الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنه قَالَ يَوْمًا بعض النَّاس يَقُولُونَ إِنَّه لن يصفو لأحد من الْمُلُوك يَوْم كَامِل من الدَّهْر وَإِنِّي أُرِيد أَن أكذبهم فِي ذَلِك وَأَقْبل على لذاته واختلَى مَعَ حبابة وَأمر أَن يحجب عَن سَمعه وبصره كل خبر يُكرَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي تِلْكَ الْحَال فِي صفو عَيْش وَزِيَادَة فَرح وسرور إِذْ تناولت حَبابة حَبة رمان وَهِي تضحك فغَصتْ بهَا فَمَاتَتْ فاختل عقل يزِيد وتكدر عيشه وَذهب سروره وَوجد عَلَيْهَا وجدا شَدِيدا وَتركهَا أيامَاً لم يدفنها بل يقبلهَا ويرتشفها حَتَّى أنتنت وجافت فَأمر بدفنها ثمَّ نبشها من قبرها فَلم يَعش بعْدهَا إِلَّا خَمْسَة عشر يَوْمًا وَكَانَ مَرضه بالسل وَمِمَّا قَالَ فِيهَا من // (الطَّوِيل) //
(فَإِنْ تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أَوْ تَدَعِ الهَوَى
…
فباليَأْسِ تَسْلُو عَنْكِ لَا بالتَّجَلُّدِ)
(وَكُلُّ خليلٍ زَارَنِي فَهْوَ قَائِلٌ
…
مِنَ اجلِكِ هَذَا هامَة اليَوْمِ أَوْ غَدِ)
قَالَ أَبُو مسْهر مَاتَ يزِيد بأربد بِمَرَض السل وَقَالَ غَيره مَاتَ لخمس بَقينَ من شعْبَان سنة خمس وَمِائَة وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وشهراً عمره خمس وَأَرْبَعُونَ وَقيل تسع وَعِشْرُونَ
(خلَافَة هِشَام بن عبد الْملك)
كَانَ ذَا دهاء وحزم وَفِيه حلم وتدبير لأحوال المملكة وَنظر لأحوال الرّعية وَقلة شَرَهٍ وَكَانَ مجتنبَاً لسفك الدِّمَاء لكنه قتل الإِمَام زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب وكفي بقتْله سفكَاً للدماء قَامَ بتدبير المملكة أتم قيام وَكَانَ يجمع الْأَمْوَال ويوصف بالبخل والحرص يُقَال إِنَّه جمع من الْأَمْوَال مَا لم يجمعه خَليفَة قبله فَلَمَّا مَاتَ احتاط الْوَلِيد بن يزِيد على مَا تَركه وَأمر الْخزَّان فغلقوا الخزائن وَمَا كَفنه إِلَّا مَمْلُوك من مماليكه
وَكَانَ هِشَام أَحول الْعين حُكِيَ أَنه خرج يَوْمًا فلقي رجلا أَعور فَأمر بضربه وحسبه فَقَالَ لَهُ الْأَعْوَر مَا ذَنبي فَقَالَ هِشَام تشاءمتُ بك فَقَالَ الْأَعْوَر شُؤْم الْأَعْوَر على نَفسه وشؤم الْأَحول على غَيره أَلا ترى أَنِّي استقبلتك فَلم يصبك مني شَيْء وَأَنت استقبلتني فنالني مِنْك السوء فَخَجِلَ هِشَام وَوَصله وَقيل عرض هِشَام الْجند بحمص فَمر بِهِ رجل من أهل حمص وَهُوَ على فرس نفور فَقَالَ هِشَام مَا حملك على أَن تركب فرسا نفروا فَقَالَ الْحِمصِي لَا وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ بنفور وَلكنه أبْصر حولتك فَظن أَنَّك عزون البيطار فنفر فَقَالَ هِشَام تَنَح عَلَيْك وعَلى فرسك لعنة الله وَكَانَ عزون البيطار رجلا أَحول حكى الزبير بن بكار قَالَ هِشَام لأبي النَّجْم الْفضل بن قدامَة الْعجلِيّ صف لي إبِلا قَالَ أَبُو النَّجْم فَذهب بِي الروي إِلَى أَن قلت // (من الرجز) //
(وَصَارَتِ الشَّمْسُ كَعَينِ الأَحْوَلِ
…
)
فَغَضب هِشَام فَقَالَ أخرجُوا هَذَا ثمَّ بعد مُدَّة أدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ هَل لَك أهل قلت نعم وابنتان قَالَ زوجتهما قلت إِحْدَاهمَا قَالَ فَمَا أوصيتها قلت // (من الرجز) //
(أَوصَيْتُ مِنْ بَرَّةَ قَلْبًا حُرَّا
…
بِالكَلْبِ خَيْرًا والحمَاةِ شَرَّا)
(لَا تَسْامِي خَنْقًا لَهَا وَجرَّا
…
وَالحَيَّ عمِّيهِمْ بِشَرِّ طُرَّا)
(وإنْ حَبَوْكِ ذَهَبًا وَدُرَّا
…
حَتَّى يَرَوْا حُلْوَ الحياةِ مُرَّا)
فَضَحِك هِشَام واستلقى وَقَالَ مَا هَذِه وَصِيَّة يَعْقُوب بنيه قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا أمنا مثل يَعْقُوب عليه السلام قَالَ فَمَا زدتها قلت // (من الرجز) //
(سُبِّي الحماةَ وَابْهَتِي عَلَيْهَا
…
وإنْ نَأَتْ فَأزلفِي إِلَيْهَا)
(واقرعِي بِالوُدِّ مِرْفَقَيْهَا
…
مظَاهر الْيَد بِهِ عَلَيْهَا)
قَالَ فَمَا فعلت أُخْتهَا قلت درجت بَين أَبْيَات الْحَيّ فنفعتنا قَالَ فَمَا قلتَ فِيهَا قَالَ قلت // (من السَّرِيع أَو الرجز) //
(كَأَنَّ ظَلَاّمَة أَخْتَ شَيْبَانْ
…
يتيمَةٌ ووَالِدَاهَا حَيَّانْ)
(أَلرَّأْسُ قَمْلٌ كُلُّهُ وصُؤْبَانْ
…
وَلَيْسَ فِي الرِّجْلَينِ إِلَّا خَيْطانْ)
(فَهْيَ الَّتِي يَذْعَرُ مِنْهَا الشَّيْطَانْ
…
)
فوصلني هِشَام بِدَنَانِير وَقَالَ اجْعَلْهَا فِي رجْلي ظلامة وَهَذَا أَبُو النَّجْم هُوَ الْقَائِل من // (الرجز) //
(أَنََا أبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي
…
)
وَمن العقد لِابْنِ عبد ربه كَانَ الْكُمَيْت الشَّاعِر الْمَشْهُور مادِح أهل الْبَيْت يمدح بني هَاشم ويعرضُ ببني أُميَّة فَطَلَبه هِشَام بن عبد الْملك فهرب عَنهُ فَكَانَ مطرداً عشْرين سنة لَا يستقرُ لَهُ قَرَار خوفًا من هِشَام وَكَانَ مسلمة بن عبد الْملك أَخُو هِشَام لَهُ حَاجَة على هِشَام يَقْضِيهَا لَهُ كل سنة وَلَا يردهُ فِيهَا كائنة مَا كَانَت فَخرج مسلمة إِلَى بعض حروبه ثمَّ أَتَى فَأَتَاهُ النَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ وَأَتَاهُ من جُمْلَتهمْ الْكُمَيْت بن زيد فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا أَيهَا الْأَمِير أما بعد من // (مجزوء الْكَامِل) //
(
…
...
…
...
…
قِفْ بِالديَارِ وُقُوفَ زَائِرْ)
حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله
(يَا مُسْلِمُ يَا بْن الوَليِد
…
لميِّت إنْ شِئْتَ نَاشِرْ)
(عَلقَتْ حبالِي مِنْ حِبَالِكَ
…
ذِمَّةَ الرَّجُلِ المُجَاوِرْ)
(فالآنَ صرْتُ إلَى أمَيْيَةَ
…
وَالأُمُورُ لَهَا مصَايِرْ)
(وَالآن كُنْت بِهِ الْمُصِيب
…
لمهتدٍ بالأَمْسِ حَائِرْ)
فَقَالَ مسلمة سُبْحَانَ الله من هَذَا الهندكي الجلحاب الَّذِي أقبل من أخريات النَّاس فَبَدَأَ بِالسَّلَامِ ثمَّ أما بعد ثمَّ الشّعْر قيل لَهُ الْكُمَيْت فأعجب بِهِ وبفصاحته فَذكر لَهُ الْكُمَيْت بعد أَن تَم إنشاده رعبه من هِشَام وَطول تشرده فضمن لَهُ مسلمة أَمَانه وَتوجه حَتَّى أدخلهُ على هِشَام وَهُوَ لَا يعرفهُ فَقَالَ الْكُمَيْت السَّلَام عَلَيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَمد لله فَقَالَ هِشَام نعم الْحَمد لله يَا هَذَا فَقَالَ الْكُمَيْت مبتدئ الْحَمد ومبتدعه وَاسْتمرّ فِي خطْبَة طَوِيلَة بديعة فِيهَا
قَوْله تهت فِي حيرة وحرت فِي سكرة ادلأَم بِي خَطَرُهَا وأهاب بِي داعيها فَأَجَابَنِي غاويها فاقطوطيت إِلَى الضَّلَالَة وتسكعت فِي الظلمَة والجهالة جائراً عَن الْحق قَائِلا بِغَيْر الصدْق فَهَذَا مقَام العائذ ومنطق التائب اللائذ ومصير الْهِدَايَة بعد الْعمي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كم من عاثر أقَلتُم عثرته ومجترم عفوتم عَن جرمه إِلَى آخر مَا قَالَ فَقَالَ هِشَام وَيحك من سَن لَك الغواية وأهاب بك فِي الغيابة فَقَالَ الْكُمَيْت الَّذِي أخرج أبي من الْجنَّة فَنَسِي وَلم يجد لَهُ عزماً وَهُوَ مترصد لِبَنِيهِ فَعَفَا عَنهُ هِشَام وَفِي ربيع الْأَبْرَار تنْسب إِلَى الفرزدق مكرمَة يُرجَى لَهُ بهَا الْجنَّة هِيَ أَنه لما حج هِشَام بن عبد الْملك فِي أَيَّام أَبِيه مدحه الفرزدق فَلَمَّا طَاف بِالْبَيْتِ جهد أَن يصل إِلَى الْحجر الْأسود ليستلمه فَلم يقدر على ذَلِك لِكَثْرَة الزحام فنصب لَهُ كرْسِي وَجلسَ عَلَيْهِ ينظر إِلَى النَّاس وَمَعَهُ جمَاعَة من أَعْيَان أهل الشَّام فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ أقبل زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَكَانَ من أجمل النَّاس وَجها وأطيبهم أرجاً وَبَين عَيْنَيْهِ سَجْدَة فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْحجر تنحى عَنهُ النَّاس هَيْبَة وإجلالاً حَتَّى اسْتَلم الْحجر فغاظ ذَلِك هشاماً فَقَالَ لَهُ رجل من أهل الشَّام من هَذَا الَّذِي هابه النَّاس هَذِه الهيبة فَقَالَ هِشَام لَا أعرفهُ مَخَافَة أَن يرغَبَ فِيهِ أهل الشَّام وَكَانَ الفرزدق حَاضرا فَقَالَ أَنا أعرفهُ فَقَالَ الشَّامي من هُوَ يَا أَبَا فراس قَالَ // (من الْبَسِيط) //
(هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبادِ اللَّهِ كُلِّهِمُ
…
هَذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهرُ العَلَمُ)
(هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البطحَاءُ وَطْأَتَهُ
…
والبيتُ يَعْرِفُهُ والرُّكْنُ والحَرَمُ)
(إِذا رَأَتْهُ قريشٌ قَالَ قائلُهَا
…
إِلَى مكارِمِ هَذَا ينْتَهِي الكَرَمُ)
(يَنْمِي إِلَى ذِرْوةِ العزِّ الَّتِي قَصُرَتْ
…
عَنْ نيْلِها عَرَبُ الإسلامِ والعَجَمُ)
(يكادُ يُمْسِكُهُ عرفانَ راحتَهِ
…
رُكْنُ الحَطِيمِ إِذا مَا جَاءَ يسْتَلِمُ)
(فِي كَفِّهِ خَيْزُرَانٌ ريحُهُ عبقٌ
…
مِنْ كَفِّ أرْوَعَ فِي عِرْنينه شمَمُ)
(يُغَضِي حَيَاء ويُغْضَي مِنْ مَهَابَتِهِ
…
فَمَا يُكَلَّمُ إلَاّ حينَ يَبْتَسِمُ)
(ٍ ينشَقُّ نُورُ الهُدَى مِنْ نُورِ غُرَّتِهِ
…
كالشَّمْسِ تنجَابُ عَنْ إشراقها الظُّلَمُ)
(مُنْشقةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَبْعَتُهُ
…
طَابَتْ عَنَاصِرُهُوالْخيمُ والشِّيَمُ)
(هَذَا ابْن فاطمةٍ إنْ كُنْتَ تَجهَلُهُ
…
بجَدِّهِ أنبياءُ اللَّهِ قد خُتِمُوا)
(أللَّهُ شَرَّفَهُ قِدْمًا وعَظَّمَهُ
…
جَرى بِذَاكَ لَهُ فِي لَوْحِهِ القَلَمُ)
(ولَيْسَ قولُكَ مَنْ هَذَا بضائِرِهِ
…
ألعُرْبُ تعرفُ مَنْ أنكَرْتَ والعَجَمُ)
(كِلْتَا يَديْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا
…
يسْتَوكِفَانِ وَلَا يَعْرُوهُما العَدَمُ
(سَهْلُ الخليفةِ لَا تُخْشَى بوادِرُهُ
…
يَرِينُهُ اثنانِ حُسْنُ الخُلْقِ والشِّيَمُ)
(حَمَّالُ أثقالِ أَقوام إِذا فدحوا
…
حلْوُ الشمائِلِ تَحْلُو عِنْده النِّعَمُ)
(مَا قَالَ لَا قَطُّ إلَاّ فِي تَشَهُّدِهِ
…
لَوْلَا التَّشَهُّدُ كانَتْ لاؤهُ نَعَمُ)
(عَمَّ البريَّةَ بالإِحسانِ فانقَشَعَتْ
…
عَنْهَا الغَيَابَةُ والإِملاقُ والعَدَمُ)
(مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وبغضُهُمُ
…
كُفْرٌ وقُرْبُهُمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ)
(إنْ عُدَّ أهلُ التُّقَى كَانُوا أَئِمتَهُمْ
…
أَو قِيلَ مَنْ خَيْرُ أهلِ الأرضِ قِيلَ هُمُ)
(لَا يستطيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غايتِهم
…
وَلَا يُدَانيهِمُ قَوْمٌ وإنْ كَرمُوا)
(هم الغُيُوثُ إِذا مَا أزمةٌ أَزمَتْ
…
والأُسْدُ أُسدُ الشَّرَى إِيَّاكَ تختذمُ)
(لَا ينْقصُ العُسْرُ بَسْطًا من أكُفِّهِمُ
…
سِيَّان ذَلِك إِن أثْرَوا وإنْ عدمُوا)
(مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ
…
فِي كُلِّ بَدْءٍ ومختوم بِهِ الحكمُ)
(أَيُّ الخلائِقِ ليسَتْ فِي رِقَابِهِمُ
…
لِأوليَّةِ هَذَا أَو لَهُ نعمُ)
(مَنْ يَعْرِفِ اللَّه يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا
…
فَالدَّينُ مَنْ بَيْتَ هَذَا نَالَهُ الأمَمُ)
فَغَضب هِشَام وَقَالَ للفرزدق أَو رَافِضِي أَنْت يَا فرزدق فَقَالَ إِن كَانَ حب آل الْبَيْت رفضاً فَنعم فحرمه هِشَام جائزته فَتحمل عَلَيْهِ الفرزدق بِأَهْل بَيته فَأبى أَن يُعْطِيهِ شَيْئا فَقَالَ لَهُ عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب كم كنتَ تؤمل أَن يعطيك هِشَام فَقَالَ الفرزدق ألف دِينَار فِي كل سنة قَالَ فكم تؤمل أَن تعيش قَالَ أَرْبَعِينَ سنة قَالَ يَا غُلَام عَليّ بالوكيل فَدَعَاهُ فَقَالَ أعْط الفرزدق أَرْبَعِينَ ألف دِينَار فقبضها مِنْهُ ثمَّ أَمر هِشَام بِحَبْس الفرزدق فحبس فأنفذ إِلَيْهِ على زين العابدين اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَقَالَ هَذَا عَاجل برنا وَلَك الْمَزِيد فَردهَا الفرزدق وَقَالَ مدحته لله لَا للعطاء فَأرْسل إِلَيْهِ زين العابدين وَقَالَ لَهُ إِنَّا أهل بَيت إِذا
وهبنا شَيْئا لَا نستعيده وَالله تَعَالَى عَالم بنيتك ومُثيبك عَلَيْهَا فَشكر الله لَك سعيك فَلَمَّا بلغته الرسَالَة قبلهَا وَكَانَ حبس هِشَام للفرزدق بعسفان بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فَفِي ذَلِك يَقُول الفرزدق من // (الطَّوِيل) //
(أَتَحْبِسُنِي بَين المَدِينَةِ وَالَّتِي
…
إِلَيْهَا رقابُ النَّاسِ يَهْوى مُنِيبُهَا)
(يٌ قَلِّبُ رَأْسًا لم يكُنْ رَأْسَ سيِّدٍ
…
وَعَيْنَا لَهُ حَوْلَاءَ بَادٍ عُيُوبُهَا)
قَالَ مُصعب الزبيرِي زَعَمُوا أَن عبد الْملك رأى فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ بَال فِي محرابه
أَربع مَرَّات فدسَ إِلَى سعيد بن الْمسيب من يسْأَله تَعْبِير ذَلِك فَقَالَ يملك من صُلْبِ هَذَا الرَّائِي أَرْبَعَة وَكَانُوا كَذَلِك الْوَلِيد بن عبد الْملك يزِيد بن عبد الْملك سُلَيْمَان بن عبد الْملك وَهِشَام بن عبد الْملك وَهُوَ آخِرهم توفّي ثَانِي عشر ربيع الآخر سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة وعمره أَربع وَخَمْسُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام خِلَافَته تسع عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة عشرَة يَوْمًا قَالَ الصَّفَدِي فِي تَذكرته من أَوْلَاد هِشَام سعيد بن هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان كَانَ منهمكاً فِي لذات الدُّنْيَا مغرى بحب النِّسَاء وَفِيه يَقُول الْقَائِل مُخَاطبا أَبَاهُ هشاماً من // (الْبَسِيط) //
(أَبْلِغْ هِشَامًا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَقَدْ
…
أَغظْتَنا بأميرٍ غَيْرِ عِنِّينِ)
(طَوْرًا يشارِكُ هَذَا فِي حلِيلَتِهِ
…
وتارَةً لَا يُرَاعِي حُرْمَةَ الدِّينِ)
قَالَ فحبسه أَبوهُ هِشَام فَقَالَ أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ وَكَانَ هَذَا السّلمِيّ فِي حبس هِشَام إِن سعيداً كَانَ فِي بَيت علَى حِدَة وَكنت أسمع من بَيته صَوت الْعود فَخرجت يَوْمًا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد أَخذ جَفْنَة فنقبها وعلق فِيهَا أوتاراً فَقلت وَيحك على هَذِه الْحَال تفعل هَذَا فَقَالَ لَا أَبَا لَك لَوْلَا هَذَا متْنا غماً وَهُوَ الْقَائِل من // (الرجز) //
(أَرْسَلْتُ كَلْبِي طَالبا مَا يأكُلُهْ
…
مَنِ الَّذِي يَرُدُّهُ أَو يجْهَلُهْ)
