الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ ": لَمَّا كَانَ التَّخْصِيصُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ عَنْ الْإِرَادَةِ مِنْهُ وَجَبَ قَطْعًا أَنْ يَكُونَ شَرْطُهُ قَصْدَ الْإِخْرَاجِ عَنْ الْإِرَادَةِ، وَأَمَّا الْعَامُّ فَيَتَنَاوَلُ الْأَفْرَادَ بِوَضْعِهِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْأَفْرَادِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ إرَادَةُ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ اتِّفَاقًا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَعْضُ الْأَفْرَادِ، كَفَتْ الْإِرَادَةُ الْعَامَّةُ لِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ لِجُمْلَةِ أَفْرَادِهِ حُصُولُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِالْبَالِ ذَلِكَ الْفَرْدُ بِخُصُوصِهِ. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَامِّ إرَادَةُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ بِخُصُوصِهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ ": الْعِبَارَاتُ أَمَارَاتُ الْإِرَادَاتِ، فَإِذَا خُصَّتْ الْعِبَارَةُ خُصَّتْ الْإِرَادَةُ، وَإِذَا عَمَّتْ عَمَّتْ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ. وَهَلْ يَجِبُ مُقَارَنَةُ الْمُخَصِّصِ الْخِصِّيصَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. قَالَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ بِالثَّانِي، وَالْمُعْتَزِلَةُ بِالْأَوَّلِ. وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ مُقَارَنَةُ اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَالْعَقْلِيُّ مَحَلُّ وِفَاقٍ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالتَّكْلِيفِ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]
[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ] وَاعْلَمْ أَنَّ التَّخْصِيصَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالنَّسْخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِنَقْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ التَّخْصِيصَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَالنَّسْخَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَزْمَانِ، قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمَانَ وَالْأَعْيَانَ وَالْأَحْوَالَ بِخِلَافِ النَّسْخِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْأَزْمَانَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْأَعْيَانَ وَالْأَزْمَانَ لَيْسَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّسْخُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
الثَّالِثُ: التَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ النَّسْخِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ. وَعَلَى هَذَا فَالنَّسْخُ أَعَمُّ، قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. لَكِنْ اخْتَارَ إمَامُهُ خِلَافَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: النَّسْخُ لَا مَعْنَى بِهِ إلَّا تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بِطَرِيقٍ خَاصٍّ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ " النَّسْخِ " فَقَالَ: صَرَّحَ الْأُسْتَاذُ بِأَنَّ النَّسْخَ تَخْصِيصٌ فِي الزَّمَانِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ.
الرَّابِعُ: وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ تَقْلِيلٌ، وَالنَّسْخَ تَبْدِيلٌ. وَقَالَ: هَذَا لَفْظٌ جَمِيلٌ، وَلَكِنْ رِيعُهُ قَلِيلٌ، وَمَعْنَاهُ مُسْتَحِيلٌ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَبْدِيلٌ، وَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ، قَالَ تَعَالَى:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181]
الْخَامِسُ: أَنَّ النَّسْخَ يَتَطَرَّقُ إلَى كُلِّ حُكْمٍ، سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، وَالتَّخْصِيصُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِمَأْمُورٍ وَاحِدٍ، وَالنَّسْخَ يَدْخُلُ فِيهِ.
السَّادِسُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبْقِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ تَحْتَهُ حَقِيقَةً
كَانَ أَوْ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ، وَالنَّسْخُ يُبْطِلُ دَلَالَةَ حَقِيقَةِ الْمَنْسُوخِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ بِالْكُلِّيَّةِ.
السَّابِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ، وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَخْصُوصِ وِفَاقًا.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ كَثِيرًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ قَدْ تَنْسَخُ بَعْضَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَمَّا كُلَّهَا فَلَا، لِأَنَّ قَوَاعِدَ الْعَقَائِدِ لَمْ تُنْسَخْ، وَكَذَلِكَ حِفْظُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ، فَحِينَئِذٍ النَّسْخُ إنَّمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَإِنْ جَازَ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى عَقْلًا.
التَّاسِعُ: أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ: انْتِهَاءُ حُكْمٍ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ.
الْعَاشِرُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا أُرِيدَ بِالْعُمُومِ، وَالنَّسْخَ بَيَانُ مَا لَمْ يُرَدْ بِالْمَنْسُوخِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ التَّخْصِيصَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِالْعَامِّ، وَمُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَمُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَلَا مُقْتَرِنًا بِهِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ.
الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلٍ وَخِطَابٍ، وَالتَّخْصِيصَ قَدْ يَكُونُ بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ وَالْقَرَائِنِ وَسَائِرِ أَدِلَّةِ السَّمْعِ، وَيَقَعُ التَّخْصِيصُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالنَّسْخُ لَا يَقَعُ بِهِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: يَجُوزُ التَّخْصِيصُ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ، وَالنَّسْخُ يَخْتَصُّ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ.