الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِعُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سُؤَالَ سَائِلٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ وُقُوعَ حَادِثَةٍ فَلَا. حَكَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ ".
وَالْخَامِسُ: إنْ عَارَضَهُ عُمُومٌ خَرَجَ ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهُ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِهِ. قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَلِذَلِكَ قَصَرْنَا نَهْيَهُ عليه السلام عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ دُونَ الْمُرْتَدَّاتِ، لِمُعَارَضَتِهِ قَوْلَهُ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا عَيْنُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي، لِأَنَّ الْمُعَمِّمِينَ شَرَطُوا عَدَمَ الْمُعَارِضِ.
[الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ لِوَاقِعَةٍ وَقَعَتْ]
هَذَا كُلُّهُ فِي الْخِطَابِ الْخَارِجِ جَوَابًا لِسُؤَالٍ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ لِوَاقِعَةٍ وَقَعَتْ، فَقَالَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، كَقَوْلِهِ:«أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» . وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا أَنْ يَرِدَ فِي اللَّفْظِ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ، كَقَوْلِهِ:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَالسَّبَبُ رَجُلٌ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ، فَالْإِتْيَانُ بِالسَّارِقَةِ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَكَذَلِكَ عَنْ الْإِفْرَادِ إلَى الْجَمْعِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]
فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ أَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، وَتَغَيَّبَ بِهِ، وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: إنَّ عَلِيًّا أَخَذَهُ مِنْهُ، وَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَنَزَلَتْ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ إيَّاهُ.
وَقَالَ: «خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ خَالِدَةً مُخَلَّدَةً فِيكُمْ أَبَدًا، لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» فَقَوْلُهُ: " الْأَمَانَاتِ " قَرِينَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالتَّعْمِيمِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَرِينَةٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، إلَّا أَنْ يُفْهَمَ مِنْ نَفْسِ الشَّارِعِ قَصْدُ تَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ، فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ الْعُمُومُ لَفْظًا آخَرَ غَيْرَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَتَجْرِي فِيهِ الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ. وَيَزِيدُ هُنَا قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ ذَكَرَ السَّبَبَ فِي كَلَامِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ، إلَّا إذَا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ يَلْحَقُ بِبَيَانِ:(حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ)، كَنَهْيِهِ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ مَعَ قَوْلِهِ:«إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ» ؛ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مِنْ غَيْرِهِ، فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا السَّبَبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَإِنَّهُ عَلَى سَبَبِ الِاخْتِيَانِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ اخْتَانَ وَمَنْ لَمْ يَخْتَنْ، حَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَابْنُ فُورَكٍ، وَنَسَبَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ لِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ سُقُوطَ قِيَامِ اللَّيْلِ مَخْصُوصٌ بِالْمَرَضِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ عِنْدَ
تَخْفِيفِهِ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْأَسْبَابَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَسْبَابٌ تَقْتَضِي لِأَجْلِهَا الْحُكْمَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَيَدْخُلُ الْمُتَعَقِّبُ وَالِابْتِدَاءُ.
وَالثَّانِي: لِأَجْلِهَا كَانَ الْحُكْمُ، وَمَا يَرْتَفِعُ السَّبَبُ إلَّا يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُتَأَمَّلَ الْخِطَابُ. فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ عَامًّا عَمَّمْنَاهُ، وَلَمْ يُرَاعَ السَّبَبُ، وَإِنْ كَانَتْ الرُّخْصَةُ مَنُوطَةً بِالسَّبَبِ عَلَّقْنَاهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى السَّبَبُ إلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا. تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ لَا تَظْهَرَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَصْرَهُ عَلَى السَّبَبِ مِنْ الْعَادَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ ظَهَرَتْ وَجَبَ قَصْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، كَقَوْلِهِ فِي جَوَابِ تَغَدَّ عِنْدِي: وَاَللَّهِ لَا تَغَدَّيْت، فَالْعَادَةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْغَدَاءِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، يَعْنِي: فَلَا يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ. وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: كَلِّمْ زَيْدًا، أَوْ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت، وَلَا كَلَّمْت، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَخْصِيصُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدَ هَذِهِ الْقَرِينَةِ لَا خِلَافَ فِي قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ. قَالَ: وَالطَّرِيقُ إلَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ مُتَعَذِّرٌ، لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا خَرَجَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ عُمُومَ اللَّفْظِ: هَذَا فِي الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا يَتَقَدَّمُ
خُصُوصُهُ بِدَلِيلٍ، فَإِنْ عُلِمَ بِقَرِينَةِ حَالٍ إرَادَةُ الْخُصُوصِ، مِثْلُ: أَنْ يَقُولَ: كَلِّمْ زَيْدًا، فَيُقَالُ: وَاَللَّهِ لَا تَكَلَّمْت، فَيُفْهَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ لَا تَكَلَّمْت مَعَهُ، فَلَا يُحْمَلُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى التَّعْمِيمِ انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِ الْقَاضِي: لَا خِلَافَ فِي قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ نَظَرٌ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي: لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً مِنْ عَطَشٍ، أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ طَعَامِهِ، وَلُبْسِ ثِيَابِهِ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَوْرِدِ الْيَمِينِ، وَهُوَ الْمَاءُ خَاصَّةً.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ " الْمُبْتَدِئِ " لِلرُّويَانِيِّ: أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: كَلِّمْ زَيْدًا، فَقَالَ: وَاَللَّهُ لَا كَلَّمْته، انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبَدِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي طَلَاقٍ وَقَالَ أَرَدْت الْيَوْمَ، لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَدِيقُهُ، فَقَالَ: تَغَدَّ مَعِي، فَامْتَنَعَ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَتَغَذَّ مَعِي فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَلَمْ يَفْعَلْ، لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لَوْ تَغَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، فَإِنْ نَوَى الْحَالَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ الْجَوَابَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ وَالْعُرْفُ يَقْضِي بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ فِي حُكْمِهِ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِوَضْعِهِ فَيَكُونُ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ.
وَرَأَى الْبَغَوِيّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْحَالِ لِلْعَادَةِ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ، الْأُصُولِيِّينَ.
وَلَوْ دُعِيَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ مُنْكَرٌ، فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْضُرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَسْتَمِرُّ. وَإِنْ رُفِعَ الْمُنْكَرُ. كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ وَالْعُنْوَانِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْتَضِ السِّيَاقُ التَّخْصِيصَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ مُنْشَؤُهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهُوَ مُقْتَضٍ لِلتَّخْصِيصِ بِلَا نِزَاعٍ، لِأَنَّ السِّيَاقَ مُبَيِّنٌ
لِلْمُجْمَلَاتِ، مُرَجِّحٌ لِبَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ، وَمُؤَكِّدٌ لِلْوَاضِحَاتِ. قَالَ: فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا وَلَا يُغْلَطْ فِيهِ، وَيَجِبُ اعْتِبَارُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَالْقَرَائِنُ، لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ مَقْصُودُ الْكَلَامِ. وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْعُنْوَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ، وَكَلَامُ الْقَاضِي السَّابِقُ يَشْهَدُ لَهُ.
الثَّانِي: قَالَ الْمَازِرِيُّ: لَوْ خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ، هَلْ تَقْتَضِي الصِّيَغُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْعُمُومَ، أَوْ تُحْمَلُ عَلَى الْعَهْدِ؟ لَكَانَ لَائِقًا، فَمَنْ يَقْصِرُ اللَّفْظَ عَلَى سَبَبِهِ يَجْعَلُهَا لِلْعَهْدِ، وَمَنْ يُعَمِّمُهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ إلَى الْعَهْدِ، وَالْقَائِلُونَ بِالتَّعْمِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هُمْ مُعْظَمُ الْأُصُولِيِّينَ، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَقْصِرُونَهُ عَلَى السَّبَبِ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَوْرَدَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ سُؤَالًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ النُّحَاةِ: إنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَلَى الْعَهْدِ لَا تُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ: إنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْعُمُومَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ؛ بَلْ لَهُ صِيَغٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ أَوْرَدَ مَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، قُلْنَا: إرَادَةُ الْعُمُومِ قَرِينَةٌ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِلَفْظِهِ، فَيَعُمُّ إلَّا إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَمْنَعُ الْعُمُومَ كَالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدِيَّةِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْعُمُومِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا أَصْلَهُمْ، بَلْ الْأَصْلُ عِنْدَهُمْ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومُ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يُقْصِرُوهُ عَلَى سَبَبِهِ، وَعِنْدَ النُّحَاةِ الْأَصْلُ الْعَهْدُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الصِّيَغِ أَنَّ مُعْظَمَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهَا إلَى الْعَهْدِ، وَأَنَّ الْمُخَالِفَ فِيهِ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَنَّ إلْكِيَا الطَّبَرِيَّ نَقَلَهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ. لَكِنْ فِي نِسْبَتِهِ لِجَمِيعِ