَقَالَ لَهُ رجل أبشر بالنَّار فَقَالَ الْحُسَيْن بل إِن شَاءَ الله برحمة رَبِّي وشفاعة نبيي
فقاتل فَلَمَّا استحرَ الْقَتْل بأَهْله فَإِنَّهُم لَا يزالون يقتلُون وَاحِدًا بعد واحدِ صَاح الْحُسَيْن أما ذَاب يذبكم عَن حَرِيم رَسُول الله
فَحِينَئِذٍ خرج الْحر بن يزِيد بن ثَابت الْحَارِث الريَاحي فقاتل مَعَه حَتَّى قتل وَحمل الْحُسَيْن بمفرده وَقتل كثيرا من شجعانهم وَهُوَ يَقُول // (من الطَّوِيل) //
(أَنَا ابْنُ عَلِيِّ الخيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
…
كفَانِي هَذَا مفْخرًا حِينَ أَفْخَرُ)
(وَجَدِّي رَسُولُ الله أَكْرَمُ مَنْ مشَى
…
ونحنُ سِرَاجُ الله فِي النَّاسِ يُزْهِرُ)
(وفاطمَةٌ أُمِّي سُلالَةُ أَحْمَدٍ
…
وَعَمِّيَ يُدْعَى ذَا الجناحَيْنِ جَعْفَرُ)
(وفِينَا كِتابُ الله أُنْزلَ صادِقًا
…
وَفينَا الهُدى والوَحْيُ والخَيْرُ يُذْكَرُ)
وَفِي رِوَايَة قيل إِنَّه لما جِيءَ بِرَأْسِهِ فِي طست وضع بَين يَدي ابْن زِيَاد فنكته بِقَضِيبِهِ وَقَالَ من قَتله فَقَامَ رجل قيل هُوَ الشمر بن ذِي الجوشن وَقيل سِنَان ابْن أنس النَّخعِيّ وَكَانَ قد طعن الْحُسَيْن فِي ترقوته ثمَّ انتزع الرمْح فطعنه أُخْرَى فِي ثواني صَدره فَخر رضي الله عنه صَرِيعًا فَقَالَ لخولى بن يزِيد حز رَأسه فأرعدت يَده فَنزل سِنَان فَخر رَأسه لَا رحمهم الله وَلَا رَضِي عَنْهُم كَمَا تقدَم ذكر ذَلِك فَقَالَ أَنا وَأنْشد // (من الزّجر) //
(أَوْقِرْ رِكَابي فِضَّةً وذهبا
…
)
(إِنِّي قَتَلْتُ المِلِكَ المُحَجَّبَا
…
)
(قَتَلْتُ خَيْرَ الناسِ أُمًّ وأَبَا
…
)
(ومَنْ يُصَلِّي القبلتيْنِ فِي الصِّبَا
…
)
(وخَيْرَهُمْ إذْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا
…
)
وَذكر كَيْفيَّة قَتلهمْ بقوله غدونا عَلَيْهِم إِلَى آخر مَا تقدم ذكره قَالَ فاسود وَجهه فِي بِالْحَال فَغَضب ابْن زِيَاد من قَوْله وَقَالَ لَهُ إِذا علمت ذَلِك فَلم قَتله وَالله لَا نلْت مني خيرا ولألحقنك بِهِ ثمَّ ضرب عُنُقه وَقتل مَعَ الْحُسَيْن رضي الله عنه من أخوته وبنيه وَبني أَخِيه الْحسن وَمن أَوْلَاد جَعْفَر وَعقيل تِسْعَة عشرا نَفرا وَقيل أحد وَعِشْرُونَ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ مَا كَانَ على وَجه الأَرْض يَوْمئِذٍ لَهُم شَبيه رَضِي الله عَنْهُم
وروى أَبُو معشر نجيح عَن بعض مشيخته أَن الْحُسَيْن قَالَ حِين نزلُوا كربلاء مَا اسمُ هَذِه الأَرْض قَالُوا كربلاء قَالَ كرب وبلاء وروى شريك عَن مُغيرَة قَالَ قَالَت مرْجَانَة لابنها عبيد الله يَا خَبِيث قَتلتَ ابْن رَسُول الله
