المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَقل لَا بل أَنا امْرُؤ لم أدر كَيفَ أَقُول فَوَثَبَ - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي - جـ ٣

[العصامي]

فهرس الكتاب

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(مناظرة ابْن عَبَّاس للخوارج)

- ‌(التقاء الْحكمَيْنِ بدومة الجندل)

- ‌(الْآيَات فِي شَأْن عَليّ كرم الله وَجهه)

- ‌(الْأَحَادِيث فِي شَأْن أبي الحسنين كرم الله تَعَالَى وَجهه)

- ‌(ذكر أقضيته رضي الله عنه

- ‌(ذكر شَيْء مِمَّا أثر من حكمه وكلماته وأشعاره)

- ‌(خلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما

- ‌(مَنَاقِب الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(صفته رضي الله عنه

- ‌(لمقصد الرَّابِع وَفِيه سَبْعَة أَبْوَاب الْبَاب الأول فِي الدولة الأموية)

- ‌(خلَافَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(عهد مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد بالخلافة)

- ‌(وَفَاة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان)

- ‌(صفة مُعَاوِيَة)

- ‌(ذكر مناقبه)

- ‌(بيعَة يزِيد بن مُعَاوِيَة)

- ‌(توجه الْحُسَيْن بن عَليّ إِلَى الْكُوفَة واستشهاده بكربلاء)

- ‌(مَنَاقِب الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

- ‌(ولَايَة الْوَلِيد بن عتبَة على الْحجاز وعزل عَمْرو بن سعيد)

- ‌(خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد ووقعة الْحرَّة وحصار مَكَّة)

- ‌(وَفَاة يزِيد وبيعة مُعَاوِيَة ابْنه وَملكه)

- ‌(إِظْهَار ابْن الزبير لِلْبيعَةِ)

- ‌(انْتِقَاض أَمر ابْن زِيَاد ورجوعه إِلَى الشَّام)

- ‌(بيعَة مَرْوَان ووقعة مرج راهط)

- ‌(مُفَارقَة الْخَوَارِج لِابْنِ الزبير)

- ‌(خُرُوج سُلَيْمَان بن صُرَدَ فِي التوابين من الشِّيعَة)

- ‌(خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان بعد وَفَاة أَبِيه مَرْوَان)

- ‌(وثوب الْمُخْتَار بِالْكُوفَةِ وأخباره)

- ‌(مسير ابْن زِيَاد إِلَى الْمُخْتَار وَخلاف أهل الْكُوفَة عَلَيْهِ وغلبه إيَّاهُم)

- ‌(شَأْن الْمُخْتَار مَعَ ابْن الزبير)

- ‌(مقتل ابْن زِيَاد)

- ‌(مسيرَة مُصعب إِلى الْمُخْتَار وَقَتله إِيَّاه)

- ‌(خلاف عَمْرو بن سعد الْأَشْدَق ومقتله)

- ‌(مسير عبد الْملك إِلَى الْعرَاق ومقتل مُصعب)

- ‌(أَمر زفر بن الْحَارِث بقرقيسيا)

- ‌(مقتل عبد الله بن الزبير)

- ‌(ولَايَة الْمُهلب حَرْب الْأزَارِقَة)

- ‌(ولَايَة الْحجَّاج على الْعرَاق)

- ‌(وثوب أهل الْبَصْرَة عل الْحجَّاج)

- ‌(مقتل ابْن مخنف وَحرب الْخَوَارِج)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن عبد الْملك)

- ‌(عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على يَد عَامله على الْمَدِينَة عمر بن عبد الْعَزِيز)

- ‌(وَفَاة الْحجَّاج)

- ‌(خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه وأرضاه)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)

- ‌(خلَافَة الْوَلِيد بن يزِيد)

- ‌(خلَافَة يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن عبد الْملك بن مَرْوَان)

- ‌(خلَافَة مَرْوَان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان بن الحكم)

- ‌(قيام أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي بالدعوة لبني الْعَبَّاس بخراسان)

- ‌(الْبَاب الثَّانِي)

- ‌(فِي الدولة العباسية)

- ‌(ذكر الشِّيعَة ومبادئ دولهم وَكَيف انساقت إِلَى العباسية من بعدهمْ إِلَى آخر دولهم)

- ‌(قصَّة الشورى)

- ‌(خلَافَة أبي الْعَبَّاس عبد الله بن مُحَمَّد السفاح)

- ‌(خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور)

- ‌(الْعَهْد للمهدي وخلع عِيسَى بن مُوسَى)

- ‌(خلَافَة الْمهْدي)

- ‌(خلَافَة الْهَادِي)

- ‌(خلَافَة هَارُون الرشيد)

- ‌(خلَافَة مُحَمَّد الْأمين)

- ‌(خلَافَة الْمَأْمُون)

- ‌(خلَافَة المعتصم)

- ‌(خلَافَة الواثق بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة الْمُنْتَصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعين بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المعتز بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُهْتَدي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْمُعْتَمد على الله

- ‌(خلَافَة المعتضد)

- ‌(خلَافَة المكتفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المقتدر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة عبد الله بن المعتز بن المتَوَكل)

- ‌(خلَافَة القاهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراضي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المتقي لله)

- ‌(خلَافَة المستكفي بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطيع بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الطائع لله)

- ‌(خلَافَة الْقَادِر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الْقَائِم بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة المستظهر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المسترشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة الراشد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة أبي عبد الله المقتفي)

- ‌(خلَافَة المستنجد بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستضييء بِنور الله)

- ‌(خلَافَة النَّاصِر لدين الله)

- ‌(خلَافَة الظَّاهِر بِأَمْر الله)

- ‌(خلَافَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه)

- ‌(خلَافَة المستعصم بِاللَّه)

- ‌(شرح حَال التتار)

- ‌(الْبَاب الثَّالِث)

- ‌(فِي الدولة العبيدية المسمين بالفاطميين بالمغرب ثمَّ بِمصْر)

- ‌(نسب العبيديين بإفريقية)

الفصل: فَقل لَا بل أَنا امْرُؤ لم أدر كَيفَ أَقُول فَوَثَبَ

فَقل لَا بل أَنا امْرُؤ لم أدر كَيفَ أَقُول فَوَثَبَ عدي إِلَى رجل الْوَلِيد يقبلهَا وَيَقُول أجرني مِنْهُ فَقَالَ الْوَلِيد لجرير لَئِن ذكرته فِي شعرك لأسرجنك وألجمنك حَتَّى يركبك فتعيرك بذلك الشُّعَرَاء قَالَ الْمَدَائِنِي آتى الْوَلِيد بن عبد الْملك بِرَجُل من بني عبس قد ذهبت عينه فَسَأَلَهُ عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا كَانَ فِي بني عبس أَكثر مني مَالا وَولدا فآتى السَّيْل فاجترف مَالِي وَوَلَدي وَبَقِي لي ولد صَغِير وبعير فَحملت الصَّبِي وند الْبَعِير فَوضعت الصَّبِي وتبعته فنخفى بِرجلِهِ ففقأ عَيْني فَرَجَعت إِلَى ابْني فَإِذا الذِّئْب يلغ من دَمه فَقَالَ الْوَلِيد اذهبو بِهِ إِلَى عُرْوَة بن الزبير ليعلم أَن فِي الدُّنْيَا من هُوَ أعظم مُصِيبَة مِنْهُ انْتهى قلت ومصيبة عُرْوَة بن الزبير فِي رجله وَولده شهيرة

(وَفَاة الْحجَّاج)

هُوَ الْحجَّاج بن يُوسُف بن الحكم بن أبي عقيل بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ أَمِير الْعرَاق أَبُو مُحَمَّد ولد سنة أَرْبَعِينَ أَو إِحْدَى وَأَرْبَعين وَكَانَ فصيحا بليغا مفوها فَاسِقًا ظلوما غشوما سافكا للدماء روى أَنه لم يرضع الثدي حَتَّى قَالَ بعض الْكُهَّان اذبحوا لَهُ ثَلَاث جدي وألعقوه بعض دَمهَا وغسلوه بِالدَّمِ فَفَعَلُوا فَلذَلِك أَتَى يحب سفك الدِّمَاء وَولد بِغَيْر مخرج فَغُورَ لَهُ مخرج بالحديد قَالَ أَبُو عَمْرو مَا رَأَيْت أحدا أفْصح من الْحجَّاج وَالْحسن بن عَليّ وَالْحسن أفْصحهما وَسَتَأْتِي عدَّة مَا قلته صبرا وَمن كَانَ فِي سجنه وَقيل فِي سَبَب ولَايَة الْحجَّاج مَا ذكر بعض المؤرخين أَن الْحجَّاج لم يزل فِي كنف أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ رجلا نبيلا جليلَ الْقدر إِلَى أَن اتَّصل بِروح بن زنباع من أُمَرَاء عبد الْملك ثمَّ بِهِ وَلم يزل يترقى إِلَى أَن ولي الْعرَاق والمشرق وطار ذكره وَعظم سُلْطَانه وَأول مَا علم من شهامته وجوره أَن أَبَاهُ خرج من مصر يُرِيد عبد الْملك وَمَعَهُ

ص: 293

ابْنه الْحجَّاج فَأقبل سليم بن عَمْرو القَاضِي وَكَانَ من أروع النَّاس وأتقاهم فَقَامَ إِلَيْهِ أَبوهُ يُوسُف فَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَلَك حَاجَة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ نعم أَن تسأله يعزلني عَن الْقَضَاء فَقَالَ يُوسُف لَوَدِدْت أَن قُضَاة الْمُسلمين كلهم مثلك فَكيف أسأله ذَلِك ثمَّ انْصَرف فَقَالَ الْحجَّاج لِأَبِيهِ من هَذَا الَّذِي قُمْت إِلَيْهِ فَقَالَ هَذَا سليم بن عَمْرو قَاضِي مصر وقاصهم فَقَالَ يغْفر الله لَك يَا أَبَت أَنْت ابْن عقيل تقوم " لى رجل فِي كِنْدَة فَقَالَ وَالله إِنِّي لأرَى النَّاس مَا يرحمون إِلَّا بِهَذَا وأشباهه فَقَالَ وَالله مَا يفْسد على أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَّا هَذِه وأشباهه يَقْعُدُونَ وتقعد أليهم أَحْدَاث فَيذكرُونَ سيرة أبي بكر وَعمر فَيخْرجُونَ على أَمِير الْمُؤمنِينَ فوَاللَّه لَو أضيف إلَي هَذَا الْأَمر لسألت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يَجْعَل لي السَّبِيل فأقتل هَذَا وأشباهه فَقَالَ لَهُ اتَّقِ الله يَا بني وَالله إِنِّي لأَظُن أَن الله خلقك شقيُّاً وَأول مَا أعجب بِهِ عبد الْملك مِنْهُ أَنه كَانَ قد اتَّصل بِروح بن زنباع وَصَارَ من جملَة شرطته وَكَانَ روح بن زنباع بِمَنْزِلَة نَائِب عبد الْملك توجه إِلَى الجزيرة لقِتَال زفر بن الْحَارِث عِنْدَمَا عصى عَلَيْهِ بقرقيسيا فَأمر رواح بن زنباع جمَاعَة من أَصْحَاب شرطته يحثون الْمُتَأَخِّرين عَن الْعَسْكَر فِي كل منزل وَكَانَ الْحجَّاج من جُمْلَتهمْ فَمر يَوْمًا بعد رحيل الْعَسْكَر بِجَمَاعَة من خواصِّ روح فِي خيمة يَأْكُلُون فَأَمرهمْ بالرحيل فسخروا مِنْهُ أَولا لمحلهم وثانية لمحل سيدهم وَقَالُوا لَهُ انْزِلْ كُلْ واسكُتْ فَضرب بِسَيْفِهِ أطناب الْخَيْمَة فَسَقَطت عَلَيْهِم وَأطلق فِيهَا نَارا فأحرقت أثاثهم فقبضوا عَلَيْهِ وأتو بِهِ روح بن زنباع وَسمع عبد الْملك الْخَبَر وَطَلَبه وَقَالَ من فعل هَذَا بغلمان روح فَقَالَ أَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أمرتنا بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا وليتنا فَفَعَلْنَا مَا أمرت بِهَذِهِ الفعلة يرتدعُ من بَقِي من الْعَسْكَر وَمَا على أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يعوضهم مَا احْتَرَقَ وَقد قَامَت الْحُرْمَة وَتمّ المُرَاد فأعجب عبد الْملك ذَلِك وَقَالَ إِن شرطيكم لجلد ثمَّ أقره على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلما طَال الْحصار والقتال بَينه وَبَين زفر بن الْحَارِث أرسل عبد الْملك رَجَاء بن حَيْوَة وَجَمَاعَة مِنْهُم الْحجَّاج إِلَى زفر يَدعُوهُ إِلَى الصُّلْح فَأتوا بِالْكتاب وَقد حضرت الصَّلَاة فَقَامَ رَجَاء فصلى مَعَ زفر وصَلى الْحجَّاج وَحده فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ لَا أُصَلِّي مَعَ مُنَافِق خَارج عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ وبارز عَن طَاعَته فَسمع ذَلِك

ص: 294

عبد الْملك فزاده عجبا بالحجاج وَرفع قدره وولاه تبادله وَهِي أول مَا وَلِي فَخرج إِلَيْهَا فَلَمَّا قرب سَأَلَ عَنْهَا فَقيل لَهُ إِنَّهَا وَرَاء هَذِه الأكمة فَقَالَ أُفٍّ لبلد تسترها الأكمة وَرجع فَقيل فِي الْمثل أَهْون على الْحجَّاج من تبَالَة ثمَّ وصل إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ وَزعم بعض الروَاة أَن أول أَمر الْحجَّاج أَنه كَانَ معلما للصبيان وَكَانَ يُسمى كليباً وَفِيه يَقُول الشَّاعِر // (من المتقارب) //

(أَيَنْسَى كُلَيْبٌ زَمَانَ الهُزَالِ

وتَعْلِيمَهُ سُورَةَ الكَوْثَرِ)

(رَغِيفٌ لَهُ فَلَكٌ مَا يُرَى

وَآخرُ كَالقَمَرِ الأَزْهَرِ)

يُشِير إِلَى النَّاس أَن خبز المعلمين يخْتَلف فِي الصفر وَالْكبر بِحَسب اخْتِلَاف بيُوت الصّبيان ثمَّ صَار دباغَاً ويستدل على ذَلِك بحكايته مَعَ كَعْب الأشقري وَذَلِكَ أَن الْمُهلب بن أبي صفرَة لما أَطَالَ قتال الْأزَارِقَة وَكَانَ الْحجَّاج أرْسلهُ لذَلِك كتب إِلَيْهِ يستبطئه فِي تَأْخِير مناجزتهم فَقَالَ الْمُهلب لرَسُوله قل لَهُ إِن الشَّاهِد يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِب فَقَالَ كَعْب الْأَشْقَر وَكَانَ من جند الْمُهلب // (من الْكَامِل) //

(إنَّ ابْنَ يوسُفَ غَرَّهُ مِنَ غَزْوِكُم

خَفْضُ المقامِ بجَانبِ الأمْصَارِ)

(لَو عَايَنَ الصَّفيَّن حِين تَلَاقَيَا

ضَاقَتْ عَلَيْهِ برُحْبِهَا الأَقْطَارُ)

(وَرَأى معاوَدَةَ الدّباغ غنيمَةً

أيامَ كَانَ مُحَالِفَ الإِقْتَارِ)

