الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُمُومِ الصَّلَاحِيَةِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ، وَتَسْمِيَتُهُ عَامًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَوَارِدَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ عَامٌّ. وَيُقَالُ لَهُ: عُمُومُ الْبَدَلِ أَيْضًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ عُمُومَ الشُّمُولِ كُلِّيٌّ، وَيُحْكَمُ فِيهِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ، وَعُمُومُ الصَّلَاحِيَةِ كُلِّيٌّ، أَيْ لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ.
[تَفَاوُتُ صِيَغِ الْأَعَمِّ]
[تَفَاوُتُ صِيَغِ الْأَعَمِّ] الثَّالِثُ: صِيَغُ الْأَعَمِّ تَتَفَاوَتُ. قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ فِي " التَّقْرِيبِ " أَعَمُّ الْأَسْمَاءِ قَوْلُنَا مَعْلُومٌ وَمَذْكُورٌ، لِتَنَاوُلِهِ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ، ثُمَّ شَيْءٌ وَمَوْجُودٌ لِتَنَاوُلِهِ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ، ثُمَّ مُحْدَثٌ لِتَنَاوُلِ الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ، ثُمَّ جِسْمٌ ثُمَّ حَيَوَانٌ ثُمَّ إنْسَانٌ ثُمَّ رَجُلٌ ثُمَّ أَنَا وَأَنْتَ.
[مَا يَدْخُلُهُ الْعُمُومُ وَمَا لَا يَدْخُلُهُ]
ُ وَالْكَلَامُ فِي الْعُمُومِ فِي مَوَاضِعَ:
أَحَدِهِمَا: هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْقَوْلِ النَّفْسِيِّ؟ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ تَصَوُّرُهُ، كَمَا قَالُوا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ يَرْجِعَانِ إلَى الْكَلَامِ، ثُمَّ الْكَلَامُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي يَعُمُّ وَيَخُصُّ، وَالصِّيَغُ وَالْعِبَارَاتُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَلَا تُسَمَّى بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ إلَّا تَجَوُّزًا كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ يَرْجِعَانِ إلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ دُونَ الصِّيَغِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ وَصْفَانِ رَاجِعَانِ إلَى الْعِبَارَاتِ وَالصِّيَغِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. انْتَهَى. وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظُهُورَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِجَمَاعَةِ الْأَشْعَرِيَّةِ فِيمَا قَالُوهُ، وَصَرَفَ عُمُومَ النَّفْسِيِّ إلَى عُمُومٍ فِيهَا تَكُونُ الْمَعْلُومَاتُ عَلَى جِهَاتٍ دُونَ جِهَاتٍ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَنْكَرْت وُجُودَ قَوْلٍ فِي النَّفْسِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الِاسْتِيعَابِ بِنَفْسِهِ وَحَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا إثْبَاتُ قَوْلٍ فِي النَّفْسِ هُوَ خَبَرٌ عَنْ مَعْنَى الْعُمُومِ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ، وَالنِّزَاعُ فِيهِ.
الثَّانِي: هَلْ الْعُمُومُ فِي الْعُمُومِ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: هَذَا عَطَاءٌ عَامٌّ، هَلْ ذِكْرُ الْعُمُومِ هُنَا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ: إنَّهُ مَجَازٌ لِكَوْنِ مَا تَنَاوَلَهُ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ الْعَطَاءِ مُخْتَصًّا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ صَاحِبُهُ، بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى:{الْمُشْرِكِينَ} فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مُشْرِكٍ تَنَاوُلًا وَاحِدًا. وَقِيلَ: حَقِيقَةً، وَالْخِلَافُ فِي هَذَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.