لَا ترى الْجنَّة أبدا قَالَ الْمَدَائِنِي عَن عَليّ بن مدرك عَن جده قَالَ احْمَرَّتْ آفَاق السَّمَاء بعد قتل الْحُسَيْن سِتَّة أشهر يرى فِيهَا كَالدَّمِ فَحدثت بذلك شريحاً فَقَالَ لي مَا أَنْت من الْأسود قلت هُوَ جدي أَبُو أُمِّي فَقَالَ أما وَالله إِن كَانَ لصدقاً قلت وَمَا أشجَى قَول أبي الْعَلَاء أَحْمد بن سُلَيْمَان الشهير بالعري فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ من قصيدة // (من الْخَفِيف) //
(وَعَلَى الأُفْقِ مِنْ دِمَاءِ الشَّهِيديْنِ
…
علِيِّ وَنَجْلِهِ شَاهِدَانِ)
(فَهُمَا فِي أَوَاخِرِ اللَّيْلِ فَجَرانِ
…
وَفِي أًوليَاتِهِ شَفَقَانِ)
(ثَبَتَا فِي قمِيصِهِ لِيَجِسء
…
الْحشْرَ مُسْتَعْدِيًا إِلى الرَّحْمَنِ)
وَكَذَا روى مثل ذَلِك سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد عَن ابْن سِيرِين قَالَ لرجل تعلم هَذِه الْحمرَة فِي الْأُفق مِم هِيَ قَالَ لَا قَالَ من يَوْم قتل الْحُسَيْن وَقَالَ جرير بن عبد الحميد عَن يزِيد بن زِيَاد قَالَ قتل الْحُسَيْن ولي أَربع عَشرَةَ سنة فَلَمَّا قتل صَار الورس الَّذِي فِي عَسْكَرهمْ رَمَادا وَكَانَ فِي قافلة من الْيمن تُرِيدُ الْعرَاق فوافتهم حِين قَتله واحمرت آفَاق السَّمَاء ونحروا نَاقَة فِي عَسْكَرهمْ وَكَانُوا يرَوْنَ فِي لَحمهَا نَارا وَقَالَ حَمَّاد بن زيد حَدثنِي جميل بن مرّة قَالَ أَصَابُوا إبِلا فِي عَسْكَر الْحُسَيْن يَوْم قتل فنحروها وطبخوها فَصَارَت مثل العلقم وَقَالَ قُرَّة بن خَالِد حَدثنَا أَبُو رَجَاء العطاردي قَالَ كَانَ لنا جَار من بلهُجَيْم
فَقدم الْكُوفَة فَقَالَ مَا ترَوْنَ هَذَا الْفَاعِل ابْن الْفَاعِل قَتله الله يَعْنِي الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أَبُو رَجَاء فَرَمَاهُ الله بكوكبين من السَّمَاء فطمسا عينه وَأَنا رَأَيْته وَقَالَ معمر بن رَاشد أول مَا عرف الزُّهْرِيّ تكلم فِي مجْلِس عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ لَهُ تعلم مَا فعلت حجار بَيت المقددس يَوْم قتل الحسيِن فَقَالَ الزُّهْرِيّ إِنَّه لم يقَلب حجر فِيهِ إِلَّا وجد تَحْتَهُ دم عبيط قَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدَّثتنِي أم سَالم خَالَتِي قَالَت لما قتل الْحُسَيْن مُطِرْنَا مطر طالدم على الْبيُوت والجدر وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن عمار ابْن أبي عمار عَن ابْن عَبَّاس رَأَيْت رَسُول الله
فِي الْمَنَام نصف النَّهَار أَشْعَث أغبر وَبِيَدِهِ قَارُورَة فِيهَا دم فَقلت بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا هَذَا قَالَ هَذَا دَم الْحُسَيْن وأصحابِهِ وَلم أزل مُنْذُ الْيَوْم ألتقطه فأحصي ذَلِك الْيَوْم فوجدوه قتل يَوْمئِذٍ وَقَالَ حَمَّاد عَن عمار سَمِعت أم سَلمَة تَقول سمعتُ الْجِنّ تبْكي على الْحُسَيْن وتنوح عَلَيْهِ وَعَن أبي جناب الْكَلْبِيّ قَالَ أتيتُ كربلاء فَقلت لرجل من أَشْرَاف الْعَرَب فِيهَا بَلغنِي أَنكُمْ تَسْمَعُونَ نوح الْجِنّ فَقَالَ لي مَا تلقى أحدا إِلَّا أخْبرك أَنه سمع ذَلِك فَقلت لَهُ فأخبيرني مَا سَمِعت أَنْت قَالَ سمعتهم يَقُولُونَ // (من مجزوء الْكَامِل) //
(مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ
…
فَلَهُ بَريقٌ فِي الخُدُودِ)
(أَبَواهُ مِنْ عُلْيَا قُرَيْشٍ
…
جَدُّهُ خَيْرُ الجُدُودِ)
وَلما دخل الرَّأْس على يزِيد وَوضع بَين يَدَيْهِ أنْشد الْبَيْتَيْنِ الْمُتَقَدّم ذكرهمَا
// (منِ الطَّوِيل) //
(أَبَى قومُنَا أَن ينصفُونَا
…
...
…
...
…
...
…
.)
قَالَ عبد الرَّحْمَن بن الحكم أَخُو مَرْوَان بن الحكم // (من الطَّوِيل) //
(لهَامٌ بجَنْبِ الطَّفِّ أَوْفَى قَرَابَةً
…
مِنِ ابْن زِيَاد العَبْدِ ذِي النَّسبِ الوغلُ)
(سُمَيَّة أمسَى نَسْلُهَا عددَ الحَصَى
…
وبِنْتُ رسُولِ الله ليْسَ لَهَا نَسْلُ)
فَضرب يزِيد صَدره وَقَالَ اسْكُتْ قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة أَن يُونُس بن حبيب حَدثهُ قَالَ لما قتل الْحُسَيْن وَبَنُو أَبِيه وَبعث ابْن زِيَاد برءوسهم إِلَى يزِيد سر بِقَتْلِهِم أَولا ثمَّ نَدم ثَانِيًا فَكَانَ يَقُول وَمَا عَليّ لَو احتملت الْأَذَى وأنزلت الْحُسَيْن مني وحكمته فِيمَا يُرِيد وَإِن كَانَ فِي ذَلِك وَهن فِي سلطاني حفظا لرَسُول الله
ورعاية لحقه وقرابته لعن الله ابْن مرْجَانَة يُرِيد عبيد الله بن زِيَاد فَإِنَّهُ أخرجه واضظره وَقد كَانَ سَأَلَهُ أَن يخلي سَبيله وَيرجع من حَيْثُ أقبل أَو يأْتيني فَيَضَع يَده فِي يَدي أَو يلْحق بثغر من الثغور فَأبى ذَلِك ورده عَلَيْهِ فأبغضني بقتْله الْمُسلمُونَ قَالَ المَسْعُودِيّ كَانَ قتل مُسلم بن عقيل فِي الْيَوْم الَّذِي خرج فِيهِ الْحُسَيْن من مَكَّة يَوْم التَّرويَة كَمَا تقدم ذكره قَالَ لما قتل الْحُسَيْن وَحمل رَأسه إِلَى ابْن زِيَاد خرجت بنت عقيل فِي نسَاء قومه حواسر حائرات لما ورد عَلَيْهِم من قتل السادات وَهِي تَقول شعرًا // (من الْبَسِيط) //
(مَاذَا تقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ
…
مَاذَا فعلتُمْ وأنتُمْ آخِرُ الأُممِ)
