الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخل شَوَّال أَمن الْوَفَاة فَتوفي فِي شَوَّال فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ كَمَا تقدم ذكره وَلما دفن قَالَ الْوَلِيد إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَالله الْمُسْتَعَان على مُصِيبَتنَا بأمير الْمُؤمنِينَ وَالْحَمْد لله على مَا أنعم بِهِ علينا من الْخلَافَة فَكَانَ أول من عزى نَفسه وهنأها ثمَّ قَامَ عبد الله بن همام السَّلُولي فَقَالَ // (من الرجز) //
(أَللهُ أعْطَاك الَّتِي لَا فَوْقَهَا
…
وَقَدْ أَرَادَ المُلْحِدُونَ عَوْقَهَا)
(عَنْكَ ويَأْبَى الله إِلَّا سَوْقَهَا
…
إلَيْكَ حَتَّى قَلَّدُوكَ طوقَهَا)
وَبَايَعَهُ ثمَّ بَايعه النَّاس بعده ثمَّ صعد الْوَلِيد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس لَا مقدم لما أخر الله وَلَا مُؤخر لما قدمه الله وَقد كَانَ من قَضَاء الله وسابق علمه مَا كتب على أنبيائه وَحَملَة عَرْشه الْمَوْت وَقد صَار أبي إِلَى منَازِل الْأَبْرَار وَولي هَذِه الْأمة بِالَّذِي يحِق الله عَلَيْهِ من الشدَّة على المذنب واللين لأهل الْحق وَالْفضل وَإِقَامَة مَا أَقَامَ الله من منَازِل الْإِسْلَام وأعلامه من حج الْبَيْت وغزو الثغور وَشن الْغَارة على أَعدَاء الله فَلم يكن عَاجِزا وَلَا مفرطاً أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالطَّاعَةِ وَلُزُوم الْجَمَاعَة فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْفَرد أَيهَا النَّاس من أبدى لنا نَفسه ضربنا الَّذِي فِيهِ عَيناهُ وَمن سكت مَاتَ بدائه ثمَّ نزل
(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)
كَانَ الْوَلِيد عزل هِشَام بن إِسْمَاعِيل المَخْزُومِي عَن الْمَدِينَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَولى عَلَيْهَا ابْن عَمه عمر بن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَدمهَا وَنزل دَار مَرْوَان ودعا عشرَة من فُقَهَاء الْمَدِينَة فيهم الْفُقَهَاء السَّبْعَة المعروفون فجعلهم أهل مشورته لَا يقطع أمرا دونهم فَأَمرهمْ أَن يبلغُوا الْحَاجَات والظلامات إِلَيْهِ فشكروه وجزوه خيرَاً ودعا لَهُ النَّاس
ثمَّ كتب إِلَيْهِ الْوَلِيد سنة ثَمَانِينَ أَن يدْخل حجر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فِي الْمَسْجِد وَأَن يَشْتَرِي مَا فِي نواحي الْمَسْجِد من الدّور حَتَّى يَجعله مِائَتي ذِرَاع فِي مثلهَا وَيقدم الْقبْلَة وَمن أبي أَن يعطيك ملكه فقومه قيمَة عدل وادفع إِلَيْهِ الثّمن واهدم عَلَيْهِ الْملك وَلَك فِي عمر وَعُثْمَان أُسْوَة فِي ذَلِك فَأعْطَاهُ أهل الْأَمْلَاك مَا أحب مِنْهَا بأثمانها وَبعث الْوَلِيد إِلَى ملك الرّوم إِنِّي أُرِيد بِنَاء الْمَسْجِد النَّبَوِيّ فَبعث إِلَيْهِ ملك الرّوم بِمِائَة ألف مِثْقَال من الذَّهَب وَمِائَة من الفعلة وَأَرْبَعين حملا من الفسيفساء فَبعث بذلك كُله إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز واستكثر مَعَهم من فعلة الشَّام وَشرع فِي عِمَارَته فعمره عمر بن عبد الْعَزِيز وَلم يُغير شَيْئا من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنه
حَتَّى إِنَّه يَأْتِي الْجذع الْقَائِم فيقلعه ثمَّ يضع مَوْضِعه أساس الأسطوانة وَيرْفَع الْبناء عَلَيْهَا فَلِذَا ترى بعض الأساطين متسعاً مَا بَينهَا وَبَعضهَا متضايقاً لِأَنَّهَا كَانَت كَذَلِك فِي بِنَاء عمر بن الْخطاب الَّذِي هُوَ على بنائِهِ عليه الصلاة والسلام ورزق الْفُقَهَاء والفقراء والضعفاء وَحرم عَلَيْهِم سُؤال النَّاس وَفرض لَهُم مَا يكفيهم وَضبط الْأُمُور أتم ضبط ثمَّ ولى سنة تسع وَثَمَانِينَ على مَكَّة خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي قَالَ العبشمي عَن أَبِيه كَانَ الْوَلِيد دميماً سَائل الْأنف طويلَا أسمر بِهِ أثر جدري أفطس وبمقدم لحيته شمط لَيْسَ فِي رَأسه ولحيته غَيره إِذا مَشى يتبختر فِي مشيته كَانَ أَبَوَاهُ يترفانه فشب بِلَا أدب وَلَا علم وروى يحيى الغساني أَن روح بن زنباغ قَالَ دخلت يَوْمًا على عبد الْملك وَهُوَ مهموم فَقَالَ لي فَكرت فِيمَن أوليه أَمر الْعَرَب فَلم أَجِدهُ فَقلت أَيْن أَنْت عَن الْوَلِيد قَالَ إِنَّه لَا يحسن النَّحْو قَالَ فَقَالَ لي عبد الْملك رُح إِلَى العشية فَإِنِّي سأظهر كآبة فسلني قَالَ فرحت إِلَيْهِ والوليد عِنْده فَقلت لَهُ لَا يسوءك الله مَا هَذِه الكآبة قَالَ فَكرت فِيمَن أوليه أَمر الْعَرَب فَلم أَجِدهُ فَقلت أَيْن أَنْت عَن رَيْحَانَة قُرَيْش وسيدها الْوَلِيد فَقَالَ لي يَا أَبَا زنباع إِنَّه لَا يَلِي الْعَرَب إِلَّا من تكلم
بكلامهم قَالَ فَسَمعَهَا الْوَلِيد فَقَامَ من سَاعَته وَجمع أَصْحَاب النَّحْو وَجلسَ مَعَهم فِي بَيت وطبق عَلَيْهِ سِتَّة أشهر ثمَّ خرج وَهُوَ أَجْهَل مِمَّا كَانَ فَقَالَ عبد الْملك أما إِنَّه قد أعذر كَذَا قَالَه الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي الدول وروى سعيد بن عَامر الضبعِي عَن كثير أبي الْفضل الطفَاوِي قَالَ شهِدت الْوَلِيد بن عبد الْملك صلى الْجُمُعَة وَالشَّمْس على الشّرف ثمَّ صلى الْعَصْر وَبَنُو أُميَّة معروفون بِتَأْخِير الصَّلَوَات عَن أول أَوْقَاتهَا قَالَ فِي مسامرة الْأَخْبَار قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي حَدثنَا أَبُو عِكْرِمَة الضَّبِّيّ أَن الْوَلِيد بن عبد الْملك قَرَأَ على الْمِنْبَر {يَا ليتَهَا كانتِ القَاضِيَةَ} الحاقة 27 وَضم التَّاء وَتَحْت الْمِنْبَر عمر بن عبد الْعَزِيز وَسليمَان بن عبد الْملك أَخُوهُ فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وددتها وَالله عَلَيْك وَعَن أبي الزِّنَاد قَالَ كَانَ الْوَلِيد لحانا كَأَنِّي اسْمَعْهُ على مِنْبَر النَّبِي
يَقُول يَا أهل الدينة وَكَانَ الْوَلِيد جباراً ظالمَاً لكنه أَقَامَ الْجِهَاد فِي أَيَّامه وَفتحت فِي خِلَافَته فتوحات عَظِيمَة وَكَانَ يختن الْأَيْتَام ويرتب لَهُم المؤدبين ويرتب للزمنَى من يخدمهم وللأضراء من يقودهم من رَقِيق بَيت مَال وَعمر مَسْجده عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام ووسَعه وَكَانَ يبر حَملَة الْقُرْآن وَيَقْضِي دُيُونهم وَبنى الْجَامِع الْأمَوِي فِي ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد بن مصطفى الشهير بكاتي فِي تَارِيخه بغية الخاطر إِن الْوَلِيد بنى بِدِمَشْق الْجَامِع الْمَشْهُور بِجَامِع بني أُميَّة وَشرع فِي بنائِهِ أَوَاخِر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَحين شرع احضر العملة من كل جِهَة وعدتهم اثْنَا عشر ألف رجل وَأنْفق فِي عِمَارَته أَرْبَعمِائَة صندوق فِي كل صندوق من الذَّهَب الْعين ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف دِينَار ذَهَبا أَحْمَر وامتد بِنَاؤُه عشر سِنِين وَفِيه عَمُود من المرمر يمِيل إِلَى الْحمرَة اشْتَرَاهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار
قَالَ فِي خريدة الْعَجَائِب وَفِي محرابه عمودان صغيران من المرمر الْأَخْضَر حصله من عرش بلقيس الملكة ابْنة الهدهاد زَوْجَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عليهما السلام وَجعل فِي الْمَسْجِد طاقات على عدد أَيَّام السّنة تدخل الشَّمْس فِي كل يَوْم من طاق من تِلْكَ الطاقات وَكَانَت فِيهِ سِتّمائَة سلسلة من ذهب للقناديل وَمَا زَالَت إِلَى أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز بعد سُلَيْمَان بن عبد الْملك فَجَعلهَا فِي بَيت المَال وَاتخذ عوضهَا صفراً وحديداً قَالَ الذَّهَبِيّ قَالَ ضَمرَة عَن عَليّ بن أبي عبلة سمع عبد الله بن عبد الْملك ابْن مَرْوَان قَالَ قَالَ لي الْوَلِيد كَيفَ أَنْت وَالْقُرْآن قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أختمه فِي كل جُمُعَة قلت فَأَنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَكَيف مَعَ الِاشْتِغَال قلت على ذَلِك قَالَ فِي كل ثَلَاث قَالَ عَليّ فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم بن أبي عبلة فَقَالَ كَانَ يخْتم فِي رَمَضَان سبع عشرَة ختمة وَقَالَ ضَمرَة سَمِعت إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة يَقُول رحم الله الْوَلِيد وَأَيْنَ مثل الْوَلِيد فتح الْهِنْد والسند والأندلس وَغَيرهَا وَبنى مَسْجِد النَّبِي
ووسعه وَبني مَسْجِد دمشق وَكَانَ يعطيني قصاع الْفضة أقسمها على قَرَأَ بَيت الْمُقَدّس غَرِيبَة قَالَ عَمْرو بن عبد الْوَاحِد الدِّمَشْقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ خرج الْوَلِيد بن عبد الْملك من الْبَاب الْأَصْغَر فَوجدَ رجلا عِنْد الْحَائِط عِنْد المئذنة الشرقية يَأْكُل وَحده فجَاء حَتَّى وقف على رَأسه فَإِذا هُوَ يَأْكُل خبزَاً وتراباً فَقَالَ لَهُ الْوَلِيد مَا شَأْنك انْفَرَدت عَن النَّاس قَالَ أَحْبَبْت الْوحدَة قَالَ فَمَا حملك على أكل التُّرَاب أما فِي بَيت مَال الْمُسلمين مَا يجْرِي عَلَيْك قَالَ بلَى وَلَكِن رَأَيْت القنوع قَالَ فَرجع الْوَلِيد إِلَى مَجْلِسه ثمَّ أحضرهُ فَقَالَ إِن لَك لخبرا لختبرني بِهِ وَإِلَّا ضربت عُنُقك قَالَ نعم كنت جمالا وَمَعِي ثَلَاثَة أجمال موقرة طَعَاما حَتَّى أتيت مرج الصفر فَقَعَدت فِي خربة أبول فَرَأَيْت الْبَوْل ينصب فِي شقّ فَأَتْبَعته حَتَّى كشفته فَإِذا غطاء على حفير فَنزلت فَإِذا مَال صبيب
فأنخت رواحلي وحللت أعكامي ثمَّ أوقرتها ذَهَبا وغطيت الْمَوْضُوع فَلَمَّا سرت عَنهُ غير يسير وجدت معي مخلاة فِيهَا طَعَام فَقلت أَنا أترك الكسرة ففرغتها وَرجعت لأملأها فخفي على الْموضع وأتعبني الطّلب فَرَجَعت إِلَى الْجمال فَلم أَجدهَا وَلم أجد الطَّعَام الَّذِي أخرجته من المخلاة فآليت على نَفسِي أَلا آكل شَيْئا إِلَّا الْخبز بِالتُّرَابِ فَقَالَ الْوَلِيد كم لَك من الْوَلَد فَذكر عيالا قَالَ يجْرِي عَلَيْك من بَيت المَال وَلَا تسْتَعْمل فِي شَيْء فَإِن هَذَا هُوَ المحروم قَالَ ابْن جَابر فَذكر لنا أَن الْجمال جَاءَت إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين فأناحت عِنْده فَأَخذهَا أَمِين الْوَلِيد فطرحها فِي بَيت المَال رُوَاته ثِقَات قَالَه الْكِنَانِي وَعَن نمير بن عبد الله الصَّنْعَانِيّ عَن أَبِيه قَالَ قَالَ الْوَلِيد لَوْلَا أَن الله ذكر آل لوط فِي الْقُرْآن مَا ظَنَنْت أَن أحدَاً يفعل هَذَا وَعَن يزِيد بن الْمُهلب قَالَ لما ولاني سُلَيْمَان بن عبد الْملك خرسان روعني عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ لي يَا يزِيد اتَّقِ الله فَإِنِّي حِين وضعت الْوَلِيد فِي قَبره إِذا هُوَ يرْكض فِي أَكْفَانه يَعْنِي يضْرب الأرضْ برجليه دخل جرير على الْوَلِيد بن عبد الْملك وَعِنْده عدي بن الرّقاع العاملي فَقَالَ الْوَلِيد لجرير أتعرف هَذَا قَالَ لَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قل هَذَا عدي بن الرّقاع فَقَالَ جرير شَرّ الثِّيَاب الرقاِع فممنْ هُوَ قَالَ من عاملة قَالَ جرير الَّذين يَقُول الله تَعَالَى فيهم {عاملة ناضبة تَصلى نَاراً حَاميَةَ} الغاشية 3، 4 ثمَّ قَالَ // (من الطَّوِيل) //
(يُقَصَّرُ باعُ العامِلِي عَن العُلا
…
ولكنَّ أَيْرَ العامِلِيِّ طويلُ)
فَقَالَ لَهُ عدي // (من الطَّوِيل) //
(أأمُّكَ كَانَتْ خَبِّرَتْكَ بِطُولِهِ
…
أَمَ انْتَ امْرُؤٌ لَمْ تَدْرِ كَيْفَ تَقُولُ)