فبلغت أبياته الْحجَّاج فَكتب إِلَى الْمُهلب بإشخاصه فأشخصه الْمُهلب إِلَى عبد الْملك وَكتب إِلَيْهِ يستوهبه مِنْهُ فَقدم كَعْب برسالة الْمُهلب إِلَى عبد الْملك فاستنشده فأعجبه مَا سمع وَكتب إِلَى الْحجَّاج يقسم عَلَيْهِ أَن يعْفُو عَن كَعْب فَلَمَّا دخل كَعْب على الْحجَّاج قَالَ إيه يَا كَعْب وَرَأى معاودة الدّباغ غنيمَة فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير لَوَدِدْت فِي بعض مَا شاهدته فِي تِلْكَ الحروب وَمَا يردهُ الْمُهلب من خطرها أَن أنجُوَ مِنْهَا وأكون حجاماً أَو حائكاً فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج أولى لَك لَوْلَا قسم أَمِير الْمُؤمنِينَ لما نفعك مَا أسمع فالحَق بصاحبك وروى ابْن الْكلابِي عَن عوَانَة بن الحكم قَالَ سمع الْحجَّاج تكبيرَاً فِي السُّوق وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلَمَّا انصرَفَ صعد الْمِنْبَر فَقَالَ يَا أهل الْعرَاق يَا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الْأَخْلَاق قد سَمِعت تَكْبِيرا لَيْسَ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يُرَاد بِهِ الله فِي

ص: 295

التَّرْغِيب وَلكنه الَّذِي يُرَاد بِهِ التَّرْهِيب إِنَّهَا عجاجة تحتهَا قَصف أَي بني اللكيعة وَعبيد الْعَصَا وَأَوْلَاده الْإِمَاء أَلَا يربأ الرجل مِنْكُم على ظلعه وَيحسن حمل رَأسه وحقن دَمه فيبصر مَوضِع قدمه وَالله مَا أرى الْأُمُور تنْتَقل بِي وبكم حَتَّى أوقع بكم وقْعَة تكون نكالا لما قبلهَا وتأديبا لما بَعْدَمَا وَقَالَ سيار أَبُو الحكم سمعتُ الْحجَّاج على الْمِنْبَر يَقُول أَيهَا الرجل وكلُكم ذَلِك الرجل رجل خطم نَفسه فزمها فقادها بخطامها إِلَى الطَّاعَة الله تَعَالَى وعنجها بزمامها عَن معاصي الله قَالَ مَالك بن دِينَار سَمِعت الْحجَّاج يخط فَيَقُول امْرُؤ زود نَفسه قبل أَن يكون الْحساب إِلَى غَيره امْرُؤ نظر إِلَى مِيزَانه امْرُؤ عقل عَن الله أمره امْرُؤ أَفَاق واستفاق وَأبْغض الْمعاصِي والنفاق وَكَانَ إِلَى مَا عِنْد الله بالأشواق فَمَا زَالَ يَقُول ذَلِك حَتَّى أبكاني وروى أَنه خطب فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ لَهُ مَا أصفق وَجهك وَأَقل حياءك تفعل مَا تفعل ثمَّ تَقول هَذَا فَأَخَذُوهُ فَلَمَّا نزل دَعَا بِهِ فَقَالَ لَهُ لقد أجترأت فَقَالَ يَا الْحجَّاج أَنْت تجتريء على الله فَلَا تنكره فِي نَفسك وأجترئ أَنا عَلَيْك فتنكره عَليّ فخلى سَبيله وَقَالَ شريك عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ الْحجَّاج يومَاً من كَانَ لَهُ بلَاء فَليقمْ فلنعطه على بلائه فَقَامَ رجل فَقَالَ أَعْطِنِي على بلائي قَالَ وَمَا بلائك قَالَ قتلت الْحُسَيْن قَالَ وَكَيف قتلته قَالَ دسرته بِالرُّمْحِ دسرا وهبرته البسيف هبرَاً وَمَا أشركت معي فِي قَتله أحدا قَالَ أما إِنَّك وإياه لن تجتمعا فِي مَوضِع وَاحِد وَقَالَ لَهُ اخْرُج وروى صَالح بن مُوسَى الطلحي عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة أَنهم ذكرُوا الْحُسَيْن

ص: 296

رَضِي الله عَنهُ عِنْد الْحجَّاج فَقَالَ لم يكن من ذُرِّيَّة النَّبِي

فَقَالَ لَهُ يحيى بن يعمر كذبت أَيهَا الْأَمِير فَقَالَ لَهُ الْحجَّاج لتَأْتِيني على مَا قلت بِبَيِّنَة من كتاب الله تَعَالَى أَو لأَقْتُلَنك فَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى {وَمِن ذُرِيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيماَنَ وَأَيوُبَ وَيوُسُفَ وَمُوسَى وهاَرُونَ وكذَلِكَ نَجزي اَلمُحسِنِينَ وَزكرِيَا وَيحيىَ وَعِيسَى} الْأَنْعَام 84 85 ثمَّ قَالَ أخبرنَا الله أَن عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم أمه فَقَالَ الْحجَّاج صدقت فَمَا حملك على تكذيبي فِي مجلسي قَالَ أَخذ الله على الْأَنْبِيَاء ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه قَالَ فنفاه الْحجَّاج إِلَى خُرَاسَان قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش سَمِعت الْحجَّاج وَذكر هَذِه الْآيَة {فَاتقوُا اللَّهَ مَا ستطعتم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا} التغابن 16 قَالَ هَذِه لعبد الله أَمِين الله وخليفته لَيْسَ فِيهَا مثنوية وَالله لَو أمرتُ رجلا أَن يخرج من بَاب هَذَا الْمَسْجِد فَأَخذه من غَيره لحل لي دَمه وَمَاله وَالله لَو أخذت ربيعَة بمضر لَكَانَ لي حَلَالا يَا عجبا من عبد هُذَيْل يزْعم أَنه يقْرَأ قُرْآنًا من عِنْد الله وَمَا هُوَ إِلَّا رجز من رجز الْأَعْرَاب وَالله لَو أدْركْت عبد هُذَيْل لضَرَبْت عُنُقه رَوَاهَا وَاصل بن عبد الْأَعْلَى شيخ مُسلم عَن أبي بكر فَقَالَ قَاتل الله الْحجَّاج مَا أجرأه على الله كَيفَ يَقُول هَذَا فِي العَبْد الصَّالح الصَّحَابِيّ الْجَلِيل عبد الله بن مَسْعُود قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش ذكرت قَوْله هَذَا للأعمش فَقَالَ قد سمعته مِنْهُ وَرَوَاهَا مُحَمَّد بن يزِيد عَن أبي بكر فَزَاد قَوْله وَلَا أجد أحدا يقْرَأ على قِرَاءَته إِلَّا ضربت عُنُقه ولأحنكها من الْمُصحف وَلَو بضلع خِنْزِير قَالَ حَمْزَة بن شَوْذَب رُبمَا دخل الْحجَّاج على دَابَّته حَتَّى يقف على حَلقَة الْحسن الْبَصْرِيّ فيستمع إِلَى كَلَامه فَإِذا أَرَادَ الِانْصِرَاف يَقُول يَا حسن لَا تمل النَّاس فَيَقُول لَهُ الْحسن أصلح الله الْأَمِير إِنَّه لم يبْق إِلَّا من لَا جاجة لَهُ قَالَ الْأَصْمَعِي قَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان للحجاج إِنَّه لَيْسَ أحد إِلَّا وَهُوَ يعرف عَيبه فَعِب نَفسك فَقَالَ الْحجَّاج أعفني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَأبى عَلَيْهِ فَقَالَ أَنا

