الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَانَ الصَّيْدُ اسْمًا لِلْفِعْلِ، فَلَمَّا قَالَ:{لا تَقْتُلُوا} [المائدة: 95] اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْفِعْلِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَقَعَتْ إلَى عَيْنِ الْمَصِيدِ، ثُمَّ عَطَفَ بِقَوْلِهِ:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] فَكَانَ الْمَعْطُوفُ الثَّانِي عَلَى الْعَطْفِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا: إنَّ الْعَطْفَ عَلَى حُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ: وَلِذَلِكَ قَالَ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا جَرَيْنَ كَانَ لِلْفِعْلِ الثَّانِي، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يُعْهَدْ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى هَذَا رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إلَى الْحَقِيقَةِ فِي الثَّانِي، فَكَانَ لِلْفِعْلِ.
وَالْأَجْوَدُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إنَّهُ لِلْفِعْلِ وَالْمَصِيدِ نَفْسِهِ، فَقَدْ حَرَّمَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْمَصِيدِ، وَإِذَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ حُمِلَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لِلْفِعْلِ قَوْلُهُ:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فِعْلُ الْبَرِّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عَيْنَ الْمَصِيدِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، ثُمَّ قَالَ:{لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] فَكَانَ الْأَوَّلُ مَحْمُولًا عَلَى الْبَائِنِ وَالرَّجْعِيَّةِ، وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ.
[مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْكَلَامِ خَاصًّا وَآخِرُهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ]
مَسْأَلَةٌ
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَوَّلُ الْكَلَامِ خَاصًّا، وَآخِرُهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ - فَلَا يَكُونُ خُصُوصُ أَوَّلِهِ مَانِعًا مِنْ عُمُومِ آخِرِهِ، كَالْعَكْسِ. ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: 39] فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي صِنْفٍ مِنْ الظَّالِمِينَ. وَهُمْ السُّرَّاقُ، وَالتَّوْبَةُ بَعْدَ الظُّلْمِ وَالْإِصْلَاحِ لِجَمِيعِ الظَّالِمِينَ وَقَوْلُهُ:{وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4]
فَكَانَ هَذَا لِلْمُطَلَّقَاتِ، ثُمَّ قَالَ:{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ.
وَذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ النَّحْوِيُّ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] كَانَ أَوَّلُهُ خَاصًّا بِالْأَوْلَادِ، وَآخِرُهُ يَشْمَلُ الْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ إذَا وَرِثُوا، فَإِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَلَوْ قِيلَ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْأَوْلَادِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ: مِنْهُمْ دَلَّ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ. قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْعَكْسِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ:«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . تَنْبِيهٌ
إذَا تَقَدَّمَ الْمَعْنَى الْمُخَصَّصُ، وَتَأَخَّرَ اللَّفْظُ الْعَامُّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا التَّخْصِيصُ، وَلِهَذَا خَصُّوا قَوْلَهُ عليه السلام:«إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» بِالْوَصِيَّةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَقَالُوا: إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ، يَصِحُّ. فَلَمْ يَعْتَبِرُوا الْعُمُومَ، لِأَجْلِ سَبْقِ الْعِلَّةِ الْمُخَصِّصَةِ.