الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ الصُّورَةُ النَّادِرَةُ هَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ]
اخْتَلَفُوا فِي الصُّوَرِ النَّادِرَةِ هَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَيْهَا أَوْ لَا، لِأَنَّهَا لَا تَخْطِرُ بِالْبَالِ غَالِبًا؟ وَبَنَى عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْفِيلِ، فَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ:«لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي " الْبَسِيطِ " فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ: لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ أَوْ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِ، جَازَ دَفْعُ الْخُنْثَى، وَفِي وَجْهٍ لَا يُجْزِئُ، لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعُمُومَ يَتَنَاوَلُهُ. هَذَا لَفْظُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ دُخُولِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ الشَّاذُّ يَجِيءُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ. وَلَا يُرَادُ عَلَى الْخُصُوصِ بِالصِّيغَةِ الْعَامَّةِ انْتَهَى. وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْعُمُومِ، فَقَالَ: إنَّ الْعُمُومَ إذَا وَرَدَ وَقُلْنَا بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْغَالِبَ دُونَ الشَّاذِّ النَّادِرِ الَّذِي لَا يَخْطِرُ بِبَالِ الْقَائِلِ، كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الزِّنَى مِنْ كِتَابِهِ " الْقَبَسِ "، لَكِنْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا فِيمَا إذَا أَوْصَى لِعَبْدٍ
مُبَعَّضٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ: هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ ثُمَّ قَالَ: وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِإِدْرَاجِ الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ فِي الْمُهَايَأَةِ أَنَّهَا تَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ أَوْ تَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ؟ وَفِيمَا إذَا عَمَّتْ الْهِبَاتُ وَالْوَصَايَا فِي قُطْرٍ أَنَّهَا تَدْخُلُ لَا مَحَالَةَ كَالْأَكْسَابِ الْعَامَّةِ، أَوْ هِيَ عَلَى الْخِلَافِ؟ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا النُّدُورُ. انْتَهَى. وَيَجِيءُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا لَوْ عَمَّ بَعْضُ النَّادِرِ فِي قُطْرٍ، هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ؟ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: إنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ حَكَاهُ، وَلَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِهِ. وَإِنَّمَا حَكَوْا فِي بَابِ التَّأْوِيلِ الْخِلَافَ فِي تَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى الصُّورَةِ النَّادِرَةِ بِخُصُوصِهَا، فَنَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْأَوْسَطِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ لَا يُخَصَّصُ: أَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْبَالِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْمَقَالِ، وَلَا تَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يَجُوزُ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّا نَقْطَعُ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ لِعَدَمِ خُطُورِهَا بِالْبَالِ.
قَالَ: وَبَنَى عَلَى هَذَا أَصْحَابُنَا كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ: مِنْهَا: أَنَّهُمْ أَبْطَلُوا حَمْلَ أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثَ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، وَقَالُوا الْمُكَاتَبَةُ نَادِرَةٌ مِنْ نَادِرٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّسَاءِ الْحَرَائِرُ، وَالْإِمَاءُ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ
إلَيْهِنَّ، وَالْمُكَاتَبَاتُ نَادِرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ، فَلَا يَجُوزُ تَنْزِيلُ الْعَامِّ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا، فَقَالَ: تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ إنْ تَقَدَّمَ عَهْدٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَيُّمَا رَجُلٍ دَخَلَ الدَّارَ أَكْرِمْهُ، ثُمَّ يَقُولُ: عَنَيْت بِهِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنْ خَوَاصِّي وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ سَبْقُ عَهْدٍ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ: يَجُوزُ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِهِ اتِّكَالًا عَلَى احْتِمَالِ اللَّفْظِ الْقَرَائِنَ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إزَالَةُ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ حِكَايَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلَمُ عَنْهُ حَدِيثٌ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَيُمْكِنُ أَخْذُ الْخِلَافِ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، لِأَنَّ جَوَازَ التَّخْصِيصِ فَرْعُ شُمُولِ اللَّفْظِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ: لَا يَتَبَيَّنُ لِي فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَكَيْفَ يُقَالُ: لَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْخُطُورِ بِبَالِ الْعَرَبِ فِي مُخَاطَبَاتِهَا، فَإِذَا كَانَتْ عَوَائِدُهُمْ إطْلَاقَ الْعَامِّ الَّذِي يَشْمَلُ وَضْعًا، صُورَةً لَا تَخْطِرُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ غَالِبًا بِبَالِهِمْ، فَوَرَدَ ذَلِكَ الْعَامُّ فِي كَلَامِ الْبَارِي تَعَالَى، قُلْنَا: إنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ تِلْكَ الصُّورَةَ، لِأَنَّهُ أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى أُسْلُوبِ [الْعَرَبِ] فِي مُحَاوَرَاتِهَا وَعَادَاتِهَا فِي الْخِطَابِ. تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ: كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ مَا خَطَرَ لَا لِلَّافِظِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهِ، وَهَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي قَوْلِهِ عليه السلام إذَا قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ عَنْ وَحْيٍ وَاجْتِهَادٍ، أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ جَمِيعَ مَا يَقُولُهُ عَنْ وَحْيٍ، فَلَا يَظْهَرُ اعْتِبَارُهُ، لِأَنَّ مُوحِيَهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ. وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ.