الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِيُخْرِجَ، مَا لَوْ قَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ غَزَا مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ، قَالَ فِي " الْكِفَايَةِ " فِي بَابِ السِّيَرِ: خَرَجَ مِنْهُ أَهْلُ الْفَيْءِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَخْرُجَ النِّسَاءُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَنْ قَاتَلَ مَعِي فَلَهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ حُكْمٌ لَا فِعْلٌ يَتَوَجَّهُ لِأَهْلِهِ، وَيَخْرُجُ الصِّبْيَانُ مِنْهَا، لِأَنَّ الْجَعَالَةَ عَقْدٌ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، وَكَذَا الْعَبْدُ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ، لِوُجُودِ الْحَجْرِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إلَيْهَا لِوَاحِدٍ، لِيُخْرِجَ مَا لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ. قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: لَا يُطَلِّقْ الْوَكِيلُ إلَّا وَاحِدَةً فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي " زَوَائِدِهِ " فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْمَشِيئَةِ مُضَافٌ إلَى وَاحِدٍ، فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً سَقَطَ اخْتِيَارُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الِاخْتِيَارُ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ، فَكُلُّ مَنْ اخْتَارَتْ طَلَقَتْ. وَقَوْلُهُمْ:" مِنْ " لِلْعُمُومِ فِي الْعُقَلَاءِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَصْلَ وَضْعِ اللُّغَةِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ " مَنْ " لِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَالْعُمُومُ مُرَادٌ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الرعد: 15] .
[الْعَاشِرُ أَيُّ]
ُّ " بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً أَوْ اسْتِفْهَامِيَّةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]
وَقَوْلِهِ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] وَلِهَذَا أَجَابَهُ الْكُلُّ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ يَأْتِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي صِيَغِ الْعُمُومِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ التَّأْوِيلَاتِ مِنْ " الْبُرْهَانِ " فِي قَوْلِهِ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا» ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: وَيَصْلُحُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " التَّلْخِيصِ " إلَّا أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِفْرَادِ دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ، وَلِهَذَا إذَا قُلْت: أَيُّ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَك؟ لَمْ يُجِبْ إلَّا بِذِكْرِ وَاحِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " وَأَمَّا كَلِمَةُ " أَيِّ " فَقِيلَ: كَالنَّكِرَةِ، لِأَنَّهَا تَصْحَبُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، تَقُولُ: أَيُّ رَجُلٍ فَعَلَ هَذَا، وَأَيُّ دَارٍ؟ قَالَ تَعَالَى:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] وَهِيَ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ. انْتَهَى. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ الْبَدَلِيِّ لَا الشُّمُولِيِّ؛ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ فَصَوَاحِبَاتُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ حِضْنَ، وَصَدَّقَهُنَّ، أَنَّهُ تُطْلَقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ.
وَخَرَجَ لَنَا مِنْ هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا لِلْعُمُومِ، فَهَلْ هُوَ عُمُومُ شُمُولٍ أَمْ بَدَلٍ؟ وَجْهَانِ، وَتَوَسَّعَ الْقَرَافِيُّ فَعَدَّى عُمُومَهَا إلَى الْمَوْصُولَةِ وَالْمَوْصُوفَةِ فِي النِّدَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعُدَّهَا فِي الصِّيَغِ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْقُشَيْرِيّ، لِأَجْلِ قَوْلِ النُّحَاةِ: إنَّهَا بِمَعْنَى " بَعْضٍ " إنْ أُضِيفَتْ إلَى مَعْرِفَةٍ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ: أَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ كَمَا فِي " كُلَّمَا ". وَالْحَقُّ أَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ، وَكَوْنُ مَدْلُولِهَا أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الصِّيَغِ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ " مَنْ، وَمَا " الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ لِلْعُمُومِ فَلْتَكُنْ " أَيُّ " كَذَلِكَ.
وَقَالَ صَاحِبُ " اللُّبَابِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو زَيْدٍ فِي " التَّقْوِيمِ " كَلِمَةَ " أَيٍّ " نَكِرَةٌ، لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ بِنَفْسِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ، فَإِنْ وَصَفَهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِلْعُمُومِ، كَقَوْلِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا، لِعُمُومِ فِعْلِ الضَّرْبِ. وَصَرَّحَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَقَالَ: وَأَمَّا " أَيُّ " فَهُوَ اسْمُ فَرْدٍ يَتَنَاوَلُ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ، قَالَ تَعَالَى:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: 38] وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ وَاحِدٌ، وَقَالَ:{أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: 7] .
