الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخِطَابِ، وَإِنْ وَرَدَ مُسْتَرْسِلًا فَالرَّسُولُ فِيهِ بِمَثَابَةِ غَيْرِهِ، وَاسْتَنْكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا جَمِيعًا مُسْتَنِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ خِطَابَهُ إلَيْنَا، فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِقَةِ.
وَقَالَ الْمُقْتَرَحُ فِي تَعْلِيقِهِ: الْخِطَابُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ السُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكِتَابِ فَهُوَ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وَالْمُبَلِّغُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ عُمُومِ الْخِطَابِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السُّنَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهَدًا أَوْ لَا.
فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مُجْتَهَدٌ فَيَرْجِعُ إلَى أَنْ الْمُخَاطَبَ: هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَهُوَ مُبَلِّغٌ، وَالْمُبَلِّغُ إذَنْ دَاخِلٌ تَحْتَ الْخِطَابِ. ثُمَّ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: بَلْ تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِيمَا إذَا وَرَدَ الْعُمُومُ وَجَاءَ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِهِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي خِطَابِهِ كَانَ فِعْلُهُ نَسْخًا، وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِدَاخِلٍ لَمْ يَخُصَّ فِعْلُهُ الْعُمُومَ، وَبَقِيَ عَلَى شُمُولِهِ فِي ذَلِكَ.
[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الْخِطَابُ الْخَاصُّ بِوَاحِدٍ هَلْ يَشْمَلُ غَيْرَهُ]
[الْمَسْأَلَةُ] التَّاسِعَةُ [الْخِطَابُ الْخَاصُّ لُغَةً بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ هَلْ يَشْمَلُ غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّةِ]
الْخِطَابُ الْخَاصُّ لُغَةً بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ، إنْ خُصَّ فِيهِ بِالتَّخْصِيصِ، فَلَا شَكَّ فِيهِ، لِقَوْلِهِ:(وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك) وَإِنْ صَلَحَ أَنْ يَتَنَاوَلَ
غَيْرَهُ، فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ مِنْ الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الرَّضَاعِ مِنْ " النِّهَايَةِ " فِي الْكَلَامِ عَلَى إرْضَاعِ الْكَبِيرِ: وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَصَرُّفٍ فِي حَدِيثٍ سَالِمٍ رَمَزَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ أَنَّ خِطَابَ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام إذَا اخْتَصَّ بِشَخْصٍ فِي حِكَايَةِ حَالٍ، فَحُكْمُ الصِّيغَةِ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالْمُخَاطَبِ، وَإِذَا قَضَيْنَا بِأَنَّ النَّاسَ فِي الشَّرْعِ وَاحِدٌ، فَهُوَ يُتَلَقَّى مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، قُلْنَا: اضْطَرَبَ رَأْيُهُمْ فِي قَضِيَّةِ سَالِمٍ فِي التَّخْصِيصِ، وَاللَّفْظُ فِي نَفْسِهِ مُخْتَصٌّ بِالْمُخَاطَبِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ، سِيَّمَا إذَا اعْتَقَدَ خِلَافَهُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ دَلِيلًا، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَة وَغَيْرُهُ: عَامٌّ بِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ: هَذَا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ، كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْت، فَقَالَ:(اعْتِقْ) .
فَأَمَّا نَحْوُ قَوْلِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَلَا يَدْخُلُ،
فِيهِ كُلُّ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ:(قُمْ فَبَارِزْ)، فَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِ الْمُبَارَزَةُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا حُكِمَ صلى الله عليه وسلم فِي حَادِثَةٍ بَيْنَ نَفْسَيْنِ، كَانَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ، وَهَذَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى.
وَاقْتَضَى كَلَامُ الْقَاضِي مِنْهُمْ أَنَّهُ عَامٌّ بِعُرْفِ الشَّرْعِ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِلْقَطْعِ بِاخْتِصَاصِهِ بِهِ لُغَةً، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا. وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ بِدَلِيلِ: حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ، وَعَلَى هَذَا فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي كَيْفِيَّةِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ السَّائِلِ، هَلْ هُوَ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِقَوْلِهِ: خِطَابِي لِلْوَاحِدِ خِطَابِي لِلْجَمَاعَةِ؟ وَجْهَانِ، الْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ. انْتَهَى. وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ السَّابِقِ رَأْيٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ صَوَّرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا الْمَسْأَلَةَ بِخِطَابِهِ عليه السلام، وَصَوَّرَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ مُخَاطَبَةُ الشَّارِعِ وَاحِدًا بِلَفْظٍ مُخْتَصٍّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] أَوْ الْمُخَاطِبُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنْ أُمَّتِهِ.
وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ الْخِطَابَ خُصَّ لُغَةً بِذَلِكَ الْوَاحِدِ، وَلَا يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ، وَأَنَّهُ عَامٌّ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ، فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