وَبلغ أَبَاهُ هشاماً مَا صنعه فَأمر بِإِخْرَاجِهِ وَقَالَ لَهُ لعنك الله أفسقاً كفسق الْعَوام هلا فسقاً كفسق الْمُلُوك فَقَالَ لَهُ ابْنه وَهل للملوك فِسْق يمتازون بِهِ قَالَ نعم قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ أَن تحيي هَذَا وَتقتل هَذَا وَتقتل هَذَا وَتَأْخُذ مَال هَذَا فتعطيه
هَذَا وَمن شعر سعيد هَذَا قَوْله من // (الرمل) //
(آلُ مَرْوانَ أَرَاهُمْ فِي عَمًى
…
غضب العَيْش عليهِمْ وَالفَرَحْ)
(كُلُّهم يَسْعَى لما يُتْعِبُهُ
…
وَأَنا أسْعَى لأُنْسٍ وَقَدَحْ)
وَفِي درة الغواص قَالَ حَمَّاد الرِّوَايَة كَانَ انقطاعي إِلَى يزِيد بن عبد الْملك فِي خِلَافَته وَكَانَ أَخُوهُ هِشَام يحسدني لذَلِك فَلَمَّا مَاتَ يزِيد وَولي هِشَام خفته وَمَكَثت فِي بَيْتِي سنة لَا أخرج إِلَّا إِلَى من أَثِق بِهِ من إخْوَانِي سرا فَلَمَّا لم أسمع أحدا يذكرنِي فِي السّنة أمنت فخرجتُ يَوْمًا أُصَلِّي الْجُمُعَة فِي مَسْجِد الرصافة فَإِذا بشرطيين واقفين عَليّ وَقَالا يَا حَمَّاد أجب الْأَمِير يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ وَكَانَ والياً على الْعرَاق لهشام بن عبد الْملك فاستسلمت فِي أَيْدِيهِمَا ثمَّ صرت إِلَى يُوسُف بن عمر وَهُوَ فِي الإيوان الْأَحْمَر فَسلمت فَرد عَليّ السَّلَام وَرمى إِلَى كتلابا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد الله هِشَام بن عبد الْملك أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَى يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ أَمَا بعد إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَابْعَثْ إِلَى حَمَّاد الرِّوَايَة من يَأْتِيك بِهِ من غير ترويع وَلَا تتعتع وادفع لَهُ خَمْسمِائَة دينارٍ وجملاً مهرياً يسير عَلَيْهِ اثْنَتَيْ هشرة لَيْلَة إِلَى دمشق فَأخذت الدَّنَانِير وَنظرت فَإِذا جمل مرحول فركبت وَوضعت رجْلي فِي الغرز وسرت حَتَّى وافيت دمشق فِي اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة فنزلْتُ على بَاب هِشَام فاستأذنت فَأذن لي فَدخلت إِلَيْهِ فِي دارٍ قوراءَ مفروشة بالرخام وَبَين كل رخامتين قضيب ذهب وَهِشَام جَالس على طنفسة حَمْرَاء وَعَلِيهِ ثِيَاب حمر من الْخَزّ وَقد تضمخ بالمسك والعنبر فَسلمت فَرد على السَّلَام واستدناني فدنوْتُ حَتَّى قبلت رجله فَإِذا جاريتان لم أر مثلهمَا قطّ فِي أذن كل مِنْهُمَا حلقتان فيهمَا لؤلؤتان تتقدان فَقَالَ كَيفَ أَنْت يَا حَمَّاد فَقلت بِخَير يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ أَتَدْرِي لم بعثت إِلَيْك قلت لَا قَالَ بعثت إِلَيْك بِسَبَب بَيت خطر ببالي وَلَا اعرف لمن قلت وَمَا هُوَ قَالَ من // (الْخَفِيف) //)
وَدَعَوْا بِالصَّبُوحِ يَوْمًا فجاءَتْ
…
قَيْنَةٌ فِي يَمِينِهَا إِبْرِيقُ)
فَقلت يَقُوله عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ من قصيدة فَقَالَ أنشدنيها فَأَنْشَدته من // (الْخَفِيف) //
(بَكَرَ العاذلُونَ فِي وَضَحِ الصُّبْحِ
…
يقولُونَ لي أَلَا تَسْتَفيِقُ)
(وَيَلُومُونَ فِيك يابنةَ عَبْدِ اللهِ
…
والقَلْبُ عندكُمْ موثُوقُ)