الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ، فَإِذَا خَصَّصْنَا الْحُكْمَ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ مَنَعْنَا إجْزَاءَ الْكَافِرَةِ، وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إجْزَاؤُهَا إنْ وَقَعَ الْعِتْقُ بِهَا، فَاَلَّذِي فَعَلْنَاهُ خِلَافُ مُقْتَضَاهُ.
قَالَ: فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْك مِنْ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا كَانَ الْإِطْلَاقُ فِي الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي الْحَمْلُ عَلَى الْبَعْضِ فِيهِ عَوْدَ التَّخْصِيصِ إلَى مَحَلِّ الْعُمُومِ، هِيَ الْأَشْخَاصُ أَوْ مُخَالَفَةُ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ عِنْدَ الْحَمْلِ، فَالْحُكْمُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ، لِوُجُودِ الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَوْ الْعُمُومِ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْإِطْلَاقُ فِي صُورَةٍ لَا تَقْتَضِي مُخَالَفَةَ صِيغَةِ الْعُمُومِ وَلَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ فَالْكَلَامُ صَحِيحٌ.
وَيَتَعَدَّى النَّظَرُ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ذَكَرْنَا إلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالْعُمُومِ، فَإِنْ اقْتَضَى إخْرَاجَ بَعْضِ الصُّوَرِ وَعَدَمَ الْجَرْيِ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ، وَجَبَ أَنْ يَنْظُرَ فِي قَاعِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا قُصِدَ بِهِ مُعَيَّنٌ، فَهَلْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيمَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَلَا حَاجَة بِنَا إلَى هَذَا، وَإِلَّا احْتَجْنَا إلَى النَّظَرِ فِيهَا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ بِمُقْتَضَى صِيغَةِ الْعُمُومِ، وَأَنَّ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَاهَا وَاجِبٌ، فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَاَلَّذِي يُزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُمُومَاتِ أَوْ أَكْثَرِهَا، إذْ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَلَهُ أَحْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الذَّوَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْعُمُومُ، فَإِذَا اكْتَفَيْنَا فِي الْعَمَلِ بِحَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ تَعَذَّرَ الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ النَّاسُ.
[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَا يَبْلُغُهُ الْمُخَصِّصُ]
إذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْعُمُومِ صِيغَةً بِالْمَعْنَى السَّابِق، قَالَ الْقَاضِي فِي
التَّقْرِيبِ ": ذَهَبَ الْجُمْهُورُ سِيَّمَا الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ، وَلَا يَسْمَعَ الْمُخَصَّصَ إذَا كَانَ لَهُ مُخَصِّصٌ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، وَعَلَيْهِ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مُخَصِّصٌ لَبَلَغَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا اعْتَقَدَ عُمُومَهُ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْمِعَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ، وَلَا يُسْمِعَهُ خُصُوصَهُ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَهُ إيَّاهُمَا أَوْ يَصْرِفَهُ عَنْ سَمَاعِ الْعُمُومِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُصُوصَ.
قُلْت: وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ "، وَالْمَحْصُولِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ صَاحِبُ " الْوَاضِحِ ": وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ، قَالَ: وَكَذَا كَانَ يَقُولُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ جَازَ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ نَظَرُهُ فِي الدَّلِيلِ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ الْمُخَصِّصَ لَهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، لِتَقَدُّمِ الْعَقْلِ عَلَى السَّمْعِ، وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ جَازَ فِي السَّمْعِيَّةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْمَنْسُوخُ، وَلَا يَبْلُغَهُ النَّاسِخُ، وَحَكَى صَاحِبُ " الْوَاضِحِ " الْمُعْتَزِلِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ، ثَالِثَهَا: التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ فَيَجُوزُ، وَالسَّمْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ، وَحَكَاهُ فِي " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي الْهُذَيْلِ. وَمِمَّنْ تَبِعَ الْقَاضِي فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ "، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمُسْتَصْفَى " قَالَ: وَنَحْنُ نَقُولُ: يَجِبُ عَلَى الشَّارِعِ أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَ الْخُصُوصِ، إمَّا مُقْتَرِنًا أَوْ مُتَرَاخِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كُلِّ مُحْتَمِلٍ يَبْلُغُهُ الْعُمُومُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْخُصُوصُ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَغْفُلَ