الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي طَيِّ الْكِتْمَانِ كَقَوْلِ عَائِشَةَ: «كَانَتْ الْأَيْدِي لَا تُقْطَعُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى السَّتْرِ وَالْكِتْمَانِ كَالْوَطْءِ، فَلَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ قَطْعًا وَلَا يَكُونُ حُجَّةً، كَمَا نُقِلَ فِي قَضِيَّةِ الِاغْتِسَالِ وَالْأَقْوَالِ كَقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كَانَتْ عُمُومَتِي، يَفْعَلُونَهُ وَلَا يَغْتَسِلُونَ.
[قَوْلُ الرَّاوِي كَانَ يَفْعَلُ كَذَا هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا]
وَهَذَا يَلْتَفِتُ إلَى خِلَافٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ مَذَاهِبُ:
أَحَدُهَا: يَعُمُّ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: قَوْلُ الرَّاوِي: كَانَ يَفْعَلُ كَذَا، يُفِيدُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ تَكْثِيرَ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرَهُ، لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ: كَانَ فُلَانٌ يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَحْمِي الذِّمَارَ إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، بَلْ يَخُصُّونَ بِهِ الْمُدَاوِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ} [مريم: 55] يُرِيدُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: هِيَ تَقْتَضِي تَكْرِيرَ الْفِعْلِ مِنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: كَانَ يَفْعَلُ كَذَا إلَّا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً، وَاخْتَارَهُ فِي " الْمَحْصُولِ ". وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": إنَّهُ الْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ دَلَّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً، وَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَقْتَضِيهَا بِوَضْعِهَا. وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ:" كَانَ " عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي زَمَنٍ مَاضٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمٍ سَابِقٍ، وَلَا انْقِطَاعٍ طَارِئٍ.