ص: 297

لجوج حقود حسودٌ فَقَالَ عبد الْملك مَا فِي الشَّيْطَان أقبحُ مِمَّا ذكرت وَقَالَ يزِيد بن هَارُون أَنبأَنَا الْعَوام بن حَوْشَب حَدثنَا حبيب بن أبي ثَابت قَالَ قَالَ عَليّ كرم الله وَجهه لرجل لَا مت حَتَّى تدْرك فَتى ثَقِيف قيل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا فَتى ثَقِيف قَالَ ليقالن لَهُ يَوْم الْقِيَامَة اكْفِنَا زَاوِيَة من زَوَايَا جَهنمَ رجل يملك عشْرين سنة لَا يدع مَعْصِيّة لله إِلَّا ارتكبها وَقَالَ جَعْفَر بن سُلَيْمَان حَدثنَا مَالك بن دِينَار عَن الْحسن أَن عليا كَانَ على الْمِنْبَر فِي الْعرَاق فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي ائتمنتهم فأخذوني ونصحتهم فغشوني اللَّهُمَّ فَسلط عَلَيْهِم غُلَام ثَقِيف يحكم فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ بِحكم الْجَاهِلِيَّة وَقد كوشف الإِمَام عَليّ كرم الله وَجهه بِمَا سيقع من الْحجَّاج فَقَالَ مَا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ قَالَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل حَدثنِي جليس هِشَام بن أبي عبد الله قَالَ قَالَ عَمْرو بن عبد الْعَزِيز لعنبسة بن سعيد أخبرنى بِبَعْض مَا رَأَيْت من عجائب الْحجَّاج قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْده لَيْلَة فَأتى بِرَجُل وَكَانَ قد نهى عَن الْمَشْي بِاللَّيْلِ بعد الْعشَاء الأخبره فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة وَقد قلت لَا أجد فِيهَا أحدا إِلَّا فعلت بِهِ قَالَ أما وَالله لَا أكذب الْأَمِير أُغمي على أُمِّي مُنْذُ ثَلَاث وَكنت عِنْدهَا فَلَمَّا أفاقت السَّاعَة قَالَت يَا بني أعزم عَلَيْك إِلَّا رجعت إِلَى أهلك فَإِنَّهُم مغمومون بتخلفك عَنْهُم فَخرجت فأخذني الطَّائِف فَقَالَ الْحجَّاج ننهاكم وتعصوننا يَا غُلَام اضْرِب عُنُقه ثمَّ أَتَى بِرَجُل آخر فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ وَالله لَا أكذبك لزمني غَرِيم لما كَانَت السَّاعَة أغلق الْبَاب وَتَرَكَنِي على بَابه فجائني الطَّائِف فأخذني فَقَالَ اضربوا عُنُقه ثمَّ أَتَى بآخر فَقَالَ مَا أخرجك هَذِه السَّاعَة قَالَ كنت مَعَ شَرب أشْرب فعربدوا فَخفت على نَفسِي فخرجْتُ ففكَر الْحجَّاج سَاعَة ثمَّ قَالَ رجل أحب المسالمة يَا عَنْبَسَة مَا أرَاهُ إِلَّا صَادِقا فأخلوا سَبيله فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز لعنبسة فَمَا قلت للحجاج شَيْء فِي ذَلِك قَالَ عَنْبَسَة لَا فَقَالَ عمر لآذنه لَا تَأذن لعنبسة إِلَّا أَن يكون فِي حَاجَة

ص: 298

وَقَالَ بسطَام بن مُسلم عَن قَتَادَة قَالَ قيل لسَعِيد بن حبير خرجت على الْحجَّاج قَالَ إِنِّي وَالله مَا خرجت عَلَيْهِ حَتَّى كفر قَالَ هِشَام بن حسان أحصوا مَا قتل الْحجَّاج صبرا فَبلغ مائَة وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألفا وَقَالَ عبَادَة بن كثير أطلق سُلَيْمَان عبد الْملك فِي عذاة وَاحِدَة أحدا وَثَمَانِينَ ألف أَسِير وَعرضت السجون بعد موت الْحجَّاج فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ ألفا مِنْهَا ثَلَاثُونَ ألفا من النِّسَاء لم يجب على أحد مِنْهُم قطع وَلَا صلب وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز لَو تخابثت الْأُمَم وَجِئْنَا بالحجاج لغلبناهم مَا كَانَ يصلح لدُنْيَا وَلَا لآخرة قَالَ الْعَبَّاس الْأَزْرَق عَن السّري بن يحيى قَالَ مَر الحَجاج فِي يَوْم جُمُعَة فَسمع استغاثة فَقَالَ مَا هَذَا قيل أهل السجون يَقُولُونَ قتلنَا الْحر فَقَالَ قُولُوا لَهُم {قَالَ اَخسئوُا فِيهَا وَلا تُكلِمُونِ} الْمُؤْمِنُونَ 108 قَالَ فَمَا عَاشَ بعد ذَلِك إِلَّا أقل من جُمُعَة وَبنى واسطاً فِي سنتَيْن قَالَه الْأَصْمَعِي وَشرع فِيهَا سنة سِتّ وَثَمَانِينَ قَالَ فِي المحاسن وَهُوَ أول من ابتنى مَدِينَة فِي الْإِسْلَام وَهِي وَاسِط وَأول من قعد على سَرِير فِي الْحَرْب وَأول من اتخذ بالمحامل فَقَالَ فِيهِ حميد الأرقط // (من الرجز) //

(أَخْزَى الإِلَهُ عَاجِلاً وآجِلَا

)

(أَوَّل عَبْدٍ عَمِلَ المَحَامِلَا

)

(عبْدَ ثقيفٍ ذَاكَ أَزلاً آزِلَا

)

قَالَ مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا الصَّلْت بن دِينَار قَالَ مرض الْحجَّاج فأرحف بِهِ أهل الْكُوفَة فَلَمَّا عوفي صعد الْمِنْبَر وَهُوَ ينثني على أعواده فَقَالَ يَا أهل الشقاق والنفاق والمراق نفخ الشَّيْطَان فِي مناخركم فقلتم ماتَ الْحجَّاج فَمه وَالله مَا أَرْجُو الْخَيْر إِلَّا بعد المَوت وَمَا رَضِي الله الخلود لأحد من خلقه إِلَّا لأهونهم عَلَيْهِ إِبْلِيس وَقد قَالَ العَبْد الصَّالح سُلَيْمَان (رَب اَغفِر لِي وَهَبْ لِي مُلكاً لَا

ص: 299

يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} ص 35 فَكَانَ ذَلِك ثمَّ اضمحل فَكَأَن لم يكن يأيها الرجل وكلكم ذَلِك الرجل كَأَنِّي بِكُل حَيّ ميت وَبِكُل رطب يَابِس وكل امْرِئ فِي ثِيَاب طهُور إِلَى بَيت حفرته فحد لَهُ فِي الأَرْض خَمْسَة أَذْرع طولَا فِي ذراعين عرضا فَأكلت الدُّود لَحْمه ومصت من صديده وَدَمه قَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يبغضُ الْحجَّاج فَنَفْس عَلَيْهِ بِكَلِمَة قَالَهَا عِنْد الْمَوْت اللَّهُمَّ اغْفِر لي فَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تفعل وَقَالَ الْأَصْمَعِي أَنشَدَ الْحجَّاج لما احْتضرَ من // (الْبَسِيط) //

(يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْداءُ وَاجْتَهَدُوا

بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكنِي النارِ)

(أيحلفُونَ علَى عمياءَ وَيْحَهُمُ

مَا عِلْمُهُمْ بعظيمِ العَفْوِ غَفَّارِ)

فَأخْبر الْحسن بذلك فَقَالَ إِن نجا فبهما وروى أَن الْحسن حِين أخبر بِمَوْت الْحجَّاج سجد شكرا لله وَقَالَ ابْن سِيرِين إِنِّي لأرجو للحجاج مَا أَرْجُو لأهل لَا إِلَه إِلَّا الله فَبلغ قَوْله الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ فَقَالَ أما وَالله ليخلقن الله رَجَاءَهُ فِيهِ قَالَ ابْن شَوْذَب عَن أَشْعَث الْحدانِي قَالَ رَأَيْت الْحجَّاج فِي مَنَامِي بِحَال سَيِّئَة فَقلت لَهُ مَا صنع الله بك قَالَ مَا قتلت أحدا قتلة إِلَّا قتلني بهَا قتلة مَا عدا سعيد بن جُبَير فَإِنِّي قتلت بِهِ سبعين قتلة قلت ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ أَمر بِي إِلَى النَّار قلت ثمَّ مَه قَالَ ثمَّ أَرْجُو مَا يَرْجُو أهل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ ابْن خلكان مَاتَ بواسط وعَفي قَبره وأجرى عَلَيْهِ المَاء قَالَ الْعَلامَة الذَّهَبِيّ وَعِنْدِي مُجَلد فِي أَخْبَار الْحجَّاج فِيهِ عجائب لَكِن لَا أعرفُ صِحَّتهَا توفّي سنة خمس وَتِسْعين قبل موت الْوَلِيد بِسنة وَلما حضْرته الْوَفَاة اسْتخْلف

ص: 300

على الصَّلَاة ابْنه عبد الله وعَلى عرب الْكُوفَة وَالْبَصْرَة يزِيد بن أبي كَبْشَة وعَلى خراجهما يزِيد بن أبي مُسلم وَكتب إِلَى قُتَيْبَة بن مُسلم الْبَاهِلِيّ وَكَانَ قد ولاه على خُرَاسَان قد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ بلاءك وجِدك وجهادك أَعدَاء الْمُسلمين وأمير الْمُؤمنِينَ رافعك وصانع بك الَّذِي تحب فأتمَّ مغازيك وانتظر ثَوَاب رَبك وَلَا تغيب عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ كتبك حَتَّى كَأَنِّي أنظر إِلَى بلادك والثغر الَّذِي أَنْت فِيهِ قيل أُصِيب الْحجَّاج بمصيبة وَعِنْده رَسُول عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ الْحجَّاج لَيْت أَنِّي قد وجدت إنْسَانا يُخَفف عني مَا أَنا فِيهِ فَقَالَ لَهُ الرجل الرَّسُول أَقُول أَيهَا الْأَمِير قَالَ لَهُ قل فَقَالَ كل إِنْسَان يُفَارِقهُ صَاحبه بِمَوْت أَو بصلب أَو يَقع من فَوق الْبَيْت أَو يَقع عَلَيْهِ الْبَيْت أَو يغشى عَلَيْهِ أَو يكون شَيْء لَا نعرفه فَضَحِك الْحجَّاج وَقَالَ مصيبتي فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ أعظم حَيْثُ وَجه مثلك رَسُولا وَكَانَ الْحجَّاج مهيباً جدا لجرأته وإقدامه على سفك الدِّمَاء واشتداد عضده بِمن أَقَامَهُ أَمِيرا فَكَانَ يهابه عماله والخاصة والعامة فَمن ذَلِك مَا ذكره فِي المروج كتب عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَيْهِ أَنْت عِنْدِي كسالم وَالسَّلَام فَلم يفهم الْحجَّاج مُرَاد عبد الْملك بذلك فَكتب إِلَيْهِ قُتَيْبَة بن مُسلم عَامله على خُرَاسَان وَبعث كتاب عبد الْملك مَعَ الرَّسُول إِلَيْهِ فَلَمَّا ورد الرَّسُول عَلَيْهِ نَاوَلَهُ الْكتاب فَفَزعَ واضطرب قُتَيْبَة فضرط فَخَجِلَ واستحيا فَقَرَأَ الْكتاب ثمَّ أَرَادَ أَن يَقُول للرسول اقعد فَقَالَ اضرط فَقَالَ الرَّسُول قد فعلت فاستحيا قُتَيْبَة حَيَاء أكثَرَ وَقَالَ لَهُ مَا أردْت أَقُول لَك إِلَّا اقعد فغلطت فَقَالَ الرَّسُول قد غَلطت أَنا وَأَنت قَالَ قُتَيْبَة وَلَا سَوَاء أغلط من فمي وتغلط من استك ثمَّ قَالَ قُتَيْبَة أعلم الْأَمِير أَن سالما كَانَ عبدا لرجل وَكَانَ عِنْده أثيراً عَزِيزًا وَكَانَ يسْعَى بِهِ إِلَيْهِ كثيرا فَقَالَ من // (الطَّوِيل) //

(يُدِيرُونَنِي عَنْ سَالِم وأُدِيرُهُمْ

وَجِلْدَةُ بَين العينِ والأنْفِ سَالِمُ)

فَلَمَّا آتى الْحجَّاج بالرسالة سُرَ بذلك وَكتب لَهُ بِهِ عهدَاً على خُرَاسَان بالتأييد قلت وَرَأَيْت فِي تَارِيخ الصَّفَدِي مَا نَصه قَالَ نَافِع مولى ابْن عمر كَانَ ابْن عمر

ص: 301

يلقى سالما ابْنه فيقبله وَيَقُول سيخ يقبل شَيخا وَقَالَ خَالِد بن أبي بكر بَلغنِي أَن عبد الله بن عمر كَانَ يلام فِي حب ابْنه سَالم فَيَقُول من // (الطَّوِيل) //

(يلُومُونَنِي فِي سَالِم وَأَلُومُهُمْ

وَجِلْدَةُ بَين العَينِ والأنفِ سَالِمُ)

