المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المسألة الثانية صحة دعوى العموم فيما جاء من الشارع ابتداء] - البحر المحيط في أصول الفقه - ط الكتبي - جـ ٤

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[مَبَاحِثُ الْعَامِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْعَامِّ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ عُمُومِ الشُّمُولِ وَعُمُومِ الصَّلَاحِيَةِ]

- ‌[تَفَاوُتُ صِيَغِ الْأَعَمِّ]

- ‌[مَا يَدْخُلُهُ الْعُمُومُ وَمَا لَا يَدْخُلُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ لَيْسَ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ لَيْسَ أَمْرًا كُلِّيًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْعُمُومِ عَلَى الْأَفْرَادِ هَلْ هِيَ قَطْعِيَّةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ هَلْ هُوَ عَامٌّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَا يَبْلُغُهُ الْمُخَصِّصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ]

- ‌[الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ]

- ‌[التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْمُخَصِّصِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ]

- ‌[تَفْرِيعٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ]

- ‌[الْمَذَاهِبُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْبَحْثُ عَنْ مُخَصِّصٍ]

- ‌[مَثَارَ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ أَمْرَانِ]

- ‌[هَلْ يُؤَوَّلُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْبَحْثِ فِي الْمُخَصِّصِ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُقُوفِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ]

- ‌[تَقْسِيمُ الصَّيْرَفِيِّ الْعَامَّ إلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[الْبَحْثُ عَنْ مُخَصِّصٍ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصُّورَةُ النَّادِرَةُ هَلْ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ مَا يَمْنَعُ دَلِيلُ الْعَقْلِ مِنْ دُخُولِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ الصُّوَرُ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْسِيمِ صِيَغِ الْعُمُومِ]

- ‌[الصِّيغَةُ الْأُولَى كُلُّ]

- ‌[اللَّفْظُ الثَّانِي جَمِيعٌ]

- ‌[اللَّفْظُ الثَّالِثُ سَائِرٌ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ مَعْشَرٌ وَمَعَاشِرُ وَعَامَّةٌ وَكَافَّةٌ وَقَاطِبَةٌ]

- ‌[الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ مَنْ وَمَا الشَّرْطِيَّتَيْنِ أَوْ الِاسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ]

- ‌[الْعَاشِرُ أَيُّ]

- ‌[الْحَادِيَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْخَامِسِ عَشَرَ مَتَى وَأَيْنَ وَحَيْثُ وَكَيْفَ وَإِذَا الشَّرْطِيَّةُ]

- ‌[السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ مَهْمَا وَأَنَّى وَأَيَّانَ وَإِذْ مَا وَأَيُّ حِينٍ وَكَمْ]

- ‌[الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ الْأَسْمَاءُ الْمَوْصُولَةُ]

- ‌[الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ]

- ‌[الْجَمْعُ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ]

- ‌[مَا يُفِيدُهُ جَمْعُ السَّلَامَةِ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ]

- ‌[مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُ الْجَمْعِ]

- ‌[فَائِدَةٌ أَلْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ]

- ‌[اسْمُ الْجَمْعِ إذَا دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ]

- ‌[أَقَلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الطَّائِفَةِ]

- ‌[اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ]

- ‌[الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْإِضَافَةُ]

- ‌[فَرْعٌ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَقَالَ زَوْجَتِي طَالِقٌ]

- ‌[تَنْبِيهٌ الْبَعْضُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْجُزْءِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ إذَا أُضِيفَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ]

- ‌[الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ]

- ‌[السَّادِسَةُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ إذَا كَانَتْ جَمْعًا]

- ‌[السَّابِعَةُ إنْ كَانَتْ النَّكِرَةُ مُثْبَتَةً لَمْ تَعُمَّ]

- ‌[الثَّامِنَةُ مِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ لِلْعُمُومِ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ]

- ‌[التَّاسِعَةُ إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ الشَّرْطِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إفَادَةُ الْمَصْدَرِ الْعُمُومَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَرَاتِبِ الصِّيَغِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ ضَمِيرُ الْجَمْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ أَقَلِّ الْجَمْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ] [

- ‌الْأُولَى الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إذَا جَعَلْنَاهُ لِلْعُمُومِ]

- ‌[الثَّانِيَةُ إذَا عَلَّقَ الشَّارِعُ حُكْمًا فِي وَاقِعَةٍ عَلَى عِلَّةٍ تَقْتَضِي التَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمُقْتَضَى هَلْ هُوَ عَامٌّ أَمْ لَا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَذْفُ الْمَعْمُولِ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمَفْهُومَ هَلْ لَهُ عُمُومٌ أَمْ لَا]

- ‌[تَنْبِيهٌ الْمَفْهُومُ يَكُونُ عَامًّا إذَا كَانَ الْمَنْطُوقُ جُزْئِيًّا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْمُشْتَرَكُ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي عُمُومِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ إذَا كَانَ لَهُ جِهَاتٌ]

- ‌[صِيَغُ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ الَّذِي لَهُ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالٍ]

- ‌[قَوْلُ الرَّاوِي كَانَ يَفْعَلُ كَذَا هَلْ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَمْ لَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي عُمُومِ مِثْلِ قَوْلِهِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي اشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُشْكِلُ تَنَاوُلُهُ] [

- ‌الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَمْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي دُخُولِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَحْتَ الْخِطَابِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ دُخُولُ الْكَافِرِ فِي الْخِطَابِ الصَّالِحِ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْخِطَابُ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْخِطَابُ بِ يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَلْ يَشْمَلُ الْكُفَّارَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ قَدْ يَجِيءُ الْخِطَابُ بِيَا أَيُّهَا النَّاسُ لِلْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ هَلْ يَشْمَلُ الْمَعْدُومِينَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ هَلْ خِطَابُ اللَّهِ رَسُولَهُ بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ يَشْمَلُ أُمَّتَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ إنْ اخْتَصَّ بِهِمْ لَا يَدْخُلُ الرَّسُولُ تَحْتَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الْخِطَابُ الْخَاصُّ بِوَاحِدٍ هَلْ يَشْمَلُ غَيْرَهُ]

- ‌[تَنْبِيهٌ تَطْبِيبُهُ هَلْ يُفِيدُ التَّعْمِيمَ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ دُخُولُ الْمُخَاطِبِ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ دُخُولُ الْمُخَاطَبِ فِي عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرَائِنِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا صَارِفَةٌ لِلَّفْظِ عَنْ الْعُمُومِ وَفِيهِ مَسَائِلُ] [

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْخَارِجُ عَلَى جِهَةِ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ صِحَّةِ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا جَاءَ مِنْ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً]

- ‌[الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ لِوَاقِعَةٍ وَقَعَتْ]

- ‌[إذَا كَانَ سَبَبُ الْوَاقِعَةِ شَرْطًا فَهَلْ يَعُمُّ الْخِطَابُ الْوَارِدُ عَلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ]

- ‌[تَحْقِيقُ مُرَادِهِمْ بِالسَّبَبِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمُوَافِقِ لَهُ فِي الْحُكْمِ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ هَلْ يُخَصِّصُ الْعَامَّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا ذُكِرَ الْعَامُّ وَعُطِفَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَفْرَادِهِ مِمَّا حَقُّ الْعُمُومَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمَعْطُوفَ إذَا كَانَ خَاصًّا لَا يُوجِبُ التَّخْصِيصَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَفْظُ الْعَامِ إذَا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى عُمُومٍ قَبْلَهُ وَأَمْكَنَ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَة إذَا وَرَدَ اللَّفْظُ الْعَامُّ ثُمَّ وَرَدَ عَقِيبَهُ تَقْيِيدٌ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْكَلَامِ خَاصًّا وَآخِرُهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا ذُكِرَ الْعَامُّ ثُمَّ ذُكِرَ بَعْضُ أَفْرَادِهِ بِقَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ]

- ‌[مَبَاحِثُ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ وَالتَّخْصِيصِ] [

- ‌تَعْرِيفُ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا]

- ‌[تَعْرِيفُ الْمُخَصَّصِ]

- ‌[تَعْرِيفُ التَّخْصِيصِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحُكْمُ إذَا عُلِّقَ بَعْدَهُ هَلْ يَكُونُ تَعْلِيقُهُ بِمَا دُونَهُ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِطَابُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ عُمُومَاتُ الْقُرْآنِ مَخْصُوصَةٌ فِي الْأَكْثَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعُمُومُ الْمُؤَكَّدُ بِكُلٍّ وَنَحْوِهَا هَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الْغَايَةِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا التَّخْصِيصُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامُ إذَا خُصَّ هَلْ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْعَامُّ إذَا خُصَّ فَإِمَّا أَنْ يُخَصَّ بِمُبْهَمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ الْمُخَصِّصِ] [

- ‌أَقْسَامُ الْمُخَصَّص]

- ‌[الْأَوَّلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمُخَصَّص]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٍّ أَوْ مِنْ عَدَدٍ شَائِعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ شُرُوطُ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُجُودُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ]

- ‌[الْمَذَاهِبُ فِي تَقْدِيرِ دَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ أَوْ الْبَيَانِ]

- ‌[تَنْبِيهٌ جَعْلُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ التَّحْرِيمِ إبَاحَةٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاسْتِثْنَاءُ الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِجَمْعِهَا وَلِبَعْضِهَا]

- ‌[الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَوَسِّطُ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْجُمَلُ وَجَاءَ بَعْدَهَا ضَمِيرُ جَمْعٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وَقَعَ بَعْدَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى جُمْلَةٌ تَصْلُحُ صِفَةً لِكُلِّ مِنْهُمَا]

- ‌[الْمُخَصِّصُ الثَّانِي الشَّرْطُ]

- ‌[هَلْ لِلشَّرْطِ دَلَالَةٌ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ]

- ‌[مَسْأَلَة يَنْقَسِمُ الشَّرْط إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي صِيغَتِهِ الشَّرْط]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ حَقِّ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ إلَّا عَلَى الْمُنْتَظَرِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ أَحْكَام الشَّرْط إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ عُلِمَ إخْرَاجُهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ قَدْ يَتَّحِدَانِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ تَأْخِيرُ الشَّرْطِ عَنْ الْمَشْرُوطِ فِي اللَّفْظِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَدْ يَرِدُ الْكَلَامُ عَرِيًّا عَنْ الشَّرْطِ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا فِيهِ]

- ‌[الشَّرْطُ مُخَصِّصٌ لِلْأَحْوَالِ لَا لِلْأَعْيَانِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وُجُوبُ اتِّصَالِ الشَّرْطِ فِي الْكَلَامِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ إذَا تَعَقَّبَهَا شَرْطٌ]

- ‌[حُكْمُ الشَّرْطِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْمَعْطُوفِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[دُخُولُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ الْمَشْرُوطُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ الشَّرْطِ أَوْ عَقِبَهُ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لَا يَلْزَمُ فِي الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا ضَرُورِيًّا بِالْعَقْلِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْحُكْمَ هُوَ الْجَزَاءُ وَحْدَهُ وَالشَّرْطُ قَيْدٌ بِمَنْزِلَةِ الظَّرْفِ وَالْحَالِ]

- ‌[الثَّالِثُ التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَوَسُّطُ الْوَصْفِ بَيْنَ الْجُمَلِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فَائِدَةُ الصِّفَةِ]

- ‌[الرَّابِعُ التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِالْبَدَلِ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِالْحَالِ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِالظَّرْفَيْنِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُمَيِّزِ إذَا وَرَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا لِلْمَجْمُوعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِلَفْظِهَا وَحُكْمِهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْحُكْمُ فِي الضَّمِيرِ إذَا اتَّصَلَ بِأَحَدِ الْأَجْنَاسِ مَعَ الْعَطْفِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إذَا ذُكِرَ حُكْمٌ وَعُقِّبَ بِشَرْطٍ ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُ إشَارَةٌ هَلْ تَعُودُ لِلشَّرْطِ أَوْ لِلْأَصْلِ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَّصِلَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ]

- ‌[الثَّانِي التَّخْصِيصُ بِدَلِيلِ الْحِسِّ]

- ‌[الثَّالِثُ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَفِيهِ مَبَاحِثُ] [

- ‌الْبَحْثُ الْأَوَّلُ فِي تَخْصِيصِ الْمَقْطُوعِ بِالْمَقْطُوعِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّانِي فِي تَخْصِيصِ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ وَفِيهِ مَسَائِلُ] [

- ‌الْأُولَى تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

- ‌[الثَّانِيَةُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

- ‌[الثَّالِثَةُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[الْبَحْثُ الثَّالِثُ فِي تَخْصِيصِ الْمَظْنُونِ بِالْقَطْعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مَنَعَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ الْإِجْمَاعَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي التَّخْصِيصِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُتْرَكُ الْعُمُومُ لِأَجْلِ السِّيَاقِ]

- ‌[الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ بِالْقَرَائِنِ وَالتَّخْصِيصِ بِالسَّبَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ التَّخْصِيصُ بِفِعْلِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعٌ لِأُمَّتِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَامِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخِطَابُ إذَا عُلِمَ خُصُوصُهُ وَلَمْ يُدْرَ مَا خَصَّهُ كَيْفَ يُعْمَلُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا ظُنَّ أَنَّهُ مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْعُمُومِ]

- ‌[التَّخْصِيصُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ]

- ‌[تَخْصِيصُ الْحَدِيثِ بِمَذْهَبِ رَاوِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالسَّبَبِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِقَضَايَا الْأَعْيَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ إذَا كَانَ هُوَ الْأَعْظَمَ الْأَشْرَفَ]

- ‌[خَاتِمَةٌ لَيْسَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي بِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ تَعَارُضِ الْمُفَسَّرِ وَالْمُجْمَلِ]

الفصل: ‌[المسألة الثانية صحة دعوى العموم فيما جاء من الشارع ابتداء]

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ صِحَّةِ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا جَاءَ مِنْ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وُرُودُهُ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ

فَتَقُولُ: لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيمَا جَاءَ مِنْ الشَّارِعِ ابْتِدَاءً كَقَوْلِهِ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» ، فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ، فَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ أَمْ لَا؟ . فَإِنْ كَانَ جَوَابًا، فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ لِلسُّؤَالِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، حَتَّى كَأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَامًّا فَعَامٌّ أَوْ خَاصًّا فَخَاصٌّ.

مِثَالُ خُصُوصِ السُّؤَالِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44] وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «أَيُنْقَصُ الرُّطَبُ

ص: 269

إذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا إذْنَ» وَكَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَطِئْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا فَيَقُولُ: عَلَيْك الْكَفَّارَةُ فَيَجِبُ قَصْرُ الْحُكْمِ عَلَى السَّائِلِ، وَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ، أَوْ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ بِصِفَتِهِ.

وَمِثَالُ عُمُومِهِ مَا لَوْ سُئِلَ عَمَّنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: يُعْتِقُ رَقَبَةً. فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ وَاطِئٍ فِي رَمَضَانَ. وَقَوْلُهُ: " يُعْتِقُ " وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْوَاحِدِ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ جَوَابًا عَمَّنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ بِلَفْظٍ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ جَامَعَ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَصَارَ السُّؤَالُ مُعَادًا فِي الْجَوَابِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حُمِلَ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَفْصِلْ " بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرْت "؟ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ، وَضُعِّفَ بِاحْتِمَالِ عِلْمِهِ بِالْحَالِ، فَأَجَابَ عَلَى مَا عَلِمَ.

وَقِيلَ: لَمَّا نُقِلَ السَّبَبُ وَهُوَ الْفِطْرُ، فَحُكِمَ فِيهِ بِالْعِتْقِ صَارَ كَأَنَّهُ عَلَّلَ وُجُوبَ الْعِتْقِ بِوُجُودِ الْفِطْرِ، لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْحُكْمِ تَعْلِيلٌ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ السَّائِلِ، وَهَذَا أَصَحُّ.

وَقِيلَ مِنْ قَوْلِهِ: (حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ)، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَالُ غَيْرِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ كَحَالِهِ وَكُلِّ وَصْفٍ مُؤَثِّرٍ لِلْحُكْمِ.

ص: 270

وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " مِنْ هَذَا الضَّرْبِ قَوْلَهُ: «أَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» فَقَالَ: لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَعَلُّقٍ بِمَذْكُورٍ قَبْلَهُ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُبْتَدَأُ بِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَمِنْ شَأْنِهِ صَدْرُ الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا قَبْلَهُ، وَقَدْ رَجَعَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَجَعَلَهُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَغَيْرُهُ. وَإِنْ اسْتَقَلَّ الْجَوَابُ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ وَرَدَ مُبْتَدَأً لَكَانَ كَلَامًا تَامًّا مُفِيدًا لِلْعُمُومِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ، كَمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ مَاءِ بُضَاعَةَ وَمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ فُورَكٍ، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَقْصُودًا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَمَثَّلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " هَذَا الْقِسْمَ بِحَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْتَاقُ بِالْوُقُوعِ الْمَذْكُورِ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ، لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الَّذِي اقْتَضَى الْحُكْمَ وَآثَارَهُ، فَيَعُمُّ كُلَّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ.

قَالَ: وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، مُضَمَّخٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ: وَعَلَى هَذِهِ الْجُبَّةِ، فَقَالَ: أَحْرَمْت انْزِعْ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ الصُّفْرَةَ» ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْفِدْيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ

ص: 271

وَاجِبَةٍ، وَالسَّبَبُ عُلِّقَ الْحُكْمُ بِمِثْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ جَرَيَانُ الْخِلَافِ إلَّا فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا.

وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ ": ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ " أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ يَكُونُ أَصْلًا، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مِثْلَهُ يَكُونُ فَرْعًا لَهُ بِعِلَّةٍ تَعَدَّتْ إلَيْهِ، كَمَا كَانَ الْأَرُزُّ فَرْعًا لِلْبُرِّ فِي إثْبَاتِ الرِّبَا فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ خِطَابَهُ صلى الله عليه وسلم لِوَاحِدٍ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ فَرْعًا لَهُ لَكَانَ هُوَ أَيْضًا فَرْعًا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ أَخَصَّ مِنْ السُّؤَالِ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ، فَيَقُولُ: مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ، فَيَخُصُّ الْجَوَابَ بِالْبَعْضِ، وَلَا يَعُمُّ بِعُمُومِ السُّؤَالِ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْرُهُمَا. لَكِنْ كَلَامُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَمَسُّ إلَى بَيَانِ مَا خَصَّصَهُ بِالذِّكْرِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَاجَةَ عَامَّةٌ فِي بَيَانِ جُمْلَةِ الْمِيَاهِ فَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ.

وَلِهَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ: إنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يُطَابِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّؤَالَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَنَعَمْ، كَقَوْلِهِ:«الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ، وَأَمَّا النُّقْصَانُ فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ جَمِيعِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَذْكُورِ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ يَعْلَمُ بِهِ السَّامِعُ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ قَبْلَ فَوْتِ الْحَادِثَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسُوغُ، فَإِنْ لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَأْخِيرِ الْبَيَانِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ فُورَكٍ وَصَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " وَغَيْرُهُمْ: هَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يُنَبِّهَ فِي الْجَوَابِ عَلَى حُكْمِ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُجْتَهِدًا، وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ التَّنْبِيهُ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْمُجْتَهِدِ مَنْ لَهُ قُوَّةُ التَّنَبُّهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَأَنْ يَبْقَى مِنْ زَمَنِ الْعَمَلِ وَقْتٌ مُتَّسِعٌ لِلِاجْتِهَادِ،

ص: 272

فَيُجِيبُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَعْضِ مَا سَأَلَهُ، وَيُنَبِّهُهُ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْعِلَّةِ، كَقَوْلِهِ لِعُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ:«أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْتَ» وَقَوْلُهُ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» ، قَالَ: وَحُكْمُهُ حِينَئِذٍ كَحُكْمِ السُّؤَالِ، لَكِنْ لَا يُسَمَّى عَامًّا لِدَلَالَةِ التَّنْبِيهِ. وَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ الْمَسْئُولُ فِيهَا عَنْ الْبَعْضِ لِلْإِخْلَالِ بِمَا يَجِبُ بَيَانُهُ.

وَمَثَّلَ الْقَاضِي فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " هَذَا الْقِسْمَ بِمَا لَوْ سُئِلَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الْكَوَافِرِ، فَقَالَ: اُقْتُلُوا الْمُرْتَدَّاتِ. قَالَ: فَيَخْتَصُّ الْقَتْلُ بِهِنَّ، وَلَا تُقْتَلُ الْحَرْبِيَّاتُ لِأَجْلِ دَلِيلِ الْخِطَابِ. وَلِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْجَوَابِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ. قَالَ: وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي حَدِيثِ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» : عَلَّقَ عَلَى اسْمِ الْأَرْضِ كَوْنَهَا

ص: 273

مَسْجِدًا، وَعَلَّقَ عَلَى تُرْبَتِهَا كَوْنَهُ طَهُورًا، فَدَلَّ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالطَّهُورِيَّةِ، خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ.

وَمِنْهُ احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَأَوْجَبَ السُّكْنَى مُطْلَقًا وَالنَّفَقَةَ بِشَرْطِ الْحَمْلِ، فَدَلَّ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ الْحَائِلَ لَا نَفَقَةَ لَهَا.

وَمَثَّلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا الْقِسْمَ بِقَوْلِ السَّائِلِ: «هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ، فَقَالَ: اعْتِقْ رَقَبَةً» ، فَأَجَابَ بِمَا يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ الْمَوْطُوءَةِ، قَالَ: فَمَنْ أَسْقَطَ السَّبَبَ، وَاعْتَبَرَ اللَّفْظَ جَعَلَهُ ظَاهِرًا فِيهَا، وَطَلَبَ دَلَالَةً فِي حُكْمِهَا. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ، فَيَتَنَاوَلُ مَا سُئِلَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ، فَهُوَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ غَيْرِ مَا سُئِلَ عَنْهُ، كَسُؤَالِهِمْ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ:«هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ، فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّائِلِ، وَلَا بِمَحَلِّ السُّؤَالِ مِنْ ضَرُورَتِهِمْ إلَى الْمَاءِ وَعَطَشِهِمْ، بَلْ يَعُمُّ حَالَ الضَّرُورَةِ وَالِاخْتِيَارِ. قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ فُورَكٍ وَصَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " وَالْمَحْصُولِ "، لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ بَرْهَانٍ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ الْآتِي فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَجَعَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قِسْمِ الْمُسَاوِي، وَفِيهِ نَظَرٌ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ:

ص: 274

وَقَدْ سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، وَعَمَّنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَفِيهِ مَذَاهِبُ:

أَحَدُهَا: وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَنَسَبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِلشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ يَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى مَا أُخْرِجَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَنَسَبَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى الْمُزَنِيّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْقَفَّالِ وَالدَّقَّاقِ، وَفِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْقَفَّالِ نَظَرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخَفَّافِ فِي " الْخِصَالِ "، فَإِنَّهُ جَعَلَ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ خُرُوجَ الْكَلَامِ عَلَى مَعْهُودٍ مُتَقَدِّمٍ.

وَنَسَبَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ إلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُورُ كَلَامُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْآيَاتِ، يَقْتَصِرُ بِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا الَّتِي تُرَتَّبُ فِيهَا، وَيَجْعَلُهَا تَفْسِيرًا لَهَا، وَدَلَالَةً عَلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْبَاجِيُّ لِأَبِي الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " لِأَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْمَنْخُولِ " وَتَبِعَهُ فِي " الْمَحْصُولِ " وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَصَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ كَمَا سَيَأْتِي. نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ مَالِكٍ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِهَذَا لَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا لَمْ يُلَاعِنْ عِنْدَهُ، وَيُجْعَلُ الْوَطْءُ تَكْذِيبًا لَهُ، لِأَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ وَرَدَتْ فِي الْعَجْلَانِيُّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: رَأَيْت بِعَيْنِي، وَسَمِعْت بِأُذُنِي وَمَا قَرُبْتهَا مُنْذُ سَمِعْت. وَقَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَرَكَ إصَابَتَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ تَرْكُ إصَابَتِهَا شَرْطًا فِي جَوَازِ لِعَانِهَا.

ص: 275

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، لِأَنَّ عُدُولَ الْمُجِيبِ عَنْ الْخَاصِّ الْمَسْئُولِ عَنْهُ إلَى الْعَامِّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْعُمُومِ. وَوُرُودَهُ عَلَى السَّبَبِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ عِنْدَ وُرُودِ السَّبَبِ: بَيَانُ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا.

وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " أَنَّ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ يُسْنِدُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ.

وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ وَالْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.

وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعُمُومَ لَهُ حُكْمٌ، إلَّا أَنْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ، وَالدَّلِيلُ قَدْ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ دَلَالَةٌ يَعْقِلُ بِهَا الْمُخَاطَبُ أَنَّ جَوَابَهُ الْعَامَّ يُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَا أُجِيبَ عَنْهُ أَوْ عَلَى جِنْسِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ عُمُومُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يَخْلُو أَكْثَرُهَا عَنْ سَبَبٍ وَأَمْرٍ يَحْدُثُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْحُكْمِ كَيْفَ مَوْرِدُهُ، فَإِنْ وَرَدَ عَامًّا لَمْ يُخَصَّ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِنْ وَرَدَ مُطْلَقًا لَمْ يُقَيَّدْ إلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ الْأَسْبَابَ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالْأَحْكَامَ بَعْدَهَا فَقَدْ يُنَظِّمُهَا مَعَ تَقَدُّمِهَا، كَمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يَخْلُو أَكْثَرُهَا مِنْ أَنْ يُقْضَى بِهِ عَلَى غَيْرِ أَوَّلِهَا أَوْ فَمِهَا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ بِالْخِطَابِ عَلَى الْعَيْنِ. هَذَا كَلَامُهُ.

وَقَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ: ذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّفْظِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

قَالَ نَصًّا: وَالْأَسْبَابُ لَا تَصْنَعُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِلْأَلْفَاظِ. وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا:

ص: 276

إنَّ الْحُكْمَ لِلسَّبَبِ، وَادَّعَوْا أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ:«إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» إنَّهُ خَرَجَ عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ الرِّبَا فِي الْجِنْسِ.

انْتَهَى.

وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْعِرَاقِيِّينَ: إسْمَاعِيلَ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدِي. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ": إنَّهُ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الرَّسُولِ دُونَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ، فَكَذَلِكَ إذَا صَدَرَ جَوَابًا.

وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْمَذْهَبَانِ؛ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمَذْهَبَانِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ عَامًّا، وَحَمَلَهُ عَلَى جَمِيعِ الْمَبِيعَاتِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِمَالٍ، وَهُوَ الْعَبْدُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ قَوْلَهُ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ، فَيَجِبُ قَصْرُهُ عَلَيْهِ. انْتَهَى.

مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَابٍ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ السُّؤَالِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ، وَفُرُوعُ مَذْهَبِهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَصَّ فِي " الْأُمِّ " فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ لِلْأَلْفَاظِ وَلَا تَعْمَلُ الْأَسْبَابُ شَيْئًا، لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَكُونُ، وَيَحْدُثُ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ، وَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأُ الْكَلَامِ الَّذِي حَكَمَ، وَخَدَشَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ أَنَّ الْغَضَبَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لَا يَدْفَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: بَلْ الْعِبْرَةُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ

ص: 277

لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَقَوْلُهُ: لَا عَمَلَ لِلْأَسْبَابِ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا يَخُصُّهُ سِيَاقُهُ.

وَقَالَ فِي " الْأُمِّ " فِي بَابِ بَيْعِ الْعَرَايَا لِلْأَغْنِيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَحَلَّهَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ، كَمَا قَالَ: تَحِلُّ لَك، وَلِمَنْ كَانَ مِثْلَك، كَمَا قَالَ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْجَذَعَةِ:«تَجْزِيكَ وَلَا تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» ، وَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهَا إلَّا لِلْمُضْطَرِّ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفَرَائِضِ نَزَلَ بِأَسْبَابِ قَوْمٍ، وَكَانَ لَهُمْ وَلِلنَّاسِ عَامَّةً إلَّا مَا بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ أَحَلَّ لِغَيْرِهِ ضَرُورَةً أَوْ حَاجَةً. انْتَهَى.

وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي " أَنَّ قَرِينَةَ الْغَضَبِ لَا تَجْعَلَ الْكِنَايَةَ صَرِيحًا " أَنَّهُ إذَا كَانَ لَفْظُهُ عَامًّا لَمْ أَعْتَبِرْ خُصُوصَ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا لَمْ أَعْتَبِرْ عُمُومَ السَّبَبِ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: لَوْ مَنَّ عَلَيْهِ بِمَالٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ لَك مَاءً مِنْ عَطَشٍ، انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاءِ وَحْدَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: بِكُلِّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مَالِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَنَا بِاللَّفْظِ، وَبِهِ أَعْتُبِرَ عُمُومُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ خَاصًّا، وَخُصُوصُهُ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ عَامًّا، وَعِنْدَهُ الِاعْتِبَارُ بِالسَّبَبِ دُونَ اللَّفْظِ.

وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُ، كَيْفَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْآيَاتِ نَزَلَ فِي أَسْبَابِ خَاصَّةٍ؟ ثُمَّ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ. وَالسَّبَبُ فِي وُقُوعِ هَذَا النَّقْلِ الْفَاسِدِ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى سَبَبِهِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ تِلْكَ الصُّورَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّفْظُ جَوَابًا عَنْهُ، وَلَا تَأَخَّرَ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَكَسَ ذَلِكَ،

ص: 278

وَقَالَ: دَلَالَتُهُ عَلَى سَبَبٍ عَلَى النُّزُولِ أَضْعَفُ، وَحُكِمَ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَلْحَقُهُ وَلَدُ أَمَتِهِ وَإِنْ وَطِئَهَا، مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْوَلَدِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» إنَّمَا وَرَدَ فِي أَمَةٍ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ فِي عَبْدِ ابْنِ زَمْعَةَ، فَبَالَغَ الشَّافِعِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ إخْرَاجَ السَّبَبِ، وَأَطْنَبَ فِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ، كَدَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ، وَكَوْنُهُ وَارِدًا لِبَيَانِ حُكْمِهِ، فَتَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

قُلْتُ: وَأَمَّا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، بِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ. قَاصِرًا لِلْمُحَرَّمَاتِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، قَالَ: لِوُرُودِ الْآيَةِ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يُحِلُّونَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَيَتَحَرَّجُونَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مُبَاحَاتِ الشَّرْعِ، فَكَانَتْ سَجِيَّتُهُمْ تُخَالِفُ وَضْعَ الشَّرْعِ وَتُضَادُّهُ، وَكَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ إبَانَةَ كَوْنِهِمْ عَلَى مُضَادَّةِ الْحَقِّ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَلَّلْتُمُوهُ، وَالْقَصْدُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فَقَطْ.

قَالَ: وَلَوْلَا سَبْقُ الشَّافِعِيِّ إلَى ذَلِكَ مَا كَانَ يَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ تِلْكَ فِي مَصِيرِهِ إلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. انْتَهَى. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ.

ص: 279

وَذَكَرَ غَيْرُهُ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يُؤْخَذُ مِنْهَا ذَلِكَ.

مِنْهَا: أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ؛ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ بِئْرُ بُضَاعَةَ، فَقَصَرَهُ عَلَى سَبَبِهِ. وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ: أَمَّا حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَإِنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَاسِعَةٌ، كَانَ يُطْرَحُ فِيهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ مَا لَا يُغَيِّرُ لَهَا لَوْنًا وَلَا طَعْمًا وَلَا رِيحًا، فَقِيلَ: أَنَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيُطْرَحُ فِيهَا كَذَا؟ فَقَالَ عليه السلام مُجِيبًا: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» ، وَكَانَ جَوَابُهُ مُحْتَمِلًا كُلَّ مَاءٍ، وَإِنْ قَلَّ. وَبَيَّنَّا أَنَّ فِي الْمَاءِ مِثْلَهَا إذَا كَانَ مُجِيبًا عَلَيْهَا، فَلِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنْ يُغْسَلَ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَوَابَهُ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ عَلَيْهَا، وَكَانَ الْعِلْمُ أَنَّهُ عَلَى مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرِ مِنْهَا، وَلَا يَدُلُّ حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحْدَهُ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهَا مِنْ الْمَاءِ لَا يُنَجَّسُ، وَكَانَتْ آنِيَةُ النَّاسِ صِغَارًا، وَكَانَ فِي حَدِيثِ الْوُلُوغِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَدْرَ مَاءِ الْإِنَاءِ يُنَجَّسُ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيَّرْ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» : إنَّهُ خَرَجَ عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ، فَقَصَرَهُ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ: إنَّ جِلْدَ الْكَلْبِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَجُعِلَ قَوْلُهُ:«أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» خَاصًّا بِالْمَأْكُولِ، فَقَدْ قَصَرَهُ عَلَى سَبَبِهِ.

ص: 280

وَمِنْهَا أَنَّهُ خَصَّصَ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ بِالْحَرْبِيَّاتِ، لِخُرُوجِهِ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَقَالَ: لِمَ قُتِلَتْ وَهِيَ لَا تُقَاتِلُ؟» وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الْحَرْبِيَّاتِ. وَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ عَنْ اسْتِدْلَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بِهِ عَلَى مَنْعِ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ. فَقَدْ أَلْغَى الشَّافِعِيُّ التَّعْمِيمَ وَقَصَرَهُ عَلَى السَّبَبِ. وَمِنْهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ، لِأَنَّ الْفِطْرَ مَضْمُونٌ بِالْقَضَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، فَهَذَا وُرُودٌ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَرَّ بِرَجُلٍ، وَقَدْ أَحْدَقَ بِهِ النَّاسُ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ مُسَافِرٌ، قَدْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ، فَقَالَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مَنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَفِطْرُهُ أَوْلَى. اهـ. قُلْت: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَنْبَغِي السَّبَقُ بِهِ إلَى نِسْبَةِ الشَّافِعِيِّ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُصَيِّرًا إلَى اعْتِبَارِ السَّبَبِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ التَّخْصِيصَ هُنَا مِنْ السَّبَبِ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فِي اللَّفْظِ، وَلَهُ مَحَامِلُ وَقَصْدُهُ بِذَلِكَ تَطَرُّقُ التَّأْوِيلِ إلَى الْآيَةِ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا مَالِكٌ، وَلَوْلَا فَتْحُ هَذَا الْبَابِ لَكَانَتْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْحَصْرِ، وَهِيَ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا نَسْخَ فِيهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشَرَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْعُذُرَاتِ، وَلَمْ تَنْطَوِ الْآيَةُ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ تَجْرِي الْآيَةُ مَعَ هَذَا عَلَى الْعُمُومِ.

ص: 281

وَالثَّانِي: أَنَّ النِّزَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَا دَلِيلَ يُصْرَفُ إلَى السَّبَبِ، وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَصَرَ الْآيَةَ عَلَى سَبَبِهَا لَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمُحَرَّمَاتٍ كَثِيرَةٍ كَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَذَكَرَ الْآيَةَ الْأُخْرَى عَلَى جَمْعِ الْخَبَائِثِ، فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا، بِأَنْ قَصَرَ آيَةَ الْإِبْهَامِ عَلَى سَبَبِهَا، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَ «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ رَأَى الْأَخْبَارَ تَعَارَضَتْ، فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، فَحَمَلَهَا عَلَى السَّبَبِ لِلتَّعَارُضِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَقْصُرْ الْحُكْمَ عَلَى السَّبَبِ، وَإِلَّا لَقَصَرَهُ عَلَى خُصُوصِ الشَّاةِ، بَلْ سَائِرُ جِلْدِ الْمَأْكُولِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ جِلْدُ الْكَلْبِ عَنْ الْعَامِّ بِدَلِيلٍ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْقَطْعِ.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَصَرَهُ عَلَى سَبَبِهِ لَمَّا عَارَضَهُ قَوْلُهُ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، فَوَجَبَ تَخْصِيصُ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبِهِ، وَحُمِلَ الْآخَرُ عَلَى عُمُومِهِ، لِأَنَّ السَّبَبَ مِنْ أَمَارَاتِ التَّخْصِيصِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَدِيثُ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَإِنَّمَا اعْتَبَرَ السَّبَبَ لِقَصْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَنَظِيرِ مَا سَبَقَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فِي إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.

ص: 282

وَأَمَّا حَدِيثُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، فَقَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي أُصُولِهِ: قَصَرَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ فِيهِ عَبْدٌ بِيعَ، فَظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ، فَجَهِلَ لِمُشْتَرِيهِ خَرَاجُهُ لِضَمَانِهِ إيَّاهُ لَوْ تَلِفَ. قَالَ: فَجَعَلَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ حُكْمًا فِي الْبُيُوعِ دُونَ الْغُصُوبِ وَإِنْ كَانَتْ الْغُصُوبُ مَضْمُونَةً، وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُمْ. اهـ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ: الْغَاصِبُ يَضْمَنُ مَنْفَعَةَ الْمَغْصُوبِ اسْتَوْفَاهَا أَمْ لَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي خَرَاجِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَعْمَلَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ، فَأَرَادَ الرَّدَّ. اهـ. هَذَا مِنْ الْقَفَّالِ وَالْقَاضِي اعْتِبَارًا لِلسَّبَبِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، إذْ لَا عُمُومَ لِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا فِيمَنْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ. قُلْت: لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَهَذِهِ صِيغَةٌ عَامَّةٌ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ غَلَّةُ مَا اغْتَصَبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ، وَلَمْ يَرْكَبْ الدَّابَّةَ حَدِيثُ مُجَالِدِ بْنِ خَلَّافٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي عَبْدٍ، وَلَيْسَ بِعَيْبِهِ، فَقَضَى النَّبِيُّ عليه السلام بِالْغَلَّةِ لِمَالِك الرَّقَبَةِ، فَذَلِكَ يَقْضِي بِالْغَلَّةِ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَالِكُ الشَّيْءِ. اهـ. وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ: قِيلَ: إنَّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِ السَّبَبِ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:«الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» مَقْصُودٌ عَلَى سَبَبِهِ. وَقَالَ

ص: 283

فِي قَوْلِهِ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ» أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ثِمَارِهِمْ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مَوَاضِعَ مُحَوَّطَةٍ. وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قَالُوا: إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا لِأَدِلَّةٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُهُ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ. اهـ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي أُصُولِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا: كُلُّ خِطَابٍ حَصَلَ عِنْدَ حُدُوثِ مَعْنًى، فَإِنْ كَانَ فِي الْخِطَابِ أَوْ غَيْرِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحُكْمَ فِي الْمَعْنَى فَالنَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى ابْتِدَاءً سَوَاءٌ كَانَ أَعَمَّ مِنْ الِاسْمِ أَوْ أَخَصَّ، لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ فَالْحُكْمُ لِلِاسْمِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي الْقَصْرَ عَلَى السَّبَبِ، فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا فَعَلَ فِي الْآيَةِ، وَفِي حَدِيثِ «الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ» ، وَبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَغَيْرِهَا. وَحَكَاهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَصْرِ عَلَى السَّبَبِ لِدَلِيلِ الْعَمَلِ بِهِ مُطْلَقًا، فَمِنْ هَاهُنَا مَثَارُ الْغَلَطِ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَدْ عَمِلُوا بِحَدِيثِ:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» مُطْلَقًا فِي الْإِمَاءِ وَالْحَرَائِرِ وَالْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي التَّدَاعِي فِي وَلَدِ الْمَمْلُوكَةِ، وَعَمِلُوا بِحَدِيثِ الْعَرَايَا مُطْلَقًا، لِلْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، مَعَ أَنَّ الرُّخْصَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْفُقَرَاءِ. وَكَذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الرَّمَلِ ثَبَتَتْ مُطْلَقًا، وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَقَدْ زَالَ.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَحْصُرُهُ عَدُوٌّ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ وَرَدَتْ عَلَى سَبَبٍ

ص: 284

خَاصٍّ، وَهُوَ صَدُّ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبَيْتِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ مَقْصُودًا بِهِ حَقِيقَةُ السَّبَبِ، وَمُؤَثِّرًا فِي دَفْعِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَرِدَ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيَّ لَمَّا جَزَمَ الْقَوْلَ بِالْحُكْمِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، قَالَ: يَعُمُّ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يَرِدْ عَلَى سَبَبٍ أَقْوَى وَهَذَا دُونَهُ، قَالَ: وَلَا جُرْمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ لَا نَرَى دَلَالَتَهُ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا رَآهُ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَبَبٍ، وَهُوَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي تَنَاوُلِ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَا مُحَرَّمَ مِمَّا يَأْكُلُونَ إلَّا كَذَا وَكَذَا يَعُمُّ، قَدْ بَانَ الشَّرْعُ بِصِيغَةٍ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ. ثُمَّ يُجْعَلُ مَحَلُّ السُّؤَالِ كَالْفَرْعِ لَهُ، أَوْ كَالْمِثَالِ، فَذَلِكَ لَا يُوهِنُ التَّعَلُّقَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ» الْحَدِيثَ. وَمَحَلُّ السُّؤَالِ الْهِجْرَةُ، وَلَكِنْ اللَّفْظُ لَا يَتَأَثَّرُ وَلَا يَنْحَطُّ عَنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَفِيهِ بَحْثٌ. اهـ. وَيَجْتَمِعُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْمَنْسُوبِ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ لَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ.

وَالثَّانِيَةُ: تَنْزِيلُهُمَا عَلَى حَالَيْنِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا.

أَخِيرًا.

وَالثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَهِيَ طَرِيقَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

وَالرَّابِعَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَهِيَ الْمَشْهُورُ

الْخَامِسَةُ: الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِهِ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْقَصْرِ عَلَى السَّبَبِ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُنَقِّحَةٌ لِلرَّابِعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَوَابُ أَعَمُّ مِنْ السُّؤَالِ] :

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْوَقْفُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ ".

ص: 285