الثَّالِثِ: هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْأَحْكَامِ حَتَّى يُقَالَ: حُكْمُ قَطْعِ السَّارِقِ عَامٌّ؟ أَنْكَرَهُ الْقَاضِي، فَإِذَا قِيلَ: حُكْمُ اللَّهِ عَامٌّ فِي قَطْع السَّارِقِ، فَكُلُّ سَارِقٍ يَخْتَصُّ بِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ، وَأَثْبَتَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْقَطْعَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا السَّارِقُ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، فَلَعَلَّهُ تَخَرَّجَ عَلَى الْقَوْلِ بِرُجُوعِ الْأَحْكَامِ إلَى صِفَاتِ النَّفْسِ؛ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْأَحْكَامُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الشَّارِعِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: الْحَقُّ ابْتِنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ أَوْ إلَى وَصْفٍ يَرْجِعُ إلَى الذَّاتِ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، لَمْ يُتَصَوَّرْ الْعُمُومُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَفْعَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ، فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{وَالسَّارِقُ} يَشْمَلُ كُلَّ السَّارِقِ، فَنَفْسُ الْقَطْعِ فِعْلٌ، وَالْأَفْعَالُ لَا عُمُومَ لَهَا حَقِيقَةً.
الرَّابِعِ: هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْأَفْعَالِ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي كِتَابِهِ " مَسَائِلِ الْخِلَافِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ": دَعْوَى الْعُمُومِ فِي الْأَفْعَالِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْعُمُومَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى أَشْيَاءَ مُتَغَايِرَةٍ، وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَاحْتَجَّ الْخَصْمُ بِقَوْلِهِ: (حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ)، دَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ يَقْتَضِي تَعَدِّيهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ النِّزَاعِ مِنْهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَصِحُّ الْعُمُومُ إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ، وَأَمَّا فِي الْأَفْعَالِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ عُرِفَتْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ، وَإِلَّا صَارَ مُجْمَلًا. فَهَذَا عُرِفَتْ صِفَتُهُ قَوْلُ الرَّاوِي:«جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» فَهَذَا مَقْصُورٌ عَلَى السَّفَرِ. وَمِنْ الثَّانِي: قَوْلُهُ: «فِي السَّفَرِ» فَلَا يَدْرِي إنْ كَانَ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا، فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَلَا نَدَّعِي فِيهِ الْعُمُومَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: أَطْلَقَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَقْوَالِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَفْعَالِ، أَعْنِي: فِي ذَوَاتِهَا، فَأَمَّا فِي أَسْمَائِهَا فَقَدْ يَتَحَقَّقُ، وَلِهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ ادِّعَاءُ الْعُمُومِ فِي أَفْعَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَنْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ يَدْخُلُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ، بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ» فَالْعُمُومُ فِي الْأَقْوَالِ دُونَ الْمَعَانِي وَالْأَفْعَالِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: يَكُونُ الْعُمُومُ فِي الْأَفْعَالِ كَالْأَقْوَالِ، وَلِذَلِكَ اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ كُلَّ فِطْرٍ بِمَعْصِيَةٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إطْلَاقُ مَعْنَى الْعُمُومِ يَصِحُّ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، وَدَلَائِلِ الْأَلْفَاظِ مِنْ مَفْهُومٍ أَوْ دَلِيلِ خِطَابٍ، وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ الْفِعْلِ الْمَقْضِيِّ فِيهِ بِحُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، إذَا تَرَكَ فِيهِ التَّفْصِيلَ؛ كَتَخْيِيرِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ بَيْنَهُمَا، وَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرٍ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ وَلَمْ، نَسْأَلْهُ عَنْ حَقِيقَةِ عُقُودِهِنَّ وَقَعْنَ
مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَأَمَّا نَفْسُ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ، كَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَهَا فَسَجَدَ» ، لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ كُلَّ سَهْوٍ يُوجِبُ السُّجُودَ.
الْخَامِسِ: لَا خِلَافَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ صِيَغِ الْأَلْفَاظِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُصُولِيَّ إذَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْعَامِّ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا اللَّفْظُ. قَالَ فِي " الْبَدِيعِ " بِمَعْنَى وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَفْهُومِ، لَا بِمَعْنَى الشَّرِكَةِ فِي اللَّفْظِ، يُرِيدُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَامًّا حَقِيقَةً أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ اللَّفْظِ عَامًّا كَوْنَهُ مُشْتَرَكًا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، كَالْقُرْءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، بَلْ الِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ.
وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: إنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا يُظَنُّ بِهِ إنْكَارُ كَلَامِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا الظَّنُّ بِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصِّيَغَ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ فِيهَا. انْتَهَى.
وَأَمَّا فِي الْمَعَانِي فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَامًّا حَقِيقَةً، وَإِذَا أُضِيفَ الْعُمُومُ إلَى مَعْنًى كَقَوْلِنَا: هَذَا حُكْمٌ عَامٌّ أَوْ قَضِيَّةٌ أَوْ حَدِيثٌ عَامٌّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِطْلَاقِ الْمَجَازِيِّ، أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَعْنَى بِحَقِّ الْأَصْلِ أَنْ يُوصَفَ بِالْعُمُومِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الِاسْتِعَارَةِ: إمَّا مِنْ اللَّفْظِ، أَوْ نَظَرٍ إلَى شُمُولِ مَجْمُوعِ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِمَجْمُوعِ مَحَالِّهِ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْعُمُومِ فِي الْعِلَّةِ وَالْمَفْهُومِ وَنَحْوِهِمَا، فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهَا الْعُمُومَ لَا يُنَاقِضُ اخْتِيَارَهُ هُنَا أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُسَمَّى عَامًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ، لِأَنَّا إذَا قُلْنَا: مُسْلِمُونَ أَوْ الْمُسْلِمُونَ، عَادَ الِاسْتِغْرَاقُ إلَى الصِّيغَةِ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ الْمُتَّحِدَةَ هِيَ الْمُتَنَاوِلَةُ لِلْكُلِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي الْمَعَانِي، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَمَّهُمْ الْخَصْبُ وَالرَّجَاءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ، فَإِنَّ الْمَعَانِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنَّ مَا خَصَّ هَذِهِ الْبُقْعَةَ غَيْرُ مَا خَصَّ الْأُخْرَى. وَقَالَ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ ": الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى الْأَلْفَاظِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ لَا يَشْمَلُ الْكُلَّ، فَإِنَّ اللَّذَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِزَيْدٍ غَيْرُ الَّتِي حَصَلَتْ لِعَمْرٍو.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ ": الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ إلَّا الْقَوْلُ فَقَطْ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ادِّعَاؤُهُ فِي الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِ الْخِطَابِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ صِيغَةٌ تَعُمُّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] أَيْ نَفْسُ الْمَيْتَةِ وَعَيْنُهَا، لَمَّا لَمْ يَصِحَّ تَنَاوُلُ التَّحْرِيمِ لَهَا عَمَّ التَّحْرِيمُ جَمِيعَ التَّصَرُّفِ مِنْ الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاللَّمْسِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَحْكَامِ ذِكْرٌ فِي التَّحْرِيمِ بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» عَامٌّ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالِ، وَاَلَّذِي يَقُولُهُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَوْلِ، وَإِنَّ وَصْفَهُمْ الْجَوْرَ وَالْعَدْلَ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَجَازٌ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي " التَّقْوِيمِ ": الْعُمُومُ لَا يَدْخُل فِي الْمَعَانِي عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْتِظَامُهَا تَحْتَ لَفْظٍ وَاحِدٍ، إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ فِي أَنْفُسِهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَدَافَعَتْ، وَهَذَا كَالْمُشْتَرَكِ فَلَا عُمُومَ لَهُ؛ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلِّ.
وَقَالَ: وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْعُمُومَ مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْأَسَامِي وَالْمَعَانِي، وَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ فِي الْعِبَارَةِ دُونَ الْمَذْهَبِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مِنْ بَعْدُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْمَعَانِي مَعْنًى وَاحِدًا عَامًّا، كَقَوْلِنَا: خِصْبٌ عَامٌّ وَمَطَرٌ عَامٌّ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَلْفَاظِ وَهُوَ غَلَطٌ. فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَعَانِيَ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَتْ تُوصَفُ بِهِ مَجَازًا،
وَهَذَا خِلَافُ طَرِيقَةِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ، فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعَانِي أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَعَمَّمَ الْحَقِيقَةَ فِي الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَ بِعُمُومِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ. ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ.
وَقَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: الْحَقُّ هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، وَبَيْنَ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَذْهَانِ، فَإِنْ عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ الْمَعَانِيَ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالْعُمُومِ، الْمَعَانِيَ الْمَوْجُودَةَ خَارِجَ، فَهُوَ حَقٌّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَخَصِّصًا بِمَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ وَحَالٍ مَخْصُوصٍ، وَمُتَخَصِّصًا بِعَوَارِضَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِأُمُورٍ عَدِيدَةٍ.
وَإِنْ عَنَوْا بِهِ مُطْلَقَ الْمَعَانِي - سَوَاءٌ كَانَتْ ذِهْنِيَّةً أَوْ خَارِجِيَّةً - فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ الذِّهْنِيَّةَ عَامَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَعْنًى وَاحِدٌ مُتَنَاوِلٌ لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ: وَلَا يَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي اللَّفْظِ، إذْ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ وُجُودِهِ بِاللِّسَانِيِّ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْإِطْلَاقِ اللُّغَوِيِّ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ، أَيْ وَيَصِيرُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا، وَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدٍ مُتَعَلِّقٍ بِمُتَعَدِّدٍ فَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَعَانِي الذِّهْنِيَّةِ، وَالْأُصُولِيُّونَ يُنْكِرُونَ وُجُودَهَا.
قُلْت: وَصَرَّحَ الْهِنْدِيُّ فِي " الرِّسَالَةِ السَّيْفِيَّةِ ": بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّغَةِ، فَقَالَ: الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ خَاصَّةً بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ إجْمَاعًا، وَكَذَا اللُّغَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا. انْتَهَى. وَفَصَّلَ ابْنُ بَرْهَانٍ بَيْنَ الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةِ مِثْلَ: حِكْمَةِ الرَّدْعِ فِي نَصْبِ الْقَتْلِ سَبَبًا فَهِيَ مِثْلُ الْحُكْمِ يَجْرِي فِيهَا الْعُمُومُ، وَبَيْنَ الْجُزْئِيَّةِ فَلَا يَجْرِي فِيهَا الْعُمُومُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي " غَايَةِ الْأَمَلِ ": لَعَلَّ مَنْ مَنَعَ عُرُوضَ الْعُمُومِ لِلْمَعَانِي لَمْ يَكُنْ إلَّا لِنَظَرِهِ إلَى مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْهَا، وَغَفْلَتِهِ عَنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى كُلِّيَّتِهَا. فَتَحَصَّلْنَا عَلَى ثَمَانِيَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدِهَا: أَنَّهُ لَا يَعْرِضُهُمَا مُطْلَقًا.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً.
وَالثَّالِثِ: أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا حَقِيقَةً بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ.
الرَّابِعِ: أَنَّهُ يَعْرِضُهُمَا حَقِيقَةً بِالتَّوَاطُؤِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يُخَرَّجَانِ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِهِ " الْعِقْدِ الْمَنْظُومِ ".
وَالْخَامِسِ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعَانِي مَجَازٌ فِي الْأَلْفَاظِ. قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ": نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَهُوَ غَرِيبٌ.
السَّادِسِ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ.
السَّابِعِ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ.
وَالثَّامِنِ: الْوَقْفُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ، فَإِنَّهُ أَبْطَلَ أَدِلَّةَ
الْقَائِلِينَ بِالْحَقِيقَةِ وَالْقَائِلِينَ بِالْمَجَازِ، وَلَمْ يَخْتَرْ مِنْهَا شَيْئًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ.
وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَفْهُومَ لَا عُمُومَ لَهُ عَلَى رَأْيِ الْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ. وَمِنْهَا: دَلَالَةُ الِاقْتِضَاءِ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ أَمْ لَا؟ وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي تَأَمُّلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً، وَأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَقْلَ هَلْ يَخْتَصُّ؟ وَمِنْهَا: سُكُوتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَكُونُ دَلِيلًا عَامًّا؟ تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَانِي هُنَا الْمَعَانِي الْمُسْتَقِلَّةُ، وَلِهَذَا مَثَّلُوهُ بِالْمَفْهُومِ وَالْمُقْتَضَى، لَا الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لِلْأَلْفَاظِ، فَتِلْكَ لَا خِلَافَ فِي عُمُومِهَا، لِأَنَّ لَفْظَهَا عَامٌّ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّا كَمَا نَقُولُ: لَفْظٌ عَامٌّ، أَيْ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ، كَذَلِكَ نَقُولُ لِلْمَعْنَى: إنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا، فَنَقُولُ: الْحَيَوَانُ عَامٌّ فِي النَّاطِقِ وَالْبَهِيمَةِ، وَالْعَدَدُ عَامٌّ فِي الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَاللَّوْنُ عَامٌّ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْمَطَرُ عَامٌّ. وَهَذِهِ كُلُّهَا عُمُومَاتٌ مَعْنَوِيَّةٌ، لَا لَفْظِيَّةٌ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ تَصَوُّرِنَا لَهَا، وَإِنْ جَهِلْنَا اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ بِإِزَائِهَا: هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ عَجَمِيٌّ؟ شَامِلٌ أَوْ غَيْرُ شَامِلٍ؟ وَأَمَّا عُمُومُ اللَّفْظِ فَلَا نَقُولُ: هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ حَتَّى نَتَصَوَّرَ اللَّفْظَ نَفْسَهُ، وَنَعْلَمَ مِنْ أَيِّ لُغَةٍ هُوَ، وَهَلْ وَضَعَهُ أَهْلُ تِلْكَ اللُّغَةِ عَامًّا شَامِلًا أَوْ غَيْرَ شَامِلٍ؟ فَلَوْ وَجَدْنَاهُ شَامِلًا سَمَّيْنَاهُ عَامًّا، وَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ شَامِلًا لَمْ نُسَمِّهِ عَامًّا
عُمُومَ الشُّمُولِ، وَقَدْ نُسَمِّيهِ عَامًّا عُمُومَ الصَّلَاحِيَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ يَصْلُحُ لِلْمَعْنَى وَاللَّفْظِ، وَهَلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ؟ فِيهِ مَا سَبَقَ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فَرَضُوهُ فِي الْعَامِّ، وَلَمْ يُجْرُوهُ فِي الْخُصُوصِ: هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعَانِي أَمْ لَا؟ وَلَا شَكَّ فِي طَرْدِهِ. قَالَ الْمُقْتَرِحُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ اخْتَلَفُوا عَلَى مَذْهَبَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعَامَّ رَاجِعٌ إلَى وَصْفِ مُتَعَلِّقِ الْعِلْمِ كَالْخَبَرِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُخْبِرِينَ وَالْعِلْمِ بِمَعْلُومِينَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا صِفَتَانِ زَائِدَتَانِ عَلَى الْمَعَانِي وَهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ.
الثَّالِثُ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى يُقَالُ لَهُ: أَعَمُّ وَأَخَصُّ، وَاللَّفْظُ يُقَالُ: لَهُ عَامٌّ وَخَاصٌّ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ " أَعَمَّ " صِيغَةُ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ وَالْمَعَانِي أَفْضَلُ مِنْ الْأَلْفَاظِ، فَخُصَّتْ بِصِيغَةِ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ، وَإِطْلَاقُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ يُخَالِفُ هَذَا الِاصْطِلَاحَ.
الرَّابِعُ: الْمَعْرُوفُ مِنْ إطْلَاقَاتِهِمْ أَنَّ الْأَخَصَّ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْأَعَمِّ، وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُقْتَرَحِ " الْأَعَمُّ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَخَصِّ " قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهِ: وَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ إنْ كَانَا فِي الْأَلْفَاظِ فَالْأَخَصُّ مِنْهُمَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَعَمِّ. لِأَنَّ لَفْظَ " الْمُشْرِكِينَ " مَثَلًا يَتَنَاوَلُ زَيْدًا الْمُشْرِكَ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي الْمَعَانِي فَالْأَعَمُّ مِنْهَا مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْأَخَصِّ، لِأَنَّ زَيْدًا إذَا وُجِدَ بِخُصُوصِهِ انْدَرَجَ فِيهِ عُمُومُ الْجَوْهَرِيَّةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّة وَالنَّاطِقِيَّةِ.