الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا رَأَيْت رَجُلًا وَإِنَّمَا رَأَيْت رِجَالًا، سِيَّمَا إذَا قَالَ: مَا رَأَيْت مِنْ أَحَدٍ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَالَ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ إلْكِيَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ نَقَلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ جَوَازَ أَنْ يُقَالَ: مَا رَأَيْت رَجُلًا، ثُمَّ يَقُولُ: مَا رَأَيْت رِجَالًا.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْأَحْكَامِ ": الْجَمْعُ بِلَفْظِ الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ سَوَاءٌ فِي اقْتِضَائِهِ الْعُمُومَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] فَهُوَ عُمُومٌ لِكُلِّ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا جَاءَ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ نَحْوُ: قَالَ رِجَالٌ، لَا يُوجِبُ الْعُمُومَ، وَهُوَ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَإِذَا جَاءَ هَذَا فِي الْإِثْبَاتِ؛ فَلَأَنْ يَقُولَ بِهِ فِي النَّفْيِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى.
[السَّابِعَةُ إنْ كَانَتْ النَّكِرَةُ مُثْبَتَةً لَمْ تَعُمَّ]
َّ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ الِاعْتِبَارُ بِالنَّفْيِ، وَلَا الْإِثْبَاتِ، وَلَكِنْ كُلُّ نَكِرَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهِيَ غَيْرُ عَامَّةٍ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَإِنْ صَحَّ عُمُومُهَا عَلَى الْبَدَلِ، وَكُلُّ نَكِرَةٍ تَحْتَمِلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَهِيَ عَامَّةٌ اهـ.
وَأَمَّا نَحْوُ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14]، وَحَدِيثُ:«صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا» ، فَغَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ
فِيهِ عَلَى الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، فَجَاءَ الْعُمُومُ فِيهِ بِالْعَرْضِ، وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ حَقِيقِيٌّ إذْ لَا أَفْرَادَ تَحْتَ مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ حَتَّى يَعُمَّهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْإِفَادَةِ ": النَّكِرَةُ قَبْلَ دُخُولِ " أَلْ " عَلَيْهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ عَلَى الصَّلَاحِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: 75] وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: بِالْبَابِ رِجَالٌ، ائْذَنْ لِرَجُلٍ، صَلَحَ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ عَلَى الْبَدَلِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِفْهَامِ أَيُّهُمْ أَرَادَ. اهـ.
وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ تَعُمُّ فِيهَا مَعَ الْإِثْبَاتِ لِقَرِينَةٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ: مِنْهَا: وُقُوعُهَا فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176]{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ "، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ، فَأَشْبَهَ النَّفْيَ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هَذَا نَقْضًا، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ الْمَنْفِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِطَ لَمْ يُجِزْ وُقُوعَ الشَّرْطِ، حَيْثُ جَعَلَهُ شَرْطًا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ الْمَحْضِ، كَقَوْلِنَا: فِي الدَّارِ رَجُلٌ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا النَّهْيُ وَالشَّرْطُ، وَالِاسْتِفْهَامُ فَهُوَ عِنْدَ النُّحَاةِ كُلُّهُ كَلَامٌ غَيْرُ مُوجِبٍ، مَعَ أَنَّ الْإِبْيَارِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ " رَدَّ عَلَيْهِ حَيْثُ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ: مَنْ يَأْتِنِي بِمَالٍ فَأُكْرِمْهُ، وَأَنْكَرَ الْعُمُومَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ لَمَا اسْتَحَقَّ
الْإِكْرَامَ مَنْ أَتَى بِمَالٍ وَاحِدٍ، بَلْ كَانَ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ جَاءَنِي بِكُلِّ مَالٍ، وَكَأَنَّ هَذَا مِنْهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمِثَالِ، لَا الِاسْتِثْنَاءِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّكِرَةُ هُنَا لَمْ تَقْتَضِ عُمُومًا إذْ الْمَطْلُوبُ مَالٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا الْعُمُومُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ. لَا فِي مُتَعَلِّقِ الشَّرْطِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عُمُومِ الشَّرْطِ عُمُومُ مَا وَقَعَ فِي مَسَاقِهِ، فَإِذَا قُلْت: مَنْ يَأْتِنِي بِزَيْدٍ فَالْعُمُومُ فِي الْآتِي لَا فِي الْمَأْتِيِّ بِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لَا تَتَنَاوَلُ الْآحَادَ عُمُومًا، وَإِنَّمَا تَتَنَاوَلُهَا عَلَى الْبَدَلِ، وَلَوْ كَانَتْ عَامًّا فِي الشَّرْطِ لَعَمَّتْ مَعَ الْأَمْرِ، إذَا قَالَ: ائْتِنِي بِثَوْبٍ، فَلَوْ أَتَاهُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَكَانَ مُمْتَثِلًا وَلَوْ أَتَاهُ بِعَشَرَةٍ كَانَ حَائِدًا عَنْ الْمَطْلُوبِ، فَلَوْ كَانَ لَفْظُ الثَّوْبِ يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ لَمَا عُدَّ مُخَالِفًا.
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي حَيِّزِ الْإِنْكَارِ الِاسْتِفْهَامِيِّ، فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ كَالنَّفْيِ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْقَرَافِيُّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]{فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] .
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيِّ فِي الْبُرْهَانِ " لَكِنْ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْبَيَانِيِّينَ: إنَّ النَّكِرَةَ تَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ التَّكْثِيرَ هُوَ التَّعْمِيمُ أَوْ مُلَازِمُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى:{فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية: 12] .
وَمِنْهَا: الْوَاقِعَةُ فِي سِيَاقِ الطَّلَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] فَإِنَّ حَسَنَةً نَكِرَةٌ مُرَادٌ بِهَا التَّعْمِيمُ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ جَوَامِعِ الْأَدْعِيَةِ.
وَمِنْهَا: فِي الْأَمْرِ لِلْعُمُومِ، وَنَسَبَهُ فِي الْمَحْصُولِ " لِلْأَكْثَرِينَ، نَحْوُ أُعْتِقُ رَقَبَةً، وَإِلَّا لَمَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِأَيِّ إعْتَاقٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَالَ: هَذَا الدَّلِيلُ بِعَيْنِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَمَا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِإِعْتَاقِ رِقَابِ الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] حَيْثُ يَجِبُ قَتْلُ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ. وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ، وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: إذَا قَالَ الْحَكِيمُ: اُقْتُلْ مُشْرِكًا لَمْ يُعْقَلْ مِنْهُ إلَّا قَتْلُ مُشْرِكٍ مَا، قَالَ: يَجِبُ الْوَقْفُ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ الْبَيَانُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْمُشْرِكَ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ، وَقِيلَ: إذَا حُمِلَ عَلَى الْجِنْسِ خُصَّ، وَوُقِفَ فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ. انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَلَوْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى التَّقْيِيدِ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلَا مُخَصَّصًا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي الْإِنْشَاءِ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْعُمُومِ لَا يُرِيدُ شُمُولَ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ، حَتَّى يَجِبَ فِي مِثْلِ:{أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، ذَبْحُ كُلِّ بَقَرَةٍ. وَفِي مِثْلِ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ، تَحْرِيرُ كُلِّ رَقَبَةٍ بَلْ الْمُرَادُ ذَبْحُ أَيِّ بَقَرَةٍ كَانَتْ، وَعِتْقُ أَيِّ رَقَبَةٍ كَانَتْ، فَإِنْ سُمِّيَ مِثْلُ هَذَا عَامًّا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ تَصَوُّرَهُ لَا يَمْنَعُ الشَّرِكَةَ فِيهِ؛ وَإِنْ جُعِلَ مُسْتَغْرِقًا فَكُلُّ نَكِرَةٍ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا جِهَةَ لِلْعُمُومِ.
وَمِنْهَا: قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: قَدْ تَعَرَّضَتْ النَّكِرَةُ لِلْعُمُومِ، فِيمَا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَعْرِفَةً، لِأَنَّ الْوَصْفَ مِنْ التَّعْرِيفِ بِمَنْزِلَةِ اللَّامِ فِي اسْمِ الْجِنْسِ، وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِهِمْ: لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَ جَمِيعَ الْكُوفِيِّينَ وَلَوْ قَالَ: إلَّا رَجُلًا، فَكَلَّمَ رَجُلَيْنِ حَنِثَ فَعُلِمَ أَنَّ
الْعُمُومَ مِنْ إلْحَاقِ الْوَصْفِ الْعَامِّ بِهَذَا.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: 221] لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ عَامًّا لَمَا صَحَّ التَّعْلِيلُ، وَكَذَا {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [البقرة: 263] قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيُّ، لَا النَّعْتُ النَّحْوِيُّ، لِأَنَّ الْكَلِمَةَ النَّكِرَةَ قَدْ تَكُونُ خَبَرًا أَوْ صِلَةً أَوْ شَرْطًا، وَقَدْ صَرَّحُوا فِي قَوْله تَعَالَى:{لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الكهف: 7] أَنَّهَا نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِحُسْنِ الْعَمَلِ، وَهُوَ عَامٌّ فَعَمَّتْ لِذَلِكَ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ، وَأَحْسَنُ عَمَلًا خَبَرُهُ.
وَقَدْ رُدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا كُوفِيًّا بَرَّ بِوَاحِدٍ، وَلَوْ اقْتَضَى الْوَصْفُ الْعُمُومَ كَمَا قَالُوهُ لَمَا بَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ، وَلِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ لِلتَّعْمِيمِ؛ بَلْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالنَّكِرَةِ، فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِيهَا أَمْرَانِ: النَّوْعُ، وَالْوَحْدَةُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَرْأَةِ، فَيُرَادُ بِهِ النَّوْعُ، وَفِي مُقَابَلَةِ الرَّجُلَيْنِ فَيُفِيدُ الْوَحْدَةَ مَعَ النَّوْعِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْكُوفِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ: كُوفِيًّا، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْوَحْدَةِ، فَلَا يُكَلِّمُ إلَّا وَاحِدًا كُوفِيًّا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلنَّوْعِ فَلَا يُكَلِّمُ إلَّا النَّوْعَ الْكُوفِيَّ فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا اتَّبَعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْمُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى الْوَحْدَةِ، وَيَحْنَثُ بِالِاثْنَيْنِ.
وَقَدْ فَرَّعُوا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ فِي: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا، وَأَيُّ عَبْدِي ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبَهُمْ جَمِيعًا لَا يُعْتَقُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ وُصِفَ فِي الْأَوَّلِ بِالضَّرْبِ، وَهُوَ عَامٌّ، وَفِي الثَّانِي قُطِعَ عَنْ الْوَصْفِ، لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا أُضِيفَ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا إلَى
النَّكِرَةِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا أَيْ، وَهُوَ عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ النَّعْتَ النَّحْوِيَّ فَلَا نَعْتَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، إذْ النَّكِرَةُ صِلَةٌ أَوْ شَرْطٌ، لِأَنَّ أَيًّا هُنَا مَوْصُولَةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصْفَ الْمَعْنَوِيَّ فَأَيُّ مَوْصُوفٍ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وُصِفَ فِي الْأُولَى بِالضَّارِبِيَّةِ لِلْمُخَاطَبِ، وُصِفَ فِي الثَّانِيَةِ بالمضروبية لَهُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصْفٌ، وَالثَّانِيَ قَطْعٌ عَنْ الْوَصْفِ تَحَكُّمٌ، إلَّا أَنَّ يَوْمًا فِي قَوْلِكَ: لَا أَقْرَبُكُمَا الْيَوْمَ، أَقْرَبُكُمَا فِيهِ عَامٌّ بِعُمُومِ الْوَصْفِ، مَعَ أَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّ الضَّرْبَ قَائِمٌ بِالضَّارِبِ، فَلَا يَقُومُ بِالْمَضْرُوبِ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْوَصْفِ الْوَاحِدِ بِشَخْصَيْنِ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَّصِلٌ بِهِ حَقِيقَةً، فَيَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ الْيَوْمُ عَامًّا بِهِ، وَأَيْضًا " الْمَفْعُولُ بِهِ " فَضْلَةٌ ثَبَتَ ضَرُورَةً، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي التَّعْمِيمِ بِخِلَافِ الْمَفْعُولِ فِيهِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِهِ، وَقَصَدَ وَصْفَهُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الضَّرْبَ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ وَصْفٌ لَهُ، وَتَعَلُّقٌ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ وَصْفٌ لَهُ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي قِيَامِ الْإِضَافَاتِ بِالْمُضَافَيْنِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ يَحْتَاجُ إلَى الْمَفْعُولِ فِي التَّعَقُّلِ وَالْوُجُودِ جَمِيعًا، وَإِلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي الْوُجُودِ فَقَطْ، فَاتِّصَالُهُ بِالْأَوَّلِ أَشَدُّ، وَأَثَرُ الْمَفْعُولِ بِهِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ فِي رَبْطِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ لَا فِي التَّعْمِيمِ، وَكَوْنُهُ ضَرُورِيًّا لَا يُنَافِي الرَّبْطَ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْفَاعِلُ أَيْضًا الضَّرُورَةُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي التَّعْمِيمِ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ فَضْلَةٍ لَا يُنَافِي الضَّرُورَةَ بَلْ يُؤَكِّدُهَا.