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَيُّ الرَّجُلِ أَتَاكَ؟ وَلَا تَقُولُ: أَيُّ الرِّجَالِ أَتَاكَ؟ إذْ لَا عُمُومَ فِي الصِّيغَةِ. انْتَهَى. وَكَذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ": لَوْ قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي حَجَّ فَهُوَ حُرٌّ، فَحَجُّوا كُلُّهُمْ لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ: أَيُّ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ يَقْصُرُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ كُلُّهُمْ عَتَقُوا جَمِيعًا، وَإِنْ قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَ جَمَاعَةً لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ "، وَفِي فَتَاوَى الشَّاشِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ جَمِيعًا عَمَلًا بِعُمُومِ " أَيٍّ " وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فَقَالَ: " أَيُّ " أَعَمُّ الْمُبْهَمَاتِ، وَزَعَمَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَنَّهُ عَلَى الْوَاحِدِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُ فَهُوَ حُرٌّ، أَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدِ وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْفِعْلَ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْجَمَاعَةِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَقُلْنَا بِعُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. انْتَهَى. وَوَجَّهَ ابْنُ يَعِيشَ وَغَيْرُهُ مِنْ النُّحَاةِ مَسْأَلَتَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَامٌّ وَفِي الثَّانِيَةِ خَاصٌّ، فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ عَبِيدِي، وَهِيَ كَلِمَةُ عُمُومٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ خَاصٌّ، ثُمَّ قَرَّرُوا أَنَّ الْفِعْلَ يَعُمُّ بِعُمُومِ فَاعِلِهِ لَا بِعُمُومِ مَفْعُولِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْفَاعِلَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَلَا كَذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْمَفْعُولُ، لِأَنَّ الْمَفْعُولَ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْفِعْلُ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْفَاعِلِ
وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْرِيَ عُمُومُ الْمَفْعُولِ إلَى الْفِعْلِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَّهَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ قَالَ: فَرْعٌ إذَا قَالَ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْتَ، لَا يُطَلِّقُ الْكُلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا قَالَ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ، فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ مَنْ اخْتَارَتْ الطَّلَاقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّخْصِيصَ وَالْمَشِيئَةَ مُضَافٌ بِمَعْنَى فِي الْأُولَى إلَى وَاحِدٍ، فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً سَقَطَ اخْتِيَارُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الِاخْتِيَارُ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ، فَكُلُّ مَنْ اخْتَارَتْ طَلُقَتْ. نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ: أَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا، لَا يُعْتَقُ الثَّانِي، لِأَنَّ حَرْفَ " أَيِّ " وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْمِيمٍ فَالْمُضَافُ إلَيْهِ الضَّرْبُ وَاحِدٌ، وَإِذَا قَالَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُ عَبْدٌ ثُمَّ عَبْدٌ عَتَقُوا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ مُضَافٌ إلَى جَمَاعَةٍ. انْتَهَى. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ عَمْرُونٍ النَّحْوِيُّ الْحَلَبِيُّ وَقَالَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَالْفِعْلُ عَامٌّ فِيهِمَا، وَضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ يُخَاطِبُ النَّبِيَّ عليه السلام:
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا
…
وَمَنْ تَخْفِضْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ
فَإِنَّ " مَنْ " الشَّرْطِيَّةُ عَامَّةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالْمُرَادُ عُمُومُ الْفِعْلِ مُطْلَقًا، مَعَ أَنَّ الِاسْمَ الْعَامَّ هُنَا إنَّمَا هُوَ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ، إذْ التَّقْدِيرُ: وَمَنْ تَخْفِضْهُ الْيَوْمَ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى " مَنْ " وَهُوَ الِاسْمُ الْعَامُّ، وَأَمَّا ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فَخَاصٌّ،
وَهُوَ ضَمِيرُ النَّبِيِّ عليه السلام، وَهَذَا وِزَانُ قَوْلِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ، الَّتِي ادَّعَى فِيهَا عَدَمَ عُمُومَ الْفِعْلِ.
وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا التَّعْمِيمَ فِيهِمَا، وَقَالَ: نِسْبَةُ فِعْلِ الشَّرْطِ إلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ فِي اقْتِضَاءِ التَّعْمِيمِ فِي الْمَشْرُوطِ عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ، وَأَنَّ التَّعْمِيمَ فِيمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ إثْبَاتِ الْمَشْرُوطِ بِتَكْرِيرِ الشَّرْطِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَأَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فِي أَنَّهُ يُعْتَقُ الْمَضْرُوبُونَ لِلْمُخَاطَبِ كُلُّهُمْ، كَمَا يُعْتَقُ الضَّارِبُونَ لِلْمُخَاطَبِ كُلُّهُمْ وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ " بِمَنْ "، فَإِنَّهُ قَدْ تَسَاوَى فِيهَا الْأَمْرَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178] فَإِنَّهُ مُسَاوٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّعْمِيمِ لِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] وَالْأَوَّلُ: مَنْسُوبٌ فِي شَرْطِهِ إلَى عُمُومِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ مُنَازَعًا فِيهِ.
الثَّانِي: مَنْسُوبٌ إلَى عُمُومِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، إذَا ثَبَتَ فِي " مَنْ " فَكَذَلِكَ فِي " أَيٍّ " بَلْ هِيَ مِنْ أَقْوَى مِنْ " مَنْ " فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ. تَنْبِيهٌ
عَدَّى الْحَنَفِيَّةُ هَذَا إلَى: أَيِّ عَبِيدِي ضُرِبَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ جِنِّي؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ، وَقَدْ قَالُوا هُمْ فِيهِ بِالْعُمُومِ أَكْثَرَ مِنَّا، لِأَنَّهُمْ أَدْرَجُوا فِيهِ جِلْدَ الْكَلْبِ.