الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَائِدَةٌ أَلْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ]
الثَّانِي: أَنَّ أَدَاةَ الْعُمُومِ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ فَهَلْ تَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَيَصِيرُ لِلْجِنْسِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهِ وَهُوَ الْوَاحِدُ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى الْكَلِمَةِ عُمُومَانِ أَوْ مَعْنَى الْجَمْعِ بَاقٍ مَعَهَا؟ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَوَّلُ، وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِنَا الثَّانِي وَلِهَذَا اشْتَرَطُوا ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الْعَامِلِينَ، وَقَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ حَنِثَ عِنْدَهُمْ بِالْوَاحِدِ، وَعِنْدَنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمْعِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى كَوْنِهِ جَمْعَ كَثْرَةٍ حَتَّى لَا يَحْنَثَ إلَّا بِأَحَدَ عَشَرَ. نَعَمْ، ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ " الْحَاوِي " أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ، لِأَنَّ نَفْيَ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ، وَإِثْبَاتَ الْجَمْعِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَقَالَ السُّرُوجِيُّ فِي " الْغَايَةِ ": ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ أَنَّ اللَّامَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجُمُوعِ تَجْعَلُهَا لِلْجِنْسِ كَقَوْلِنَا، لَكِنَّ اشْتِرَاطَهُمْ الثَّلَاثَةَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فِي الزَّكَاةِ يُخَالِفُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
قُلْت: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ، وَقَعَ عَلَى الْعَشَرَةِ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى الْأُسْبُوعِ وَالسَّنَةِ، لِأَنَّهُ أَمْكَنُ الْعَهْدِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ، وَالرَّاجِحُ مَا صَارَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا بِالصِّيغَتَيْنِ، وَهُوَ بَقَاءُ مَعْنَى اللَّامِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمَلُ،
قَالَ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ.
وَيُلْزِمُ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنْهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا تَخْصِيصُهُ وَكَذَلِكَ فِي اسْمِ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30]{إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: 31] وَقَالَ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ تَخْصِيصِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَتَنَاهَى.
وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 2 - 3] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَالْبَاقِي بَعْدَ تَخْصِيصِ الرِّبَا تَحْتَ الْبَيْعِ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْكُلِّ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَأَيْضًا اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى جَوَازِ: جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُطْلَقَ جِنْسٌ مِنْ الْأَجْنَاسِ إلَّا عَلَى الْفَرْدِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ عَلَى كُلِّ الْجِنْسِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النُّحَاةَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِدُونِ تَقَيُّدِهِمْ بِالْفَرْدِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْكُلِّ، بَلْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالُوا: الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ لِصَلَاحِيَتِهِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَثْنِيَتِهِ وَجَمْعِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَفْسِيرِهِ: اللَّامُ تُفِيدُ الِاسْتِيعَابَ، وَالْجَمْعِيَّةُ تُفِيدُ التَّعَدُّدَ، وَمَا كُلُّ تَعَدُّدٌ اسْتِيعَابًا، فَإِنْ قُلْت: أَلَيْسَ يَتَدَاخَلُ التَّعَدُّدُ وَالِاسْتِيعَابُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِالِاسْتِيعَابِ، فَلَا يَحْتَاجُ مَعَ لَامِ الْجِنْسِيَّةِ