الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْفُقَرَاءِ، وَزَيْدٌ فَقِيرٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى غَيْرَ الدِّينَارِ، لِأَنَّهُ بِالتَّقْدِيرِ قَطَعَ اجْتِهَادَ الْقَاضِي، جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا هَذَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَبِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى مَا أَرَادَ الْمُوصِي.
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمَعْطُوفَ إذَا كَانَ خَاصًّا لَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْمَعْطُوفَ إذَا كَانَ خَاصًّا لَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَيُوجِبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ. لَنَا أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَمِثَالُ الْمَسْأَلَةِ: احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحَرْبِ وَالذِّمِّيُّ، لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.
وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: بَلْ هُوَ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرْبِيُّ، بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:«وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» لِأَنَّهُ عليه السلام عَطْفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] ثُمَّ إنَّ الْكَافِرَ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ ذُو الْعَهْدِ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ. لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ أَيْضًا هُوَ الْحَرْبِيُّ، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» كَلَامٌ تَامٌّ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ قَوْلِهِ: بِكَافِرٍ، لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْعَهْدَ عَاصِمٌ مِنْ الْقَتْلِ.
وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " إلَى ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ:" فِي عَهْدِهِ "، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ:" وَلَا ذُو عَهْدٍ " لَتُوُهِّمَ أَنَّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ عَهْدٌ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، لَا يُقْتَلُ، فَلَمَّا قَالَ:" فِي عَهْدِهِ " عَلِمْنَا اخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِحَالَةِ الْعَهْدِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْجُمْلَتَيْنِ عَلَى رَأْيِكُمْ؟ إذْ لَا يَظْهَرُ
مُنَاسَبَةٌ لِقَوْلِنَا: «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» مُطْلَقًا مَعَ قَوْلِنَا: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . أَجَابَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: بِأَنَّ عَدَاوَةَ الصَّحَابَةِ لِلْكُفَّارِ كَانَتْ شَدِيدَةً جِدًّا، فَلَمَّا قَالَ عليه السلام «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» خَشِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَ هَذَا الْكَلَامُ، فَتَحْمِلُهُمْ الْعَدَاوَةُ الشَّدِيدَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَتْلِ كُلِّ كَافِرٍ مِنْ مُعَاهَدٍ وَغَيْرِهِ، فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ مَا مَعْنَاهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي زَمَنِ عَهْدِهِ
الثَّالِثُ: أَنَّ حَمْلَ الْكَافِرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَا يَحْسُنُ، لِأَنَّ هَدْرَ دَمِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ، وَيُبْعِدُ هَذَا الْجَوَابَ قَلِيلًا أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ مَدْلُولَ الْحَدِيثِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] فَالْحَمْلُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى.
وَثَانِيهَا: أَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ نَفَى فِيهِ الْقَتْلَ قِصَاصًا لَا مُطْلَقَ الْقَتْلِ، فَقِيَاسُ آخِرِهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.
الرَّابِعُ: سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّقْدِيرِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ تَسَاوِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ لَوْ لُفِظَ بِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ أَمْكَنَ أَنْ يُرَادَ بِإِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ بِالْأُخْرَى، فَكَذَلِكَ مُنِعَ ذِكْرُ إحْدَاهُمَا، وَتَقْدِيرُ الْأُخْرَى، وَيُؤَيِّدُهُ عُمُومُ:" وَالْمُطَلَّقَاتُ " وَخُصُوصُ " وَبُعُولَتُهُنَّ " مَعَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ.
إذَا عَلِمْت هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ طُرُقُ الْأُصُولِيِّينَ فِي تَرْجَمَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَادَّعَى أَنَّهُ الصَّوَابُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَالْآمِدِيِّ فِي " الْأَحْكَامِ " بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ: هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ؟ وَهَذِهِ تَشْمَلُ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ: لَا
يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ، فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ بِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ الْعُمُومَ، حَتَّى لَا يُقْتَلُ الْمُعَاهَدُ بِكَافِرٍ، حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَهَا كَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ. وَنَاقَشَهُمْ النَّقْشَوَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَشْمَلُ صُورَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: عَامٌّ مَعْطُوفٌ عَلَى عَامٍّ، قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، كَقَوْلِك: لَا تَضْرِبُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرْأَةِ غَيْرُ الْقَاذِفَةِ أَوْ شَارِبَةِ الْخَمْرِ، وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، ثُمَّ يُخَصَّصُ الْكَافِرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِدَلِيلٍ.
وَالثَّانِيَةُ: عَطْفُ خَاصٍّ بِلَفْظِهِ عَلَى عَامٍّ بِلَفْظِهِ، فَهَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ: كَقَوْلِنَا لَا تَضْرِبْ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً كَهْلَةً؟ فَهَلْ يَخُصُّ الرَّجُلَ بِالْكَهْلِ أَيْضًا؟ وَوِزَانُهُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ بِحَرْبِيٍّ. قَالُوا: وَمِثَالُهُمْ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلثَّانِيَةِ، وَالْإِمَامُ تَرْجَمَ لِلثَّانِيَةِ وَمِثَالُهُ إنَّمَا يُطَابِقُ الْأُولَى، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ، يَقْتَضِي تَخْصِيصَ عِلَّتِهِ، وَنَازَعَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ شَارِحُ " الْمَحْصُولِ " وَقَالَ: بَلْ كَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْخَاصَّ وَمُرَادُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا لَفْظًا أَوْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْإِمَامِ تَعُمُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّ الْخَاصَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ خُصُوصُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً، تَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ مَذْكُورًا فِي الْمَعْطُوفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا لَكِنْ لَا يَكُونُ تَقْدِيرُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرًا مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ مُسْتَفَادًا مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَمِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ مُسْتَفَادًا مِنْ تَخْصِيصٍ بِمُنْفَصِلٍ، وَالْحَدِيثُ مِنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالْبَيَانُ فِي الْجَمِيعِ لَا يَتَفَاوَتُ. انْتَهَى. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: الْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا عُطِفَتْ عَلَى الْأُخْرَى، وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي إضْمَارًا كَقَوْلِهِ:«وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» عَلَى مَا تَدَّعِيه الْحَنَفِيَّةُ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَقِيمُ عِنْدَهُمْ بِدُونِ إضْمَارٍ، وَإِلَّا يَلْزَمُ قَتْلُ الْمُعَاهَدِ مُطْلَقًا، فَهَلْ يُضْمَرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؟ ثُمَّ إنْ كَانَ عَامًّا اقْتَضَى الْعَطْفُ عَلَيْهِ تَقْدِيرَ الْعَامِّ، فَكَانَ الْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ لِذَلِكَ، أَوْ يُضْمَرُ مِقْدَارُ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ، لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ تَقْدِيرٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: بِالْأَوَّلِ، وَأَصْحَابُنَا بِالثَّانِي.
وَقَدْ أَجَادَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " حَيْثُ افْتَتَحَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ: الْمَعْطُوفُ لَا يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ مِمَّا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؛ بَلْ بِقَدْرِ مَا يُفِيدُ وَيَسْتَقِلُّ بِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ. انْتَهَى. وَكَذَا ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ فِي الْمَعْطُوفِ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ مِمَّا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ؟ وَإِذَا وَجَبَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمُضْمَرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَخْصُوصًا، فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُضْمَرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَخْصُوصًا أَمْ لَا؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ تَقْدِيرُ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى، أَوْ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ؟ فَنَحْنُ لَا نُقَدِّرُ إلَّا مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقَطْ،
وَالْحَنَفِيَّةُ يَجْعَلُونَ الْمُضْمَرَ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمُضْمَرَ فِي الْأُولَى. وَقَالُوا: حَرْفُ الْعَطْفِ يَجْعَلُ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ، وَسَاعَدَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، حَتَّى قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: كَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ جِدًّا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.
وَفَصَّلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ أَنْ يُقَيَّدَ الْمَعْطُوفُ بِقَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا يُضْمَرُ فِيهِ، وَأَنْ يُطْلَقَ فَيُضْمَرُ فِيهِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِ الْخَاصِّ الْمَعْطُوفِ فِيمَا هُوَ مَخْصُوصُ الْمَادَّةِ كَالْحَدِيثِ، وَنَحْوِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، كَمَا لَوْ قَالَ: ضَرَبْت زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمًا فِي الدَّارِ، فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ هُنَا خَاصٌّ، وَهُوَ أَنَّ ضَرَبْت فِي حَالِ قِيَامِهِ وَحَالَ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ عَامٌّ، فَلَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَالضَّابِطُ أَنَّ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ أَحْوَالًا:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّضِحُ كَوْنُ الثَّانِيَةِ مُسْتَقِيمَةً، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَمِنْهُ فَرِيقٌ لَمْ يُتَرْجِمْ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ، هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَإِذَا عَطَفْت جُمْلَةً عَلَى أُخْرَى، وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا، وَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ لَا فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَقَدْ لَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةً أَصْلًا، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} [الشورى: 24] فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: 24] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَا هِيَ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَتَّضِحَ اسْتِقَامَتُهَا إلَّا بِتَقْدِيرٍ وَإِضْمَارٍ، وَهَذَا مَوْضِعُ
الْخِلَافِ، فَالْحَنَفِيَّةُ يُقَدِّرُونَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ لَهُ حَالَتَانِ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا فَيَكُونُ الْمَعْطُوفُ عَامًّا أَيْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا، فَيَكُونُ خَاصًّا وَهَذِهِ الْحَالَةُ عِنْدَهُمْ تُشَارِكُ الثَّانِيَةُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ، طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ ثَلَاثًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهَذِهِ طَالِقٌ، فَلَا يُطَلِّقُ إلَّا وَاحِدَةً لِاسْتِقْلَالِهَا، وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَالْتَزَمَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: ضَرَبْت زَيْدًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَمْرًا، يَتَقَيَّدُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ عِنْدَهُ عَلَى الْكَامِلَةِ يَقْتَضِي مُشَارَكَتَهُمَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ ابْنِ عُصْفُورٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ، فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَتَقَيَّدُ أَيْضًا بِالشَّرْطِ، وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَى الشَّرْطِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالُوا فِيمَا إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ وَنَحْوَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ مُفَسِّرًا لِلْأَلْفِ، بَلْ لَهُ تَفْسِيرُهَا بِمَا شَاءَ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ. إنْ كَانَ الْمَعْطُوفُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا فُسِّرَتْ الْأَلْفُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ بَقِيَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ عَلَى إبْهَامِهِ.
وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَأَنْتِ يَا أُمَّ أَوْلَادِي. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ قَبْلَ النِّكَاحِ لَغْوٌ، وَقَدْ رَتَّبَ طَلَاقَهَا عَلَيْهِ فَيَلْغُو، حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ، وَأَنْتِ يَا فَاطِمَةُ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ عَطَفَ طَلَاقَهَا عَلَى طَلَاقِ نِسْوَةٍ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُنَّ، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ إذَا عَطَفَ الطَّلَاقَ عَلَى طَلَاقٍ نَافِذٍ يَقَعُ
الثَّالِثَةَ: أَنْ يَشْكُلَ الْحَالُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى الْإِضْمَارِ،
وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ كَهَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ عِنْدَنَا تَامٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ، وَهُمْ يُقَدِّرُونَهُ، قَالُوا: وَلَوْ لَمْ نُقَدِّرْهُ لَكَانَ مَعْنَاهُ لَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ امْتِنَاعُ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ مُطْلَقًا. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَهُ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، كَمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ:" بِكَافِرٍ " عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُقَدَّرًا.
وَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِهِ " التَّجْرِيدِ " فِي الْحَدِيثِ تَقْدِيرَيْنِ آخَرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا حَذْفَ فِيهِ. وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالْأَصْلُ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ» ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَعْطُوفَ عَنْ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُعَاهَدُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ، وَهُوَ الْحَرْبِيُّ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ. وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ فَرَّ مِنْ ضَرُورَةِ تَقْدِيرِ الْحَرْبِيِّ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ أَيْضًا، وَبِأَنَّ فِيهِ مَا سَبَقَ.
الثَّانِي: أَنَّ ذُو عَهْدٍ مُبْتَدَأٌ، وَفِي عَهْدِهِ خَبَرُهُ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَا عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ. وَنَحْنُ لَوْ فَرَضْنَا خُلُوَّ الْوَقْتِ عَنْ عَهْدٍ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ لَمْ يُقْتَلْ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى مَا أَنْشَدَ. أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.
بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَشِيمُوا سُيُوفَهُمْ
…
وَلَمْ تَكْثُرْ الْقَتْلَى بِهَا حَيْثُ سُلَّتْ
وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ الْوَاوِ عَنْ أَصْلِهَا وَهُوَ الْعَطْفُ، وَمُخَالَفَةٌ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى:" وَلَا ذِي عَهْدٍ " بِالْخَفْضِ. إمَّا عَطْفًا عَلَى كَافِرٍ كَمَا يَقُولُ