(بعترتي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفَتَقَدي
…
نِصْفٌ أُسارَى ونصْفٌ ضُرِّجُوا بدَم)
(مَا كَانَ هَذَا جَزَائي إذْ نَصَحْتُ لَكُمْ
…
أَن تخْلُفونِي بسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمي)
وَقَالَ الْمَدَائِنِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن عَمْرو بن دِينَار حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه قَالَ لما قتل الْحُسَيْن ودخلنا الْكُوفَة لَقينَا رجل
فَدَخَلْنَا منزله فألحفنا فَنمت فَلم أستيقظ إِلَّا بحس الْخَيل فِي الْأَزِقَّة فحملنا إِلَى يزِيد فَدَمَعَتْ عينا حِين رآنا وأعطينا مَا شِئْنَا وَقَالَ إِنَّه سَيكون فِي قَوْمك أَمر فَلَا تدخل مَعَهم فِي شَيْء فَلَمَّا كَانَ من أهل الْمَدِينَة مَا كَانَ كتب مَعَ مُسلم بن عقبَة المُري كتابا فِيهِ أماني فَلَمَّا فرغ مُسلم من الْحرَّة بعث إِلَيّ فَجِئْته وَقد أيقنتُ بالموتِ فَكتبت وصيتي فَرمى إِلَيّ الْكتاب فَإِذا فِيهِ اسْتَوْصِ بعلي ابْن الْحُسَيْن خيرا فَإِن دخل مَعَهم فِي أَمرهم فأمنهُ واعفُ عَنهُ وَإِن لم يكن مَعَهم فقد أصَاب وَأحسن وَقَالَ رزق الله بن عبد الْوَهَّاب الجبائي فِي الْحُسَيْن رضي الله عنه شعرًا // (من الْكَامِل) //
(رَأْسُ ابنِ بنتِ محمدٍ ووصيِّهِ
…
للمسلمينَ عَلَى قَنَاةٍ يُرْفَعُ)
(والمُسْلِمُونَ بمنظرٍ وبمسْمَع
…
لَا جازعٌ فيهمْ وَلَا مُسْتَرْجِعُ)
(أيقظْتَ أجفانًا وكنْت أنمتهَا
…
وأنمْتَ علينا لم تَكُنْ لَك تَهْجَعُ)
(مَا رَوْضةٌ إلَاّ تمَنَّتْ أَنَّهَا
…
لَكَ تربةٌ ولحظِّ قبركَ موضعُ)
وَقَالَ أَحْمد بن عِيسَى الْهَاشِمِي معتذراً عَن الْكحل يَوْم عَاشُورَاء // (من مخلع الْبَسِيط) //
(لَمْ أَكْتَحِلْ فِي صَبَاحِ يَوْمٍ
…
أُهْرِقَ فيهِ دَم الحُسَيْنِ)
(إلَاّ لحُزْنٍ وَذَاكَ أنِّي
…
سَوَّدتُّ حَتَّى بيَاضَ عَيْنِي)
وَقَالَ بَعضهم فِي مثل مَعْنَاهُ شعرًا // (من مخلع الْبَسِيط) //
(وَلَائِم لَامَ فِي اكْتِحَالِي
…
يَوْم أراقُوا دَمَ الحُسَيْنِ)
(قُلْتُ دَعُونِي أَحَق عُضْوٍ
…
فِيهِ بلُبْسِ السَّوادِ عيْنِي)
وَمِمَّا قَالَ أَبُو حسن الجراز فِي ذَلِك شعرًا // (من الْكَامِل) //
(وَيَعُودُ عَاشُورَاءُ يُذْكِرُنِي
…
رُزْءَ الحُسَيْنِ فلَيْتَ لمْ يَعْدِ)
(يَلَيْتَ عَيْنًا فِيهِ قد كُحِلَتْ
…
بِمَرَاوِدٍ لَمْ تَخْلُ مِنْ رَمَدِ)
(يوْمٌ سبيلي حينَ أذكُرُهُ
…
ألَاّ يدورَ الصَّبْرُ قي خَلَدِي)
(ويداً بِهِ لشماتةٍ خُضِبَتْ
…
مقطوعةٌ مِنْ زَنْدِهَا بِيَدِي)
(أما وقَدْ قُتِلَ الحُسَيْنُ بِهِ
…
فَأَبُو الحُسيْنِ لأحقُّ بالكَمَدِ)