وَرَوَاهُ بَعضهم يديرونني وأديرهم قَالَ الصَّفَدِي اشْتهر هَذَا الْبَيْت كثيرا وروسل بِهِ وَكتب بِهِ عبد الْملك إِلَى الْحجَّاج انْتهى قلت تَفْسِير قُتَيْبَة ذَلِك بِأَن سالمَاً كَانَ عبدا رجل وَكَانَ عِنْده إِلَى آخِره لَا يُوَافق مَا ذكره الصَّفَدِي أَن الْبَيْت لعبد الله بن عمر فِي ابْنه سَالم بن عبد الله بن عمر وَالأَصَح التَّفْسِير الثَّانِي لرِوَايَة نَافِع لَهُ عَن عبد الله بن عمر إِلَّا أَن يكون عبد الله متمثلا بِهِ لَا ناظمه فَيمكن مَا قَالَه قُتَيْبَة وصَحَّف الْجَوْهَرِي بل حرَف فِي صحاحِه فَقَالَ يُقَال للجلدة الَّتِي بَين الْعين وَالْأنف سَالم وَأورد الْبَيْت قَالَ الصَّفَدِي وَأَنا شَدِيد التَّعَجُّب من صَاحب الصِّحَاح كَونه مَا فهم الْمَعْنى من الْبَيْت وَأَن الْكَلَام جارٍ على التَّشْبِيه وَأَن سالما عِنْد أَبِيه بِمَنْزِلَة هَذِه الْجلْدَة من الْمَكَان الْمَذْكُور لعزته قَالَ الْخَطِيب التبريزي تبع الْجَوْهَرِي خَاله إِبْرَاهِيم الفارابي صَاحب ديوَان الْأَدَب فِي غلط هَذَا الْموضع انْتهى وَلم يُغير الْوَلِيد بعد موت الْحجَّاج أحدا من عماله بل أبقاهم حَتَّى كَانَ سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك فعزلهم جَمِيعًا وَاسْتعْمل غَيرهم قَالَ ابْن حمدون فِي تَذكرته ذكر أَن وضاح الْيمن كَانَ من أحسن النَّاس شكلا وأجملهم وجهَاً وَكَانَ يتبرقع فِي المواسم من الْعين فحجت أم الْبَنِينَ زَوْجَة الواليد ابْن عبد الْملك فرأت هَذَا فهويته واستقدمته بمدح فَقدم ومدح الْوَلِيد بقصيدة فَأَجَازَهُ وَكَانَت أم الْبَنِينَ تَأتي بِهِ لإبى قصرهَا وتجلس مَعَه وَإِذا خَافت خبأته فِي صندوق فأُهدِيَ إِلَى الْوَلِيد جَوْهَر فاستدعى بخادم وأرسله بِهِ إِلَى أم الْبَنِينَ

ص: 302

فَأَتَاهَا فَجْأَة ووضاح عِنْدهَا فرآها الْخَادِم وَهِي تواريه فِي الصندوق فَطلب مِنْهَا من الْجَوْهَر حجرا فانتهرته وأبت فآتى الْوَلِيد وَأخْبرهُ بِمَا رأى وَعلم لَهُ الصندوق فكذبه ونهره وضَرَبَ عُنُقه فِي الْحَال وَقَامَ مسرعاً إِلَى أم الْبَنِينَ وَهِي فِي مقصورتها تمتشطُ فَجَلَسَ على الصندوق الَّذِي أخبرهُ بِهِ الْخَادِم وَقَالَ لَهَا مَا أحب هَذَا الْبَيْت إِلَيْك دون الْبيُوت قَالَت لِأَنَّهُ يضم حوائجي جَمِيعًا فَقَالَ أُرِيد أَن تهبي لي صندوقاً من هَذِه الصناديق قَالَت دُونك الْجَمِيع فَقَالَ مَا أُرِيد إِلَّا واحدَاً قَالَت ارسم الَّذِي تقصده فَقَالَ هَذَا الَّذِي جَلَست عَلَيْهِ قَالَت خُذ غَيره فَإِن لي فِي حوائج أحتاجها قَالَ مَا أُرِيد غَيره قَالَت خُذْهُ فَأمر الْخَادِم بِحمْلِهِ إِلَى مَجْلِسه وحفر بِئْرا عَظِيمَة وأعمق فِيهَا حَتَّى وصل المَاء ودنا من الصندوق فَقَالَ يَا صندوق إِنَّه بلغنَا عَنْك خبر إِن كَانَ حَقًا قد كُفيناك ودفناك وَانْقطع خبرك وَإِن كَانَ بَاطِلا فَإِنَّمَا دفنا الْخشب وأهون بِهِ ثمَّ قذف بِهِ فِي الْبِئْر وهال التُّرَاب عَلَيْهِ وَردت الْبسط على حَالهَا وَلم ير الْوَلِيد وَلَا أم الْبَنِينَ فِي أحد مِنْهُمَا أثرَاً وَلَا تغيَّرَتْ مَوَدَّة أَحدهمَا للْآخر حَتَّى فرق الْمَوْت بَينهمَا وَلم ير وضاح بعْدهَا أبدا قلت فَمن أَيْن اتَّصل نبأ هَذَا الْخَبَر وَالْحَالة هَذِه وَقد اخْتلف الْعُقَلَاء فِي فعل الْوَلِيد هَذَا هَل يعد بِهِ من أهل الْمُرُوءَة وَالْحيَاء وَالْكَرم فبه يمدح أم من أهل الدناءة والوقاحة والعار الَّذِي ذمّ بِهِ فبه يقْدَح ذهب إِلَى كل مِنْهَا عقلاء لكَني أرجح كَونه ثَانِيًا لَا أَولا إِذْ الشهم لَا يبْقى على صفحة عرضه الْغُبَار وَلَا يرضى بلباس الْعَيْب وَلَو كَانَ فَوْقه ألف دثار وَمن شعر وضاح فِي جَارِيَة قد شَببَ بهَا قَوْله من // (السَّرِيع) //

(قَالتْ أَلَا لَا تَلِجنْ دَارَنَا

إِنَّ أَبَانَا رَجُلٌ غَائِرُ)

(قلْتُ فَإِنِّي طالبٌ غِرَّةً

وإنَّ سَيفي صارِمٌ باترُ)

(قالتْ فَإنَّ البابَ ذُو منعةٍ

قلتُ فَإِنِّي واثبٌ كاسرُ)

(قالتْ فإنَّ النَّاسَ مِنْ دونِنا

قلتُ فَإِنِّي كاتمٌ ماهرُ)

(قَالَت فإنَّ القصْرَ مِنْ دُوننَا

قلْتُ فَإِنِّي فرقه طائرُ)

(قالتْ فإِنَّ البَحْرَ من دُوننَا

قلْتُ فَإِنِّي سابحٌ ماهرُ)

ص: 303